****************************بسم الله الرحمن الرحيم***********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]السلطان محمد الثاني الفاتح (بالتركية العثمانية: فاتح سلطان محمد خان ثاني؛ بالتركية: Fatih Sultan Mehmed II أو II. Mehmed) والذي عُرف في أوروبا خلال عصر النهضة باسم "Mahomet II"، أي ذات اللفظ الذي كان الأوربيون يلفظون به اسم نبي الإسلام،[3][4] هو سابع سلاطين الدولة العثمانية وسلالة آل عثمان، يُلقب، إلى جانب "الفاتح"، بأبي الفتوح وأبو الخيرات، وبعد فتح القسطنطينية أضيف لقب "قيصر" إلى ألقابه وألقاب باقي السلاطين الذين تلوه.[5] حكم ما يقرب من ثلاثين عامًا عرفت توسعًا كبيرًا للخلافة الإسلامية.
يُعرف هذا السلطان بأنه هو من قضى نهائيًا على الإمبراطورية البيزنطية بعد أن استمرّت أحد عشر قرنًا ونيفًا، ويعتبر الكثير من المؤرخين هذا الحدث خاتمة العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة،[6][7] وعند الأتراك فهذا الحدث هو "فاتحة عصر الملوك" (بالتركية: çağ açan hükümdar).
تابع السلطان محمد فتوحاته في آسيا، فوحّد ممالك الأناضول، وتوغّل في أوروبا حتى بلغراد. من أبرز أعماله الإدارية دمجه للإدارات البيزنطية القديمة في جسم الدولة العثمانية المتوسعة آنذاك. يُلاحظ أن محمد الثاني لم يكن أول حاكم تركي للقسطنطينية، فقد كان أحد الأباطرة الروم السابقين، والمدعو "ليون الرابع" (باليونانية: Λέων Δ΄) من أصول خزرية، وهؤلاء قوم من الترك شبه رحّل كانوا يقطنون سهول شمال القوقاز. كان محمد الثاني عالي الثقافة ومحبًا للعلم والعلماء، وقد تكلّم عدداً من اللغات إلى جانب اللغة التركية، وهي: الفرنسية، اللاتينية، اليونانية، الصربية، الفارسية، العربية، والعبرية.[8][9]
**********بداية حياته**************
==== إخبار نبي الإسلام عنه=====
يؤمن المسلمون بأن النبي محمد بن عبد الله تحدث عن أمير من أفضل أمراء العالم، وأنه هو من سيفتح القسطنطينية ويُدخلها ضمن الدولة الإسلامية، فقد ورد في مسند أحمد بن حنبل في الحديث رقم 18189:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَعَافِرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ.[10]
****مولده ونشأته*******
رسم بيد السلطان محمد الثاني مأخوذ من كتاب رسوماته عندما كان صبيّا، وتظهر في الأعلى طغرائه المكونة من حروف متشابكة.وُلد محمد الثاني، للسلطان "مراد الثاني" و"هما خاتون"،[1][11] فجر يوم الأحد بتاريخ 20 أبريل، 1429 م، الموافق في 26 رجب سنة 833 هـ في مدينة أدرنة، عاصمة الدولة العثمانية آنذاك.[12] عندما بلغ محمد الثاني ربيعه الحادي عشر أرسله والده السلطان إلى أماسيا ليكون حاكمًا عليها وليكتسب شيئًا من الخبرة اللازمة لحكم الدولة، كما كانت عليه عادة الحكّام العثمانيين قبل ذلك العهد. فمارس محمد الأعمال السلطانية في حياة أبيه، ومنذ تلك الفترة وهو يعايش صراع الدولة البيزنطية في الظروف المختلفة، كما كان على اطلاع تام بالمحاولات العثمانية السابقة لفتح القسطنطينية، بل ويعلم بما سبقها من محاولات متكررة في العصور الإسلامية المختلفة.[13] وخلال الفترة التي قضاها حاكماً على أماسيا، كان السلطان مراد الثاني قد أرسل إليه عددًا من المعلمين لكنه لم يمتثل لأمرهم، ولم يقرأ شيئاً، حتى أنه لم يختم القرآن الكريم، الأمر الذي كان يُعد ذا أهمية كبرى، فطلب السلطان المذكور، رجلاً له مهابةٌ وحدّة، فذكر له المولى "أحمد بن إسماعيل الكوراني"، فجعله معلمًا لولده وأعطاه قضيبًا يضربه به إذا خالف أمره، فذهب إليه، ودخل عليه والقضيب بيده، فقال: "أرسلني والدك للتعليم والضرب إذا خالفت أمري"، فضحك السلطان محمد الثاني من ذلك الكلام، فضربه المولى الكوراني في ذلك المجلس ضربًا شديدًا، حتى خاف منه السلطان محمد، وختم القرآن في مدة يسيرة.[14]
هذه التربية الإسلامية كان لها الأثر الأكبر في تكوين شخصية محمد الفاتح، فجعلته مسلمًا مؤمنًا ملتزمًا بحدود الشريعة، مقيدًا بالأوامر والنواهي، معظمًا لها ومدافعًا عن إجراءات تطبيقها، فتأثر بالعلماء الربانيين، وبشكل خاص معلمه المولى "الكوراني" وانتهج منهجهم.[15] وبرز دور الشيخ "آق شمس الدين" في تكوين شخصية محمد الفاتح وبث فيه منذ صغره أمرين هما: مضاعفة حركة الجهاد العثمانية، والإيحاء دومًا لمحمد منذ صغره بأنه الأمير المقصود بالحديث النبوي، لذلك كان الفاتح يطمع أن ينطبق عليه حديث نبي الإسلام.[13]
***********اعتلاؤه العرش للمرة الأولى وتنازله عنه***********
مقالات تفصيلية :مراد الثاني، معركة فارنا و الإمبراطورية النمساوية المجرية
السلطان مراد الثاني، والد السلطان محمد الفاتح.
معركة فارنا، بريشة "يان ماتيكو".في 13 يوليو سنة 1444 م، الموافق 26 ربيع الأول سنة 848 هـ، أبرم السلطان مراد الثاني معاهدة سلام مع إمارة قرمان بالأناضول، وعقب ذلك توفي أكبر أولاد السلطان واسمه علاء الدين، فحزن عليه والده حزنًا شديدًا وسئم الحياة،[16][17] فتنازل عن الملك لابنه محمد البالغ من العمر أربع عشرة سنة، وسافر إلى ولاية أيدين للإقامة بعيدًا عن هموم الدنيا وغمومها.[18] لكنه لم يمكث في خلوته بضعة أشهر حتى أتاه خبر غدر المجر وإغارتهم على بلاد البلغار غير مراعين شروط الهدنة اعتمادًا على تغرير الكاردينال "سيزاريني"، مندوب البابا، وإفهامه لملك المجر أن عدم رعاية الذمة والعهود مع المسلمين لا تُعد حنثًا ولا نقضًا.[18]
وكان السلطان محمد الثاني قد كتب إلى والده يطلب منه العودة ليتربع على عرش السلطنة تحسبًا لوقوع معركة مع المجر، إلا أن مراد رفض هذا الطلب. فرد محمد الثاني الفاتح : "إن كنت أنت السلطان فتعال وقف على قيادة جيشك ورياسة دولتك وإن كنت أنا السلطان فإني آمرك بقيادة الجيش". وبناءً على هذه الرسالة، عاد السلطان مراد الثاني وقاد الجيش العثماني في معركة فارنا، التي كان فيها النصر الحاسم للمسلمين بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1444 م، الموافق في 28 رجب سنة 848 هـ.[19]
يُقال بأن عودة السلطان مراد الثاني إلى الحكم كان سببها أيضًا الضغط الذي مارسه عليه الصدر الأعظم "خليل باشا"، الذي لم يكن مولعًا بحكم محمد الثاني، بما أن الأخيركان متأثرًا بمعلمه المولى "الكوراني" ويتخذ منه قدوة، وكان الكوراني على خلاف مع الباشا.
**********اعتلاؤه العرش للمرة الثانية وفتح القسطنطينية*************
الدولة العثمانية والدول والإمارات المحيطة بها عام 1450، أي قبل تربّع محمد الثاني على العرش بسنة واحدة.عاد السلطان مراد الثاني إلى أدرنة، عاصمة ممالكه ليُجهز جيوشًا جديدة كافية لقمع الثائر على الدولة، "اسكندر بك"، لكنه توفي في يوم 7 فبراير سنة 1451، الموافق في 5 محرم سنة 855هـ. وما أن وصلت أنباء وفاة السلطان إلى ابنه محمد الثاني، حتى ركب فوراً وعاد إلى أدرنة حيث توّج سلطانا للمرة الثانية في 19 فبراير من نفس العام،[29] وأقام جنازة لوالده الراحل وأمر بنقل الجثمان إلى مدينة بورصة لدفنه بها،[30] ثمّ أمر بقتل أخ له رضيع اسمه أحمد، وبإرجاع الأميرة "مارا" الصربية إلى والدها، أمير الصرب المدعو "جورج برنكوفيتش"، الذي زوّجها للسلطان مراد الثاني عندما أبرم معه معاهدة سلام قرابة عام 1428.[31][32]
عندما تولى محمد الثاني الملك بعد أبيه لم يكن بآسيا الصغرى خارجًا عن سلطانه إلا جزء من بلاد القرمان ومدينة "سينوب" ومملكة طرابزون الروميّة. وصارت مملكة الروم الشرقية قاصرة على مدينة القسطنطينية وضواحيها. وكان إقليم "موره" مجزءاً بين البنادقة وعدّة إمارات صغيرة يحكمها بعض أعيان الروم أو الإفرنج الذين تخلفوا عن إخوانهم بعد انتهاء الحروب الصليبية، وبلاد الأرنؤد وإيبيروس في حمى إسكندر بك سالف الذكر، وبلاد البشناق المستقلة، والصرب التابعة للدولة العثمانية تبعية سيادية، وما بقي من شبه جزيرة البلقان كان داخلاً تحت سلطة الدولة كذلك.[31]
********** الإعداد للفتح***************
قلعة روملي حصار كما تبدو اليوم، كما يراها الناظر من مضيق البوسفور.أخذ السلطان محمد الثاني، بعد وفاة والده، يستعد لتتميم فتح ما بقي من بلاد البلقان ومدينة القسطنطينية حتى تكون جميع أملاكه متصلة لا يتخللها عدو مهاجم أو صديق منافق، فبذل بداية الأمر جهودًا عظيمة في تقوية الجيش العثماني بالقوى البشرية حتى وصل تعداده إلى قرابة ربع مليون جندي، وهذا عدد كبير مقارنة بجيوش الدول في تلك الفترة، كما عني عناية خاصة بتدريب تلك الجموع على فنون القتال المختلفة وبمختلف أنواع الأسلحة التي تؤهلهم للغزو الكبير المنتظر، كما أعتنى الفاتح بإعدادهم إعدادًا معنويًا قويًا وغرس روح الجهاد فيهم، وتذكيرهم بثناء النبي محمد على الجيش الذي يفتح القسطنطينية وعسى أن يكونوا هم الجيش المقصود بذلك، مما أعطاهم قوة معنوية وشجاعة منقطعة النظير، كما كان لانتشار العلماء بين الجنود أثر كبير في تقوية عزائمهم.[31]
أراد السلطان، قبل أن يتعرض لفتح القسطنطينية أن يُحصّن مضيق البوسفور حتى لا يأتي لها مدد من مملكة طرابزون، وذلك بأن يُقيم قلعة على شاطئ المضيق في أضيق نقطة من الجانب الأوروبي منه مقابل القلعة التي أسست في عهد السلطان بايزيد في البر الآسيوي.[33] ولمّا بلغ إمبراطور الروم هذا الخبر أرسل إلى السلطان سفيرًا يعرض عليه دفع الجزية التي يُقررها،[31] فرفض الفاتح طلبه وأصر على البناء لما يعلمه من أهمية عسكرية لهذا الموقع، حتى اكتملت قلعة عالية ومحصنة، وصل ارتفاعها إلى 82 مترًا، وأطلق عليها اسم "قلعة روملي حصار" (بالتركية: Rumeli Hisarı)، وأصبحت القلعتان متقابلتين، ولا يفصل بينهما سوى 660 مترًا، تتحكمان في عبور السفن من شرقي البوسفور إلى غربه وتستطيع نيران مدافعهما منع أية سفينة من الوصول إلى القسطنطينية من المناطق التي تقع شرقها مثل مملكة طرابزون وغيرها من الأماكن التي تستطيع دعم المدينة عند الحاجة.[33] كما فرض السلطان رسومًا على كل سفينة تمر في مجال المدافع العثمانية المنصوبة في القلعة، وكان أن رفضت إحدى سفن البندقية أن تتوقف بعد أن أعطى العثمانيون لها عدداً من الإشارات، فتمّ إغراقها بطلقة مدفعية واحدة فقط.[34]
مدفع سلطاني عثماني مماثل للمدفع الذي استخدم عند حصار القسطنطينية. تمّ صب هذا المدفع عام 1464، وهو الآن موجود في متحف الترسانة الملكية البريطانية.اعتنى السلطان عناية خاصة بجمع الأسلحة اللازمة لفتح القسطنطينية، ومن أهمها المدافع، التي أخذت اهتمامًا خاصًا منه حيث أحضر مهندسًا مجريًا يدعى "أوربان" كان بارعًا في صناعة المدافع، فأحسن استقباله ووفر له جميع الإمكانيات المالية والمادية والبشرية. تمكن هذا المهندس من تصميم وتصنيع العديد من المدافع الضخمة كان على رأسها "المدفع السلطاني" المشهور، والذي ذكر أن وزنه كان يصل إلى مئات الأطنان وأنه يحتاج إلى مئات الثيران القوية لتحريكه، وقد أشرف السلطان بنفسه على صناعة هذه المدافع وتجريبها.[35]
ويُضاف إلى هذا الاستعداد ما بذله الفاتح من عناية خاصة بالأسطول العثماني؛ حيث عمل على تقويته وتزويده بالسفن المختلفة ليكون مؤهلاً للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية، تلك المدينة البحرية التي لا يكمل حصارها دون وجود قوة بحرية تقوم بهذه المهمة وقد ذُكر أن السفن التي أعدت لهذا الأمر بلغت أكثر من أربعمائة سفينة،[36] بينما قال آخرون أن هذا الرقم مبالغ فيه وأن عدد السفن كان أقل من ذلك، حيث بلغت مائة وثمانين سفينة في الواقع.[31]
********** عقد معاهدات**************
عمل الفاتح قبل هجومه على القسطنطينية على عقد معاهدات مع أعدائه المختلفين ليتفرغ لعدو واحد، فعقد معاهدة مع إمارة غلطة المجاورة للقسطنطينية من الشرق ويفصل بينهما مضيق القرن الذهبي، كما عقد معاهدات مع جنوة والبندقية وهما من الإمارات الأوروبية المجاورة، ولكن هذه المعاهدات لم تصمد حينما بدأ الهجوم الفعلي على القسطنطينية، حيث وصلت قوات من تلك المدن وغيرها للمشاركة في الدفاع عن المدينة.[37]
في هذه الأثناء التي كان السلطان يعد العدة فيها للفتح، استمات الإمبراطور البيزنطي في محاولاته لثنيه عن هدفه، بتقديم الأموال والهدايا المختلفة إليه، وبمحاولة رشوة بعض مستشاريه ليؤثروا على قراره،[38] ولكن السلطان كان عازمًا على تنفيذ مخططه ولم تثنه هذه الأمور عن هدفه، ولما رأى الإمبراطور البيزنطي شدة عزيمة السلطان على تنفيذ هدفه عمد إلى طلب المساعدات من مختلف الدول والمدن الأوروبية وعلى رأسها البابا زعيم المذهب الكاثوليكي، في الوقت الذي كانت فيه كنائس الدولة البيزنطية وعلى رأسها القسطنطينية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية وكان بينهما عداء شديد، وقد اضطر الإمبراطور لمجاملة البابا بأن يتقرب إليه ويظهر له استعداده للعمل على توحيد الكنيستين الشرقية والغربية،[39] في الوقت الذي لم يكن الأرثوذكس يرغبون في ذلك. قام البابا بناءً على ذلك بإرسال مندوب منه إلى القسطنطينية، خطب في كنيسة آيا صوفيا ودعا للبابا وأعلن توحيد الكنيستين، مما أغضب جمهور الأرثوذكس في المدينة، وجعلهم يقومون بحركة مضادة لهذا العمل الإمبراطوري الكاثوليكي المشترك، حتى قال بعض زعماء الأرثوذكس: "إنني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية".[40]
*********** الهجوم والغزو*************
========:فتح القسطنطينية ==============
محمد الفاتح يقود جيش المسلمين في حصار القسطنطينية.سعى السلطان، بعد كل هذه الاستعدادات، في إيجاد سبب لفتح باب الحرب، ولم يلبث أن وجد هذا السبب بتعدي الجنود العثمانيين على بعض قرى الروم ودفاع هؤلاء عن أنفسهم، حيث قُتل البعض من الفريقين.[31] عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لكي تكون صالحة لجر المدافع العملاقة خلالها إلى القسطنطينية، وقد تحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية، في مدة شهرين حيث تمت حمايتها بقسم الجيش حتى وصلت الأجناد العثمانية يقودها الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس 6 أبريل، 1453 م، الموافق 26 ربيع الأول، 857 هـ، فجمع الجند وكانوا قرابة مائتين وخمسين ألف جندي أي ربع مليون،[41] فخطب فيهم خطبة قوية حثهم فيها على الجهاد وطلب النصر أو الشهادة، وذكّرهم فيها بالتضحية وصدق القتال عند اللقاء، وقرأ عليهم الآيات القرآنية التي تحث على ذلك، كما ذكر لهم الأحاديث النبوية التي تبشر بفتح القسطنطينية وفضل الجيش الفاتح لها وأميره، وما في فتحها من عز للإسلام والمسلمين، وقد بادر الجيش بالتهليل والتكبير والدعاء.[42][43]
وبهذا ضرب السلطان الحصار على المدينة بجنوده من ناحية البر، وبأسطوله من ناحية البحر، وأقام حول المدينة أربع عشرة بطارية مدفعية وضع بها المدافع الجسيمة التي صنعها "أوربان" والتي قيل بأنها كانت تقذف كرات من الحجارة زنة كل واحدة منها اثنا عشر قنطارًا إلى مسافة ميل، إلا أن المؤرخين المعاصرين يقولون أن هذا الرقم مبالغ فيه بوضوح، فإنه ولو وُجد في ذلك الزمان آلة تستطيع أن تقذف هذا الوزن الكبير، فإنه لا يوجد أناس قادرين على رفع هذا الوزن ليضعوه في المدفع، فالقنطار يساوي 250 كيلوغراما، فوزن القذيفة على هذا الاعتبار يكون 3000 كيلوغراما، وبالتالي فلعلّ المقصود كان 12 رطلا وليس قنطارا.[31] وفي أثناء الحصار اكتُشف قبر "أبي أيوب الأنصاري" الذي استشهد حين حاصر القسطنطينية في سنة 52 هـ في خلافة معاوية بن أبي سفيان الأموي.[44]
خريطة تُظهر سور القسطنطينية وميناءها.وفي هذا الوقت كان البيزنطيين قد قاموا بسد مداخل ميناء القسطنطينية بسلاسل حديدية غليظة حالت بين السفن العثمانية والوصول إلى القرن الذهبي، بل دمرت كل سفينة حاولت الدنو والاقتراب.[39] إلا أن الأسطول العثماني نجح على الرغم من ذلك في الاستيلاء على جزر الأمراء في بحر مرمرة.[45] استنجد الإمبراطور قسطنطين، آخر ملوك الروم، بأوروبا، فلبّى طلبه أهالي جنوة وأرسلوا له إمدادات مكونة من خمس سفن وكان يقودها القائد الجنوي "جوستنياني" يُرافقه سبعمائة مقاتل متطوع من دول أوروبية متعددة، فأتى هذا القائد بمراكبه وأراد الدخول إلى ميناء القسطنطينية، فاعترضته السفن العثمانية ونشبت بينهما معركة هائلة في يوم 21 أبريل، 1453 م، الموافق يوم 11 ربيع الثاني، 857 هـ، انتهت بفوز جوستنياني ودخوله الميناء بعد أن رفع المحاصرون السلاسل الحديدية ثم أعادوها بعد مرور السفن الأوروبية كما كانت.[46] حاولت القوات البحرية العثمانية تخطي السلاسل الضخمة التي تتحكم في مدخل القرن الذهبي والوصول بالسفن الإسلامية إليه، وأطلقوا سهامهم على السفن الأوروبية والبيزنطية ولكنهم فشلوا في تحقيق مرادهم في البداية، فارتفعت بهذا الروح المعنوية للمدافعين عن المدينة.[47] بعد هذا الأمر، أخذ السلطان يُفكر في طريقة لدخول مراكبه إلى الميناء لإتمام الحصار برّاً وبحراً، فخطر بباله فكر غريب، وهو أن ينقل المراكب على البر ليجتازوا السلاسل الموضوعة لمنعها، وتمّ هذا الأمر المستغرب بأن مهدت الأرض وسويت في ساعات قليلة وأتي بألواح من الخشب دهنت بالزيت والشحم، ثم وضعت على الطريق الممهد بطريقة يسهل بها انزلاج السفن وجرها،[48] وبهذه الكيفية أمكن نقل نحو سبعين سفينة وإنزالها في القرن الذهبي على حين غفلة من البيزنطيين.[13]
قسطنطين الحادي عشر، آخر أباطرة الدولة البيزنطية، حكم في الفترة الممتدة من 6 يناير 1449 إلى 29 مايو 1453.
السلطان محمد الثاني يدخل إلى القسطنطينية، بريشة "فوستو زونارو".استيقظ أهل المدينة صباح يوم 22 أبريل وفوجئوا بالسفن العثمانية وهي تسيطر على ذلك المعبر المائي، ولم يعد هناك حاجز مائي بين المدافعين عن القسطنطينية وبين الجنود العثمانيين،[13][49] ولقد عبّر أحد المؤرخين البيزنطيين عن عجبهم من هذا العمل فقال: "ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار وتعبر سفنه فوق قمم الجبال بدلاً من الأمواج، لقد فاق محمد الثاني بهذا العمل الأسكندر الأكبر".[50] أيقن المحاصرون عند هذا أن لا مناص من نصر العثمانيين عليهم، لكن لم تخمد عزائمهم بل ازدادوا إقداماً وصمموا على الدفاع عن مدينتهم حتى الممات. وفي يوم 24 مايو سنة 1453م، الموافق 15 جمادى الأولى سنة 857هـ، أرسل السلطان محمد إلى الإمبراطور قسطنطين رسالة دعاه فيها إلى تسليم المدينة دون إراقة دماء، وعرض عليه تأمين خروجه وعائلته وأعوانه وكل من يرغب من سكان المدينة إلى حيث يشاؤون بأمان،[51] وأن تحقن دماء الناس في المدينة ولا يتعرضوا لأي أذى وأعطاهم الخيار بالبقاء في المدينة أو الرحيل عنها، ولما وصلت الرسالة إلى الإمبراطور جمع المستشارين وعرض عليهم الأمر، فمال بعضهم إلى التسليم وأصر آخرون على استمرار الدفاع عن المدينة حتى الموت، فمال الامبراطور إلى رأي القائلين بالقتال حتى آخر لحظة، فرد الامبراطور رسول الفاتح برسالة قال فيها إنه يشكر الله إذ جنح السلطان إلى السلم وأنه يرضى أن يدفع له الجزية أما القسطنطينية فإنه أقسم أن يدافع عنها إلى آخر نفس في حياته فإما أن يحفظ عرشه أو يُدفن تحت أسوارها،[52] فلما وصلت الرسالة إلى الفاتح قال: "حسناً عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر".[53]
السلطان محمد الثاني مع البطريرك جورجيوس سكولاريوس.عند الساعة الواحدة صباحاً من يوم الثلاثاء 29 مايو، 1435م، الموافق 20 جمادى الأولى سنة 857 هـ بدأ الهجوم العام على المدينة، فهجم مائة وخمسون ألف جندي وتسلقوا الأسوار حتى دخلوا المدينة من كل فج وأعملوا السيف فيمن عارضهم واحتلوا المدينة شيئًا فشيئًا إلى أن سقطت بأيديهم، بعد 53 يومًا من الحصار.[34] أما الإمبراطور قسطنطين فقاتل حتى مات في الدفاع عن وطنه كما وعد، ولم يهرب أو يتخاذل.[54][55] ثم دخل السلطان المدينة عند الظهر فوجد الجنود مشتغلة بالسلب والنهب وغيره، فأصدر أمره بمنع كل اعتداء، فساد الأمن حالاً. ثم توجه إلى كنيسة آيا صوفيا وقد اجتمع فيها خلق كبير من الناس ومعهم القسس والرهبان الذين كانوا يتلون عليهم صلواتهم وأدعيتهم، وعندما اقترب من أبوابها خاف المسيحيون داخلها خوفاً عظيماً، وقام أحد الرهبان بفتح الأبواب له فطلب من الراهب تهدئة الناس وطمأنتهم والعودة إلى بيوتهم بأمان، فأطمأن الناس وكان بعض الرهبان مختبئين في سراديب الكنيسة فلما رأوا تسامح الفاتح وعفوه خرجوا وأعلنوا إسلامهم، وقد أمر الفاتح بعد ذلك بأن يؤذن في الكنيسة بالصلاة إعلانًا بجعلها مسجدًا.[54][55] وقد أعطى السلطان للنصارى حرية إقامة الشعائر الدينية واختيار رؤسائهم الدينين الذين لهم حق الحكم في النظر بالقضايا المدنية، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخرى ولكنه في الوقت نفسه فرض الجزية على الجميع.[56] ثم قام بجمع رجال الدين المسيحيين لينتخبوا بطريركًا لهم، فاختاروا "جورجيوس كورتيسيوس سكولاريوس" (باليونانية:Γεώργιος Κουρτέσιος Σχολάριος)، وأعطاهم نصف الكنائس الموجودة في المدينة، أما النصف الأخر فجعله جوامع للمسلمين.[54] وبتمام فتح المدينة، نقل السلطان محمد مركز العاصمة إليها، وسُميت "إسلامبول"، أي "تخت الإسلام" أو "مدينة الإسلام".[55]
******** ما بعد الفتح**********
بعد تمام النصر والفتح، اتخذ السلطان لقب "الفاتح" و"قيصر الروم" (بالتركية: Kayser-i Rûm)، على الرغم من أن هذا اللقب الأخير لم تعترف به بطركيّة القسطنطينية ولا أوروبا المسيحية. وكان السبب الذي جعل السلطان يتخذ هذا اللقب هو أن القسطنطينية كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانية، بعد أن نُقل مركز الحكم إليها عام 330 بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، وكونه هو سلطان المدينة فكان من حقه أن يحمل هذا اللقب. وكان للسلطان رابطة دم بالأسرة الملكية البيزنطية، بما أن كثيرا من أسلافه، كالسلطان أورخان الأول، تزوجوا بأميرات بيزنطيات. ولم يكن السلطان هو الوحيد الذي حمل لقب القيصر في أيامه، إذ أن إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة في أوروبا الغربية، "فريدريش الثالث"، قال آنذاك بأنه يتحدر مباشرة من شارلمان، الذي حصل على لقب "قيصر" عندما توّجه البابا "ليو الثالث" عام 800، على الرغم من عدم اعتراف الإمبراطورية البيزنطية بهذا الأمر عندئذ.
وكان السلطان قد أمر بحبس الصدر الأعظم "خليل باشا"، الذي اتهم أثناء حصار القسطنطينية بالتعامل مع العدو أو تلقيه رشوة منهم لفضح تحركات الجيش العثماني، فحُبس لمدة أربعين يومًا وسُملت عيناه، ثم حُكم عليه بالإعدام فأعدم.[57] يروي المؤرخ البريطاني "ستيفن رونسيمان" قصة منقولة عن المؤرخ البيزنطي "دوكاس"، المعروف بإضفائه النكهة الدرامية والمواصفات المؤثرة على كتاباته،[58] أنه عندما دخل محمد الثاني القسطنطينية، أمر بإحضار الابن الوسيم للدوق الأكبر "لوكاس نوتاراس" البالغ من العمر 14 ربيعًا، ليُشبع معه شهوته، وعندما رفض الأب تسليم ولده إلى السلطان، أمر الأخير بقطع رأس كليهما حيث وقفا.[59] يروي عالم اللاهوت ورئيس أساقفة ميتيليني "ليونارد الصاقيزي" نفس القصة في رسالة أرسلها إلى البابا نيقولا الخامس.[60] يرى المؤرخون المعتدلون والمؤرخون المسلمون، أن هذه الرواية عارية عن الصحة، وأن سببها كان الصدمة العنيفة التي تعرض لها العالم الأوروبي المسيحي عند سقوط المدينة المقدسة بيد المسلمين، حيث بذل الشعراء والأدباء ما في وسعهم لتأجيج نار الحقد وبراكين الغضب في نفوس النصارى ضد المسلمين، وعقد الأمراء والملوك اجتماعات طويلة ومستمرة وتنادوا إلى نبذ الخلافات والحزازات والتوحد ضد العثمانيين. وكان البابا نيقولا الخامس أشد الناس تأثراً بنبأ سقوط القسطنطينية، وعمل جهده وصرف وقته في توحيد الدول الإيطالية وتشجيعها على قتال المسلمين، وترأس مؤتمرًا عُقد في روما، أعلنت فيه الدول المشاركة عزمها على التعاون فيما بينها وتوجيه جميع جهودها وقوتها ضد العدو المشترك. وأوشك هذا الحلف أن يتحقق إلا أن الموت عاجل البابا في 25 مارس سنة 1455، فلم تتم أي من هذهالخطط.
*********اهتمامه بالمدارس والمعاهد***********
الصورة "الرسميّة" للسلطان محمد الفاتح، الموضوعة ضمن صور قائمة السلاطين العثمانيين، والتي غالبا ما توضع في الكتب التي تتحدث عنه.كان محباً للعلم والعلماء، لذلك اهتم ببناء المدارس والمعاهد في جميع أرجاء دولته، وفاق أجداده في هذا المضمار، وبذل جهوداً كبيرة في نشر العلم وإنشاء دور التعليم، وأدخل بعض الإصلاحات في نظام التعليم وأشرف على تهذيب المناهج وتطويرها، وحرص على نشر المدارس والمعاهد في كافة المدن والقرى وأوقف عليها الأوقاف العظيمة.
نظّم هذه المدارس ورتّبها على درجات ومراحل، ووضع لها المناهج، وحدد العلوم والمواد التي تُدرّس في كل مرحلة، ووضع لها نظام الامتحانات الدقيقة للانتقال للمرحلة التي تليها، وكان ربما يحضر امتحانات الطلبة ويزور المدارس ولا يأنف من سماع الدروس التي يلقيها الأساتذة، ولا يبخل بالعطاء للنابغين من الأساتذة والطلبة، وجعل التعليم في كافة مدارس الدولة بالمجان، وكانت المواد التي تدرس في تلك المدارس: التفسير والحديث والفقه الأدب البلاغة وعلوم اللغة الهندسة، وأنشأ بجانب مسجده الذي بناه بالقسطنطينية ثمان مدارس على كل جانب من جوانب المسجد يتوسطها صحن فسيح، وفيها يقضي الطالب المرحلة الأخيرة من دراسته، وألحقت بهذه المدارس مساكن الطلبة ينامون فيها ويأكلون طعامهم ووضعت لهم منحة مالية شهرية، وأنشأ بجانبها مكتبة خاصة وكان يُشترط في الرجل الذي يتولى أمانة هذه المكتبة أن يكون من أهل العلم والتقوى متبحراً في أسماء الكتب والمؤلفين، وكانت مناهج المدارس تتضمن نظام التخصص، فكان للعلوم النقلية والنظرية قسم خاص وللعلوم التطبيقية قسم خاص أيضاً.
********** اهتمامه بالعلماء***************
قرّب العلماء ورفع قدرهم وشجعهم على العمل والإنتاج وبذل لهم الأموال ووسع لهم في العطايا والمنح والهدايا وكرّمهم غاية الإكرام، ولما هزم "أوزون حسن"، أمر السلطان بقتل جميع الأسرى إلا من كان من العلماء وأصحاب المعارف ليستفاد منهم.
كان من مكانة الشيخ "أحمد الكوراني" أنه كان يخاطب السلطان باسمه ولا ينحني له، ولا يقبل يده بل يصافحه مصافحة، وكان لا يأتي إلى السلطان إلا إذا أرسل إليه، وكان يقول له: "مطعمك حرام وملبسك حرام فعليك بالاحتياط". وكذلك بالنسبة للشيخ "آق شمس الدين" الذي درّس السلطان محمد الفاتح العلوم الأساسية في ذلك الزمن وهي القرآن الكريم والسنة النبوية الفقه والعلوم الإسلامية واللغات العربية، والفارسية والتركية وكذلك في مجال العلوم العلمية من الرياضيات والفلك التاريخ الحرب، وكان الشيخ آق ضمن العلماء الذين أشرفوا على السلطان محمد عندما تولى إمارة "أماسيا" ليتدرب على إدارة الولاية، وأصول الحكم. واستطاع الشيخ آق شمس الدين أن يقنع الأمير الصغير بأنه المقصود بالحديث النبوي: "لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش".
وكان الشيخ آق شمس الدين أول من ألقى خطبة الجمعة في مسجد آيا صوفيا.[92] وكان السلطان محمد الفاتح يحب شيخه شمس الدين حباً عظيماً، وكانت له مكانة كبيرة في نفسه وقد بين السلطان لمن حوله -بعد الفتح-: "إنكم ترونني فرحاً. فرحي ليس فقط لفتح هذه القلعة إن فرحي يتمثل في وجود شيخ عزيز الجانب، في عهدي، هو مؤدبي الشيخ آق شمس الدين". وعبّر السلطان عن مهابته لشيخه في حديث له مع وزيره "محمود باشا"، حيث قال: "إن احترامي للشيخ آق شمس الدين، احترام غير اختياري. إنني أشعر وأنا بجانبه بالانفعال والرهبة".[93]
********* اهتمامه بالشعراء والأدباء***************
رسم للسلطان محمد الفاتح وهو يشم رائحة زهرة، من كتاب رسومات السلاطين من قصر الباب العالي.كان شاعراً مجيداً مهتماً بالأدب عامة والشعر خاصة، وكان يصاحب الشعراء ويصطفيهم،[94] واستوزر الكثير منهم، وكان في بلاطه ثلاثون شاعراً يتناول كل منهم راتباً شهرياً قدره ألف درهم، وكان مع هذا ينكر على الشعراء التبذل والمجون الدعارة ويعاقب من يخرج عن الآداب بالسجن أو يطرده من بلاده.
*********** اهتمامه بالترجمة**************
أتقن اللغة اليونانية وست لغات أخرى عندما كان بلغ من العمر 21 عاماً، أي في السنة التي فتح فيها القسطنطينية،[8][9] وأمر بنقل كثير من الآثار المكتوبة باليونانية واللاتينية والعربية والفارسية إلى اللغة التركية، ونقل إلى التركية كتاب التصريف في الطب للزهراوي، وعندما وجد كتاب بطليموس في الجغرافيا وخريطة له طلب من العالم الرومي "جورج أميروتزوس" وابنه أن يقوما بترجمته إلى العربية وإعادة رسم الخريطة باللغتين العربية واليونانية وكافأهما على هذا العمل بعطايا واسعة، وقام العلامة القوشجي بتأليف كتاب بالفارسية ونقله للعربية وأهداه للفاتح.
كما كان مهتماً باللغة العربية فقد طلب من المدرسين بالمدارس الثماني أن يجمعوا بين الكتب الستة في تدريسهم وبين علم اللغة كالصحاح.. ودعم الفاتح حركة الترجمة والتأليف لنشر المعارف بين رعاياه بالإكثار من نشر المكاتب العامة وأنشأ له في قصره خزانة خاصة احتوت على غرائب الكتب والعلوم، وكان بها اثنا عشر ألف مجلد عندما احترقت.
**********اهتمامه بالعمران والبناء والمستشفيات**************
=========مسجد السلطان محمد الفاتح.==========
آيا صوفيا، المآذن الأربعة تم بنائها بعد فتح القسطنطينية وتحويل الكنيسة إلى مسجد.كان السلطان محمد الفاتح مغرماً ببناء المعاهد والقصور والمستشفيات والخانات والحمامات والأسواق الكبيرة والحدائق العامة،[95] وأدخل المياه إلى المدينة بواسطة قناطر خاصة. شجع الوزراء وكبار رجال الدولة والأغنياء والأعيان على تشييد المباني وإنشاء الدكاكين والحمامات وغيرها من المباني التي تعطى المدن بهاء ورونقاً، واهتم بالعاصمة "إسلامبول" اهتماماً خاصاً، وكان حريصاً على أن يجعلها "أجمل عواصم العالم" و"حاضرة العلوم والفنون".
كثر العمران في عهد الفاتح وانتشر، واهتم بدور الشفاء، ووضع لها نظاماً مثالياً في غاية الروعة والدقة والجمال، فقد كان يعهد بكل دار من هذه الدور إلى طبيب – ثم زيد إلى اثنين – من حذاق الأطباء من أي جنس كان، يعاونهما كحال وجراح وصيدلي وجماعة من الخدم والبوابين، ويشترط في جميع المشتغلين بالمستشفى أن يكونوا من ذوي القناعة والشفقة والإنسانية، ويجب على الأطباء أن يعودوا المرضى مرتين في اليوم، وأن لاتصرف الأدوية للمرضى إلا بعد التدقيق من إعدادها، وكان يشترط في طباخ المستشفى أن يكون عارفاً بطهي الأطعمة والأصناف التي توافق المرضى منها، وكان العلاج والأدوية في هذه المستشفيات بالمجان ويغشاها جميع الناس بدون تمييز بين أجناسهم وأديانهم.
ولعلّ أبرز أثار السلطان العمرانية هو قصر الباب العالي الذي أمر بالبدء ببنائه قرابة عقد الستينات من القرن الخامس عشر، إضافة إلى مسجده الذي حمل اسمه، وآيا صوفيا بطبيعة الحال التي أمر بتحويلها من كنيسة إلى مسجد.
********** الاهتمام بالتجارة والصناعة***********
اهتم السلطان محمد الفاتح بالتجارة الصناعة وعمل على إنعاشهما بجميع الوسائل والعوامل والأسباب.[95] وكان العثمانيون على دراية واسعة بالأسواق العالمية، وبالطرق البحرية والبرية وطوروا الطرق القديمة، وأنشؤوا الجسور الجديدة مما سهل حركة التجارة في جميع أجزاء الدولة، واضطرت الدول الأجنبية لمسايسة الدولة العثمانية ليمارس رعاياها حرفة التجارة في الموانئ المهمة العديدة في ظل الراية العثمانية. كان من أثر السياسة العامة للدولة في مجال التجارة والصناعة أن عم الرخاء وساد اليسر والرفاهية في جميع أرجاء الدولة، وأصبحت للدولة عملتها الذهبية المتميزة، ولم تهمل الدولة إنشاء دور الصناعة ومصانع الذخيرة والأسلحة، وأقامت القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية في البلاد.
******** الاهتمام بالتنظيمات الإدارية***********
عمل السلطان محمد الفاتح على تطوير دولته؛ ولذلك قنن قوانين حتى يستطيع أن ينظم شؤون الإدارة المحلية في دولته، وكانت تلك القوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية. شكل السلطان محمد لجنة من خيار العلماء لتشرف على وضع "قانون نامه" المستمد من الشريعة المذكورة وجعله أساساً لحكم دولته، وكان هذا القانون مكوناً من ثلاثة أبواب، يتعلق بمناصب الموظفين وببعض التقاليد وما يجب أن يتخذ من التشريفات والاحتفالات السلطانية وهو يقرر كذلك العقوبات والغرامات، ونص صراحة على جعل الدولة حكومة إسلامية قائمة على تفوق العنصر الإسلامي أياً كان أصله وجنسه.
اهتم محمد الفاتح بوضع القوانين التي تنظم علاقة السكان من غير المسلمين بالدولة ومع جيرانهم من المسلمين، ومع الدولة التي تحكمهم وترعاهم، وأشاع العدل بين رعيته، وجدّ في ملاحقة اللصوص وقطاع الطرق، وأجرى عليهم أحكام الإسلام، فاستتب الأمن وسادت الطمأنينة في ربوع الدولة العثمانية. وعندما كانت الدولة تعلن الجهاد وتدعوا أمراء الولايات وأمراء الألوية، كان عليهم أن يلبوا الدعوة ويشتركوا في الحرب بفرسان يجهزونهم تجهيزاً تاماً، وذلك حسب نسب مبينة، فكانوا يجهزون فارساً كامل السلاح قادراً على القتال عن كل خمسة آلاف آقجه من إيراد اقطاعه، فإذا كان إيراد إقطاعه خمسمائة ألف آقجة مثلاً كان عليه أن يشترك بمائة فارس، وكان جنود الإيالات مؤلفة من مشاة وفرسان، وكان المشاة تحت قيادة وإدارة باشوات الإيالات وبكوات الألوية. قام محمد الفاتح بحركة تطهير واسعة لكل الموظفين القدماء غير الأكفاء وجعل مكانهم الأكفاء، واتخذ الكفائة وحدها أساساً في اختيار رجاله ومعاونيه وولاته.
******** اهتمامه بالجيش والبحرية**********
سيف السلطان محمد الفاتح في قصر الباب العالي.
رسم لجندي من الإنكشارية في القرن الخامس عشر، بريشة "جنتيلي بلليني".تميز عصر السلطان محمد الفاتح بجانب قوة الجيش البشرية وتفوقه العددي، بإنشاءات عسكرية عديدة متنوعة،[95] فأقام دور الصناعة العسكرية لسد احتياجات الجيش من الملابس والسروج والدروع ومصانع الذخيرة والأسلحة، وأقام القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية، وكانت هناك تشكيلات متنوعة في تمام الدقة وحسن التنظيم من فرسان ومشاة ومدفعية وفرق مساعدة، تمد القوات المحاربة بما تحتاجه من وقود وغذاء وعلف للحيوان وإعداد صناديق الذخيرة حتى ميدان القتال.
كان هناك صنف من الجنود يسمى، "لغمجية" وظيفته الحفر للألغام وحفر الأنفاق تحت الأرض أثناء محاصرة القلعة المراد الاستيلاء عليها وكذلك السقاؤون كان عليهم تزويد الجنود بالماء. تطورت الجامعة العسكرية في زمن الفاتح وأصبحت تخرج الدفعات المتتالية من المهندسين والأطباء والبيطريين وعلماء الطبيعيات والمساحات، وكانت تمد الجيش بالفنيين المختصصين. استحق معه أن يعده المؤرخون مؤسس الأسطول البحري العثماني، ولقد استفاد من الدول التي وصلت إلى مستوى رفيع في صناعة الأساطيل مثل الجمهوريات الإيطالية وبخاصة البندقية وجنوة، أقوى الدول البحرية في ذلك الوقت.
******** اهتمامه بالعدل***********
إن إقامة العدل بين الناس كان من واجبات السلاطين العثمانيين، وكان السلطان محمد شأنه في ذلك شأن من سلف من آبائه – شديد الحرص على إجراء العدالة في أجزاء دولته، ولكي يتأكد من هذا الأمر كان يرسل بين الحين والحين إلى بعض رجال الدين من النصارى بالتجوال والتطواف في أنحاء الدولة، ويمنحهم مرسوماً مكتوباً يبين مهمتهم وسلطتهم المطلقة في التنقيب والتحري والاستقصاء لكي يطلعوا كيف تساس أمور الدولة وكيف يجري ميزان العدل بين الناس في المحاكم، وقد أعطى هؤلاء المبعوثون الحرية الكاملة في النقد وتسجيل ما يرون ثم يرفعون ذلك كله إلى السلطان.
كانت تقرير هؤلاء المبعوثين المسيحيين تشيد دائماً بحسن سير المحاكم وإجراء العدل بالحق والدقة بين الناس بدون محاباة أو تمييز، وكان السلطان الفاتح عند خروجه إلى الغزوات يتوقف في بعض الأقاليم وينصب خيامه ليجلس بنفسه للمظالم ويرفع إليه من شاء من الناس شكواه ومظلمته. اعتنى الفاتح بوجه خاص برجال القضاء الذين يتولون الحكم والفصل في أمور الناس، فلا يكفي في هؤلاء أن يكونوا من المتضلعين في الفقه والشريعة والاتصاف بالنزاهة والاستقامة وحسب بل لا بد إلى جانب ذلك أن يكونوا موضع محبة وتقدير بين الناس، وأن تتكفل الدولة بحوائجهم المادية حتى تسد طرق الإغراء والرشوة، فوسع لهم الفاتح في عيشهم كل التوسعة، وأحاط منصبهم بحالة مهيبة من الحرمة والجلالة والقداسة والحماية. أما القاضي المرتشي فلم يكن له عند الفاتح من جزاء غير القتل.
كان السلطان الفاتح - برغم اشتغاله بالجهاد والغزوات - إلا أنه كان يتتبع كل ما يجري في أرجاء دولته بيقظة واهتمام، وأعانه على ذلك ما حباه الله من ذكاء قوي وبصيرة نفاذة وذاكرة حافظة وجسم قوي، وكان كثيراً ما ينزل بالليل إلى الطرقات والدروب ليتعرف على أحوال الناس بنفسه ويستمع إلى شكاواتهم بنفسه، كما ساعده على معرفة أحوال الناس جهاز أمن الدولة الذي كان يجمع المعلومات والأخبار التي لها علاقة بالسلطنة وترفع إلى السلطان الذي كان يحرص على دوام المباشرة لأحوال الرعية، وتفقد أمورها والتماس الإحاطة بجوانب الخلل في أفرادها وجماعاتها.
******* زوجاته وأولاده*************
تزوج السلطان محمد الفاتح بعدد من النساء، كانت أولهن والدة ولي العهد، "أمينة گلبهار" أي "أمينة وردة الربيع"، وهي من الروم الأرثوذكس،[20] نبيلة الجذور من قرية "دوفيرا" في طرابزون،[20] توفيت عام 1492، وهي والدة السلطان بايزيد الثاني.
كذلك اتخذ السلطان زوجة من كل من "السلطانة گيفر"؛ "غولشان خاتون"؛ "ستّي مكرم خاتون"؛ "خاتون شيشك"؛ "هيلينا خاتون"، ابنة أحد الملوك الروم المتوفاة عام 1481، و"آنا خاتون" ابنة إمبراطور طرابزون، التي تزوجها السلطان لفترة قصيرة؛ و"خاتون أليكسياس"، إحدى الأميرات البيزنطيات. وكان للسلطان ابن أخر هو "جم" المعروف بالغرب باسم "زيزيم"، والذي توفي سنة 1495.
********* وفاته وذكراه**********
توسّع الدولة العثمانية في أيام السلطان محمد الفاتح، من عام 1451 حتى عام 1481.قاد السلطان حملة لم يحدد وجهتها، لأنه كان شديد الحرص على عدم كشف مخططاته العسكرية حتى لأقرب وأعز قواده. وقد قال في هذا الصدد عندما سئل مرة: "لو عرفته شعرة من لحيتي لقلعتها"، لكن المؤرخون يخمنون بأنها كانت إلى إيطاليا. عرض أهل البندقية على طبيبه الخاص "يعقوب باشا" أن يقوم هو باغتياله، ولم يكن يعقوب مسلما عند الولادة فقد ولد بإيطاليا، وقد ادعى الهداية، وأسلم. بدأ يعقوب يدس السم تدريجيا للسلطان، ولكن عندما علم بأمر الحملة زاد جرعة السم. وتوفى السلطان في يوم 3 مايو عام 1481م، الموافق 4 ربيع الأول سنة 886هـ عن ثلاث وخمسين سنة،[95] ومدة حكمه 31 عاما، قضاها في حروب متواصلة للفتح وتقوية الدولة وتعميرها، وأتم في خلالها مقاصد أجداده، ففتح القسطنطينية وجميع ممالك وأقاليم آسيا الصغرى والصرب والبشناق وألبانيا، وحقق كثيرا من المنجزات الإدارية الداخلية التي سارت بدولته على درب الازدهار ومهدت الطريق أمام السلاطين اللاحقين ليركزوا على توسيع الدولة وفتح أقاليم جديدة. ومن مآثره أيضا وضعه أول مبادئ القانون المدني وقانون العقوبات، فأبدل العقوبات البدنية، أي العين بالعين والسنّ بالسنّ، وجعل عوضها الغرامات النقدية بكيفية واضحة أتمها السلطان سليمان القانوني لاحقا.[96]
دُفن السلطان في المدفن المخصوص الذي أنشأه في أحد الجوامع التي أسسها في الأستانة، وترك ورائه سمعة مهيبة في العالمين الإسلامي والمسيحي. وقد أنشأ جسر معلق بين طرفي إسطنبول في القرن العشرين وأطلق عليه اسم "جسر السلطان محمد الفاتح"، كما تمّ تمثيل السلطان في عدد من الكتب وأنشأ مسلسل تلفزيوني يحمل اسمه، وظهرت صورته على خلفية العملة الورقية التركية من فئة الألف ليرة والتي وضعت بالتداول من عام 1986 حتى عام 1992.[99]
============ المراجع==============
*^ أ ب Babinger, Franz, (2003)Timeand Fatih Sultan Mehmed, Istanbul: Capricorn Publishing, ISBN 975 329 417 4, p.30
^ Babinger, Franz ages. 347
*^ "Dates of Epoch-Making Events", The Nuttall Encyclopaedia. (Gutenberg version)
^* Related to the Mahomet archaisms used for Mohammad. See Medieval Christian view of Muhammad for more information.
^* İDARİ DÜZENLEMELER: Fatih Sultan Mehmed, klasik manada Osmanlı devletinin idari kurucusu sayılabilir.