تعال صديقي ... بقلم: عمر قديسات .
تعالَ صديقي …
نرتاح من وعثاء السفر ، نحط رحالنا قليلاً في زمننا البعيد … البعيد ، الساكن فينا ، نبحث عن احلامنا الصغيرة ، تلك التي علّقناها باغصان الزيتون … قناديلاً تضيء عتمة الليالي … فالقمر أَفل… و نثرناها وروداً وسيوفاً على طين البيوت … علّنا نتفيء ظلال المكان في قادم الزمان !!
تعالَ ، ولا ادري اهوَ هروب ؟! ام لحظة لالتقاط الانفاس وبعدها نواصل … على ايٍ … فقد قسى الزمان على تفاصيل الوطن ، وشوّه المبطلون تقاسيم وجهه الجميل ، الملوّن باللوزوالليمون والشيح والدحنون … والمساكين امثالنا ، المصلوبون بالقهر والحرمان ، لم يعد لنا في الظل مكان..
ولا في حقلنا لنا موطىء قدم… فانتبه صدقي !! فاما نكون … او لا نكون …
تعال صديقي …
نفتش في سطور دفاترنا العتيقة عن حكايا الصدق والجمال ، والعشق المغروس فينا لصخور جبالنا و تراب سهولنا ومسيل الوديان في كل جهات الوطن … تعالَ نَسعد للحظات بذكرى وذكر ذاك الحب ، فنطوف شوارع قريتنا و الازقة ، نملأ ساحاتها فرحا بالعيد ، ونقبل ايادي ابائنا وامهاتنا … فما زلت يا صديقي ارى عرق الحصادين يقطر من الجباه التى لوحتها الشمس ، واشم شذى الرياحين الذي كان يفوح من الشبابيك في نهارات القيظ ، والبابونج على اطراف بيادرنا … ومازلت احلم في يقظتي ومنامي "بالمزنوك" و "الكابوسة" بيد جدّي ، وبـ "شُرش الحَبَر" … و"شنبر" جدتي … فتعال نخبئ احلامنا بين حبات العنب في دوالينا ، وفي "طواقي" الحمام البلدي المحفورة في واجهات البيوت … تعالَ لنخبئها عن اعين اللصوص ، الذين باعوا خيرات الوطن بأبخس ثمن … فلنحمي احلامنا ونرعاها بالصبر والدعاء حتى تثمر سيوفا نقطع بها ايادي الخائنين … وخناجر نكتب برؤسها الحادة على اسوار البيوت :
اردن ارض العزم اغنية الظبى
نبت السيوف وحد سيفك ما نبى
تعالَ صدقي …
نزوراطلال بيت "المختار" ، فما زلال مرسوماً على صفحات القلوب … نسمع في الصبح باكراَ "دقات" المهباش نغما طروبا تردده البلابل من فوق الاغصان … ونشرب من يده فنجال قهوة مرة ، شهدا ولذةً نرشفها ، وعلقما في حلوق الباغين …تعال نسلم عليه ، فهو اعلى سلطة عرفناها في ذاك الزمان … لم نكن نعرف اسماء المعالي والسعادة … كل ما نعرف اسم "الحاووط" و "خطيب الجامع" ومدير المدرسة ، واسماء السادة المعلمين … ولا يعنينا الرقم – 111 – الا مايعنيه في كتب الرياضيات … فلا نعرف من المجالس الا المجلس القروي … ولم نكن نعرف من الردح الا :
يابو قضاضه بيضا … تغيّر عليّ لونه
ويش اقول يا يمه … ويش اقول يايمه
تعالَ صديقي …
نروي عطشنا وزرعنا و "حلالنا" (بفضل الله) من مطر السماء… لا نستجدي سلطة المياه ولا سلطة المصادر الطبيعية … واذا تأخرالغيث نستغيث الله تعالى … نخرج زرافات صبية وصبايا نغني بتبتل :
يالله الغيث ياربي تسقي زريعنا الغربي
تعالَ صديقي…
نخطف من هذا الزمان هنيهة حلم طفولي ، نغفوا في ظلال زمننا البعيد … فدعنا لا نفيق الا على ايقاع طبلة "المسحراتي" في ليالي رمضان ، يتفقد بيوت القرية بيتا بيتا ، ينادي بصوت فيه بحة من كثر النداء
يا نايم وحِّد الدايم … يا نايم وحِّد الدايم .
انتبه صديقي !! … انه ينادي في حلكة الليل :
يا نايم وحِّد الدايم … يا نايم وحِّد الدايم … يا نايم وحِّد الدايم !!
تعالَ صديقي …
نلملم ذكراياتنا المبعثرة على طول الزمان ، نزرعها في حقولنا وكرومنا وحواكيرنا قمحا واشجارا … ونزرعها في نفوس اطفالنا حبا للاردن … حبا لكل العرب …
تعال نعلمهم معنى :
بلاد العرب اوطاني … من الشام لبغدان
ومن نجد الى يمنٍ … الى مصر فتطوان .