إن من خصائص إلهية الله – تعالى – العبودية له ، تلك العبودية التي تقوم على ساقين لا قوام لها بدونهما : غاية الحب وغاية الذل ، واجتماعهما تمام العبودية ، وتفاوت منازل الخلق في عبوديتهم لله تعالى بحسب تفاوتهم في حبه والتذلل له.
قال ابن القيّم – رحمه الله - :
عبادة الرحمن غاية حبّه --- مع ذلّ عابده هما قطبانِ
فمن أعطى غاية حبه وغاية ذله لغير الله – تعالى – فقد سوى غير الله بالله ، وهذا أمر قبحه مستقر في الفطر السليمة التي تستيقن أن الله – تعالى – هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له ، ولكن غيّر الشيطان فطرة كثير من الخلق وسلبهم عقولهم وأفسدها عليهم واجتالهم عنها ، وكان على الفطرة التي رضيها الله – تعالى- لخلقه من سبقت لهم العاقبة الحسنة ، فأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه فاتبعوهم وتنوّرت فطرهم السوية وعقولهم السليمة فازدادوا بذلك نورا على نور ( يهدي الله لنوره من يشاء ).
وإذا تقرر هذا فليعلم أن من خصائص العبودية لله – تعالى – السجود له لأنه أعظم محبوب ولا ينبغي الذل إلا له.
ولما كان المؤمنون أشد حبا من غيرهم لله – تعالى – اختصوا بإفراد الســجود له – جل وعلا - ، قال الله : ( والذين آمنوا أشد حبا لله .. الآية ) ، وأما الذين سووا غير الله به فلا يتحرجون أن يسجدوا له ولغيره ، قال الله : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله .. الآية ).
وإن مما يتفطر الله قلب المؤمن كمدا ويجعله يسأل الله مددا ينتشله به من سبل الردى أن الشيطان استطاع أن يغوي بعض الناس فوقعوا في الشرك والكفر من طريق الشهوة فسجدوا لمحبوبيهم !! قد يظن البعض أن هذا ضرب من القصص التي تروى في الأساطير عن العشاق كانت من نسج الخيال ، لكنها والله حقيقة صارت لمن لا خلاق له في الدنيا والآخرة ، الكل رآها فيما انتشر من مقاطع على الشبكة العنكبوتية.
وإذا كان الشيطان حريصاً على الإفساد فيدخل على البعض من باب الغفلة وآخرين من باب الغضب – لا سيما الزوجين – فكثير يدخل عليهم من باب الشهوة – كما قرّر ذلك ابن القيّم – رحمه الله – في مقدمة كتابه الوابل الصيّب – ليطلقوا البصر ثم الخواطر والفكَر ثم اللفظ ثم الخطى والخطيئة ، ومن لوازم التفكير الحب الذي يورث العشق الذي يمتليء به القلب فلا يبقى به مكان إلا للعشق ثم الردى والعذاب ثم الانسلاخ من الدين ثم الخاتمة السيئة في سبيل الشيطان
مآرب كانت في الحياة لأهلها --- عِذابا فصارت في الممات عذابا
ألا إن المحبة الطبيعية لا غُبار عليها .. الزوجان يحبان بعضهما ، الوالد يحب ولده والولد يحب والده ، لا أحد يمنع من المحبة الطبيعية التي لا تخالف شرع الله – تعالى – دون المبالغة في حب المحبوب بحيث يكون الحب كله له دون الخالق – تعالى - ، وكثير من العشاق يصرّح بأنه ليس في قلبه مكان إلا لمعشوقه ، ولسان حاله يطلب رضا معشوقه ولو في سخط الله ، وقد قال ابن القيم – رحمه الله – في كتابه الجواب الكافي عن هذا العشـق : ( إنه عشق شركي كفري ).
ومن ابتلي بهذا العشق ويريد الراحة أو كان يخشى منه ومن عذابه ويريد العلاج فلا علاج أنفع من اللجوء إلى الله ودعائه مع الإخلاص في ذلك بأن يسلم القلب ، ومع الدعاء غض البصر وقطع التفكير وسائر العلائق ، فالإخلاص لله – تعالى – أول لبنة في قلب المؤمن وبسببه يصرف الله السوء والفحشاء عن العبد ، وقد قال الله عن نبيه يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام لما صرف عنه الفتنة بامرأة العزيز : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ).
فما في الأرض أشقى من محب --- وإن وجد الهوى حلو المذاقِ
تراه باكيا في كل حين --- مخــافة فرقة أو لاشتياقِ
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم --- ويبكي إن دنوا حـذر الفراقِ
فتسخن عينه عند الفراق --- وتســخن عينه عند التلاقِ
سلطان بن عثمان البصيري
القاضي بالمحكمة الإدارية بالمدينة المنورة
هل العشق يوصل للشرك بالله ؟!!![b]