[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بقلم: نور حمد
يبدو أن شعبنا الفلسطيني كان ينقصُه جراحاً فوق جِراحه، ووجعاً إضافياً فوق أوجاعه، لذا لم يكتفِ المزايدون بمشاهدة ما حلّ بنا من مصائب وويلات وحروب وعدوان مستمر، من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وانقسام سياسي داخلي قصم ظهورنا وجعل نصف الشعب معزولا عن نصفه الآخر وبالعكس، وأصبح شعبنا وقضيته كما اليتيم يجتهد المزايدون للتسابق على تبنّيه تارةً للتسوّل باسمه وتارةً للمتاجرة بيُتمِه وتشرّده لتزداد حقائبهم امتلاءً وكروشهم انتفاخاً وكي تتشدق أوداجهم بمواقف سياسية تزعم مساندتنا ودعمنا، وهذه المواقف في جوهرها مكاسب لهم ولدولهم، هذه المرارة يعيشها شعبنا منذ سنين عدة ويتحمّل هذا العلقم ويحاول أن يقاوم لعلّ بصيصاً من أمل يأتي من هنا أو هناك كي يفيقَ ذات صباح وقد أزيحت هذه الغمّة.
وفي هذا السياق فاجأتنا قناة إم بي سي الرابعة بمسلسل تركي مدبلج سوّقت له قبل عرضه جيداً لدرجة أن كل من سمع باسم المسلسل “ صرخة حجر” كان بشوق لمشاهدته، وكانت صدمة المشاهدين الفلسطينيين كبيرة منذ الحلقة الأولى لأن هذا المسلسل الذين يدّعي أنه يروي حكاية نضالهم أساء لهم ولتاريخهم النضالي ولقيمهم الاجتماعية، وهو أقلّ ما يُقال فيه أنه عملٌ رديءٌ بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، رديء شكلاً وموضوعاً، يجعل المرء يتمنى وهو يشاهده أن يقفز داخل التلفاز ليمنع استمرار عرض المشاهد التي صوّرت المناضلين والمقاومين كأغبياء ودمى تُحرّكهم قيادة سياسية تركية عليا تملك بيدها خيوط اللعبة كاملة.
يعلم الفلسطينيون جيدا أن هناك تدخّلات عربية وإقليمية تعبث بمقدراتهم وتتقاذف قضيتهم مثل كرة قدم أحيانا تحطّ في شبكة أولئك وأحيانا في شبكة هؤلاء، ولكن لم تتدحرج كرة القضية الفلسطينية أبدا إلى شبكة المرمى التركي، لأننا نعلم والتاريخ لا زال حاضراً أن تركيا لم تكن يوما حاضنة جيدة للقضية الفلسطينية بقدر ما كانت الأقرب دائما في علاقتها السياسية مع إسرائيل.
أمّا إذا تمّ إنتاج هذا المسلسل لتسويق موقف سياسي جديد لتركيا في محاولة يائسة منهم للتكفير عن إهمالهم الطويل في دعم القضية الفلسطينية فإننا نقول لهم لقد أخفقتم، وبهذا العمل الرديء لم يعد ممكنا تفسير موقفكم بأنه إهمال بل هو إساءة قصديه وعمديه لنضالات شعبنا الفلسطيني، حيث لا نقبل المتاجرة بدماء أطفالنا الشهداء لأن الدعم التركي لم يرتقِ للأسف لثمن أكفانهم، وليس كما ادّعى المسلسل وبشكل وقح أن دعم تركيا وصل إلى حد قيادة عمليات المقاومة وأنها صدّت العدوان الأخير على غزة من استانبول.
مغالطة في المكان والزمان:
إن أكبر دليل على كذِب هذا الإدعاء المغالطات الخطيرة التي وقع فيها المسلسل والتي قدّمت للمشاهدين الذين لا يعرفون الخارطة الجغرافية للأرض الفلسطينية والخارطة السياسية معلومات كاذبة، فمثلا لا يوجد لقطاع غزة المحاصر وخصوصا أثناء الحرب أيّ منافذ مفتوحة مع أية حدود عربية أو مع الأراضي المحتلة عام 1948، حتى الأجانب والمؤسسات الدولية لم يكن يسهل دخولهم من وإلى القطاع، فكيف كان يتنقل السياسيون الأتراك والفلسطينيون (الفتيات وبعض أفراد المقاومة) بسهولة وصلت إلى حد العبور بسيارة إلى تركيا؟!، أما في قطاع غزة الذي يلفّه سياج الأسلاك الشائكة التي لا يعبر منها فأر نستغرب كيف كانت تتنقل الفتيات (كوثر وياسمين) لتصل إلى حد الوصول لبيت الجندي الإسرائيلي بسهولة وثم تعودان أدراجهما إلى معسكر المقاومة وكذلك الحال مع (مريم)، ومتى وكيف كان الجنود الإسرائيليون أثناء العدوان الأخير (زمن قريب) يتجولون في شوارع قطاع غزة راجلين وبسيارات عسكرية في بداية المسلسل (مشهد قصف مزارع وأنفاق رفح)، لتصبح نفس المنطقة وذات الأشخاص الذين يجري الحديث عنهم كأنهم يعيشون في منطقة أخرى لا نعرف في أي بقعة من هذا الوطن الفلسطينيي، وكيف وصلوا جميعا إلى المحكمة العسكرية في إسرائيل.
الكثير من النقد للتفاصيل التي طرحها المسلسل في كل حلقة من حلقاته على المستوى الفني والمضمون السياسي والاجتماعي تستحق التوقف أمامها والتي لا يمكن قبولها على أنها تنتمي إلى رمزية العمل الفنّي، ولا يكفي أن يوصف هذا العمل بالرداءة بل إننّا نُشكّك في نوايا من قاموا بإنتاجه.
ونستغرب كيف سمح الممثلون العرب، الذين سبق وأنتجوا أعمالا وطنية راقية، كيف سمحوا لأنفسهم بالقبول بدبلجة هذا المسلسل مقابل حفنة من الليرات التركية، لذا عليهم أن يتبرأوا من هذه الإساءة التي وجهوها للشعب الفلسطيني.
بالنهاية اقول لكم: فلسطين..أم لا تنجب سوى الأبطال..وسيدة أن وضعت من رحمها طفلا..قالت هيا يا ولدي للنزال..فأنت لم تخلق لتحيى..أنما خلقت لتشقى..وتموت شهيدا تفجر أعداء الاحتلال.