اربد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اربد

منتدى معلومات عامة
 
صفحة الاعلاناتالمنشوراتالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر

 

 التعليم الديني لدى العثمانيين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
????
زائر
avatar



التعليم الديني لدى العثمانيين Empty
مُساهمةموضوع: التعليم الديني لدى العثمانيين   التعليم الديني لدى العثمانيين Icon-new-badge23/3/2010, 00:29

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فإن القليل منا يعرف عن نظام التعليم الديني لدى العثمانيين ونعني به المسلمين الذي كانوا قبل مائة عام فقط منضوين تحت راية دولة واحدة تمتد من الحدود الروسية شمالا وحتى البحر العربي والمحيط الهندي جنوبا ومن حدود إيران شرقا وحتى حدود المجر غربا. وذلك بسبب عائق اللغة بين المسلمين حيث لم تتحقق أمنية السلطان محمد الفاتح في جعل اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة بالإضافة إلى كونها لغة الثقافة لدى المسلمين.


وفي دراستنا هذه نريد أن نلقي بعض الضوء على نظام التعليم الديني الذي كان مطبقا في الأناضول كما كان مطبقا في بلاد الروم وكافة البلدان العربية، أملين أن نساهم ولو بنبذة بسيطة في تعريف القارئ العربي المسلم بالنظام الذي كان آباؤه يتبعونه في سبيل الحصول على العلوم الدينية في أوائل القرن الماضي والقرون التي سبقته.


فالمدارس العثمانية لها مكانة مهمة وبارزة في تاريخ التعليم الإسلامي. هذه المدارس هي مؤسسات تقوم بالتعليم على المستوى المتوسط والعالي. والمدرسة هي اسم للمؤسسة التربوية والتعليمية التي تنشئ العناصر وتزود البلاد بالثقافة التي تحتاجها. وعلى غرار العهود التي سبقت العهد العثماني فإن المدارس التي أنشأها الأشخاص ووقفوا الأموال والأملاك في سبيل إدامتها كان لها "مدرسوها" و"معيدوها". وطلابها الذين أطلق عليهم اسم "دانشمند" أو"سوخته" أو " الطالب". فمن أنهى تعليمه في مدرسة أو "مكتب الصبيان" أو تلقى تعليما خاصا بنفس المستوى، توجه إلى المدارس ليتلقى من المدرسين دروسا وفق منهاج موضوع سلفا.


كانت للدولة العثمانية مؤسساتها التعليمية والعسكرية والإدارية المتكاملة. هذه المؤسسات ومنذ بدايات القرن السادس عشر الميلادي على نفس المستوى مع ما نشاهده في الدول الحديثة من تنظيم وإدارة. ولمزيد من الاطلاع على مؤسسات التربية والتعليم ومؤسسات الدولة الأخرى ينبغي علينا التوجه إلى الأرشيف العثماني الذي يذخر بعشرات الملايين من الوثائق التي تلقي الضوء على هذه المؤسسات. وعلى نحو ما كان في الدول الإسلامية السابقة فإنه يمكن تصنيف المؤسسات التعليمية في مجموعتين:


1- مدارس التعليم العام 2- مدارس التعليم الخاص أو مدارس الاختصاص


1- مدارس التعليم العام


أنشأ العثمانيون مدارسهم وفق النماذج المعروفة لدى السلاجقة وإمارات الأناضول. لكنهم استفادوا في العلوم النقلية من العلماء الذين نشأوا في الشام ومصر وفي العلوم العقلية من العلماء الذين نشأوا في بغداد وسمرقند. وقد أنشئت أول مدرسة عثمانية في عهد الغازي أورخان وكان أول المدرسين فيها داود القيصري الذي تلقى علومه الدينية في قيصري والقاهرة.


ويمكننا القول بأن التعليم في المدارس العثمانية بدأ مع تأسيس الدولة نفسها. وكانت المدارس التي تزود الطلاب بالمعلومات العامة تدرس "علوم الآلة " وهي الكلام والمنطق والبلاغة واللغات والنحو والرياضيات والفلك والفلسفة والتاريخ والجغرافيا بالإضافة إلى "العلوم العالية"وهي علوم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك من العلوم الدينية. وعلى غرار كثير من الأمور التي أتاحت المجال للتطور الحضاري، فإن الدولة العثمانية استمرت على سياستها المفتوحة في التربية والتعليم حتى النهاية فاستقدمت أعدادا كبيرة من العلماء وأساتذة الجامعات. ويمكننا القول بأن نظام المدارس في العهود المبكرة للدولة العثمانية هو نفس النظام الذي كان مطبقا في العهد السلجوقي وفي عهود الإمارات التركية في الأناضول. ومع ذلك فإننا نؤكد بأن أول تغيير في نظام التعليم حدث في عهد السلطان بايزيد الصاعقة[1] (http://www.wataonline.net/site/modules/newbb/post.php#_ftn1) وأن نظام التعليم شهد تطورا كبيرا في عهد السلطان مراد الثاني بافتتاح قسم التتمة التابعة المدرسة الحلبية في أدرنة[2] (http://www.wataonline.net/site/modules/newbb/post.php#_ftn2) وكذلك افتتاح مدرسة دار الحديث في أدرنة أيضا.أما التغيير الجذري لنظام التعليم العثماني فحدث في عهد السلطان محمد الفاتح. وبقي هذا النظام مطبقا حتى افتتاح المدرسة السليمانية في عهد السلطان سليمان القانوني.


فهذه المدارس زودت طلابها بكافة العلوم العصرية بالإضافة إلى العلوم الدينية في العهد الكلاسيكي وكذلك في فترة ما بعد الإصلاح الدستوري.


وبعد افتتاح الصحن الثمان ومدارس التتمة في استنبول حدثت تعديلات جديدة في نظام التعليم في المدارس داخل الحدود العثمانية. ومع استحالة القطع في ذكر تدرج وتسلسل المقررات والكتب في هذه المدارس، فإن بعض الوقفيات والمراسيم والبيوغرافيا تسهل علينا المهمة بعض الشيء. ذلك بأن المدارس العثمانية كانت على درجات وضعت وفق اليوميات التي خصصت لمدرسيها وهي على النحو التالي:


مدارس حاشية التجريد( ذات العشرين)


فالمدارس التي تدخل تحت هذا التصنيف تحمل اسم كتاب حاشية التجريد للسيد الشريف الجرجاني. هذا الكتاب الخاص بعلم الكلام، وهو حاشية كتاب تجريد الاعتقاد أو تجريد الكلام لنصر الدين الطوسي. ويفهم من ذلك أن هذا الكتاب هو أهم المكتب المقررة في مثل هذه المدارس. وإلى جانب هذا الكتاب عرفت هذه المدارس بتدريس كتاب شرح الفرائض للسيد الشريف أيضا وكتاب المطول في البلاغة لسعد الدين التفتازاني. ومن جانب آخر على الطالب كي يفهم المواد المقررة في هذه المدارس أن يكون قد اجتاز اختبارات كثير من المقررات مثل الأمثلة والبناء والمقصود والعزي والمراح في علم الصرف، والعوامل والإظهار والكافية في علم النحو وشرح الإيساغوجي في العربية والطوالع في أصول الفقه.


مدارس المفتاح( الثلاثينية)


وتحمل هذه المدارس اسم شرح المفتاح في البلاغة لمؤلفه سعد الدين التفتازاني. وإلى جانب هذا المقرر هناك كثير من المقررات تدرس مثل التنقيح والتوضيح في الفقه، وتتمة حاشية التجريد في علم الكلام، وعلى نحو ما كان في مدارس حاشية التجريد فإنه لا بد أن يكون هناك كتبا أخرى تدرس في هذه المدرسة، نتبين ذلك مما ذكره الكاتب جلبي من أن السلطان محمد الفاتح أمر بأن تضاف إلى المقررات التي تدرس في مدارس الثلاثينية كتاب مفتاح المعاني وكتاب صدر الشريعة.


مدارس التلويح( الأربعينية)


سميت هذه المدارس بالأربعينية لأن المدرس فيها يتقاضى أجرا يقدر باربعين أقجة يوميا. والمقررات التي تدرس فيها هي مفتاح العلوم في البلاغة، والتوضيح في أصول الفقه ومشارق الأنوار النبوية لرضي الدين حسن الصاغاني وكتاب المشارق لصدر الشريعة عبيد الله ابن اسحق في الفقه وكتاب المصابيح للبغوي في الحديث بالإضافة إلى كتب أخرى في فروع العلوم المختلفة.


مدارس الخمسينيات


وتتشكل هذه المدارس التي يتقاضى مدرسوها أجرا يوميا قدره خمسون أقجة إلى "خارجية"و"داخلية". ومدارس الأربعينيات وكذلك القسم الخارجي من مدارس الخمسينيات هي المدارس التي أنشأها الحكام وأسرهم ووزراؤهم في العهد السلجوقي وعهد أمراء الأناضول. أما المدارس الداخلية فهي المدارس التي أنشأها السلاطين العثمانيون وأمهات الأمراء والأمراء وبنات السلاطين. وتدرس في القسم الخارجي من مدارس الخمسينية كتب الهداية في الفقه وشرح المواقف في الكلام والمصابيح في الحديث. أما في القسم الداخلي فيدرس الهداية في الفقه، والتلويح في أصول الفقه والبخاري في الحديث الشريف،والكشاف والبيضاوي في التفسير.





مدارس الصحن الثمان


ونعني بها كما أسلفنا المدارس الثمانية التي أمر بإنشائها في استنبول السلطان محمد الفاتح. وكانت هذه المدارس هي أرفع المدارس وأعلاها حتى تاريخ إنشاء المدرسة السليمانية في عهد السلطان القانوني. ومع أن وقفية السلطان الفاتح حددت لمدرسي هذه المدارس أجرا يوميا قدره خمسون أقجة، فإن بعض المدرسين استمروا في التدريس مع رفع مراتبهم من غير أن يتحولوا إلى مدارس أعلى مرتبة. فوصلت يومياتهم إلى الستين والسبعين وحتى الثمانين والتسعين في بعض الأحيان. أما بالنسبة للمواد التي تدرس في هذه المدارس فهي استمرار للمدارس التي سبقتها وهي: الهداية في الفقه، والتلويح وشرح العضوض في أصول الفقه والبخاري في الحديث الشريف والكشاف والبيضاوي في التفسير.


وعلى النحو الذي سنتطرق إليه بعد قليل فإن جميع ما ذكرنا هو من العلوم النقلية. ويمكننا أن نقول بأن هناك بعض العلوم العقلية كانت تدرس أيضا في هذه المدارس مثل الطب والهندسة وعلم الهيئة والجغرافيا والمنطق ولا ننسى بأن مدارس الصحن الثمان كانت تحتوي أيضا كلية الطب التي عرفت في تلك الفترة بدار الشفاء، تدرس فيها العلوم الطبية بفرعيها النظري والعملي.


مدارس الستينيات


ويتقاضى المدرسون في هذه المدارس أجرا يوميا قدره ستون أقجة. أما المواد التي تدرس في مثل هذه المدارس فهي:


الهداية وشرح الفرائض في الفقه، والتلويح في أصول الفقه، وشرح المواقف في علم الكلام،والبخاري في الحديث الشريف، والكشاف في التفسير.


ومع بعض التغييرات في بعض الفترات فإن هذه المدارس كانت تدرس طلابها أيضا ما يسمى بالجزئيات مثل الحكمة أو الفلسفة والحساب والهندسة وعلم الهيئة(الفلك) والجغرافيا وعلم الزج(الجداول الفلكية) وعلم النجوم والطب والتشريح. وأضيفت إليها فيما بعد "علوم الآلة" ومن يكمل دراسة العلوم الأساسية سمح له بدراسة العلوم المادية ولذلك فإن العلوم التي تدخل ضمن هذا الفرع تدرس من قبل العلماء والأساتذة في مدارس الفاتح المعروفين بذوي الجناحين( أي لهم العلم والخبرة في فرعي العلوم) بصورة عامة أو خاصة. وبالرغم من أن هذه العلوم تدخل ضمن مسمى الجزئيات فإنها تعتبر من المواد الأساسية في هذه المدارس.


والمواد المتعلقة بالعلوم العقلية والنقلية في مدارس التعليم العام في العهد العثماني خضعت لبعض التغييرات على فترات مختلفة. حتى أن بعض المصادر جمعت هذه المواد ضمن منظومات شعرية باللغة العثمانية ونورد هنا نموذجا من هذه المنظومات حول كتب النحو والصرف:


ماذا عليك لو تناولت كتابك


وقرأت الصرف على يد أستاذ قدير


ماذا عليك لواجتهدت حتى نلت تقدير من سمعك


ومزقت قلب عدونا وعدوك


احفظ الأمثلة واصطبر عليها


وابلغ مرادك بالمقصود


واعرف العزي وطبق القاعدة


ماذا عليك لو أتقنت المراح


واعمل بما تقوله العوامل


واكتشف نور العلم بالمصباح


وتعلم الكافية مع الجامع


مدارس السليمانية


مما لا شك فيه أن أهم التطورات وأكبرها في نظام التعليم بالمدارس العثمانية تلك التي حدثت في عهد السلطان سليمان القانوني. فعهد القانوني يمثل القمة في نظام المدارس كما يمثل القمة في كافة المجالات الأخرى. ومع أن مدارس الصحن الثمانية كانت تضم دار الشفاء ولكن لم تكن هناك كليات الطب والرياضيات. والمواد التي كانت تدرس في هذه المدارس هي التفسير والحديث والكلام والأدب. بالإضافة إلى أن الطلاب الذين يلتحقون بهذه المدارس يفترض أنهم تلقوا في المراحل المتوسطة علوم الرياضيات والهندسة والفلك وغيرها من فروع العلم المختلفة.


ونظرا للظروف والحاجة فقد أضيفت إلى مدارس السليمانية فروع الطب والرياضيات ودار الحديث. وتشير وقفية السليمانية إلى أن المدرسة الأولى والثانية تقعان في الجانب الشمالي من جامع السليمانية، وإلى الشمال الشرقي منه حمام وإلى الجانب القبلي منه دار الحديث. وإلى الجنوب من الجامع تقع المدرسة الرابعة. وإلى الشرق من الجامع المدرسة الثالثة. وإلى الجهة الجنوبية الغربية مدرسة الطب والصيدلية. وإلى الجانب الغربي من الجامع المستشفى المعروف بدار الشفاء. وهذا يعني أن منظومة المدارس( أو الجامعة إن شئتم) التي أنشأها السلطان سليمان القانوني كانت تحتوي دار الحديث وكليات الطب والرياضيات والطبيعيات والدين والحقوق والآداب. بالإضافة إلى المستشفى ومبنى الإدارة والحمام والمطبعة وغيرها من الملحقات.


وضع حجر أساس الجامع والمدارس والملحقات يوم الخميس السابع من جمادى الأولى من عام 957 من الهجرة المصادف للرابع والعشرين من مايو عام 1550. وذلك بوضع أول حجرة للمحراب من قبل شيخ الإسلام أبي السعود. وقد اكتمل بناء الجامع في شوال عام 963 (أغسطس 1556) واكتمل بناء المدارس والملحقات الأخرى بعد هذا التاريخ. وكانت دار الحديث من بين هذه المدارس أعلاها مرتبة، والمدرس فيها يتقاضى يومية قدرها مائة أقجة. أما يومية المدرسين الآخرين فلم تزد على ستين أقجة.


وإذا أراد الطالب الذي نجح في المواد المقررة في القسم الخارجي أو الداخلي أن يتابع المقررات في كلية الرياضيات أو كلية الطب من غير أن يدخل مدارس الصحن الثمانية، فعليه متابعة الدروس في المدارس الموصلة السليمانية. وبعد التخرج من هذه المدارس يسمح له بمواصلة دراساته العليا في مدرسة السليمانية.


وكان هدف القانوني من هذا النظام فتح مدارس جديدة في مستوى أعلى من مستوى مدارس الصحن من جهة وتنظيم درجات هذه المدارس العثمانية وفق النظام الجديد من جهة أخرى. وبذلك تصبح درجات المدارس العثمانية وفق التسلسل التالي:


1-المدارس الابتدائية الخارجية


2-مدارس الحركة الخارجية


3-المدارس الابتدائية الداخلية


4-مدارس الحركة الداخلية


5-مدارس موصلة الصحن


6- مدارس الصحن الثمانية


7-المدارس الستينية الثمانية


8-مدارس الحركة الستينية


9-المدارس السليمانية الموصلة


10-مدارس السليمانية


11-مدارس دار الحديث


يتبين مما سبق أن أعلى المدارس مرتبة في عهد السلطان القانوني هي مدرسة دار الحديث السليمانية. ومع أن كثيرا من مدارس دار الحديث افتتحت في العهود المتعاقبة فإن دار الحديث السليمانية حافظت على مكانتها المتقدمة حتى العهود المتأخرة من عمر الدولة العثمانية.وبقيت صفة المدرسين في المدارس السليمانية تحتل أعلى المراتب بين المدرسين في كافة أنحاء الديار العثمانية. وكان التسلسل في مراتب المدرسين على النحو التالي:


المرتبة الابتدائية الستينية، أي أن المدرس يبدأ بتقاضي أجر يومي قدره ستون أقجة ثم مرتبة الحركة الستينية ثم موصلة السليمانية ثم الخامسة السليمانية ثم السليمانية وأخيرا دار الحديث السليمانية. وكان عدد المدرسين في هذه المدارس محددا لا يزيد ولا ينقص.


فعدد المدرسين في الابتدائية الستينية بقي عند 48. ومن يكون في هذه المرتبة من المدرسين ويترفع فهو يتحرك إلى درجة أعلى لذلك تعطى له صفة الحركة الستينية فتبقى يوميته كما هي بينما يرتفع مستوى التدريس عنده. وعدد هذا الصنف من المدرسين ثلاثون ومن يترقى من هؤلاء أصبح في درجة موصلة السليمانية أي أنه في الدرجة التي توصله إلى التدريس في السليمانية. والمدرس في موصلة السليمانية يعتبر في المرحلة الأولى من مرحلة كبار المدرسين. وبعد هذه المرتبة تأتي المرتبة الخامسة السليمانية ثم يكون واحدا من المدرسين الأربعة في السليمانية أما أعلى المراتب بعد ذلك فهي مرتبة التدريس في دار الحديث.


نعود فنقول بأنه لم تكن في الدولة العثمانية مدرسة أعلى من مدرسة دار الحديث كما لم يكن هناك مدرس أعلى مرتبة من المدرس في دار الحديث. ومن يرغب من بين هؤلاء المدرسين في القضاء يعين قاضيا في المراكز التالية: القدس، حلب، أيوب، سلانيك،طرخالا،يني شهر، غلطة، إزمير، صوفيا، طرابزون، كريت.


أن مرتبة رجال العلم ودرجاتهم في البروتوكول والمناصب فيما بينهم وفيما بينهم وبين القضاة محددة وفقا للمراسيم السلطانية. فالمرسوم الذي أعده عبد الرحمن باشا التوقيعي(المتوفى عام 1692) في عام 1677 ينص على أن :


المدرسون في السليمانية يتقدمون على مدرسي موصلة السليمانية. كما يتقدم مدرسو موصلة السليمانية على مدرسي التسينيات ، ويتقدم مدرسو الستينيات على مدرسي الصحن. ويتقدم مدرسو موصلة الصحن على مدرسي القسم الداخلي، ويتقدم مدرسو القسم الداخلي على مدرسي القسم الخارجي.


ويتقدم مدرسو القسم الداخلي على قضاة القصبات(القضاة في الأقضية) لكن هذا التقدم ليس على الإطلاق. فالعبرة لما بين مدرسي القسم الخارجي وقضاة القصبات لعلم والعرفان والشخصية والزمان. فإذا كان أحد قضاة القصبات من ذوي الشأن فهو بلا شك يتقدم على مدرسي القسم الخارجي. كما يفضل الأستاذ عل الآخر الذي هو في نفس المرتبة في الشخصية والعمر" وعلى النحو الموضح في المراسيم الصادرة من قبل السلطان محمد الفاتح فإن مدرس الصحن يمكن أن يتحول إلى إحدى المولويات بيومية قدرها خمسمائة أقجة. كما إن المدرس في الأقسام الخارجية والداخلية ويتقاضى يومية قدرها خمسون أقجة يمكنهم إن يتحولوا إلى منصب القضاء بيومية قدرها ثلاثمائة أقجة. كما يمكن اختيار أمثال هؤلاء المدرسين لمناصب مهمة أخرى مثل منصب النيشانجى ومديرية المال. كما يتقدم مدرس الصحن الثمان في البروتوكول على أمير اللواء.


وفيما عدا ذلك كله فإن المدرسين في مدارس الولايات الداخلية مثل استنبول وأدرنة وبورصة وملحقاتها الذين يتقاضون يومية قدرها عشرون أقجة يعينون عن رغبتهم في القضاء بيومية قدرها خمسة وأربعون أقجة.


والطالب عندما يبدأ حياته الدراسية في المدارس في العهد العثماني يتلقى دروسا في "المختصرات" ثم ينتقل إلى مدرسة "حاشية التجريد" فإذا أثبت جدارته ونجاحه فيها، حصل على "إجازة أو شهادة" من المدرس وانتقل إلى درجة أعلى وهي "مدرسة المفتاح" وبعد ذلك ومارس الأربعين والخارجية والداخلية ثم إلى مدارس الصحن وإذا أراد إكمال تحصيله بعد ذلك انتقل إلى مدارس الصحن الثمان أو مدارس السليمانية. وبعد إكمال هذه المدارس أيضا حصل على "الإجازة" يمكنه بها ممارسة مهنة التدريس. يعدد جواد باشا المراحل التي يمر بها الطالب حتى يصل إلى مدارس الصحن:


"فإذا أراد الطالب أن يكون "دانشمندا" توجه إلى أحد العلماء وحصل على الدروس الخارجية أي مقدمات العلوم. وبتوسط ودلالة من أستاذه هذا انتقل إلى أحد المدرسين وصار يتلقى الدروس الداخلية. وصار جديرا بتعلم دروس الصحن. ولكي يكون الطالب في عداد طلاب مدارس الصحن عليه أن يكمل العلوم المرتبة في المدارس التي تعتبر" إعدادية" أو "موصلة الصحن"


ومدارس الصحن الثمانية هي الأبنية الثمانية المبنية من الإسمنت والرصاص التي لا تزال قائمة على جانبي جامع السلطان محمد الفاتح في الحي المعروف باسمه في مدينة استنبول. والطالب الذي يكون "صاحب حجرة "فيها يكون في عداد العلماء الأفاضل الذين لهم كثير من المؤلفات المعروفة. والقديم من هؤلاء يسمى"المعيد" الذي يساعد الأستاذ ويقف بجانبه في تقرير الدروس. كما يقومون بتدريس الطلاب العلوم في مدارس التتمة الثمانية"


ومن حصل على الإجازة من المدارس العثمانية وأصبح مرشحا للتدريس انتظر"دوره" في التعيين. ومن أراد التعيين في بلاد الأناضول أو الروميلي(القسم الأوربي من الدولة العثمانية) داوم على مجلس قاضي العسكر هناك الذي يعقد في أيام معينة من الأسبوع، وسجل اسمه في الدفتر المعروف بـ"المطلب" وحتى أيام كان شيخ الإسلام أبو السعود أفندي قاضيا لعسكر الروميلي لم يكن هناك دفتر منظم للملازمة فكان المدرسون يسجلون في دفاتر الملازمة دون انتظار للدور. وبعد هذه الفترة بسبع سنوات أصبح هناك دفتر للملازمة بنص القانون. فكان عدد ملازمي كل عالم محددا بموجب هذا الدفتر. ومع ذلك كانت هناك بعض الاستثناءات في فترات متفاوتة حتى تعطى صفة الملازمة بصورة مخالفة لهذا القانون. كما كانت الملازمات تمنح مع كل جلوس على العرش ومع أول حملة عسكرية للسلطان ولدى عودة السلطان من هذه الحملات منتصرا، وكذلك عند ولادة أمير من الأمراء.


فمن تلقى الدروس في المدارس وفق الترتيب الذي ذكرناه سابقا وحصل على الإجازة سجل في دفتر الملازمة ولازم مجالس قاضي العسكر، وانتظر دوره. فإذا جاء دور المدرس عين مدرسا لأول مرة في مدرسة"حاشية التجريد" وهذه المدارس هي مدارس العشرينيات أو الخمس وعشرينيات. فمن رفعت مرتبته درجة حصل على ثلاثين ثم خمسة وثلاثين أقجة يومية. وعين مدرسا في إحدى مدارس"المفتاح" وبهذه الطريقة يصل إلى أعلى مراتب التدريس. ومن أراد الانتقال إلى السلك العسكري ممن أكمل الدراسة منحت له الدولة عشرين ألف أقجة مع الدرجة الأولى للزعامة.


وفي العهود العثمانية الأولى كانت تعيينات المدرسين تتحقق باقتراح من قاضي العسكر وأمر من السلطان. وبعد أواسط القرن السادس عشر صار تعيين مدرسي حاشية التجريد والمفتاح ومدارس الأربعين باقتراح من قاضي العسكر وأمر من السلطان وتعيين المدرسين من رتب أعلى باقتراح من شيخ الإسلام ورفع من قبل الصدر الأعظم وإرادة سنية من السلطان.


كما كان المتقدمون للتدريس في المدارس العثمانية يخضعون للاختبار. فإذا كان هناك شاغر في مدرسة من المدارس، وتقدم بالطلب أكثر من مرشح عندئذ يجرى اختبار على المتقدمين. حيث يطلب منهم حل مسألة، ويستمع لتقريرهم كما يطلب منهم كتابة موضوع. ثم تناقش اللجنة الفاحصة المرشحين الذين كانت أجوبتهم على الأسئلة صحيحة وقبلت مواضيعهم، ويجري تعيينهم بعد ذلك. وكان قاضي العسكر يحضر مجلس اللجنة الفاحصة في كثير من الأحيان، حيث يكون الاختبار في جامع مفتوح للعامة. وتعد الأسئلة حسب مستوى المدرسين.


بقيت طرق التدريس لدى العثمانيين اعتبارا من تأسيس المدارس الأولى وخاصة المدارس الثمانية التي فتحت في عهد السلطان محمد الفاتح مطبقة بحذافيرها مع بعض الأحداث العارضة. ولكن في الربع الأخير من القرن السادس عشر الميلادي حدثت مشاكل في مؤسسات التربية والتعليم مما جعلها تتأخر ثم تنهار بعد ذلك. وبذلت جهود للإصلاح ووقف التدهور في بعض الفترات ونريد أن نذكر الأسباب الرئيسية لهذا التدهور دون الخوض في التفاصيل وهي: تزايد الكثافة السكانية، الخلل الذي طرأ على المؤسسات الأخرى للدولة، نشوء طبقات أبناء العلماء، انتهاك النظم والأعراف الخاصة بالمؤسسات والمراتب العلمية، الصراع على السلطة، حركات التمرد لدى الطلاب، الأنانية، انعدام الحرية العلمية. كل هذه أسباب يمكنها أن تؤدي إلى الانهيار والسقوط.


وصدرت أوامر سلطانية في فترات مختلفة لإزالة الأسباب التي أدت إلى تخريب النظام التعليمي، ولكن فشلت جميع الجهود للحيلولة دون وقف التدهور. فلم تكن هناك إمكانية لأن تواكب الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بأجمعه الظروف التي يتطلبها عهد التجديد الناشئ عن حضارة التقنية في عصرنا. وقد أحزن الكثير من الغيورين هذا الوضع في المدارس التي كانت في البداية تناسب التطور العلمي والتقني وتقوم بواجب التعليم على مستوى الجامعات التي نعرفها في عصرنا الحديث، لأن المدارس لم تعد تواكب الظروف المتغيرة في العالم. بل بقيت غريبة على العلوم والتقنية والطرق المتبعة في نواحي العلوم والصناعة. في الوقت الذي لم تكن فيه القوانين والنظم التي وضعت حين تأسيس هذه الصروح العلمية تطبق على النحو المطلوب. ولذلك ظهرت الحاجة إلى فتح بعض المدارس الجديدة بالإضافة إلى المدارس التي كانت موجودة أصلا. والحقيقة أن الدولة العثمانية بعد معركة جشمة في عام 1770 بصورة خاصة بدأت تحس بالحاجة إلى تجديد نفسها. ولذلك تم افتتاح مدرسة خاصة بالبحرية بتاريخ 18 نوفمبر عام 1773تحت اسم" دار الهندسة البحرية" باقتراح من قبطان البحر حسن باشا الجزائري، وكان هذا القبطان أول مدرس في هذه المدرسة التي اعتبرت تجديدا في نظام التعليم العثماني على مدى تاريخ الدولة. وفي العاشر من مايو عام 1796(في عهد السلطان سليم الثالث) افتتحت "دار الهندسة البرية الهمايونية" لتخريج ضباط للقوات البرية. فكانت من جملة المواد التي تدرس هنا العلوم الرياضية والهندسية والتاريخ والجغرافيا والفلك. وفي عام 1826 افتتحت "دار الطبابة العامرة " و"دار الجراحة المعمورة" وبذلك خرجت دور الطب من بين أقسام المدارس وأصبحت كليات مستقلة.


وبعد هذه الفترة أنشئت مدارس أخرى تحت أسماء مختلفة كما طبقت في هذه المدارس برامج مختلفة نكتفي بذكر أسمائها وتواريخ افتتاحها:


"مدرسة المعارف العدلية" في عام 1838


"مدرسة العلوم الأدبية" في عام 1839


"دار المعلمين الرشدية" في عام 1847


"المدارس السلطانية" التي افتتحت في عام 1867. هذه المدارس التي عرفت بالمكاتب وقامت بتدريس مناهج مختلفة عن تلك المدارس بدأت تحتل مكانها شيئا فشيئا. ففي الوهلة الأولى تبدو هذه"المكاتب" خارج هذه "المدارس". ولكن في السنوات التي أعقبت إعلان المشروطية الثانية" أو الحكم الدستوري المقيد"(1909) بدأت محاولات لإصلاح تلك المدارس أيضا. وتقرر تدريس اللغة التركية والتاريخ والجغرافيا والعلوم الاجتماعية والدروس العلمية الأخرى مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء إلى جانب العلوم الدينية المعروفة، لكن النتيجة المرجوة لم تتحقق بكاملها.


والإصلاحات الأساسية في المدارس الدينية كانت من قبل شيخ الإسلام مصطفى خيري أفندي الأركوبي الذي تولى منصب المشيخة في عهد السلطان محمد رشاد(1909-1918) واستمرت جهود الإصلاح أربعة أعوام، على أن الاقتراحات والمحاولات بدأت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني . ونجد من بين الوثائق العثمانية وثيقة بخط يد الإمام محمد عبده وضع فيها تصوره لإصلاح التعليم الديني في الديار العثمانية. وفي هذه الأثناء صدرت لائحة بتطبيق نظام جديد للتدريس ونشرت اللائحة في العدد الملحق من الجريدة العلمية بتاريخ 10 ذي القعدة 1332(الموافق لشهر اكتوبر عام 1914) وسميت هذه اللائحة يـ" لائحة الأسباب الموجبة لنظام إصلاح المدارس" وبموجب هذها النظام تقرر جمع كافة المدارس باستنبول تحت اسم واحد. وتتم تنشئة الطلاب في مدارس استنبول كلها وفق نفس الأصول والقواعد. ولما كانت هذه المدارس في استنبول وهي مركز الخلافة الإسلامية فقد تقرر تسمية هذه المدارس بـ" مدرسة دار الخلافة العلية" ونصت المادة الثانية من هذا النظام على أن تكون المدرسة على ثلاث مراحل القسم الأول الفرعي والقسم الثاني الفرعي والقسم العالي. وتكون مدة التدريس في كل مرحلة أربع سنوات. ويتكون كل قسم من أربعة صفوف وكل صف من أربع شعب. وتنظم المادة الخامسة الشئون الإدارية للمدرسة. فيكون لكل قسم من هذه المدرسة مدير عام ومدير لكل صف وكل شعبة. ويتبع مدير الشعبة مدير الصف، ومدير الصف المدير العام، والمدير العام وكالة الدرس.


ولدى تحديد عدد الطلاب الذين يتقرر قبولهم في مدرسة دار الخلافة تم أخذ عدد طلاب المدارس في تلك الأيام بعين الاعتبار. وعلى ضوء ذلك حدد عدد طلاب الصفوف الفرعية بمائتين وستين طالبا وطلاب الصفوف العالية بمائتي طالب. ولكي يكون التدريس بمستوى أحسن تقرر تقسيم كل صف إلى أربع شعب.


والذين يتمون القسم العالي بدار الخلافة أو الذين ينجحون في اختبار كافة المواد المقررة في كل الصفوف من الخارج ويرغبون التخصص في العلوم الشرعية، يلتحقون "بالمدرسة الجديدة " بداخل جامع السلطان سليم. وسميت هذه المدرسة "بمدرسة المتخصصين" ويشرف على إدارة هذه المدرسة مدير عام. ويبلغ عدد طلاب كل صف في هذه المدرسة أربعين طالبا.


ويبلغ عدد الساعات الأسبوعية المقررة للطلاب في مدرسة دار الخلافة أربع وعشرون ساعة. وقد حددت الباحثة التركية مباهاة كتوك اوغلو أسماء المواد المقررة في هذه الساعات مستعينة بالبرامج المنشورة بالجريدة العلمية ورسمت لها هيكلا. وبعد عام من التدريس أجريت بعض التعديلات على برنامج المفردات وفرض على الطالب أن يختار لغة واحدة من بين اللغات الأجنبية التالية :الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الروسية، كما أضيفت إلى البرنامج مادة التربية البدنية.


إن تدريس العلوم التجريبية إلى جانب العلوم الدينية في مدارس دار الخلافة، لدليل على أن هذه المدارس أصبحت مؤسسات تعليمية حديثة مما حدا بأحد المنتقدين لأن يقول:" إن المدرسة في هذا العصر أدخلت الكيمياء حتى المحاريب في الجوامع". هذا النظام وهذه المدارس التي أنشئت لتلبية متطلبات العصر، اكتسبت صفة أكاديمية. فقد كانت مدرسة المتخصصين تحوي في فروعها الثلاث خمسمائة طالب وبلغ عدد طلاب مدارس دار الخلافة سبعة آلاف طالب. كما بلغ عدد المدارس التي افتتحتها حكومة المجلس الوطني[3] (http://www.wataonline.net/site/modules/newbb/post.php#_ftn3) وفق المرسوم الذي أصدرته بهدف تلبية حاجات الأئمة والخطباء في مناطق الأناضول أربعمائة وخمسة وستين مدرسة وعدد طلابها ستة عشر ألف طالب.وبعد إلغاء السلطنة وإعلان النظام الجمهوري في تركيا بأربعة شهور وفي يوم 3 مارس سنة 1924 بالتحديد تقدم نائب سعرد الشيخ خليل خلقي أفندي وأربعون من زملائه في المجلس الوطني بطلب إلغاء وزارة الشئون الشرعية والأوقاف. فواقف المجلس على هذا الطلب، كما تقدم واصف بك نائب منطقة صاروخان وخمسون من زملائه باقتراح قانون توحيد التدريس الذي يلغي التدريس الديني برمته. فوافق عليه المجلس دون أي مناقشة. فألحقت جميع المدارس بوزارة المعارف. وتم نقل طلاب هذه المدارس إلى كلية الإلهيات التي افتتحت ضمن الجامعة وكانت تسمى بدار الفنون.


فنظام التربية والتعليم الذي حرصت عليه الدولة العثمانية منذ تأسيسها، لم يطبق فيما بعد على النحو المطلوب وذلك للعديد من الأسباب، حتى أن القوانين القديمة لم تعد قابلة للتنفيذ. فصفة دور العلم والعرفان التي كانت للمدارس أيام السلطان الفاتح والسلطان سليمان القانوني صارت من الماضي، ولم يفكر القائمون في تطبيق الطرق الحديثة في اختيار الطلاب وكوادر المدرسين. ولذلك بذلت جهود لإصلاح المدارس التي أوشكت على الخراب والفساد، مما حدا بالمصلحين إلى فتح مدارس جديدة تحت مسميات عديدة في تواريخ مختلفة كما رأينا في الصفحات السابقة.


المعروف أن التغييرات الجذرية في الدولة العثمانية حدثت في عهد السلطان محمود الثاني. ونظرا لأهمية الموضوع فإننا سنورد هنا ترجمة أمر السلطان محمود الثاني الذي يقضي ولأول مرة بجعل تعليم المرحلة الابتدائية إجباريا:


خطاب السلطان موجه إلى قضاة استنبول والبلاد الثلاثة:


لما كان من الواجب -كما هو معلوم للجميع- لكل من يقول إنني من أهل الإسلام ومن أمة محمد، تعلم الشريعة الإسلامية وعقائده الدينية، ثم تعلم وسيلة الميشة التي سيسلكها. وخلاصة القول أن تعلم الضرورات الدينية يتقدم على كل شيء. ولما كان الأمر كذلك، فإن أكثر الناس منذ بعض الوقت، أصبحوا جهلة بفعل سيئات آبائهم وأمهاتهم بل لم يفكروا أصلا في أن أبناءهم وبناتهم سيبقون جهلة مثلهم، وأصبح همهم الأول هو كسب المال من غير أن يدركوا بأن الله هو الرزاق وأن من يتوكل عليه فهو حسبه، وما يكاد الصبي عندهم يبلغ الخامسة أو السادسة من العمر حتى يأخذه من المدرسة ويضعه أجيرا عند أهل الحرف ، فيكبر الولد على الجهل، ولا يعرفون القراءة والكتابة ويكون الوزر على آبائهم وأمهاتهم. وتقع المسئولية في الآخرة على الأب والأم ، وتكون النتيجة جهل أكثر أفراد الأمة بالأمور الدينية والعياذ بالله.


ولا يخفى على أرباب البصيرة أن من الواجب تخليص وصيانة العباد المسلمين من عذابي الدنيا والآخرة وبناء على أنه لا حياء في الدين، فإن على كافة أفراد الأمة الإسلامية من شباب وشيوخ ممن بقوا جاهلين بأمور الدين، ألا يخجلوا من بعضهم بل يخجلوا من الله، فيبادروا قدر الإمكان إلى تعلم المسائل الدينية والعقائد الإسلامية دون أن تتعرقل مصالحهم الدنيوية وقبل أن يتحول هذا الجهل إلى مصائب دنيوية وأخروية. وعلى كل أب أو ولي ألا يقطع ولده عن الدراسة قبل أن يجتاز سن المراهقة وقبل أن يتعلم أركان الإسلام وشرائطة كما يجب. كما على طائفة الحرفيين والمهنيين ألا يقبلوا أي صبي في العمل لديهم ما لم تكن بحوزته إذنا من الشرع بجواز عمله مختوما من قبل أحد قضاة استنبول إن كان هذا الصبي مقيما مع أبيه أو وليه في هذه المدينة. وعلى مدرسي المدارس أن يبلغوا قضاة مناطقهم عن كل حالة تخالف ما ذكرنا كي يصار إلى منع ذلك. وسيكون المدرس وكذلك القاضي ومساعد الوالي مسئولا عن كل حالة لم يبلغ عنها ولم يقم بواجبه تجاهها. وإذا كان الولد يتيم الأبوين ويعمل لدى معلم من معلمي الحرف فعلى معلم الحرف أن يتخذ الترتيبات اللازمة كي يرسل هذا الولد إلى المدرسة ساعيتن في اليوم على أقل تقدير، إلى أن يصل إلى سن المراهقة. فيقوم المدرسون بتدريس هذا الولد القرآن الكريم قبل كل شيء ثم دروس التوحيد والفقه حتى يكون ملما بالأحكام الشرعية. وقد قمنا بإبلاغ قضاة البلاد الثلاثة بتنفيذ أمرنا هذا . فعليكم أيها القضاة إبلاغ الأئمة في كافة أحياء الآستانة والمدرسين في المدارس وكذلك معلمي الحرف أن يأتوا جميعا إليكم لتقوموا بإبلاغ أمرنا هذا إليهم وتزودوهم بنسخة مختومة من هذا الأمر، والاهتمام والحرص على متابعة تنفيذه."


مدارس الاختصاص


ذكرنا في الصفحات السابقة مدارس التعليم العام والنشاطات التربوية والتعليمية في هذه المدارس. ونريد أن نضيف إلى ما قلنا بأن هناك مدارس أخرى. وهي مدارس تخصصية في فرع من فروع العلم الشرعي. فقد كانت هذه المدارس موجودة بأسمائها في الدول الإسلامية التي سبقت الدولة العثمانية، وحافظت على اسمها بعد تأسيس الدولة العثمانية. ويمكننا أن نقسم هذه المدارس في العهد الكلاسيكي إلى ثلاثة أقسام:


1-دار القراء، 2- دار الحديث، 3-دار الطب.


ولكي نكون على اطلاع أصح وأوسع على هذا النوع من مدارس الاختصاص، علينا ان نعود قليلا إلى الوراء، إلى ما قبل العهد العثماني، حيث اتخذ العثمانيون المسلمين الذين سبقوهم نموذجا في إنشاء هذه المدارس.


دور القراء


وهي الدور التي تعلم الطالب قراءة القرآن الكريم، وكانت هذه الدور تسمى في بعض الدول بـ" دور القرآن الكريم" وفي بعضها الآخر" دور الحفاظ". ويمكننا أن نقول بأن أول دار لحفظ القرآن وتلاوته هي دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة المكرمة في أول البعثة النبوية. وأن أول مدرس للقرآن هو النبي محمد عليه الصلاة والسلام.


وبعد بيعة العقبة التي تعتبر نقطة تحول في انتشار الدعوة الإسلامية عين رسول الله ثلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل مصعب بن عمير معلما للقرآن لأهل يثرب( المدينة المنورة قبل الهجرة النبوية).


وبعد فتح مكة عين الولاة للأقاليم، فكان هؤلاء الولاة معلمين للقرآن في الوقت نفسه. بالإضافة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الناس قراءة القرآن في المسجد النبوي بالمدينة كما كان الصحابي الجليل عبادة ابن الصامت وغيره يعلمون أهل الصفة.


ومن الوسائل التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نشر القراءة والكتابة بين أبناء المسلمين طلبه من أسرى المشركين في معركة بدر ممن يتعذر عليهم افتداء أنفسهم بالمال أن يعلموا عشرة من أبناء المسلمين بالدنية المنورة القراءة والكتابة. والصحابي الجليل زيد ابن ثابت هو أحد الذين تعلموا القراءة والكتابة بهذه الطريقة.


وبالإضافة إلى التعليم في المساجد التسعة بالمدينة المنورة، فإن الذين مهروا في القراءة من بين الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعلمون المسلمين قراءة القرآن في الأمصار المفتوحة. فقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه "قارئ الشام" أو "معلم الشام" وكانت أكثر حلقات الدروس في جامع بني أمية في دمشق الشام تعنى بالقراءة. حيث بلغ عدد طلاب أبي الدرداء أكثر من ألف وخمسمائة. وطلب أبو الدرداء قبل وفاته من والي الشام معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه أن يعين مكانه فضالة ابن عبيد الأنصاري. وقد بقيت مساجد الشام مراكز لتعليم القرآن فترة طويلة. يقول الرحالة ابن جبير (539-614) الذي مر بدمشق الشام بأن دورس القراءات التي تبدأ بعد صلاة الفجر في جامع بني أمية بالمجلس المعروف بـ"الصوب"، تستمر بعد صلاة العصر بالدروس المعروفة بـ"الكوثرية"، فكان الذين يلاقون الصعوبة في حفظ السور الكبيرة يحفظون السور التي تلي سورة الكوثر كي يقوموا بتلاوتها أثناء الصلاة. ولم يدخل القرن الثاني من الهجرة حتى صار المسلمون يتعلمون من القراء القراءات السبع، ووضعت قواعد لهذه القراءات وصارت الدور التي تعلم القراءات تعرف بدور القرآن.


وفي عهد السلاجقة والقرمانيين في الأناضول صارت هذه المؤسسات تعرف بـ"دور الحفاظ" ففي قونية في عهد السلاجقة مثلا كنا نجد دار صاحب عطا للحفاظ، ودار الفرخونية للحفاظ(عام 700 للهجرة) ودار سعد الدين عمر للحفاظ، ودار نصوحي بك للحفاظ(عام 715) وفي عهد القرمانيين كنا نجد العديد من دور الحفاظ مثل دار الحاج يحيى بك ودار الخوجة سلمان ودار الحاج يوسف آغا ودار القاضي إمام الدين ودار الحاج شمس الدين.


وكانت للمساجد في العالم الإسلامي رسائل عديدة فقد كانت إلى جانب كونها دورا للعبادة مقرا للنشاطات التربوية والتعليمية ومركزا للتزود بعلوم القرآن والحديث. وكانت هناك"مشيخة القراءة" و"مشيخة المسجد" كما كانت في مقرات قيادة الجيش "مشيخة الجند" والشيخ الذي يعلم الجنود بـ"قارئ الجند"


أما في العهد العثماني فقد أصبحت دار القراء من مدارس الاختصاص. فكان القراء والقائمون بشئون المساجد يعينون من بين المتخرجين من هذه المدارس. فالطالب الذي كمل دراسته في مدرسة الصبيان أو الذي يتلقى علوم من نفس المستوى، إذا أراد الالتحاق بهذه المدارس، أرسل إلى دار للقراء من مستوى أدنى.وبعد إكمال حفظه للقرآن هناك انتقل إلى دار أعلى للقراء. فيتعلم القراءات العلمية ومخارج الحروف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
remxx

remxx



التعليم الديني لدى العثمانيين Empty
مُساهمةموضوع: رد: التعليم الديني لدى العثمانيين   التعليم الديني لدى العثمانيين Icon-new-badge23/3/2010, 04:20

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التعليم الديني لدى العثمانيين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سلم الموظفين التعليم 1433 , سلم رواتب موظفي التعليم العالي 1433 , سلم رواتب قطاع التعليم 1433 , سلم رواتب الاداريين في التعليم 1433 , سلم الرواتب لقطاع التعليم 1433
» شروط العالمية للابتكار فى التعليم 2012 , جوائز العالمية للابتكار فى التعليم 2012, فيديو يوتيوب مؤتمر تحويل التعليم , اسماء الفائزين فى جوائز العالمية للابتكار فى التعليم 2012
» تعبير عن التعلم بالمراسلة أو التعليم عن بعد . موضوع عن التعلم بالمراسلة أو التعليم عن بعد , مقال عن التعلم بالمراسلة أو التعليم عن بعد , بحث عن التعلم بالمراسلة أو التعليم عن بعد
» وزارة التربية العراقية التعليم المهني , نتائج التعليم المهني 2012
» نتائج شهادة التعليم المتوسط الجزائر 2012 - نتائج التعليم المتوسط الجزائر 2013 - نتائج امتحانات التعليم المتوسط الجزائر , نتيجة التعليم المتوسط الجزائر 2012

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اربد :: المنتدى العلمي :: منتدى التاريخ :: امم وحضارات-
انتقل الى: