تحميل كتاب دفتر سيجارة , دفتر سيجارة- بول شاوول , دفتر سيجارة , كتاب دفتر سيجارة تحميل كتاب دفتر سيجارة , دفتر سيجارة- بول شاوول , دفتر سيجارة , كتاب دفتر سيجارة تحميل كتاب دفتر سيجارة , دفتر سيجارة- بول شاوول , دفتر سيجارة , كتاب دفتر سيجارة تحميل كتاب دفتر سيجارة , دفتر سيجارة- بول شاوول , دفتر سيجارة , كتاب دفتر سيجارة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بول شاوول يصادر في مصر "الأخوان". وما صودر كتاب "دفتر سيجارة" الذي صدر في طبعته الثانية المصرية عن "الهيئة العامة لقصور الثقافة" قبل أيام عدة، ووزع على المكتبات وأكشاك الجرائد، والذي سبق أن طبع في بيروت قبل سنوات عدة.
لم يصادر الكتاب لأن ما فيه "يمس" الذات الإلهية، أو ينتقص من قيمة الإسلام، إنما لأنه، وبحسب "الاخوان"، يدعو الى تدخين السيجارة، والتسبب في الأمراض. إذاً، والحمدلله لم يكن كرواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا"، ولا كتاب طه حسين "الشعر الجاهلي"، ولا دراسات نصر حامد أبو زيد... أو قصيدة للشاعر الراحل حلمي سالم، أو دراسات لجابر عصفور أو آراء للحجازي... وضعت جميعاً في باب التكفير، والمس بالدين. لا! هذه المرة، عباقرة الاخوان (وجلهم يدخن أكثر من السيجارة)، طرقوا باب الصحة العامة. فاعتبرت بعض المقالات في جريدة "الحرية والعدالة" الناطقة باسمهم، أن كتاب شاوول يحرّض الناس على التدخين مما يُضر بصحتهم ويسبب لهم الأمراض القاتلة. رائع! ولكن هؤلاء "بلطجية محاكم التفتيش الحديثة، قرأوا الكتاب من الخارج، وتعاملوا معه من القشور (تماماً كما فهموا الدين). والغريب أن هؤلاء، لكي ينسجموا مع أفكارهم الصحية! (حاولوا اغتيال نجيب محفوظ، وجابر عصفور، ونفوا ناصر حامد أبو زيد الذي مات بحرقة الغربة، وقتلوا فرج فودة، وهددوا عادل إمام وسواه، والغريب أن هؤلاء "مدمني" المنع والنهي، والقطع، والبتر... لم يطالبوا بمنع التدخين في مصر، وهم في السلطة. لا! ولم يطالبوا بمحاربة المخدرات... وإنما ها هم يشنون حملة صبيانية لمنع الكتاب. كأنهم يقولون إسمحوا بالتدخين وامنعوا كتاباً شعرياً هو في الأصل تأمل عبر السيجارة بمسيرة طويلة للشاعر.
على كل... الكتاب أقوى منهم. وكل كتاب أقوى منهم. وكما أسقطت الثورة زمن الطغيان والقمع والمنع... ستُسقط أيضاً صيادي الإبداع، وقامعي الحريات، بشعارات باتت ممجوجة من العصور الوسطى! والدليل أن هناك ردوداً كثيرة من المثقفين المصريين وحتى الناس... على منع كتاب "دفتر سيجارة" ونعد هؤلاء بأننا سنكون في مصر في الأيام المقبلة وسنقيم "حفلة" توقيع للكتاب في قاهرة الميدان، وقاهرة الطغاة... هناك سندشن أول توقيع لأحد كتبنا، وهو الأعز على قلبنا لأنه بكل بساطة "دفتر سيجارة".
هنا مقاطع من الكتاب لإنعاش الذاكرة.
بول شاوول
يُحس أحياناً أن الوجع رقيق كورقة السيجارة وحارّ كجمرتها عبثى كدخانها.
يحس أحياناً أنه يمتص الوجع أو يمتصه الوجع كما يمتص سيجارة.
السيجارة ربما كانت وجعاً آخر.
شَعَر وهو يشعل السيجارة، يطفئها ليُشعل أخرى أن الزمن يتكرر فيها، لكن أحس أيضاً أن السيجارة لا تتكرر بالطريقة التي يتكرر فيها الزمن: هي تنتهي بأسف وهو لا ينتهي بأسف والنتيجة واحدة بكل أسف.
كَتَب هذا الصباح في المقهى خمسين سيجارة ثم محاها كلها بلا أسف يذكر
يدخن صديقه كثيراً. يتكلم والسيجارة في فمه. وعندما كان يصغى إليه يحس بأن كلمات كثيرة يقولها صديقه غير مفهومة أو مبتورة أو ناقصة. شعر بأن صديقه يدخن السيجارة وكأنه يدخن كلماته. بل وأحياناً يدخن كلماته أكثر مما يدخن سجائره. لهذا ربما اعتبر أن صديقه من أجمل الشعراء.
صديقه يحيى يدخن وهو يضع يديه في جيبه. وهكذا يكون للسيجارة أن تستفرد وتأخذ مجدها. لكنه شعر بأن صديقه عندما يدخن بهذه الطريقة كأنما يخفي كثيراً من أسراره فيها، تماماً كما يضع يديه في جيبه، وكأنه يخفي سراً فيهما.
يُحس أحياناً وهو يشعل السيجارة وكأن أجراساً بعيدة تحترق عليها، وكأن دخاناً عميقاً آتياً من الحفر. والطفولة، والموتى، يتلاشى أمامه وهو جالس وحده يشعل السيجارة من السيجارة. وتحترق وراءه أجراس بعيدة وضباب يطلع من كل الأدوية والأحراش التي عبرها ذات زمن وتولّت الى الأبد.
شعر بأن أفكاره تأتي دائماً متأخرة تلهث بعرقها البارد خلف دخان سيجارته.
ما زلت بعد أكثر من 40 سنة من أول سيجارة أشعلتها بطريقة سيئة تشعلها اليوم بطريقة سيئة أيضاً. ذلك أن السيجارة كالشعر خطأ جميل.
يبتسم عندما يلتقي البخار المتصاعد من فنجان القهوة الساخن دخان سيجارته. ويبتسم أكثر عندما يتمازجان ويتلاشيان معاً هواء في هواء أو صمتاً في صمت ورحيلاً في رحيل.
يتمازج دخان السيجارة والبخار المتصاعد من فنجان القهوة كما يتمازج النوم والغياب.
عندما ينفخ أحياناً دخان سيجارته على البخار المتصاعد من فنجان القهوة الساخن يُحسّ كأنه يرسم لوحة مائية تُفلت منه بلا أسف ولا ندامة.
لا يعرف لماذا عندما رأى دخان السيجارة يمتزج ببخار القهوة.. أحس بحنين غامض. ذلك أن الحنين أحياناً يشبه تمازج دخان السيجارة ببخار القهوة الساخنة
لحظة لا تعرف الراحة.
لو كان له أن يتخيل كما يريد لرأى: أن الحصان يدخن.. المارلبورو، والدجاجة تدخن الكانت، والسروة تدخن اللاكي سترايك، والديك يدخن الغولواز والبُلبل يدخن الصمت الذي يتصاعد من دخان كل هذه السجائر.
أين يذهب دخان السيجارة عندما تبتلعه؟ كيف يشق طريقه في الزلعوم وكيف يتوزع في الصدر وصولاً ربما الى البطن والكلى. في أي شريان يعلق ويقيم، أي رئة يختار: اليمنى أو اليسرى، هلى ترى يتوقف في الحنجرة. هذا الدخان الشفاف الرقيق أي منطقة سيخترق في هذه السيجارة التي تمجّها بقوة اليوم، في أي منطقة قد تصير محظورة عليك ذات يوم أو ذات صباح أو ذات غياب طويل.
إنه الوهم الذي تراه، تضعه في جيبك. (وهل أجمل من وهم تضعه في جيبك)..
يشبه الهواء أحياناً أو الرماد أحياناً أخرى أو الظل. وهْمٌ بحجم الإصبع. وأرق. أو أغلظ. تسحبه، تشعله، تمجّه، تطفئه، ترميه، ثم تتكرر اللعبة: تسحبه، تشعله، تمجّه، تطفئه ثم ترميه.
الوهم الخالص يستوطن أصابعك وصدرك ورئتيك وشرايينك ليجعلها وهماً آخر.. يجعل الحياة كلها وهماً آخر.
وهماً قاتلاً ككل الأوهام الجميلة.