سيرحلون و قد عودوني على الرحيل، إلا أن نفسي تأبى السكون بدونهم.
للعمر برفقتهم حلاوة تذوقها حتى لو ادمهلت المشاكل والمصاعب، وألقت الهموم
بشباكها علينا، بوجودهم يبقى الأمان والسلام والاستقرار.
حين
سيغادرون، ستعود الوحشة والظلام، ستفقد الأشياء ألوانها، و الأطعمة مذاقها،
والألبسة بهاءها.
كيف لا والجدران تبكيهم، والأبواب تتأمل أثار
خطوهم وعدوهم، وانك لتسمع نحيب أثاث الدار فكيف بمن بقي من أهل الدار.
هو ليس بالرحيل إنما سفر وعودة، لكنه مؤلم كألم الرحيل، تسعة أشهر من
الغياب في متوسط الأمر، تسعة أشهر ننتظر ميلاد اللقاء، مدة ليست بالبسيطة
إنها توازي سنة دراسية كاملة متواصلة.
وفي القلب حنين، هذه حقيقة
الأمر.
(جاء أبي)... حين تقولها ترد لك الروح، وتشعر بالعزة
والفخر، بالمنعة والامن، تذكر حينها حرقة قلب اليتيم الذي يتمنى أن ينطق
"بأبي" أو حتى أن يحدث عنه بصيغة الغائب الموجود.
سيغادر المرح
ستغادر البسمة، ستغادر تلك السكينة الوديعة التي تحيط بـأمي، ستغادر معها،
وستذهب ضحكات الطفولة وأحاديث الصبا، وشقاوات الشباب.
لعلهم
سينهمكون في أعمالهم ودراستهم مجدداً، وكذلك أنا، وستعود العواطف للدخول في
طور البرود أو السبات الشتوي مع إطلالات الشتاء القارص، ليس جفاءا أو
عداءا بل هي إليه يتخذها القلب ليصبر نفسه و ليسلي بها وجعه ولتنسى الروح
أرواحا ألفتهم و أحبتهم، وتنتظر الصيف من جديد حين تذوب الثلوج عن القلوب
وتتلاقى العيون من جديد و تعود جداول السكينة والمودة تجري بحلاوة اللقاء.