[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]يتناسب الإيمان مع الأخلاق تناسبا طرديا، فكلما قوي الإيمان قويت الأخلاق، وكلما حسن الإيمان حسنت الأخلاق. والعكس بالعكس: فكلما أصيب الإيمان بالضعف والهزال انعكس ذلك على الأخلاق فأصابها السوء والضعف والهزال.
إن الإيمان الصحيح يعصم صاحبه عن الرذائل, ويدفعه إلى المكرمات، ويرقيه في درجات المعالي، ومحاسن الفضائل. والله جل وعلا دعا عباده إلى كل خير و نهاهم عن كل شر , وهو عندما يدعوهم ويحذرهم، يجعل ذلك مقتضى إيمانهم المستقر في قلوبهم. ولذلك كثيرا ما يناديهم في القرآن الكريم بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا...) فيناديهم باسم الإيمان، فإنهم لن يقوموا بالتكاليف والأوامر والنواهي إلا بناء على إيمانهم به جل وعلا. فكلما قوي إيمانهم قوي الداعي في أنفسهم وقلوبهم للقيام بامتثال أوامر الله تعالى ونواهيه. ثم يذكر الله سبحانه وتعالى بعد هذا النداء باسم الإيمان ما يريد أن يوجههم إليه فيقول مثلا: (يا أيها الذين آمنوا...) ثم يقول سبحانه: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [التوبة/119] .
لقد وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان القوي لا بد أن يتولد عنه خلق قوي, وأن ضياع الأخلاق سببه الأقوى ضعف الإيمان أو انعدامه . فهذا الرجل الصفيق الوجه .. المنحرف السلوك .. الذي يغرق في بحار الرذائل غير هياب من أحد، لا يستحيي لا من الله ولا من خلق الله .. يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حاله بقوله: "الحياء والإيمان قرناء جميعا, فإذا رُفِعَ أحدُهما رُفِعَ الآخرُ" [الحاكم والطبراني] . والمرء (رجلا كان أو امرأة) الذي يؤذي جيرانه ويرميهم بالسوء, يحكم الدين عليه حكما قاسيا فيقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن .. والله لا يؤمن .. والله لا يؤمن" قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه" !! [البخاري] . فربط عدم أذية الجار بالإيمان، وحصول الأذى بعدم الإيمان. وعندما يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه الكف عن اللغو، ومجانبة اللهو والعبث والثرثرة ، يقول "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" [البخاري] . وهنا أيضا ربط قول الخير والإعراض عن الشر وعن اللغو والباطل بالإيمان .
وهكذا نراه دائما يحرص على غرس محاسن الأخلاق والفضائل وتعهدها حتى تؤتي ثمارها, معتمدا على صدق الإيمان وكماله وصحته وقوته.
إلا أننا قد نجد كثيرا من المنتسبين إلى الدين قد يستسهلون أداء العبادات المطلوبة، ويتشبثون بها، ويبالغون في الحرص على إقامتها، في حين أننا نراهم ــ في ذات الوقت ــ يرتكبون أعمالا يأباها الخلق الكريم والإيمان الصحيح الحق.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توعد هؤلاء الخالطين، الذين انحرفوا في سلوكهم ــ عن عمد تارة وعن جهل تارات أخرى ــ وحذر أمته منهم، وبين أن تعمقهم في عباداتهم، مع مفاسد سلوكهم لا ينجيهم من النار ولا من عذاب النار . حيث إن التقليد في أشكال العبادات يستطيعه المنافق الذي لم يتشبع قلبه بروحها، ولم ترتقي روحه إلى التلبس بمقتضاها. إن الطفل قد يستطيع محاكاة حركات الصلاة، وترديد ألفاظها. وربما تمكن الممثل من مشاكلة خضوع وتصنع أهم العبادات، حتى ليخيل إليك أنه فعلا كالصادقين فيها. ولكن الحقيقة أن هذا وذاك لا يزنان عند الله تعالى شيئا. إذ أن الحكم على مقدار الفضل وروعة الأداء لا ينبني إلا على ميزان دقيق، ألا وهو الأخلاق العالية، والشمائل المثالية. لقد ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فقالوا: إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها .. وصيامها .. وصدقتها .. غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: "هي في النار" ثم قالوا: يا رسول الله! فلانة تذكر من قلة صلاتها .. وصيامها .. وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط [أي: القطع من الجبن] ولا تؤذي جيرانها . قال: "هي في الجنة" مسند أحمد] .
وفي هذه الإجابة البليغة من النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم تقدير بالغ لقيمة الأخلاق العالية، إذ ما الفائدة من كثرة الصلاة والصيام والصدقات من شخص لا يكف أذاه عن الناس؟؟ بماذا تنفعه الصلاة والعبادات؟ ما فائدة العبادات الهائلة إن لم يتوجها خلق فاضل، وسلوك حان، يجلب الخير للبشر، ويبعد عنهم الأذى والشر، ويحقق لهم سعادة في وروعة وطمأنينة وهناء في تعاملاتهم ومجتمعاتهم؟؟
ولتأكيد هذا القانون الواضح الصريح في صلة الإيمان بالخلق القويم, يقول رسول الله الكريم، صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صام وصلى وحج واعتمر، وقال: إني مسلم: إذا حدث كذب, وإذا وعد اخلف, وإذا اؤتمن خان" [مسلم] . ولننظر كيف أن الكذب وإخلاف الوعد والخيانة دليل على النفاق؟ وأن النفاق لا يبقى معه إيمان؟ فهو ربط وثيق جدا بين الإيمان والأخلاق، فلا إيمان بغير خلق قويم، ولا أخلاق قويمة إن لم يغذيها إيمان سليم.
ولا يزال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد، ويقرر، ويرسخ ذلك المفهوم فيقول: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" [البخاري] . ولننظر أيضا في هذا بوضوح إلى التلازم التام بين مساويء الأخلاق والنفاق، وبين محاسن الأخلاق والإيمان .
إن الرذائل إذا نمت في النفس, وفشا ضررها, وتفاقم خطرها, انسلخ الإنسان من دينه كما ينسلخ العريان من ثيابه وأصبح إدعاؤه للإيمان زورا فما قيمة دين بلا خلق؟ وما معنى الانتساب إلى الله إذا رافقه إيذاء البشر والانحلال والإفساد؟؟؟
اللهم إني أعوذ بك أن أقول زورا، أو أغشى فجورا، أو أن أكون بك مغرورا. اللهم اجعلنا من جندك؛ فإن جندك هم الغالبون، واجعلنا من حزبك؛ فإن حزبك هم المفلحون، واجعلنا من أوليائك؛ فإن أولياءك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
م/ن