بسم الله الرحمن الرحيم
******معنى لا إله إلا الله*******
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله , وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم , وروح منه , والجنة حق , والنار حق , أدخله الله الجنة على ماكان من العمل ) أخرجاه .
عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو الوليد , أحد النقباء , بدري مشهور . مات بالرملة سنة أربع وثلاثين , وله اثنتان وسبعون . وقيل عاش إلى خلافة معاوية رضي الله عنه .
قوله :
( من شهد أن لا إله إلا الله )
أي : من تكلم بها عارفا لمعناها , عاملا بمقتضاها , باطنا وظاهرا , فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولهما , كما قال الله تعالى :( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ـ محمد ـ 19 ـ .
وقوله :( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) ـ الزخرف ـ 86 ـ . أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه : من البراءة من الشرك , وإخلاص القول والعمل : قول القلب واللسان , وعمل القلب والجوارح , فغير نافع بالإجماع . .
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم : ( باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين , بل لا بد من استيقان القلب ) : " هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة , القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان , وأحاديث هذا الباب تدل على فساده , بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها , ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق , والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح , وهو باطل قطعا " ا هـ .
وفي هذا الحديث ما يدل على هذا , وهو قوله : ( من شهد ) , فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق .
قال النووي :" هذا حديث عظيم جليل الموقع , وهو أجمع ـ أو من أجمع ـ الأحاديث المشتملة على العقائد ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم جمع فيه ما يخرج من ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها , فاقتصر صلى الله عليه وسلم في هذه الأحرف على ما يباين جميعهم " . ا هـ .
ومعنى" لا إله إلا الله " لا معبود بحق إلا الله , وهو في غير موضع من القرآن . ويأتيك في قول البقاعي صريحا .
قوله : ( وحده ) تأكيد الإثبات , " لا شريك له " تأكيد للنفي . قاله الحافظ . كما قال تعالى :( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمان الرحيم ) ـ البقرة ـ 163 ـ . وقال ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) ـ الأنبياء ـ 25 ـ . وقال : ( وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ـ الأعراف ـ 65 ـ . فأجابوه ردا عليه بقولهم : ( أجئتنا لنعبد الله وحده , ونذر ما كان يعبد آباؤنا ) ؟ ـ الأعراف ـ 70 ـ . وقال تعالى : ( ذلك بأن الله هو الحق , وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ) ـ الحج ـ 62 ـ .
فتضمن نفي الإلهية عما سوى الله . وهي العبادة , وإثباتها لله وحده لا شريك له , والقرآن من أوله إلى آخره يبين هذا ويقرره ويرشد إليه .
فالعبادة بجميع أنواعها إنما تصدر عن تأله القلب بالحب والخضوع والتذلل . رغبا ورهبا , وهذا كله لا يستحقه إلا الله تعالى , كما تقدم في أدلة هذا الباب وما قبله . فمن صرف من ذلك شيئا لغير الله فقد جعله لله ندا , فلا ينفعه مع ذلك قول ولا عمل .
ذكر كلام العلماء في معنى " لا إله إلا الله " :
قد تقدم كلام ابن عباس . وقال الوزير أبو المظفر في الإفصاح : " قوله : شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن يكون الشاهد عالما بأنه لا إله إلا الله , كما قال تعالى ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ـ محمد ـ 19 ـ قال : وإسم " الله " مرتفع بعد " إلا " من حيث أنه الواجب له الإلهية , فلا يستحقها غيره سبحانه " . قال : " وجملة الفائدة في ذلك : أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله , فإنك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله سبحانه كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله " .
وقال ابن القيم في البدائع ردا لقول من قال : إن المستثنى مخرج من المستثنى منه . قال ابن القيم :" بل هو مخرج من المستثنى منه وحكمه , فلا يكون داخلا في المستثنى ؛ إذ لو كان كذلك لم يدخل الرجل في الإسلام بقوله :" لا إله إلا الله " لأنه لم يثبت الإلهية لله تعالى . وهذه أعظم كلمة تضمنت بالوضع نفي الإلهية عما سوى الله , وإثباتها له بوصف الإختصاص . فدلالتها على إثبات إلهية أعظم من دلا لة قولنا : " الله إله " ولا يستريب أحد في هذا البتة " . انتهى بمعناه .
وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره لا إله إلا الله " أي لا معبود إلا هو "
وقال الزمخشري : " الإله : من أسماء الأجناس , كالرجل والفرس , يقع على كل معبود بحق أو باطل , ثم غلب على المعبود بحق "
وقال شيخ الإسلام :" الإله : هو المعبود المطاع ؛ فإن الإله هو المألوه . والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد , وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم ان يكون هو المحبوب غاية الحب , المخضوع له غاية الخضوع , قال : فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها , وتخضع له وتذل له , وتخافه وترجوه . وتنيب إليه في شدائدها , وتدعوه في مهماتها , وتتوكل عليه في مصالحها , وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن الى حبه , وليس ذلك إلا لله وحده , ولهذا كانت " لا إله إلا الله " أصدق الكلام , وكان أهلها أهل الله وحزبه , والمنكرون لها أعداؤه وأهل غضبه ونقمته , فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق , وإذا لم يصححها العبد , فالفساد لازم في علومه وأعماله .
وقال ابن القيم : " الإله : هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وإنابة , وإكراما وتعظيما , وذلا وخضوعا ,وخوفا ورجاءا وتوكلا " .
وقال ابن رجب :" الإله " هو الذي يطاع فلا يعصى , هيبة له وإجلالا , ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه , وسؤالا منه ودعاء له , ولا يصلح هذا كله إلا لله عز وجل . فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية , كان ذلك قدحا في اخلاصه في قول :" لا إله إلا الله " [ ونقصا في توحيده ] , وكان فيه من عبودية المخلوق , بحسب ما فيه من ذلك "
وقال البقاعي : " لا إله إلا الله " أي انتفاء عظيما أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم , فان هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة , وإنما يكون علما إذا كان نافعا , وانما يكون نافعاإذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه , وإلا فهو جهل صرف "
وقال الطيبي : " الإله فعال بمعنى مفعول , كالكتاب بمعنى المكتوب , من إله إلهة : أي عبد عبادة " .
قال الشارح :" وهذا كثير في كلام العلماء , وإجماع منهم " .
فدلت " لا إله إلا الله " على نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى كائنا ما كان , وإثبات الإلهية لله وحده دون كل ما سواه . وهذا هو التوحيد الذي دعت اليه الرسل ودل عليه القرآن من أوله الى آخره , كما قال تعالى عن الجن ( قل أوحي الي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا , يهدي الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) ـ الجن ـ 1 ـ 2 ـ فلا إله إلا الله , لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيا وإثباتا , واعتقد ذلك وقبله وعمل به . وأما من قالها من غير علم واعتقاد وعمل , فقد تقدم كلام العلماء : أن هذا جهل صرف , فهي حجة عليه بلا ريب .
فقوله في الحديث ( وحده لا شريك له ) تأكيد وبيان لمضمون معناها . وقد أوضح الله ذلك وبينه في قصص الأنبياء والمرسلين في كتابه المبين , فما أجهل عباد القبور بحالهم ! وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك المنافي لكلمة الإخلاص " لا إله إلا الله " , فإن مشركي العرب ونحوهم جحدوا " لا إله إلا الله " لفظا ومعنى . وهؤلاء المشركون أقروا بها لفظا وجحدوها معنى , فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بأنواع العبادة , كالحب والتعظيم , والخوف والرجاء , والتوكل والدعاء , وغير ذلك من أنواع العبادة . بل زاد شركهم على شرك العرب بمراتب , فإن أحدهم إذا وقع في شدة أخلص الدعاء لغير الله تعالى , ويعتقدون أنه أسرع فرجا لهم من الله , بخلاف حال المشركين الأولين , فإنهم كانوا يشركون في الرخاء , وأما في الشدائد فإنما يخلصون لله وحده , كما قال تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر إذا هم يشركون ) الآية ـ العنكبوت ـ 65 ـ . فبهذا يتبين أن مشركي أهل هذه الأزمان أجهل بالله وبتوحيده من مشركي العرب ومن قبلهم .
وقوله : ( وأن محمدا عبده ورسوله ) أي : وشهد بذلك , وهو معطوف على ما قبله على نية تكرار العامل , ومعنى " العبد " هنا : المملوك العابد , أي : إنه مملوك لله تعالى . والعبودية الخاصة وصفه , كما قال تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) ـ الزمر 36 ـ فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة والرسالة , فالنبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين . وأما الربوبية والإلهية , فهما حق الله تعالى , لا يشركه في شيء منهما ملك مقرب , ولا نبي مرسل .
وقوله : ( عبده ورسوله ) أتى بهاتين الصفتين وجمعهما دفعا للإفراط والتفريط ؛ فإن كثيرا ممن يدعي أنه من أمته أفرط بالغلو قولا وفعلا , وفرط بترك متابعته , واعتمد على الآراء المخالفة لما جاء به , وتعسف في تأويل أخباره وأحكامه , بصرفها عن مدلولها , والصدوف عن الإنقياد لها مع إطراحها , فإن شهادة أن محمدا رسول الله تقتضي الإيمان به , وتصديقه فيما أخبر , وطاعته فيما أمر , والإنتهاء عما عنه نهى وزجر , وأن يعظم أمره ونهيه , ولا يقدم عليه قول أحد كائنا من كان . والواقع اليوم وقبله ـ ممن ينتسب إلى العلم من القضاة والمفتين ـ خلاف ذلك , والله المستعان .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
المصدر : فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ـ ص ـ 49 ـ
للشيخ عبد الرحمان بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب النجدي الحنبلي رحمه الله .
.................
بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - عن معنى ( لا إله إلا الله ) , فأجاب بقوله : اعلم رحمك الله تعالى أن هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام [1] .
ـــــــــــــــــــــــــ ــ
الشرح :
لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه , وبعد :
كلمة ( لا إله إلا الله ) كلمة عظيمة خفيفة على اللسان , وهي عظيمة في الميزان ؛ لانها في الحقيقة هي مضمون الإسلام , ولكن هذه الكلمة ليست مجرد لفظ بل لها معنى , ولها مقتضى , ولها أركان ولها شروط لابد من معرفتها , ولو كان القصد مجرد التلفظ بها صار كل من يقولها مسلما ؛ لأنه سهل أن يقول : ( لا إله إلا الله ) ويصير مسلما , ولو لم يعمل شيئا , فهذه كلمة عظيمة , ولكن لها معنى , ولها مقتضى , ولها أركان , ولها شروط لابد من تحقيقها , ولهذا فإنها لا تنفع إلامع وجود هذه المذكورات .
وهذه الكلمة لها أسماء , منها أنها كلمة الإخلاص ؛ لأنها تنفي الشرك بالله - عز وجل - , وتثبت العبادة لله - عز وجل - لذلك سميت كلمة الإخلاص , أي : إخلاص التوحيد وإخلاص العبادة , وتجنب الشرك بالله عز وجل .
وتسمى كلمة التقوى , كما قال تعالى : (( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيئ عليما )) [ الفتح 26 ] , وكلمة التقوى , هي : ( لا إله إلا الله ) لأنها تقي من قالها مخلصا لله - عز وجل - تقيه من النار ؛ ولأنها تقتضي أعمال البر ؛ لأن التقوى هي أعمال البر والطاعات , هذه الكلمة تقتضي كل أعمال البر والطاعة , فهي كلمة التقوى .
وأيضا هي العروة الوثقى , كما قال تعالى : (( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم )) [ البقرة 256] ( يكفر بالطاغوت , ويؤمن بالله ) هذا هو معنى ( لا إله إلا الله ) , أنه يكفر بالطاغوت هذا هو معنى ( لا إله ) , ويؤمن بالله هذا هو معنى ( إلا الله ) فمعنى يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله هو مقتضى ( لا إله إلا الله ) ولذلك سميت العروة الوثقى . وأيضا هي كما قال الشيخ : الفارقة بين الكفر والإسلام , فمن قالها عالما بمعناها , عاملا بمقتضاها صار مسلما , ومن أبى أن يقولها , أو قالها , ولكن لم يعلم معناها , أو قالها ولم يعمل بمقتضاها , لم يكن مسلما , حتى يعرف معناها ويعمل بمقتضاها ظاهرا وباطنا .
هذه أسماء ل ( لا إله إلا الله ) : كلمة الإخلاص , كلمة التقوى , العروة الوثقى , الكلمة الفاصلة بين الكفر والإسلام ؛ لأن كثيرا من الناس لا يهتمون بمقتضى هذه الكلمة , مع أنهم يكثرون من النطق بها وذكرالله بها كالصوفية , فلهم أوراد صباحية ومسائية فيها ( لا إله إلا الله ) آلاف المرات , ولكنهم يدعون غير الله , فهي لا تفيدهم شيئا ؛ لأنهم لم يعملوا بمقتضاها , فهم يقولونها , ويقرءونها في أورادهم ويكررونها , ولكن يدعون الموتى , ويستغيثون بالمقبورين , ويطيعون مشايخ الطرق الذين يشرعون لهم عبادات لم يشرعها الله ولا رسوله , فلا يتلقون التشريع عن الرسول صلى الله عليه وسلم , وإنما يتلقونه عن مشايخهم , فهؤلاء يكثرون النطق ب ( لا إله إلا الله ) صباحا ومساءا , ولا يغني عنهم نطقهم بها شيئا , ولا يفيدهم شيئا .
ومن الصوفية من لا ينطق بها كاملة , وهؤلاء بزعمهم أنهم صاروا خواص الخواص , لا يقولون لا إله إلا الله , بل يقولون : الله الله , هذا ذكرهم , يرددون الله الله الله , مع أنه لابد أن تأتي بجملة مفيدة , أما الله الله , فهو إسم مجرد , فهو لا يفيد شيئا , وبعضهم لا يقول لفظ الجلالة بل يقول : هو هو هو , ضمير غائب , وهذا لا يفيد شيئا لأنه تلاعب بهذه الكلمة , فيجب التنبه لهذه الأمور , لأن الشيطان لما علم أن هذه الكلمة هي كلمة الإسلام , وكان عند الناس رغبة في النطق بها , والذكر بها , صرفهم عنها بهذه الحيل , وأتى لهم بهذه الوساوس , وقال لهم : قولوا : الله الله , أو قولوا : هو هو , وبعضهم لا يتلفظ لا بالله ولا بهو , وإنما يقولها بقلبه فقط , كل هذا تلاعب من الشيطان , فيجب التنبه لهذا .
ومن الناس من يغفله الشيطان عن قول ( لا إله إلا الله ) , فلا يقولها إلا نادرا , ولا يذكر الله بها إلا قليلا , ولا يكررها مع أنها ثقيلة في الميزان , كما جاء في ( كتاب التوحيد ) أنها لو وضعت في كفة , ووضعت السماوات ومن فيها غير الله , والأرض ومن فيها في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله , فهي تثقل بمن في السماوات ومن فيها غير الله , والأرض وبمن فيها , فهي كلمة عظيمة , ولكن قل من يتنبه لها ويستحضرها , ويعود لسانه على النطق بها وتكرارها , إلا من وفقه الله سبحانه وتعالى .
----------------------------
المصدر: سلسلة شرح الرسائل لشيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب
تأليف الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
...........................
وهي كلمة التقوى , وهي العروة الوثقى , وهي التي جعلها إبراهيم - عليه السلام - باقية في عقبه لعلهم يرجعون [2] .[2] وهذه الكلمة ( لا إله إلا الله ) هي التي عناها إبراهيم - عليه السلام - في قوله : (( إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني )) [ الزخرف 26-27 ] هذا هو معنى ( لا إله إلا الله ) , (( إنني براء )) هذا معنى النفي (لا إله ) , (( إلا الذي فطرني )) هذا معنى الإثبات ( إلا الله ) (( وجعلها )) أي إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - جعل هذه الكلمة (( كلمة باقية في عقبه )) في ذريته , فلا يزال فيهم من يقول : ( لا إله إلا الله ) لم يتركوها كلهم , ولم يشركوا كلهم , بل فيهم من قالها , واستقام عليها , ولو كان عددا قليلا أو أفرادها , فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم , بعث بهذه الكلمة , قال صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : ( لا إله إلا الله ) فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " . فالرسول بعث بـ (لا إله إلا الله ) وهي الكلمة التي جعلها جده إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - باقية في عقبه , وكان محمد صلى الله عليه وسلم من عقب إبراهيم , وبعثه الله بها يدعو الناس إليها , ويقاتلهم عليها , فهي كلمة عظيمة , (( ولعلهم يرجعون )) أي: يرجعون إليها , وببعثه محمد صلى الله عليه وسلم رجع إليها الكثير من ذرية إبراهيم , فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث بهذه الكلمة والدعوة إليها وتحقيقها والعمل بها , بل إن كل الرسل بعثوا بها , قال تعالى (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) [ النحل 36 ] , هذا معنى ( لا إله إلا الله ) , (( اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) هذا معنى النفي والإثبات , (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ))[ الأنبياء 25] . (( ينزّل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده )) الأنبياء والرسل (( أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون )) [ النحل 2 ] كل الرسل بعثوا بـ ( لا إله إلا الله ) , ولكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام جعلها كلمة باقية في عقبه إلى أن تقوم الساعة , ولا يزال في ذرية إبراهيم من يتوارث هذه الكلمة علما وعملا وتحقيقا , وإن أعرض عنها الأكثرون .
وليس المراد قولها باللسان مع الجهل بمعناها [3] .
[3] ليس المقصود قول : لا إله إلا الله باللسان فقط من غيرفهم لمعناها , لا بد أن تتعلم ما معنى ( لا إله إلا الله ) ؟ أما إذا قلتها وأنت لا تعرف معناها , فإنك لا تعتقد ما دلت عليه , فكيف تعتقد شيئا تجهله , فلا بد أن تعرف معناها حتى تعتقده , تعتقد بقلبك ما يلفظ به لسانك , فلازم أن تتعلم معنى ( لا إله إلا الله ) , أما مجرد نطق اللسان من غير فهم لمعناها فهذا لا يفيد شيئا .
أيضا لا يكفي الإعتقاد بالقلب , ونطق اللسان , بل لا بد من العمل بمقتضاها , وذلك بإخلا ص العبادة لله , وترك عبادة من سواه سبحانه وتعالى , ( فلا إله إلا الله ) كلمة نطق وعلم وعمل , ليست كلمة لفظ فقط , أما المرجئة فهم يقولون: يكفي التلفظ بـ ( لا إله إلا الله ) , أو يكفي التلفظ بها مع اعتقاد معناها والعمل ليس بلازم , من قالها ولو لم يعمل شيئا من لوازمها هو من أهل الجنة , ولو لم يصلّ ولم يزكّ , ولم يحج , ولم يصم , ولو فعل الفواحش والكبائر والزنا والسرقة وشرب الخمر , وفعل ما يريد من المعاصي , وترك الطاعات كلها , لأنه تكفيه ( لا إله إلا الله ) عندهم , هذا مذهب المرجئة , الذين يخرجون العمل من حقيقة الإيمان , ويعتبرون العمل إن جاء فبها ونعمت , وإن لم يجئ , فإنها تكفي ( لا إله إلا الله ) عندهم , ويستدلون بأحاديث تفيد أن من قال : ( لا إله إلا الله ) دخل الجنة , ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما اقتصر على هذه الأحاديث , فالرسول صلى الله عليه وسلم له أحاديث أخرى تقيد هذه الأحاديث , ولا بد أن تجمع بين كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بعضه إلى بعض , لا أن تأخذ منه طرفا وتترك طرفا ؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضا , ويبين بعضه بعضا , أما الذي يأخذ طرفا ويترك طرفا فإنه من أهل الزيغ الذين يتبعون (( ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)) [ آل عمران 7 ] الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" من قال : لا إله إلا الله وكفر بما عُبد من دون الله وهذا حديث صحيح , فلماذا غفلتم عنه ؟ وقال صلى الله عليه وسلم : "فإن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله , يبتغي بذلك وجه الله " , أما الذي يقول : لا إله إلا الله , ولا يكفر بما يعبد من دون الله , ويدعو الأولياء والصالحين , فإن هذا لا تنفعه ( لا إله إلا الله ) لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضا , ويقيد بعضه بعضا , فلا تأخذ بعضه وتترك بعضه , والله سبحانه وتعالى يقول : (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه )) [ آل عمران 7] يأخذون الذي يصلح لهم , ويتركون الذي لا يصلح لهم , ويقولون : استدللنا بالقرآن , نقول : ما استدللتم بالقرآن , القرآن إن قال كذا قال كذا , فلماذا تأخذون بعضا وتتركون بعضا .
(( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) المحكم والمتشابه , فيردون المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به ويقيدونه به , ويفصّلونه , أما أنهم يأخذون المتشابه ويتركون المحكم , فهذه طريقة أهل الزيغ , فالذين يأخذون بحديث أن من قال :" لا إله إلا الله دخل الجنة " , ويقتصرون على هذا , ولا يوردون الأحاديث الواضحة التي فيها القيود , وفيها التفصيل , فهؤلاء أهل زيغ , فيجب على طالب العلم أن يعرف هذه القاعدة العظيمة ؛ لأنها هي جماع الدين , وهي أساس الملة , ليس المقصود أنك تأخذ آية أو حديثا وتترك غيره , بل المقصود أنك تأخذ القرآن كله , وتأخذ السنة كلها , وكذلك كلام أهل العلم , العالم إذا قال كلاما لا تأخذه وحده حتى ترده إلى كلامه الكامل , وتتبع كلامه في مؤلفاته ؛ لأنه يقيد بعضه بعضا ؛ لأنهم على سنن كتاب الله وسنة رسوله , فترد المطلق إلى المقيد من كلامهم , فطالب العلم يجب عليه أن يأخذ هذه القاعدة معه دائما , ويحذر من طريقة أهل الزيغ الذين يأخذون الذي يصلح لهم , ويتركون الذي لا يصلح لهم من الكتاب , ومن السنة , ومن كلام أهل العلم , ويبترون النقول , ويتركون باقي الكلام , أو يتركون الكلام الثاني الذي يوضحه , ويأخذون الكلام المشتبه ويتركون الكلام البين , كثير من الذين يدّعون العلم غفلوا عن هذا الشيء , إما عن قصد التضليل , وإما عن جهل , فيجب معرفة هذه الأمور , وأن تكون أصولا وقواعد عند طالب العلم .
فإن المنافقين يقولونها , وهم تحت الكفار (( في الدّرك الأسفل من النار )) [4] .
[4] المنافقون الذين هم (( في الدّرك الأسفل من النار )) [ النساء 145] هم الذين يظهرون الإسلام , ويبطنون الكفر ؛ لانه لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وصار حوله المهاجرون والأنصار , وقوي الإسلام , وانتصر الدين في بدر , تلك الواقعة العظيمة التي طار خبرها في المشارق والمغارب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انتصر على صناديد قريش , وقريش كانت تاج العرب وكان الناس ينظرون إليها , فلما انتصر عليها صلى الله عليه وسلم في بدر , وقتل رءوسها عند ذلك قال المنافقون : نحن وقعنا في المدينة بين المهاجرين والأنصار ومعهم الرسول , وماذا نعمل ؟ لجأوا إلى حيلة , وهي أنهم يظهرون الإسلام من أجل أن يعيشوا مع المسلمين ويحافظوا على دماءهم وأموالهم , والرسول صلى الله عليه وسلم ليس له إلا الظاهر , لا يدري عن القلوب إلا الله سبحانه وتعالى , فمن أظهر الإسلام قبلناه منه حتى يظهر منه ما يخالف ظاهره .
وقالوا : ( لا إله إلا الله ) وشهدوا للرسول بالرسالة ظاهرا كما قال الله تعالى : (( إذا جآءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون , اتخذوا أيمانهم جُنة )) [المنافقون 1-2] [ جُنة : يعني سترة يستترون بها ].
فالمنافقون دخلوا في الإسلام - لما رأوا قوة المسلمين - ظاهرا , وبقوا على الكفر باطنا , والعياذ بالله , ولذلك جعلهم الله في الدرك الأسفل من النار تحت المشركين , عبدة الأوثان , تحت الملاحدة , لعظيم جرمهم وخداعهم ومكرهم (( يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون )) [ البقرة 9] فالمنافق يقول : لا إله إلا الله , وهو في الدرك الأسفل من النار , فكيف تقولون : إن ( لا إله إلا الله ) يكفي مجرد التلفظ بها , وهؤلاء المنافقون في الدرك الأسفل من النار , وهم يقولون : ( لا إله إلا الله ) ؟ فدل أن مجرد النطق بها لا يكفي إلا باعتقاد القلب وعمل الجوارح .
مع كونهم يصلون ويتصدقون [5] .
[5] المنافقون يصلون ويتصدقون ويخرجون للجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الظاهر , ولكنهم منافقون في قلوبهم , وهم يقولون : ( لا إله إلا الله ) ولم تنفعهم .
ولكن المراد قولها مع معرفتها بالقلب , ومحبتها ومحبة أهلها وبغض من خالفها ومعاداته [6] .
[6] المراد من ( لا إله إلا الله ) قولها باللسان مع اعتقاد القلب بها , والعمل بمقتضاها , وموالاة أهلها , ومعاداة من خالفها , وهذا هو الحب في الله , والبغض في الله , هذه كلها من مقتضى ( لا إله إلا الله ) ولهذا قالوا : ( لا إله إلا الله ) لها سبعة شروط , نظمها بعض العلماء بقوله :
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ محبة وانقياد والقبول لها
زاد الشيخ سعد بن عتيق - رحمه الله - شرطا ثامنا فقال :
وزد ثامنها الكفران منك بما ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ سوى الإله من الأشياء قد ألها
وركنا ( لا إله إلا الله ) هما النفي والإثبات , فلا يكفي النفي , ولا يكفي الإثبات , بل لابد من الإثنين .
ٌٌٌُ
----------------------------
المصدر: سلسلة شرح الرسائل لشيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب
تأليف الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
.........................
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" من قال : لا إله إلا الله , مخلصا " , وفي رواية :" خالصا من قلبه " , وفي رواية :" صادقا من قلبه " , وفي حديث آخر: " من قال : لا إله إلا الله , وكفر بما يعبد من دون الله " .[7]
7 " من قال : لا إله إلا الله , مخلصا " هذا قيد , لم يقتصر على قوله :" من قال : لا إله إلا الله " بل قال :" مخلصا من قلبه " , لا يكفي أنه يقول : ( لا إله إلا الله ) حتى يكون ذلك خالصا من قلبه ؛ لئلا يكون من المنافقين الذين يقولونها بألسنتهم ولكن لا يقولونها بقلوبهم .
و" من قال : لاإله إلا الله , وكفر بما عُبد من دون الله " هذا قيد عظيم وهو قوله :" وكفر بما عبد من دون الله " لأن كثيرا يقولون : ( لا إله إلا الله ) ولا يتركون عبادة القبور , ودعاء الأموات , والإستغاثة بهم , وطلب الحاجات من غير الله , هؤلاء لا تنفعهم ( لا إله إلا الله ) ؛ لأنهم لم يكفروا بما يعبد من دون الله .
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على جهالة أكثر الناس بهذه الشهادة [8] .
[8] أكثر الناس يجهلون هذه الشهادة , يحسبونها مجرد لفظ يقال باللسان , وكثير من العلماء لا يفهمون معنى ( لا إله إلا الله) وهم علماء في الفقه , علماء في النحو , علماء في الحديث , ولكن أكثرهم ليس له عناية بالتوحيد , أو يتعلم عقيدة الأشاعرة وعلماء الكلام , التي تقتصر على توحيد الربوبية , ويقولون : ( لا إله إلا الله ) ويفسرونها : لا خالق إلا الله , لا يقدر على الإختراع إلا الله , هذا تفسيرهم لها , فهم لا يتعدّون توحيد الربوبية , ويفسرون ( لا إله إلا الله ) بما لا يزيد عن توحيد الربوبية , ولا يتعرضون لتوحيد الألوهية الذي هو مطلوب لـ (لا إله إلا الله ) اقرءوا عقائد المتكلمين تجدون أنهم يركزون على إثبات وجود الله , وكأن الله فيه شك , والإعتراف بأنه هو الخالق الرازق المحيي المميت إلى آخره , ولا يذكرون العبادة , ولا يذكرون الألوهية أبدا , هذا لا يزيد على دين المشركين الذين قال الله فيهم :(( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبّر الأمر فسيقولون الله )) [ يونس 31] يثبتون الرب ولكن يعبدون غيره , (( ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعؤنا عند الله )) [ يونس 18] ما يقولون : إنهم يخلقون ويرزقون , ولكن يقولون : إنهم شفعاء وسطاء لنا عند الله , فالأمر خطير جدا فهناك لبس كثير في هذا الأمر , وضل كثير من الناس بهذا اللبس , الذي يخلص التوحيد ويبين معنى ( لا إله إلا الله ) يقولون : هذا يكفر المسلمين , نحن نبرأ إلى الله من الذي يكفر المسلمين , نحن ما نكفر إلا من كفره الله ورسوله , فالذي لا يحقق ( لا إله إلا الله ) قد كفره الله ورسوله .
فاعلم أن هذه الكلمة نفي وإثبات [9] .
[9] هذه الكلمة لها ركنان : هما نفي وإثبات , فلا يكفي النفي , ولا يكفي الإثبات , بل لابد من الإثنين مقترنين , كما قال تعالى : (( فمن يكفر بالطغوت ويؤمن بالله )) [ البقرة : 256] ما قال : ( يكفر بالطاغوت ) فقط , بل قال : ( ويؤمن بالله ) , ولا قال : من ( يؤمن بالله ) ولم يذكر الكفر بالطاغوت, لابد من الإثنين .
نفي الإلهية عما سوى الله سبحانه وتعالى من المرسلين حتى محمد صلى الله عليه وسلم , ومن الملائكة حتى جبريل , فضلا عن غيرهما من الأنبياء والصالحين , وإثباتها لله عز وجل [10] .
[10] ( نفي الإلهية عن كل ما يعبد من دون الله ) من المخلوقات , ولو كان من أصلح الصالحين , فأصلح البشر هو محمد صلى الله عليه وسلم , وأصلح الملائكة هو جبريل , ومع هذا لو أن أحدا يعبد جبريل أو يعبد محمدا , فإنه يكون مشركا خالدا في النار ؛ لأن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد , لا من الملائكة , ولا من الأنبياء , ولا من الصالحين , ولا من الأشجار والأحجار , ولهذا يقول : (( ولا يشرك بعبادة ربه أحد )) [ الكهف 110] ( أحدا ) هذا عام , (( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا )) [ النساء :36] أي : شيء و هذا نفي عام , والمنفي نكرة , والنكرة في سياق النفي تعم كل شيء .
----------------------------
المصدر: سلسلة شرح الرسائل لشيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب
تأليف الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
.............................
سئل سماحة الوالد الشيخ ابن باز رحمه الله عن مايلي فأجاب . السؤال : ماهي شروط قول ( لا إله إلا الله ) وهل يكفي التلفظ بها فقط دون فهم معناها وما يترتب عليها ؟
الجواب : ( لا إله إلا الله ) أفضل الكلام , وهي أصل الدين وأساس الملة وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أقوامهم . فأول شيء بدأ به الرسول قومه أن قال قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا , قال تعالى :(( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) وكل رسول يقول لقومه (( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )) فهي أساس الدين والملة ولابد أن يعرف قائلها معناها , فهي تعني أنه لا معبود بحق إلا الله . ولها شروط وهي : العلم بمعناها واليقين وعدم الشك بصحتها والإخلاص لله في ذلك وحده والصدق بقلبه ولسانه والمحبة لما دلت عليه من الإخلاص لله وقبول ذلك والإنقياد له وتوحيده ونبذ الشرك به مع البراءة من عبادة غيره ,واعتقاد بطلانها , وكل هذا من شرائط قول لا إله إلا الله وصحة معناها .يقولها المؤمن والمؤمنة مع البراءة من عبادة غير الله ومع الإنقياد للحق وقبوله والمحبة لله وتوحيده والإخلاص له وعدم الشك في معناها فإن بعض الناس يقولها وليس مؤمن بها كالمنافقين الذين يقولونها وعندهم شك أو تكذيب فلا بد من علم ويقين وصدق وإخلاص ومحبة وانقياد و قبول وبراءة ,وقد جمع بعضهم شروطها في بيتين فقال : علم يقين وإخلاص وصدقك مع *** محبة وانقياد والقبـــــــــــول لها وزيد ثامنها الكفران منك بـــــما *** سوى الاله من الأشياء قد ألها وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
نشر في مجلة الدعوة العدد 1018 يوم الإثنين 2931407هـ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله .
..................................
الشيخ أحمد بن يحي النجمي - حفظه الله -
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله , وأن عيسى عبد الله ورسوله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه , والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " أخرجاه .
عبادة بن الصامت الأنصاري رضي الله عنه هو أحد النقباء ليلة العقبة , وأحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهورين , وأحد أصحاب بدر , مات بالرملة سنة 34هـ وله 72 سنة .
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله " .
يشترط في شهادة أن لا إله إلا الله شروطا لابدّ من توفرها فيمن ينطق بها :
1- بأن يكون عارفا بمعناها , وهو النفي والإثبات .
2- ومن شروطها: العلم المنافي للجهل , وهو مقتضى ما ذكرته من العلم بها ؛ لأن الله تعالى يقول :(إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) [ الزخرف 86] .
3- ومن شروطها : اليقين المنافي للشك ؛ بأن لا يشك في ذلك أي : في وحدانية الله بالألوهية .
4- ومن شروطها : القبول المنافي للرد ؛ بأن يكون قابلا لمعناها وما تقتضيه .
5- ومن شروطها : الإنقياد المنافي للترك ؛ بأن يكون منقادا لما تقتضيه .
6- ومن شروطها : الإخلاص المنافي للشرك .
7- ومن شروطها : الحب المنافي للبغض .
8- والصدق المنافي للكذب .
إذا يشترط في قائلها أن تتوفر فيه هذه الشروط بأن يكون على علم بما تقتضيه , وهي تقتضي وحدانية الله بالألوهية , وأنه لا يشاركه فيها أحد , قال تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) [ الأنبياء 22 ] وقوله : ( قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) [ الإسراء 42] , فمن نطق بهذه الشهادة عارفا بمعناها عاملا بمقتضاها نافيا لما نفت مثبتا لما أثبتت ؛ مؤكدا وحدانية الله وعدم الشريك له بقوله : " وحده لا شريك له " ونطق بشهادة أنّ محمدا رسول الله موقنا بأن محمدا عبد الله ورسوله لا يقبل الله من أحد دينا ولا عبادة لم تكن من طريقه صلوات الله وسلامه عليه , فمن نطق بهاتين الشهادتين على نحو ما ذكر , فذلك هو الناجي من عذاب الله , الحاصل على ثوابه وجنته .
ومن مكمّلات هذا الإعتقاد :" وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " وتلك الكلمة هي قوله تعالى لعيسى :( كن) كما يقول - سبحانه وتعالى :( إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )[ آل عمران 59] , وبهذه الشهادة تنفي عقيدة النصارى فيه التي هي عقيدة البنوة , والتثليث حيث اعتقدوا في عيسى أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة , فغلوا فيه , ووضعوه في غير موضعه , وتنفي بذلك - أيضا - عقيدة اليهود الذين زعموا أنه ولد زنا , وعلى الجميع من اليهود والنصارى عليهم من الله ما يستحقون من الغضب والمقت , والمسلم يبرأ إلى الله من هذه العقائد , ويعترف بعقيدة التوحيد لله وبأنه ليس له ولد ولا صاحبة , وأن الجنة حق وهي جزاء الموحّدين المتقين , والنار حق , وهي جزاء للمشركين الكافرين , من اعتقد هذه العقيدة عاش بخير , ومات بخير وأدخله الله الجنة على ما كان منه من العمل علما بأن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل إلا بالكفر بالطاغوت , والإيمان بالله .
معنى قوله صلى الله عليه وسلم :" أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " أي : أنه سيكون مآله إلى الجنة سواء كان قبل عذاب أو بعد عذاب , المهم أن نهايته أي : نهاية من يموت على التوحيد والإيمان تكون إلى الجنة , وهو تحت المشيئة , فإن مات مصرّا على الكبائر فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ما يستحق من العذاب , ثم أخرجه من النار , وأدخله الجنة ؛ أمّا إذا مات ولم يكن عنده كبائر مصّر عليها حتى ولو كان قد تعاطى شيئا من الكبائر , ثم تاب ومات على التوبة , فإنه يرجى له أن يدخله الله الجنة بدون عذاب ؛ لقوله تعالى : (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مُدخلا كريما ) [ النساء 31] .
قوله : ولهما في حديث عتبان رضي الله عنه :" فإن الله حرم على النار من قال لاإله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " على أن المراد بالنار هنا نار الكفار التي يخلد من دخلها فلا يخرج منها أبدا , وإما أن يحمل قوله:" حرم على النار " أي : حرم على قائل ذلك الخلود في النار وأنّ كل موحد نهايته الجنة .
قوله : وعن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" قال موسى يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به ..." الحديث [1]. يؤخذ من هذا عظم كلمة التوحيد , وأنها تعدل كل الأجرام العظام ؛ وهي السماوات السبع , والأرضين السبع , ومن فيهن, وما بينهما , تعادلها في الوزن , بل وتزيد عليها , وما ذلك إلا لعظمة من شهد له بوحدانية الألوهية - جل وعز - من إله .
قوله : وللترمذي و حسّنه عن أنس رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى :( يا ابن آدم لو آتيتني بقراب الأرض خطايا , ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ) قراب الأرض أي : ما يقارب ملأها , وهذا الحديث يتضمن أنّ من لقي الله - عز وجل - بالتوحيد ؛ فإنه يرجو من الله - عز وجل - المغفرة , وبالله التوفيق .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
[1] : وعن أبي سعيد الخذري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال موسى عليه السلام : يا رب , علمني شيئا أذكرك وأدعوك به . قال : قل يا موسى : لا إله إلا الله . قال : يا رب كل عبادك يقولون هذا ؟ . قال : يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرُهن غيري والأرضين السبع في كفة , ولا إله إلا الله في كفة , مالت بهن لا إله إلا الله ) . رواه ابن حبان والحاكم وصحّحه .
رواه: ابن حبان برقم (2324), والحاكم ( 528/1) وصححه ووافقه الذهبي , و البيهقي ( في الأسماء والصفات ) [ ص 102] . وعزاه الهيثمي في المجمع ( 82/10 ) لأبي يعلى , وقال : ((رجاله وثقوا على ضعف فيهم )) .
وفيه دراج بن سمعان , أبو السمح , وهوضعيف . أنظر" تقريب التهذيب " ( 235/1) .
[1] من كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
المصدر : الشرح الموجز الممهد لتوحيد الخالق الممجد لفضيلة الشيخ أحمد بن يحي النجمي - حفظه الله -
........................
[center]