عشائر العراق الكردية , اسماء عشائر العراق الكردية , اشهر القبائل العربية الكردية في العراق , عشائر العراق الكردية وانسابها عشائر العراق الكردية , اسماء عشائر العراق الكردية , اشهر القبائل العربية الكردية في العراق , عشائر العراق الكردية وانسابها عشائر العراق الكردية , اسماء عشائر العراق الكردية , اشهر القبائل العربية الكردية في العراق , عشائر العراق الكردية وانسابها
الكردية
يبحث في أصل العشائر الكردية وتفرعاتها ومواطن سكناها
وما يتعلق بسائر أحوالها التاريخية والحاضرة
بِسْمِ اللهِ الرَحمن الرَحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلوة والسلام على الرسول الكريم محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فأقدم للقراء الأفاضل كتاباً جديداً من نوعه في عشائر العراق، لم يسبق أن كتب أحد كتاباً في موضوعه في اللغة العربية، أو زاول مباحثه بسعة فيها ولما كان أول تجربة فلا شك أنه لا يخلو من نقص مهما بالغت في الإتقان، وليس الأمر مما يتيسر القيام به لواحد، ولا يكفي فيه التتبع الفردي، والأمر الاجتماعي يحتاج الى تكاتف لتثبيته ومراعاته. والمرء لا يستطيع البت في كافة المطالب الاجتماعية، ولا يحيط بها، وانما الالتفات يتأتى بضم الجهود والمراجعات العميقة، والتعاون في العمل وأرجو أن يتم ذلك على يد أفاضل كثيرين، فلم أتردد في نشر ما علمت، وما لا يدرك كله لا يترك جله. فلا شك ان هذه البضاعة المزجاة لا تعدم فائدة. وآمل أن تنال القبول وتكون فاتحة خير لمباحث أخرى من نوعها. والله ولي التوفيق وبه الاستعانة.
المقَدّمَة
منذ أمد بعيد جداً أحاول التدوين عن الشعوب العراقية، وما كان لها من أثر أو تأثير في العراق في مختلف أنحائه، وتاريخ هذه الشعوب واسع الأطراف، طويل الذيل، متشعب جداً، لم يعهد أن عرفنا شعوبه معرفة صحيحة، لما ينتابها من الغموض، وما يتولاها من عماء وقلة نصوص. وهذه الشعوب لم تلاحظ منفردة، ولا بحث فيها العلماء بصورة منتظمة ومضطردة. والنتف القليلة، أو بعض الأوصاف لا تغني الباحث، ولا تروي غلته.. خصوصاً بينها ما يعد نبزاً.
والحالة العشائرية تبصر أكثر في الأسس الاجتماعية من جراء أنها تعد ابتدائية وبسيطة، فلا تدع مجالا للتشعب والانتشار، فهي أولى في البيان وأحق بالرعاية، ومنها يتعين أصل المباحث، ومهماتها.. لتكون الحالة أقرب الى بدء التكوين، ثم ما يتلوه يعين الأوضاع بصورة أكمل وهكذا حتى منتهى الثقافة.
والعراق في الحقيقة يستمد نفوسه من ناحيتين مهمتين إحداهما العرب، والأخرى الكرد، فمنهما يستقى غالب نفوسه، وبهما قوام حضارته، فيسد الخلل الناجم في النفوس من الأمراض والأوبئة أو الحوادث الأخرى فالجبل منبع كبير، وكذا جزيرة العرب، فكانا عماد المجتمع وركنه الركين. فلا نستطيع أن نغفل أمر واحد منهما، والاكتفاء بالآخر، فكل تناقص أو خلل يعوض بما هنالك، ويزيد في النشاط ويجدد الحياة والدم. وتاريخ الكرد، وعشائرهم في العراق قديم كقدم العرب فيه، فهما صنوان متكاتفان، الواحد متمم للآخر، أو عونه ومدار عزه ونصرته.
والعشائر الكردية موضوع بحثنا لها مزايا وأوصاف جليلة، تستحق كل إطراء، ولا تخلو أمة من معايب، في نظر غيرها وهذه لا تكون مدار الاقتداء ولا وسيلة المتابعة، وإنما يجب أن نحرص على المزايا الفاضلة عند الكل، واقتباس ما يصلح، وما يليق أن يكون قدوة.. والعرب والأقوام الآخرون بحثوا في سجايا الأقوام، ودونوا عنها، ولم يتركوا حتى الحيوان للانتفاع بخصاله وما الأمثال المضروبة، والحكايات المنقولة الا تدابير للاستسقاء من معينها وجعلها واسطة للانتباه.
وهذه الأمة مجاورة للعرب، ومساكنة للعراق وهي من أعظم الشعوب العراقية فالإنصاف يدعونا أن لا نهمل أمرها، ولا نتركها ظهرياً بلا علم ولا كتاب مبين، فنقف على حياتها ومعيشتها في رحلة الشتاء والصيف، فتكون المعرفة بها في متناول كل أحد بدراسة غير منقطعة، يكمل بعضها الآخر حتى تكون عميقة، وقد قيل قديماً "العلم كله في العالم كله" فلا تستقر المعرفة، ولا تقتصر على عدد معدود. بل أقول أكثر ما علمته من أصل القوم، وحالاتهم الاجتماعية، وما شاهدته فتأثرت به من مشاهد ومطالب، كان أصل المادة، وأما ضم الجهود، ومراعاة الفكرات المختمرة بالرجوع الى التاريخ ونصوصه فهذه بذلت لها المستطاع، لتكون كاملة، أو بالتعبير الأولى أن تكون مقدمة التوسع والتكميل، والزيادة والتعديل والتصحيح.
جربت هذا الموضوع، وبحثت كثيراً، وحررت المشاهدات، وأوردت النصوص المنقولة، والأمل أن يجد المرء ما يطمئن بعض رغبته.
الموضوع
في هذه المباحث لا يهمنا الا "عشائر العراق"، فلا نتجاوزها الى غيرها الا لعلاقة مشهودة، أو اتصال مكين. لا نهمل العلاقات بالمجاورين، لا سيما عشائر الحدود، ومكانتها من هذه الناحية. ولما كانت القبائل متفاوتة في المكانة، فالضرورة تدعونا أن نفصل بعض النواحي، ونجمل الأخرى.. وفي حالات التماثل لا نكرر الوصف ولا نعيده الا لسبب ولا نخرج عن ذلك الا لحاجة اقتضت..
وفي هذا سوف لا نفصل بين البدو، وأهل الأرياف كما في "العشائر العربية" لأن العشائر الكردية في الغالب من أهل الأرياف، وقد استقرت من زمن بعيد جداً، ولم يبق منها على البداوة الا القليل، وهؤلاء في الحقيقة أقرب الى الحضارة، وسكنى القرى والمدن ومن هذه الجهة نرى الفروق بارزة، والأوصاف واضحة بينهم وبين العرب لما سنتناوله في محله سواء عند الكلام على القبيلة، أو أثناء ذكر القبائل بصورة عامة مما يصلح للاشتراك ويعم الجميع..
ومن ثم سوف نعين القبائل العراقية، وبعد ذلك نراعي الحالة العامة، ولا يهمنا سرد المطالب بمفرداتها.. الا أننا نقدم بعضها للدخول في مثل هذا الأمر لنجعله كتمهيد، ولا نتجاوز الحد المألوف في البسط والتوضيح.. وإنما نراعي الضروري لمعرفة الشعب، فنجعله الوسيلة للغرض الذي توخيناه.
وغالب القبائل متفرقة المواطن غير مجموعة فقد رأينا ان القبائل الكردية غير تابعة للواء بعينه أو مقصورة على مواطن بخصوصه، فذكرنا ما وصل إلينا خبره منها دون تقيد، وان عشائر كل لواء معروفة فلا يهمنا إلا أن نبسط القول في الواحدة تلو الأخرى مرجحين ترتيب الألوية بقدر الإمكان وان كان الاشتراك مشهود في بعضها.
وكنا نعتقد إن مجلداً واحداً يكفي لجميع هذه القبائل، فوجدنا فيها كثرة ورجحنا إن نجعل هذا القسم بين أيدي القراء، ثم نقدم ما يتلوه من عشائر القبلية، كما أننا فصلنا القول في عشائر اليزيدية في كتاب اليزيدية المعد للطبع...
ولا أدل على هذه العشائر أكثر من الدخول في مباحثها..
المراجع
إن الكتب التاريخية بوجه عام لا تهمل أمر الكرد عند بيان الحوادث أو عروض المطالب، ونرى في هذه توسعاً أحياناً، وضيقاً أحياناً أخرى، ولا مجال لذكر كل كتاب تعرض للمطالب التي هي موضوع بحثنا، بل من المهم أن نتناول أكثر المؤلفات فائدة، وأجلها عائدة في مطالبها وأغراضها بحيث يصح أن تعد مرجعاً أصلياً. وإلا طال البحث واستغرق صفحات كثيرة وموضوعنا لم يكن مقصوراً على بيان المراجع ومصادر المطالب..
ومن أجل هذه المراجع: 1- مسالك الأبصار، وهذا الكتاب رأيناه في خزانة كتب أيا صوفيا باستانبول سنة 1934، و 1939م. وكان هذا التاريخ من أجل الآثار عول فيه على عراقيين أكابر، دونوا ما علموا عن الكرد في العراق وزادوا في الإيضاح لأيام المغول. والكتاب رأيت منه مجلدات كثيرة، وبعضها يختص بموضوع الكرد، ولم ينس أن يتناول مؤلفه مطالب عديدة عن العراق بل أن تدويناته عنه من أجل ما دون في ذلك العهد، وفي نظرنا من أعز ما هنالك أخذه عن عراقيين عديدين، ثم أنه قد اعتمده من جاء بعده مثل القلقشندي في صبح الأعشى، ومثل النويري في بلوغ الأدب، فهو أصل ومرجع من أعظم مراجع البحث ومن أجلها نفعاً..
2- تقرير درويش باشا: وهذا تقرير قدمه رئيس لجنة الحدود عن المنازع فيه بين الدولة العثمانية، والدولة الإيرانية، وكان تقديمه سنة 1269ه-1853م أوضح فيه الوثائق والمشاهدات في الحدود، وممر خطوطها، وبيان وجهات نظر الدولتين والمواضع المختلف فيها ووجود الخلاف وما يستند إليه، وكانت قد طالت هذه التحديدات لمدة 4 سنوات، فكان هذا التقرير من أجل ما يعين مواطن الخلاف لما بين العراق وإيران ويبين القبائل الساكنة في الحدود، وأوضاعها المعروفة. ومن بين القبائل التي تعرض لذكرها "عشائر الكرد" لما بين العراق وإيران. فلا شك أنه من المراجع النافعة جداً في التعرض لعشائر الحدود، ويستند الى وثائق لا يستهان بها بل يعد من أجلها لما قبل مائة سنة تقريباً. ولا يستطيع سياح أن يدون بتحقيق ما دون بالاستناد إلى أناس عارفين والى وثائق مقطوع بها تاريخية وغيرها. طبع سنة 1283ه، وسنة 1321ه في مطبعة احسان باستانبول. 3- سياحتنامهء حدود: وهذا من أجل ما كتب في العشائر الكردية جاء متمماً لسابقه ولمسالك الأبصار، ومؤلفه خورشيد باشا كان مكتوبياً في نظارة الخارجية "وزارة الخارجية" فأوعز اليه الوزير أن يمضي مع "رئيس البعثة" أو "لجنة الحدود"، ويدون جميع ما يمر به من قرى وبلدان وعشائر، ومواقع، وأن يتوسع في مباحثه، فلا يترك صناعة أو صفة أو أثراً، وأن ذلك مطلوب السلطان ورغبته الأكيدة في ذلك وأن يهتم للأمر ويعني به عناية زائدة. وبعد أن أتم مهمته ووفاها حقها قدم هذا الكتاب الى السلطان فقام بالمهمة خير قيام، وجاء مكملاً، أوسع في المطالب، وأطنب في كثير من الأغراض، وأجل ما فيه مشاهداته الخاصة بالبلدان وبالعشائر. ووثوقه مما استند اليه من خبراء ووثائق وحالة حاضرة ويعد من خير الآثار في موضوعه، كتبه في الوقت الذي قدم درويش باشا تقريره وفي هذا ما يعين حالة العشائر أوضح للمدة السابقة لما قبل مائة سنة، ولا شك أنه جاء بما يستفاد منه كثيراً. ويعد من أعظم المؤلفات في موضوعه لاعتماده على أكابر رجال المعرفة، وأهل الخبرة، فلا يأخذ عن كل أحد وإنما كان يعول على من هو عمدة. ويظهر الخلاف والاختلاف أثناء المقابلة والفرق بينه وبين تقرير درويش باشا أن هذا رسمي، لا يتوسع فيما لا يهم الحدود وما لا يتعلق بها، فجاء هذا متمماً. عندي نسخة مخطوطة منه مذهبة، معتنى بها بالغة العناية في الاتقان، فهي من المقتنيات النفيسة لما فيها من صحة ودقة في النسخ وجودة في الخط، عدا التزويق، والتذهيب، وكل ما يقال في وصفها قليل. والمهم انها فوق كل سياحة، أو تدوين عابر، فلم يقع فيما وقع فيه كثير من أهل التتبع إلا أن معلوماته التاريخية ضيقة فلم يسعه المجال لأكثر مما كتب..
4- الشرفنامة: وهذه من الآثار الخاصة بالكرد، وقبائلهم ولا نرى قبيلة في أغلب الأحيان إلا ونشاهد لها أصلاً في هذا الكتاب. تصل حوادثه الى سنة 1005ه، ولم يوصل أحد هذه المباحث الا أن الوثائق بعده ليست بالقليلة، فيصح أن تطرد الى اليوم.. ولكننا لم نر من أكمل حوادثه، أو أتمه إلا ما رأينا في تقرير درويش باشا وفي سياحتنامهء حدود، وفي ياقوت وابن فضل الله العمري والمطبوع من الشرفنامة لم يحو الوقائع على السنين. وقد رأيت مخطوطاً من الشرفنامة يشتمل على المطبوع وعلى الحوادث من أيام المغول من سنة 689ه الى عهده بعد أن يدون مقدمة في آل عثمان وسلسلة نسبهم والكتاب مطبوع في مصر ولم يعين تاريخ طبعه وله مقدمة مهمة بقلم الأستاذ "محمد علي عوني" تصلح أن تكون من المراجع المعتد بها إلا أنه جاء ناقصاً عن النسخة المخطوطة المحتوية على ذكر الوقائع من أيام المغول الى أيام المؤلف وبالتعبير الأولى إلى سنة 1006ه.
ولا شك أن من يزاول أمر البحث في الكرد يضطر أن يرجع اليه وإن كان لا يصلح أن يعد مصدراً وحيداً.
5- تاريخ سليماني: لمعالي الأستاذ محمد أمين زكي، طبع باللغة الكردية في مطبعة النجاح سنة 1358ه-1939م. وقد استفدت منه بالاستعانة بمن يعرف الكردية، وعلاقته بموضوعنا مهمة جداً إلا أنه لم يتعرض للقبائل إلا قليلاً، ولم يفصل عنها. ومؤلفه عالم فاضل.
6- تاريخ الكرد وكردستان: له أيضاً. وهذا قد جاء فيه قائمة بعشائر الكرد، وإن الكتاب نقل الى اللغة العربية وطبع سنة 1939م ولا شك أنه من الكتب الأصلية المهمة.
7- كرد: كتب باللغة الإيرانية. من مؤلفات الأستاذ رشيد ياسمي من أساتذة جامعة طهران ولم يعين تاريخ طبعه إلا أنه من المطبوعات الجديدة في مجلد ضخم تعرض فيه للكرد قبل الإسلام وبعده، ونقل الآراء العربية، وغيرها فهو من المراجع النافعة المعتبرة الا أنه عام في مباحثه، فلم يتصل بالعشائر، ولا بالمواطن الجغرافية.
8- الأكراد: من فجر التاريخ الى سنة 1920م محاضرة ظهرت في رسالة طبعت سنة 1353ه-1934م، من تأليف الأستاذ رفيق حلمي. نقل من مؤلفات غربية في أصل الكرد. 9- من عمان الى العمادية أو جولة في كردستان الجنوبية: هذا الكتاب ينم عن دراسة في تاريخ الكرد مزجها بمشاهدة وغالبها تستند الى السرفنامة، أو بالتعبير الأولى لتقوية المعلومات والتثبت منها بهذه الجولة أو الجمع بين التاريخ وهذه الجولة وكأنه يكتب عن اطلاع واسع، ولا شك أن هذا الأثر غالب معلوماته صحيحة، ولكنه يحاول مؤلفه أن يظهر ككردي متعصب أو معاد للدولة العربية في العراق، وبالتعبير الأولى كتابه لإرضاء طائفة بما تهوى فلم يكن علمياً. ومعلوماته الحاضرة بسيطة من الإداريين ومن الشرفنامة، وكان الأولى به أن لا يعادي بين الشعوب العراقية، ويقرب للألفة، ويدعو للأخوة إلا أنه خاب في ما طلبه وخذل في مسعاه وكانت جولته قد بدأت في 11 تموز سنة 1931 وأنهاها في نحو 4 آب سنة 1931.
10- كردلر: منقول من اللغة الألمانية الى التركية. وهذا الكتاب يعين فيه مؤلفه اتجاهات مهمة ولا يخلو من أغلاط كثيرة لم يتثبت منها المؤلف، ومباحثه مقتضبة، وآراؤه فيها الحق والباطل، والصواب والغلط.. وكان من اللازم أن يحقق الموضوع، ويعين المطلب عند نقله الى التركية، فلم يراع ذلك مما يعد نقصاً، ومثل هذا النقل قد يوقع في مجموعة أخطاء، فيضر علمياً، طبع سنة 1334 باستانبول في المطبعة الاورخانية نقل الى التركية وأصله للدكتور فريخ كان قد نشره المجمع الشرقي في برلين، والطبعة التركية من نشريات مديرية العشائر والمهاجرين.
أما تحامله على مؤرخي العرب، فهذا نتيجة فكرة خاصة للمؤلف في تبعيد العناصر وإلقاء بذور العداء بينها وهذه شنشنة متبعة عند كثيرين من الغربيين، فإذا كان قد عد الانفصال الإيراني عن العرب حادثاً مهماً بدت آثاره في التشيع واتخاذه طريقاً لتقوية الخلاف والانفصال، فلا ريب أنه لم تركن الى ما يبرر اعتبار القومية الكردية وتوسلها في هذا الانفصال في حين أن العرب لم يشأ واحد منهم أن يجعل "أمة" مندمجة في أخرى، أو قريبة منها بأمل هذا الاندغام أو الاندماج، وإنما رعوا أمراً أجل، وهو الأخوة الدينية، ولا تضرها اختلاف القوميات، واستقلال كل أمة بعوائدها، وآدابها ولغاتها. وآية "جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..." مما قربت بين الأقوام وإيجاد العداء باعد بين الشعوب الغربية التي لم يستطع دين أن يقرب بينهم، أو أخلاق عامة تؤلف.!! الأمر الذي اضطرهم الى حروب طاحنة، ونزاع دائم لا يستطيعون أن يتوقعوا منه ضررهما...
وهناك تواريخ تركية وفارسية عامة تتعرض لبعض الحوادث، وهي كثيرة، وربما نتعرض للنقل منها. ولعل في هذه المراجع ما يعين مكانة البحث، والاهتمام به من مؤلفين عديدين. وهناك مؤلفات إيرانية عديدة، ومباحث علمية تركية في كتب ورسائل ومجلات لا تنكر الاستفادة منها ولا من المؤلفات العربية العديدة. وأكبر من كل ذلك تعيين الصلة بقدر الامكان بين العشائر الحاضرة، وبين ماضيها. وقد بذلت الوسع للحصول على هذه المعرفة سواء بالرجوع الى هذه الآثار وأمثالها أو الى أصل القبائل واستنطاقها. وقد قضى ما عليه من بلغ الجهد...
الاسرة
هذه أصل القبيلة، أو القرية، أو المدينة. ومن اللازم التعرض لها، والاتصال بمباحثها مباشرة. وتفترق هذه عما عند العرب من وجوه عديدة. فيصح أن يقال إنها كانت سائرة على خلاف ما عند العرب. فلا يحتفظ بها لأكثر من تكون البيت، ومن ثم تزول كل علاقة، وتنقطع كل صلة نوعاً.
وتوضيح هذا يستدعي تفصيلاً زائداً، فالرجل مرتبط بزوجه وولده حتى يكبر ويتزوج. ومن ثم تضعف صلته، ويقل اتصاله. ومن الجهة الأخرى ان أصل أسرته لا يرتبط به كثيراً، بل يحاول أن يقوم بنفسه فيجعل حبله على غاربه. ومعنى هذا ليس المقصود منه الانقطاع التام من كل وجه، وإنما يتعين في هذا تكاتف القبيلة أو القرية فيكون من أفرادها، فيراعى مقرراتها بصورة عامة، كأنه عاش في أسرته مدة ليكون ابن القرية أو القبيلة.
وكثيراً ما سألت الكرد، وتحققت عن أنسابهم وأسماء أجدادهم فكان استغرابي عظيماً جداً لما أن أخفقت فرجعت بصفقة المغبون، فلا يتمكن الأكثر من الإجابة لأزيد من جدّ إلا القليل من الرؤساء، والعبرة للسواد الأعظم، لا يعرفون غير اسم الأب أو الجد، ثم القرية، واسم القبيلة، وما سوى ذلك لا يلتفتون اليه، ولا يبالون به مهما كان. والعرب في هذه الحالة يفترقون عنهم. وكأن الرجل من هؤلاء ابن قريته، أو قبيلته التي عرفها باسمها العام الشامل. ولا نشاهد أسرة تعرف أكثر من أنها أسرة، ولا تعلم اتصالها بغيرها الا أن تكون من أسرة إمارة أو ما ماثل مما يدعو للاحتفاظ... والرجل بعد أن يكبر، ويستطيع أن يعمل لنفسه لا يرون ضرورة للاحتفاظ به، أو الاتصال الأبدي ومن ثم ينفصل من أسرته، ولا يعرف غير نفسه وغير قريته أو قبيلته.
لا نرى للأسرة فروعاً تمت اليها. وبين أيدينا قبائل عديدة، ليس لها ما يؤيد تفريعها. وأسرة الأمراء مستثناة، تحفظ لنفسها بذلك، ولا تتجاوز الحالة غيرها.. والأمثلة كثيرة في قبائل عديدة، ويعرف ذلك من تفرعاتها، أو من البحث في القبائل ومن مجموعها لا نرى ارتباطاً في الأسرة، أو صلة دائمة مستمرة اللهم إلا أن تكون في القرية، أو في المحلة. والألفة المحلية بل المجتمع مدار التعارف. وهو أصل لا يهمل شأنه في التفسير...
القبيلة
أو العشيرة من أغرب ما نرى في الكرد أنهم ليس لهم قبيلة أو عشيرة بالوجه المعروف عند العرب، إلا أن نريد بها "المجتمع الصغير"، فيصلح أن يقال هنا عن العشيرة أو القبيلة انها المجتمع الصغير. والملحوظ أنها من جملة أسر متماثلة، ويصح أن يقال عن بعضها أنها من أصل واحد أو من أسرة واحدة. وهذا لا نرى له اطراداً في الكرد، ولا في إيران.
تحققنا كثيراً، فلم نجد ما يعين أن القبيلة تنتسب الى جد واحد، بل في الغالب الى محل أو قرية وكأن هذه القرية هي جد وأصل. مما يدل على الارتباط المكين بين الكرد ومواطنهم على ما نرى في مباحث القبائل وتحقيق أسمائها. ولا مجال لقبول انها من جد واحد، بل كل من يساكنها يعد نفسه منها، وينسى أصل ما درج منه إلا أن تكون مجموعة عرفت قبل أن تتمكن وذلك من طريق الهجرة، أو النزوح أو الغوائل. وربما يكون من أصل أو جد إلا أن هذا غير مقصود، وإنما كان من مقتضيات طبيعتها.
والأمثلة "بلباس"، و "دزه يى"، و "طالباني" فهذه منسوبة الى مواطن على ما سيأتي توضيحه في محله، والأفخاذ غالبها قرى، أو أسماء رؤساء اشتهروا، فعرفت بهم، أو الذين حلوا بعض المواطن، وبنوا فيها فسميت بأسمائهم. ولا دليل لنا أكبر من الأمثلة المشاهدة والقريبة العهد في التكون. فإنها بأسماء الأشخاص أو المواطن، أو التلول التي بجانبها، أو الأنهار. وهكذا مما لا يحصى عده.. والآثار التاريخية تشير الى هذا. وكل عشيرة أو قبيلة نوضح بقدر الإمكان منشأ تسميتها. فلا نتوسع هنا في أمر تأتي أمثلته العديدة، والغرض إلفات الأنظار الى تكون العشيرة أو القبيلة بصورة عامة.
وعلى كل حال تتألف القبيلة من أسر مجموعة في موطن، ولا يشترط أن تمت كلها الى جد واحد، وقد تتصل بحيث تعد كلها متصلة بجد، ولكن هذا لم نتحققه في عشيرة بكل فروعها.. ولعل معنى العشيرة في العربية يصدق على هذه، فالألفة هي واسطة الاجتماع، والتكاتف للأسر أكبر دليل على أنها قبيلة لا غير..
وقد سألت بعضهم فبين أنه ساكن في هذه القرية، ولا يدري غير ذلك، وهكذا آخرون مما لا يدع ريباً في أن القوم لا يعرفون سوى قراهم، وسوى رؤسائهم وأكابرهم. فهم الكل في الكل. وتارة تسمى القرى باسم رئيسها العام المتسلط عليها، ويستمر اسمه الى أولاده فمن بعدهم إن دام حكمه، وبقي أمره نافذاً عليهم. ومثل هذه لا تعين الغرض المطلوب في القبائل العربية، ومن ثم نجد الاختلاف في بنية الجماعة وتشكيلاتها وارتباط بعضها ببعض.
هذا وللأمراء والرؤساء بحث خاص بهم، فلا نتوسع في سلطتهم وإدارتهم هنا حذر أن يتداخل موضوع في آخر مثله. وكل ما نقوله هنا أن الرؤساء والأمراء العامين ناظمو وحدتهم وعقد اتصالهم وواسطة توحيد مجتمعهم وكيانهم. وقد بسطنا في عشائر العراق الكلام على تكون الأسرة والقبيلة العربية ومنها يعرف الفرق.
الرؤساء والأمراء
كل قرية لها رئيس يقال له (كتخدا)، أو (تشمال)، أو (كوخه) بالنظر للمحال والمواطن ومصطلحاتها، وهؤلاء لهم كل السلطة على القبيلة، وحق إدارتها فلا يخرجون عليهم ولا يتجاوزون رغبتهم، ولا يخالفون أمرهم... وهؤلاء أشبه ب(السراكيل) عندنا، وتدخلاتهم محدودة، ويعدون رأس القرية وناظمها، وفي كل حالاتهم يقومون بالتفاهم مع الأمراء ومع الملاكين، فيتعهدون إشغال الزراعة أو الأمور الأخرى. فلا يصح التفاهم مع كل واحد، ولا يتيسر القيام بالأعمال المنفردة مع كل بحياله، وإنما الرؤساء يقومون بالمهمة، ويراعون أحكامها وهم (مختارو القرية).
وطريق استفادتهم من أهمها الحصة من المزروعات يأخذونها رأساً من الملاكين، أو يقومون بالزراعة باستيجار الأراضي منهم، وينالون حقوق الملاك والسركال.. ومثل ذلك التفاهم مع الأمراء، ومع الحكومة فهم واسطة التفاهم بين أهل القرية وبين الخارج...
ولا يشترط أن يكونوا من نفس القبيلة أي من سلسلة رؤسائها. بل أن ذلك تابع للمواهب ولا يبالون ما إذا كان الرئيس حديث العهد أو قديماً في القبيلة أو كما يقولون في القرية المسماة (دَي) أو (ده) الفارسية.. والكلام على الرؤساء يتعلق بأحكام القرية وعلاقاتها بأمرائها وبحكومتها وبالمجاورين، وهي إدارة صغيرة بل أو ل إدارة بسيطة، وتشكيلاتها ابتدائية ثم تتوسع الإدارة وتتضخم..
والإمارة أقل تدخلاً، والعلاقة بها أقل، وهي عامة تشمل جملة قرى، وتتناول إدارة أكثر من قرية بإيجاد ناظم للقرى، ومدبر لها أو مدير يتعهد شؤونها وهذه تختلف في توسعها عن الإمارة العربية، فإن الإمارة العربية تنشأ من تضخم القبيلة بحيث يكون كل فرع قد نال شكل قبيلة. والرئيس العام لها يتولى إدارتها وهو بمنزلة رئيس القبيلة كما أنه منها، والقبائل التي تحت سلطته تكون بمنزلة الفروع بل هي الفروع. وفي القبائل الكردية هذه ليس بشرط ولكن قد يتناول قبائله التي تضخمت بما تكاثر منها بمرور الأزمان، وما انضم اليها فصار يعد منها.. فالجاف إمارة لنفس القبيلة المتكاثرة مع ما انضم إليها من القبائل بحيث بقيت محافظة على وضعها الأصلي. وأما (إمارة بابان) فإنها تتناول قبائل مختلفة، وقرى متباينة فكانت هذه أشبه بالحكومة أو هي الإمارة بعينها.
ويوضح صلة الأمير أو الرئيس العام ما جاء عن إمارة الجاف في النصوص التاريخية التي نقدمها، وكذا يقال في غيرها، وذلك أن الدولة تفرض ضريبة على قبائل الجاف، ويتولى أمرها (أمير الجاف)، وله عائدات منها أو من غيرها بعد أن تكون بنجوة من الحكومة بما تدفعه إليها..
وفي كل الأحوال نرى القبائل أو القرى في طاعة تامة لرؤسائها وأمرائها لا تكاد تشبهها طاعة، ولا يوازيها إذعان في أكثر من عرفنا في أنحائنا.. بل لا يعرف هؤلاء إلا خالقهم وإلا رؤساءهم. تلك هي الإذعان التام.. ومن ملك إذعانهم وكان حسن التدبير، قويم الإدارة، نافذ النظر ملك بهم ما شاء، وسيرهم السيرة المرضية التي يبلغ بها حداً لائقاً، ومبلغاً فائقاً...