إن الشريعة الإسلامية لا تقرّ من الأعراف إلا ما كان لا يعود بمخالفة شرعية وإن مما ينتشر خصوصاً في المملكة وما جاورها تصنيف بعض الناس لبعضهم بناءً على الأعراف العرقيّة والقبليّة ، وهو أمر لا تقرّه الشريعة الإسلامية إلا في حق القرشيين ، كما دلّت السنة النبوية على ذلك ، فقد قال النبي – صــلى الله عليه وسـلم – : ( قدّموا قريشاً ولا تقدّمـوها ) رواه البيهقي وغيره بسند صحيح.
وإلا فإن الأصل أن الناس كما في الحديث بنو آدم ، وآدم من تراب ، وهذا الحديث قاعدة تبيّن أن الناس كأسنان المشط ، إلا بأفعالهم ، ويتجلّى هذا المعنى في الخطاب الديني للمكلفين ، كما في اجتماع المصلين على إمام واحد وإقامة الصف وسدّ الخلل فيه ، وكذلك اجتماع الصائمين في صيامهم في زمن واحد ؛ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وأيضاً اجتماع الحجيج بسمت واحد وزيّ واحد ، كل هذا في صورة مشرقة للوحدة والمساواة والعدالة ، لا فضل لأبيض على أسود ، ولا لغني على فقير ، كلهم أمام الله سواء إلا بالتقوى.
ولقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( من ادعى بدعوى الجاهلية فهو من جثا جهنم ! ) فقال رجل : يا رسول الله ؛ وإن صلى وصام ؟ قال : ( وإن صلى وصام ، فادعوا بدعوى الله الذي سمّاكم المسلمين المؤمنين ؛ عباد الله ) رواه أحمد وغيره.
هذا وإن من مظاهر التمييز العرقي أن يترك بعض الناس تزويج آخرين ولو كانوا على خلق ودين على حساب التمييز العرقي ، وفي تصفّح لذاكرة التأريخ – لا سيّما عصر صدر الإسلام ، وخصوصاً مع سيّد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم – نجد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أرفعَ الناس قد تزوّج بزينب بنت جحش بعد مولاه زيد ، بل هو الذي زوّجها بزيد من قبل رغم أنها قرشيّة وأمها هاشميّة ، وأشـار النبي – صلى الله عليه وسلم – لفاطمة بنت قيس القرشيّة أن تقبل بنكاح أسامة بن زيد الذي قد استفاض أنه وأباه من الموالي ، وثبت عند البخاري وغيره عن عائشة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس – وكان قرشيّاً ممن شهد بدراً قد تبنى سالماً – ولمّا كبر سالم أنكحه أبو حذيفة ابنة أخيه الوليد بن عتبة ، وسالم هذا إنما هو مولى لامرأة من الأنصار ، وأخرج البخاري في التاريخ الكبير عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت : رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال. ومن المتقرر أن عبد الرحمن زهريّ قرشيّ ، وبلال حبشي عتيق لأبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين.
وإذا كان هذا حال الصحابة – رضي الله عنهم – الذين لم يعيروا للعرقيّة والقبليّة اهتماماً فهل الذين يميّزون بين الناس سبقوا الصحابة إلى خير ! ومن ظن أنه سيكون على خير مما كان عليه سلف الأمة فا أظنه على خير.
وفي الختام أقول : لم أشأ ذكر اختلاف أهل العلم في مسألة كفاءة النسب لأن الحق يعرف بالدليل لا بالأقوال التي لا يعضدها دليل ، وكذلك فإنه مع ثبوت سنة النبي صلى الله عليه وسلم يسقط كل قول يخالفه.
سلطان بن عثمان البصيري
القاضي بالمحكمة الإدارية بالمدينة المنورة