لا يرهبني صعود الجسور المعلقة، ولا النظر من مرتفع،ولا استعمال المصاعد الكهربائية كما يعاني البعض..فجميع ما ذكر «فوبيا» تقليدية واعتيادية و«دقّة قديمة»،على العكس من ذلك كله، فقد نزلت في بئر «انجاصة» متدلياً في حبل ليف وأنا عمري 13 سنة من باب الفضول وخرجت منه بذات الطريقة ولم اخف ..
***
كما أستطيع ان أضع رجلاً على رجل في مكتب وزير دون ان أتعرّق أو اخربط في الكلام، واستخدم اليدين والأصابع في التشبير دونما خوف أو رهبة، ولا يؤرقني أبداً الجلوس في مكتب مسؤول أمني وانا منفرج الساقين أو مسنود الظهر، فلدي مناعة ضدّ هذا الخوف أخذتها من مطعوم الصحافة اسمها: «قواة الوجه»..
لكن بصراحة لدي فوبيا لم استطع التخلص منها طيلة سنين عمري وهي: « جابي الكهرباء».. منذ الطفولة أرعبونا بالجابي و«بمُبلّغ البلدية» ذلك الختيار السمين غليظ الصوت الذي يسلّم ورقة مخالفة البناء فقط..الى الآن أخاف من الاثنين.صحيح ان «المُبلّغ الشخص» و»المبلّغ المهنة» توفاهما الله..لكن جابي الكهرباء لا زال حيّاً يرزق...
***
قبل ايام صدفني أخي وانا أجلس على درجات البيت وقربي كوب ماء ولوني مخطوف ..قال : أجا الجابي ؟..فهززت رأسي بالإيجاب..فأخذني من يدي وأدخلني وهو يتمتم: «الله يلعن شيطانه»..
***
أموري قانونية، و«كيبلي» من عمود الحكومة الى ساعتي «دوز دغري»، وأدفع في اليوم التالي من وصول الفاتورة..ومع ذلك ما زلت أخافه..غيروا شكله..تقاعد الرجل الأشيب القصير ذو الحقيبة الجلدية المكتنزة بالفواتير ..واستلم مكانه شاب قصير وزنه 52كغم صافي بيده جهاز مثل «مسدس الماء» يرشه على الساعة ويخرج فاتورة مطبوعة اليكترونيا... ومع ذلك لا زلت أخافه...حاولت أن أعالج نفسي أكثر من مرة، لكني فشلت..
في بداية حياتي، تفاجأت زوجتي..عندما آتيها في أول الشهر،بعد ان افتح الباب وأنا «اهتْور بالحكي» ..«ويج دنتاسي... هاخي سمدين..الجاري دبّه»...تسألني نعم مش فاهمة شو بتحكي ؟..أقول لها بعد ان اصحح تأتأتي : بقلّك «وين جزداني..هاتي خمسين.. الجابي برّة؟؟...كل شهر ..أعاني نفس المشكلة.عندما يرن الرجل في اليوم الرابع من بدايته..افتح الباب..واعود مخطوف اللون وألانفاس...وأقطّع بالكلام...(( ازا الجلمة..ويص المناري))...تقول نعم؟؟ شو مالك ؟؟ ثم أقول لها بنفس مقطوع ..بقلّك : (.اجا الزلمة..وين المصاري)..
وبعد ان أدفع ويذهب الرجل ..يعاتبني أفراد عائلتي : تكتب مقالات جريئة، وتجاكر شخصيات ذات نفوذ، و«تلغّز» على قضايا خطرة ولا تخاف ..وتخاف من الجابي؟؟!!... حاولت أن اشرح لهم أن خوفي من الجابي لا علاقة له بقوة الشخصية أو بقانونية الاستهلاك أو حتى بهيبة الرجل او بموقعي ككاتب ..هي فوبيا مزمنة زرعت بنا ونحن أطفال اسمها هالة «الموظف الرسمي»...
لا تصدقونني؟!! على كل: باقي 8 ايام عن موعده...تعالوا وشوفوا.