قصة الحسناء
يحكى أنه في وقتٍ مما مضى من الأزمان ..
كانت هناك امرأةٌ معروفةٌ بالحسن والجمال ..
كالوردة في البستان ..
تنافس عليها كل الأبطال وضحّى من أجلها الفرسان ..
لم تكن تدع الرجال يبلغوا منها ما أرادوا .. بل تفنيهم قبل الإمكان ..
وفي يومٍ من الأيام قالت : إن من سأقابله اليوم هو زوجي ..
وإن كان من كان … فخرجت …
الطاعن : هل أنتم معي يا فتيان …
قالوا : نعم .. نعم .. فكلنا لك آذان …
لمّا خرجت كان أول من استقبلت عصام ..
وهو من أفقر أهل المدينة لا يملك قوت يومه ..
فقالت له : ياعصام أنا - إن أردت - لك زوجة بأقل الأثمان .. ومن الآن ..
عصام : لا أصدق يا حسناء هل تهزئين بي ..
حسناء : لا ورب السماء … إنما حبُّ الستر والأمان..
عصام : ليس لدي مال !!.. ولكن سنذهب .. سنذهب إلى فلان فلن يتوانى في مساعدتي ..
فذهبوا إلى فلان وهو أغنى من عرفه عصام .. ولا أغنى منه إلاّ السلطان ..
عصام : يافلان سلامٌ عليك .. هذه حسناء زوجتي إن شاء الرحمن .. ولكن هل تقرضني شياءً لتعمّ الفرحةُ أرجاء المكان ..
فنظر الغني فيها .. فقال في نفسه : أنا أحق من هذا الصعلوك بهذه الحسناء ؛ أنا
أملك المال والجاه …
فجاذب الغنيُّ عصام وقال : لن أعطيك شيئاً بل ستكون زوجتي وإن جار الزمان …
احتدم الخلاف بين عصام والغني حتى بلغ إلى مأمور الجند ليفصل بين النزاع …
فقال كل واحد منهما حجّته وشكايته ..
فقال المأمور : عليّ بالمرأة التي أججت النزاع .. وأضرمت النيران …
فدخلت فرأى ذلك الحسنُ والجمال … وتلك الخطوات التي تدل على كمال الدلال ..
فقال المأمور في نفسه : والله ما رأت عيني مثلُ هذا الحسن ولا هذا الجمال ..
وأنا المأمور ولن يعصني في الأرض إنسان ..
وهي لي من دون الصعلوك والغني الجبان فأنا حامي البلاد و واحدٌ من الشجعان …
فجاذبهما المأمور ليظفر بها وتكون له زوجةً من دونهما ..
واشتعل النزاع .. حتى بلغ إلى ..
الفتيان : إلى من ياأيها الوالد .. إلى من ؟؟
الطاعن : رويدكم .. وصل الأمر إلى القاضي …
الفتيان : الحمد لله سينهى القاضي هذا النزاع ..
الطاعن: لاتستعجلوا ..
لمّا عرض الخصماء قضاياهم .. قال القاضي : إلىّ بتلك المرأة التي أغوت الرجال .. أين هي ..؟؟
فدخلت حسناء .. ولها من التدلل غايته .. ومن الحسن منتهاه ..
فرءاها ودهش من جمالها .. ويئس من أن لايعلّق قلبه بها .. فدار في نفسه ما دار في أصحابه من قبل ..
فنازعهم عليها .. واشتد النزاع ..
قالوا : من الذي بقي كي يفصل هذا النزاع ..
قالت الحسناء بصوت التغنج والحنان : بقي مولاي السلطان .. عادل الزمان ..
فذهب الفقير ( عصام ) والغني ( فلان ) والمأمور والقاضي إلى مولاهم السلطان ..
وكلهم يظن أن ( حسناء ) ستكون له وإن طال الزمان …
ولكن لم يأتي السلطان بشيء جديد .. بل أسره هواها .. وقيّده جمالها .. وأرادها
من دونهم ..
اشتد الخصام بعد ذلك فكلهم يرجوها لنفسه … وفي وسط الخصام .. وضجيج الهوام
..
صرخت حسناءُ فيهم وقالت : أتيتكم بالجواب .. والحل الصواب …
فتهاتفوا جميعاً بصوتٍ واحد : ماهو يا قمرَ الزمان …
قالت : اتبعوني إلى الأرض الفضاء عند بني ( خواء ) وعندها سيكون الجواب …
ذهبوا جميعاً إلى هناك .. ووجدوها في الإنتظار ..
قالوا : آمرينا يا قمر الزمان .. فكلنا طوعُ البنان ..
قالت : إني سأركض ركضا سريعاً .. فمن سيدركني أولاً فقد حاز الرهان .. وأخذني معه إلى أي مكان ..
قالوا : رضينا .. وبالله المستعان …
الفتيان : ها .. مالذي حدث بعدها .. من الذي ظفر بها .. نظنه الفقير لقلة
لحمه ..؟
الطاعن : لمّا ركضت الحسناء تبعها الرجال .. وكانت الحسناء سريعة .. وبعد فترة
غابت عنهم خلف تلٍّ في الأمام … فتتابعوا خلفها .. هل تعلمونه ماذا وجدوا ..؟؟
الفتيان : ماذا يا ترى ..؟؟
الطاعن : لقد كانت أمامهم هاوية سحيقة .. تجذبهم إليها .. فعلموا إن الحسناء
قد خدعتهم ليسقطوا في الهاوية ..
ولكن بعد فوات الآوان … فتدافع الأبطال في الهاوية واحداً تلوَ الآخر حتى
هلكوا …
هذي يا أيها الأخوة بكل اختصار هي ( الدنيا ) فقد فتنت وراءها الفقير والغني
والقاضي والسلطان .. وكثيرٌ من الناس .. فاحذروا منها ولا تهلككم كما أهلكت غيركم