أرواح الموتى قسمان: أرواح منعمة في قبورها، وقد رضي الله عنها.
وأرواح معذبة، مشغولة فيما هي فيه من العذاب.
( تزاور الصالحين فالأرواح الصالحة تتزاور فيما بينها، وتلتقي ببعضها، مما يدل عليه قول الله تعالى: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا ". لم يخصها الله تعالى بيوم القيامة، قاله ابن القيم. فهي معها في قبورها وتلتقي ببعضها وتتزاور، فتلتقي بالأنبياء والصديقين والصالحين.
(عطاء بن أبي رباح
قال صالح المّري: رأيت عطاء في النوم بعد موته، فقلت له: يرحمك الله، لقد كنت طويل الحزن في الدنيا.
فقال: أما والله لقد أعقبني ذلك فرحاً طويلاً، وسروراً دائماً.
فقلت: في أي الدرجات أنت؟
قال: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
( سفيان الثوري
قال صخر بن عبد الله: رأيت عبد الله بن المبارك في النوم بعد موته، فقلت: ما صنع الله بك؟
قال: غفر لي مغفرة شملت كل ذنوبي.
فقلت: فسفيان الثوري؟
قال: بخ بخ، - كلمة اعجاب ومدح - ذاك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
( ااجتماع المؤمنين
قال الله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي "، أي ادخلي مع مجموعتهم، وكوني معهم، وهذا يقال للروح عند الموت. ( قاله ابن القيم، الروح ص 80).
(التقى بالحسن البصري وابن سيرين)
قالت حفصة بنت راشد: رأيت جاري مروان في النوم، قلت: ما صنع بك ربك؟
قال: أدخلني الجنة.
قلت: ثم ماذا؟
قال: رفعت إلى أصحاب اليمين.
قلت: ثم ماذا؟
قال: ثم رفعت إلى المقربين.
قلت: فمن رأيت من إخوانك؟
قال: رأيت الحسن البصري وابن سيرين.
( أرواح الانبياء
لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، جمع الله تعالى كل الأنبياء في بيت المقدس، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم إماماً. فدل على التقاء أرواح جميع الأنبياء ببعضها وهم أموات.
( أدم وموسى
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتج آدم وموسى، فقال موسى عليه السلام: أنت آدم، الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك جنته، أخرجت الناس من الجنة؟.
قال آدم عليه السلام: يا موسى، أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وكلامه، وأنزل عليك التوراة، أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني؟.
قال صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى " (متفق عليه)
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم وموسى التقيا، بالرغم من أنهما لم يلتقيا في حياتهما، بل مات آدم قبل موت موسى بمئات السنين، فالتقت أرواحهما بعد الوفاة.
( أرواح الشهداء تبشر بعضهاقال الله تعالى عن أرواح الشهداء: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياءً عند ربهم يرزقون، فرحين بما أتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ". فللأرواح حياة برزخية خاصة مع بعضها عند الله تعالى.
وكذلك قوله تعالى فيها: " يستبشرون "، أي يبشر بعضهم بعضاً، قاله ابن القيم. فتلتقي مع بعضها، ويبشر كل منهم الآخر وهم متنعمون في رضوان الله تعالى " يستبشرون بنعمة من الله وفضل ".
( أفطر عندنا
عندما حاصر المنافقون أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومنعوا وصول الماء إليه، فأصبح صائماً، ولم يشرب ماءً قبل الفجر، فأتي إليه بماء فجراً، فقال: إني صائم، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر فقالا: أفطر عندنا الليلة. (رواه أحمد). دل الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم التقى بأبي بكر وعمر في الحياة البرزخية - بعد الموت - .
( التقى بالنبي)ص()
قال عبد الله بن المبارك: رأيت سفيان الثوري في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك؟
قال: لقيت محمداً وحزبه.
( الخليل ابراهيم عليه السلام
قال النبي صلى الله عليه وسلم عن رؤيا رآها في المنام: " إنه أتاني الليلة آتيان - قيل- جبريل وميكائيل، قالا لي: انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نَوْرِ الربيع - مملوءة بكل أزهار الربيع- ، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قلت: ما هذا؟
قالا: إنه إبراهيم، وأما الوِلدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة. فقال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين ". (رواه البخاري)
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أرواح الأطفال تلتقي ببعضها وبالخليل إبراهيم عليه السلام بعد وفاتها.
( إلتقاءعشاق الخطيئةفي الحديث السابق قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، فأحسب أنه قال: فإذا فيه لغط، وأصوات، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا - أي صرخوا وصاحوا وأحدثوا ضوضاء-، قلت: ما هؤلاء؟
قالا: فإنهم الزناة والزواني "، (رواه البخاري). فهذه أرواح الزناة ­ عشاق الخطيئة­ الموتى التقوا ببعضهم في ذلك التنور، أعاذنا الله منه.
( بعض العصاة
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: " فانطلقنا، فأتينا إلى روضة عظيمة - حديقة- لم أر قط روضة أعظم منها ولا أحسن، فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة ، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا - استقبلنا- رجال، شطر من خلقهم - نصفهم- كأحسن ما أنت راء، وشطر منهم كأقبح ما أنت راءٍ. قالا لهم - قال الملكان لهم-: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، وإذا هو نهر معترض يجري كأن ماءه المحض - اللبن- في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة.
(هذه جنة عدن
قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، فسما - ارتفع- بصري صعداً - يصعِد- فإذا قصر مثل الربابة البيضاء-السحابة البيضاء-. قلت: ماهذا؟ قالا: إنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم ". (رواه البخاري)
فهذه أرواحهم التقت بعد الوفاة.
( أهل القبور ينتظرون الأخبار
*
قال عبيد الله بن عمير: أهل القبور ينتظرون الأخبار، فإذا أتاهم الميت قالوا: ما فعل فلان؟ فيقول: رجل صالح، ثم يقولون: ما فعل فلان ­ رجل آخر؟ فيقول: ألم يأتكم؟ أو ما قدم عليكم؟ فيقولون: لا، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون سلك به غير سبيلنا. ذهب به إلى أمه الهاوية.
*
وقال صالح المري: أن الأرواح تتلاقى عند الموت، فتقول أرواح الموتى للروح التي تخرج إليهم: كيف كان مأواك؟ وفي أي الجسدين كنت في طيب أو خبيث؟ ثم بكى حتى غلبه البكاء.
( إالتقاء الاقارب
*
قال سعيد بن جبير: إذا مات الرجل استقبله ولده كما يستقبل الغائب.
*
قال عبيد بن عمير: لو أني ينقطع رجائي من لقاء من مات من أهلي لمتّ كمداً.
( إجتماع الخلان الاصدقاء
قال مسمع بن عاصم: رأيت عاصماً الجحدري في منامي بعد موته بسنتين، فقلت: أليس قد مت؟
قال: بلى.
قلت: فأين أنت؟
قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة، أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني، فنتلقى أخباركم، قلت: أجسامكم أم أرواحكم؟
قال: هيهات، بليت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواح.