حينما تراه للمرة الأولى ، تتفاجئ بأخلاقه العالية وبأسلوبه المحترم فتتصوره ملاك يمشي على الأرض، وتعتقد انه انسان متواضع بالصدق والأخلاص ولاينقصه شيء. دائما بل غالبا يكون انطباعنا الأول هكذا عن الأشخاص. والأغلبية منهم يدعي الكمال والأخلاق العالية، فتعتقد انها جزء من شخصيتهم، ويكون شأنك كحال أفلاطون ومدينته الفاضلة. تظن بمن حولك خيرا، وهم أقرب الى الشر.
تمر فترة من الزمن، وشخصيته كما هي لم تتغير ولم يسقط قناعه المزيف الى الآن ولكن حينما تقع بمشكلة وبضيق وشدة معه ترى أمام عينك كيف يسقط هذا القناع وينكشف المستور، وتتمنى ساعتها لو كان القناع مازال موجوداً، وأن صورتة الجميلة التي رسمتها بمخيلتك تتمنى ان تبقى كما رسمتها، جميلة ولكنها بالواقع ماهي الا اشلاء صورة ممزقة لأنك أخطت برسمك لهذه الشخصية المزيفة فخدعك مظهره المزيف. والأدهى من ذلك ان الأنسان المزيف يعتقد ان الآخرين ومن حوله لا يمكن ان يكتشفوا شخصيته، ومازال يمارس أخلاقه المزيفة ونسى أن قناعه قد سقط وأن جوهره الثمين قد تحول الى رماد بل أحقر من ذلك، والكثير من أصحاب الأقنعه المزيفة ، ماهم إلا مرضى مزدوجي الشخصية حيث ان شخصيتهم لا ثبات لها. فتارة تراه انسان كامل وتارة تراه انسان رخيص.
وبوقتنا الحاضر تجد الكثيـر من أصحاب الأقنعة المزيفة فلا يغرك المظهر والجوهر الخادع وأحذر منهم. أبتعد عنهم حتى لا تكن ضحية لأنسان مزدوج الشخصية، ولا تجعل لأنسان مقنع يستغل قيمتك ومكانتك. ومازالت أقنعه تتساقط كل يوم. ياترى كم قناع سوف تكتشف قبل فوات الأوان؟ بعض اصحاب الأقنعة المزيفة كالحشرة القبيحة المقرفة المؤذية ملاذها الأخير في المستنقعات يعيشون على الخيانة والكذب والزيف الرخيص. يا له من عصر غريب وعجيب يجعل بعضنا يخجل من صورته الحقيقية امام الناس فيلبس قناع مزيف خوفا من ان تتعرى حقيقته الأصلية. فعندما تسقط الأقنعة تكشف لنا أحيانا عن أبشع الوجوه وأحقر النفوس بل قد تزعزع ثقتنا بأنفسنا وبالغير من ألم الصدمة. هل نحن نعيش وسط واحة من الزيف والخداع والأقنعة الملونة. كيف نرى ونقيم ما خلف القناع ؟
نعيــب زمــانـنـا والعيـب فينـا ... وما لزماننا عـيــب سوانـا
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنــبٍ ... ولو نطق الزمان لنا هجانـا
وليـس الذئب يأكل لحــم ذئبٍ ... ويأكل بعضنا بعضا عيانـــا
الوجه الآخر للخداع حيث أنها تبلور مفهوم القناع المزيف لأصحاب الأقنعة المزيفة وأحلامهم الوهمية. فالاقنعة المزيفة التي تعايشت بيننا في الحياة بألوان مختلفة تجعل من الاخرين من ينظر اليها بنظرة شفقة .. ولكن هم في الحقيقة سم يأكل كل من يقابله ويؤثر فيه، فيغير من وجهات نظر من يقابل فيسبب الشحناء ويبدأ بالغيبة والنميمة لأجل وقوع ما لا يحمد عقباه. إن أصحاب الاقنعة المزيفة يجيدون فن التمثيل ويعتقدون أنهم أذكى الناس، وفي الغالب تكون آفاقهم ضيقة ونظرتهم عقيمة للحياة وهم يفتقرون إلى الإنسانية ، وقد يستغربون تضحيات من حولهم في مساعدتهم للناس، وربما يصفونهم بالغباء والسذاجة لأن الطيبة في عرفهم هي منتهى الغباء. كما أن معظم أصحاب الأقنعة المزيفة والهويات الخادعة تكون عقدة الشعور بالنقص مسيطرة عليهم ، فهم يحسدون حتى أقرب الناس ويتمنون أن تزول النعمة عن المحيطين بهم لكي تصبح في أيديهم ، وهم شديدوا التعلق بالدنيا ويفرحون كثيراً عندما ينجحون في خداع أقرب أصدقائهم لأنهم بارعون في التمثيل والمكر. وغالباً ما نجد صداقتهم لا تدوم لفترة طويلة لأن أقنعتهم تسقط عند انقضاضهم على مصالحهم الأنانية ولايعيرون أي أهتمام لتصرفاتهم الخاطئة ولايندمون أو يغضبون إلا إذا نجت منهم ضحية قبل أن ينقضوا عليها.
وعلينا توخي الحذر في التعامل مع هذه الوجوه التي لا طابع لها ولا ضمير. فأصحاب الاقنعة المزيفة لابد وان يأتي يوم وتنكشف اقنعة الخداع والمراوغة. فلماذا التخفي وما هي الدوافع والأسباب التي جعلتهم يلبسون هذه الأقنعةالمزيفة؟. فمنهم من يريد الحصول على شيء معين لا يستطيع الوصول اليه بالطرق السلمية فيتبع اسلوب التآمر والخلاف للوصول الى هدفه الدفين ودس حقده بين الناس. وهذا ما نجده احيانا في عالم الإنترنت حيث ينسج المخادع قناع الزيف للأطاحة بالفريسة السهلة التي تتعارض مع مباديء وأخلاق وقيم ديننا الحنيف. عدم التواصل مع الله، وتراكم الخطايا والفشل في تحقيق الذات والإخفاق في تحقيق الحياة الصالحة الكريمة، عدم الإحساس بالأمن والأمان والسلام الداخلي مع النفس فهو انسان مهزوم بالشك والحسد والغيرة والحقد. فالله عز وجل يفتح باب السلام الحقيقي والتوبة لكل من يأتي إليه بقلب صادق معترف بما اقترفه من الذنوب والمعاصي والخداعات، فيمنحه الغفران والأمان والصواب.
إن المخادع خدعته نظرته الضيقة للأمور وانه غبي ويتغابى ونسي ان الله عليه رقيب الذي نهانا عن الفتنة التي هي اشد من القتل. من اخطر مساويء المخادع هي الإبداع في نشر الفتن بين الناس، وهذا سينعكس عليه في النهايه لأن الله يمهل ولا يهمل. فليفرحون كثيرا بخداعهم كثيرا ولكن سيبكون اكثر. هل الطيبون الذين يملكون قلوب صافية هم اكثر عرضة للخداع؟ أم الأقنعة المزيفة لا هوية لها؟ فهل يتم البلاء والمكر بين المخادعين انفسهم؟. هل لبس الأقنعة المزيفة هو مرض نفسي وعدم ثقة بالنفس ام نقص في أمور الدين والحياة؟.
الأقنعة المزيفة والخداع أصبحت ظاهرة ملموسة في عالم التكنولوجيا الحديثة الذي انصرف فيه بعض البشر إلى التخفي وراء الأقنعة الزائفة فأغلقوا آذانهم عن صوت الضمير في داخلهم. فابتعدوا عن طريق الصواب، واعتادوا الهروب والتخفي وراء تلك الأقنعة الزائفة. إن الإنترنت عالم غريب بما يحويه من طمس للهويات وهو مرتع خصب لأصحاب الأقنعة المزيفة للتمثيل والإستغلال. إن كانت روحك جميلة وصادقة وقلبك صافي النية فأنت محبوب، لكن ان كانت تلك الروح ماهي إلا غلاف يبطن الحقيقة خلف الظلام لشخصية ذئب مفترس، فهذه صدمة الألم ومفاجأة الحقيقة.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة --- وإن خالها تخفى على الناس تعلم
لم يبق في الناس إلا المكر والملقُ --- شوك إذا لمسوا زهر إذا رمقوا
كن جحيما لعل الشوك يحترق. فإن اجبرت يوما على معاشرة أصحاب الأقنعة المزيفة فوجب عليك ان تكون قويا حذرا. كل شيء مزيف لاحقيقة له ولن يصمد طويلا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ). فهل هناك أناس يتسترون بأسم الدين ايضا ويلبسون أقنعة زائفة ملونة