اربد والتطور العلمي

[b]ثلاث جامعات، ثمان كليات مجتمع وعشرات المدارس



احمد التميمي

إربد – الغد – دخلت الحركة التعليمية في مدينة إربد مرحلة جديدة لدى تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، فانتشرت المدارس وتوّلد حراك شعبي نحو التعليم بعد أن كان محصورا بكتاتيب في مركز المدينة، حسبما يستذكر شيوخ المدينة.

واليوم تضم إربد جامعتين حكوميتين وثالثة أهلية وثماني كليات جامعية متوسطة، أي واحد إلى عشر من الكليات المنتشرة في المملكة. من بين الكليات الجامعية حوارة، إربد للبنات، الرازي، ابن خلدون، غرناطة، الاردنية للعلوم والتكنولوجيا، نسيبة المازينية للتمريض، الحصن وتوليدو. أما الجماعات فهي: اليرموك، ثانية أعرق الجامعة الأردنية أقيمت ثلاثة عقود والعلوم والتكنولوجيا وجامعة إربد الأهلية.

صدرت الإرادة الملكية السامية بتشكيل اللجنة الخاصة لجامعة اليرموك بتاريخ 24/6/1975، وتقررت تسمية الصرح العلمي المنشود جامعة اليرموك لما لهذا الاسم من دلالات تاريخية.

تضم اليرموك اليوم كليات: العلوم، والفنون، والاقتصاد والعلوم الإدارية، والآداب التي تضم قسم الصحافة والإعلام وهو الأول في المملكة خرّج عشرات الصحافيين منذ عشرين عاما.

ورفدت جامعة اليرموك قطاعات التنمية بمختلف التخصصات.

اليرموك والمجتمع

المحلي

انخرطت جامعة اليرموك في تنمية المجتمعات المحلية وتركت بصمة في آليات تطوير المدينة. وقد عقدت عشرات الدورات التدريبية من خلال مركز الاستشارات وخدمة المجتمع الذي تأسس عام 1993، وهو أداة فاعلة يتحقق من خلالها ثالث أهداف الجامعة، وهو خدمة المجتمع المحلي، إلى جانب التعليم والبحث العلمي.

يقول رئيس مركز الاستشارات وخدمة المجتمع في جامعة اليرموك محمد الروابدة إن المركز "يولي اهتماما بعقد وتنظيم المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية بهدف رفع كفاءة وسوية العاملين في مختلف المؤسسات". وتغطي خدمات التأهيل وإعادة الترتيب القطاعين العام والخاص على حد سواء، حسبما اضاف الروابدة.

في جامعة اليرموك متحف للمسكوكات يعرض عينات من النقود المستخدمة في الحقب الغابرة في بلد شهد مهد الحضارات الانسانية ورسالات الأنبياء.



المسكوكات مرآة الحضارات



ويرى أمين متحف التراث الأردني في الجامعة محمود الروسان أن "المسكوكة تعكس قصة تطور تعامل الإنسان بالنقد.. فالمتحف يحكي تطور استخدام القطع النقدية وانتقالها بين الناس، والتطورات التي طرأت عليها عبر العصور". بدأت النقود على شكل قطع حديدية غير منتظمة الشكل وتطورت على مراحل وصولا إلى استخدام الذهب والفضة والنحاس مع نقوش تحمل دلالات تاريخية.

يعود انشاء المتحف إلى العام 2002 بفضل الأستاذ المرحوم سمير شمّا الذي كان مهتما بالمسكوكات وله مؤلفات عدة في هذا المجال. وكان شما، بحسب الروسان، من أكثر جامعي النقود الإسلامية حتى يحفظها من الضياع.

وجاءت المكتبة الحسينية في حرم جامعة اليرموك لتضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة لتخدم آلاف الطلبة والباحثين. يقول مدير المكتبة الحسينية محمد الصرايرة إن المكتبة قادرة على استيعاب 2500 قارئ في وقت واحد كما تضم أكثر من مليون مجلد وكتاب".



العلوم والتكنولوجيا

جامعة العلوم والتكنولوجيا هي رابع صرح علمي في ربوع المملكة. صدر قانون هذه الجامعة في الأول من أيلول(سبتمبر) 1986، وانتظمت الدراسة فيها أواخر الشهر نفسه منذ ذات العام. تضم هذه الجامعة كليات: الهندسة، الطب، طب الأسنان، الصيدلة، الزراعة، العلوم، وهي تسعى لصقل مهارات الطلبة الذاتية وتشجع أنماط البحث العلمي والإبداع، وصولا إلى بناء قدرات علمية متميزة، حسبما يؤكد رئيس العلوم والتكنولوجيا وجيه عويس.



البداية مع الكتاتيب

وفيما يخص الكتاتيب يروي التسعيني محمود الهامي وسيلة التعليم الوحيدة السابقة قبل نشوء المدارس والجامعات والحضانات في ريف شاسع متماسك عشائريا ومجتمعيا. فقد كان "التلاميذ يكتبون دروسهم على ألواح خشبية غالبا بمساحة (30X 40 سم) معدة لهذا الغرض".

كان طالبو العلم يكتبون على الألواح بأقلام من"البوص" وبعد تحفيظ الدرس تغسل الألواح بـ"المدر" وهو نوع من الطين أصفر مائل إلى الاخضرار، كان منتشرا في تلك المناطق.

تروي أم احمد(85 عاما) كيف كانت "الدراسة تأخذ شكل حلقات؛ فكل مجموعة في مستوى متقارب. ويلقن الطلبة بداية طريقة الاعراب وهي نطق حروف القرآن حرفا حرفا وتشكيلها ثم نطقها كاملا".

بعد ذلك يختم الصبية القرآن. ومن يتمكن من قراءة القرآن كاملا ويجيد قراءته يلبسونه اهله احسن الثياب ويطوفون به في بيوت الحارة وبين بيوت اقاربه ومن خلفه مجموعة الصبية ويستقبلونه في البيوت حيث توزع الحلويات والشراب والحناء فيما يقرأ قليلا من القرآن الكريم وينشد أنشودة ختم القرآن ويردد وراءه الصبية(آمين) بعد كل بيت أو شطر من الانشودة.

من منظور أم أحمد، كانت الكتاتيب أفضل من المدارس الرسمية في هذا الزمن إذ تستذكر كيف كانت تخرّج "تلاميذ مجتهدين في الحفظ والنطق فهي تعودهم على القراءة السليمة منذ الطفولة وتقوم ألسنتهم عن الخطأ."

وكانت الكتاتيب تعقد إما منزلا يسمى بالمطوع او منزل المطوعة.

كانت أعمار الصبية الملتحقين بالكتاتيب تتراوح بين سن الخامسة والخامسة عشرة. كانت الدراسة على فترتين من شروق الشمس وحتى مغيبها طوال أيام الأسبوع ويتوقف بعضها عصر يوم الخميس ويوم الجمعة. كذلك يعطل الطلاب خلال أيام الأعياد والمناسبات.

اما بالنسبة لكبار السن فكان "لهم فترة مخصصة بعد صلاة العشاء وتستمر لمدة ساعة او ساعتين". تستذكر أم أحمد كيف كانت مكانة المطوع والمطوعة في المجتمع إذ كانت شخصية المعلم متقدمة عن غيرها من الناس "لما يقوم به من مهام عظيمة وجليلة وكان أيضا مرجعا في الرأي والمشورة في كثير من شؤونهم ومشاكلهم الخاصة".

أما اليوم فتحولت الألواح الثابتة إلى كراريس من كافة الألوان والأحجام. من بين وسائل التعليم السابقة "الطوب" وهو نوع من الطين يتشكل في المستنقعات التي تتجمع من جراء الأمطار والسيول. كان هذا الطين ناعم الملمس يفرد على اللوح بعد أن يجف ماؤه وهو سهل التشكيل. كان يستخدم مع البوص حبراً أسود "يصنّع محلياً كما استخدمت أعواد من شجر الخوخ وريش بعض الطيور"، حسبما يضيف الهامي.

كان القلم "يصنع من الخيزران والحبر من الحبة السوداء وعنكبيش الخوخ بعد حرقه وسحقه". أما الورق فكان يعرف "بالكاغد وكرسي القرآن يوضع عليه القرآن اثناء القراءة في الدرس". "البشتختة" كانت صندوقا خشبيا يحتفظ فيه الطلاب ادواتهم الدراسية، بينما كانت "البقشة" على شكل كيس يحمل به الطالب كتبه.

"المقصاص" كان على شكل عود من الخشب يستخدم في القراءة لتحديد موضع التلاوة فيما يطلق على الحصير"المّدة" وينسج من خوص النخيل. "الجحيشة" كانت احدى "وسائل التأديب الشديدة عندما يربط المطوع قدمي الطالب المشاغب وسط خشبة مزدوجة طولها نصف متر معلقة من طرفيها بحبل قوي على أكتاف طالبين متقابلين. ويستخدم المطوع الخيزران في ضرب قدمي الطالب المشاغب.

وكان التلاميذ يدفعون أجراً عينياً كل على قدر استطاعة عائلته. فهذا يقدم لشيخ الكتاتيب حزمة من الحطب وذلك يقدم حفنة من القمح أو الشعير عند الحصاد، وذاك يقدم له شيئا من الخضار. بعض العائلات كانت تدفع رسم "كتاتيب" قرشاً أو نصف قرش في الأسبوع، وفي عيد الفكر يقدم التلميذ زكاة العيد المخصصة للمعلم.



التعليم النظامي

ثم في وقت مبكر بدأ التعليم النظامي وذلك بعد المسيرة الطويلة في الكتاتيب على مدار عقود لكن متقطعة. وبدأ الأهالي في إدراك قيمة التعليم وأهميته عندما توثقت المراسلات الشخصية والرسمية. إذ كان الرجل غير المتعلم يبحث عمن يقرأ خطابا أو رسالة وصلته من أماكن بعيدة.

على أن عددا من الإربديين الذين تلقوا تعليما عاليا شرعوا مبكرا في كتابة مذكرات يومية عن تفاصيل الحياة اليومية في سهول تلك المدينة مثل سامح حجازي. ما يدل على رقي أهل هذه المنطقة والتحاقهم بركب العلم والمعرفة في زمن مبكر.



أول مدرسة

في مطلع القرن الماضي، تقدم أهالي قصبة إربد بطلب افتتاح مدرسة فاستجابت الإدارة العثمانية، لتفتتح أول مدرسة داخل بيت متواضع تبرع به أحد وجهاء المدينة. وصل التعليم في تلك المرحلة حتى الصف الثالث الابتدائي بالإضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم والقراءة والكتابة.

كان الالتحاق بالمدرسة مجاناً وكان التدريس باللغة العربية في منزل بسيط. ولما زاد عدد الطلاب انتقلت إلى دار أخرى أكبر تعود للشيخ صالح، فنسبت المدرسة إليه. ظلّت المدرسة عاملة لمدة ثلاث سنوات ثم توقفت، وسط انتشار دور الكتاتيب ومدارس صغيرة بفعل جهود فردية إذ افتتح عدد من سكان المدينة عددا من المدارس في أحيائهم.

في تلك الحقبة التي سبقت تأسيس إمارة شرق الأردن، حاول عدد من المشايخ نشر التعليم دون افتتاح مدارس قدر المستطاع إذ كانوا يجولون في الأحياء لنقل ما تيسر من أمور الدين والحديث والفرائض في المجالس أو في الأسواق.

ثم أنشئت مدرسة حسن كامل الصباح على الجهة الشرقية لتل إربد عام 1900 م (1319 هـ) وذلك بقرار من مجلس معارف ولاية دمشق التي كانت إربد تابعة له. في البداية كانت تتألف المدرسة من ستة صفوف في المرحلة الابتدائية ثم اتسعت لتصبح رائدة المدارس الثانوية في المحافظة.

سميت المدرسة نسبة للعالم الشهير حسن كامل الصباح المولود في بلدة النبطية في جنوب لبنان عام 1894 م والذي يعود نسبه الى عائلة الصباح الحاكمة في الكويت.[/b]

التعليم الثانوي كان محصورا في نطاق ضيق من أبناء وجهاء المدينة إذ كانوا يوفدون أبناءهم إلى مدرسة "عنبر السلطانية" الواقعة في دمشق. اما التسمية الاولى لتلك المدرسة فكانت "المدرسة الرشدية،" التي تسلم إدارتها لأول مرة المرحوم اسماعيل شركس، وهو من أبناء جرش. وعرف شركس بالحزم كما كان إداريا ناجحا تخرج على يديه العديد من رجالات وشخصيات اربد امثال( الدكتور صبحي ابو غنيمة والشاعر مصطفى وهبي التل).

كان التربوي الكبير حسن أبو غنيمة من أوائل من تخرجوا في دار المعلمين العليا في اسطنبول عاصمة "الدولة العثمانية العليّة" عام 1911.

ويستذكر نجله الدكتور عدنان المولود عام 1930 كيف أن والده سعى لإقناع المفكرين القوميين العرب في تلك الحقبة بأن "خدمة الأمة لا تكون في الأماكن المكتظة بالمتعلمين بل بالأماكن النائية". وهكذا فضل ابو غنيمة، بحسب عدنان، التدريس في اليمن بعد تخرجه وحتى العام 1911.



رائدات في حقل التعليم

كان لحسن أبو غنيمة الفضل في كسر التابوه المجتمعي حول تعليم البنات، إذ علّم شقيقتيه زينب وآمنة في دار المعلمات عندما كان مديرا لدار المعلمين في دمشق، قبل فرض التقسيمات السياسية على بلاد الشام.

التحقت الشقيقتان بدار المعلمات بخلاف رغبة والدهما الذي كان يرغب في حصر نطاق تدريسهما في حفظ القرآن الكريم.

وهكذا دخلت زينب وآمنة كتب التاريخ ضمن الرائدات في مجال التعليم النسوي في الأردن. وساهمتا أيضا في بناء أجيال متعلمة من الفتيات من خلال عملهما في حقل التعليم لسنين طويلة، حسبما روى عدنان أبو غنيمة.



في العام 1922 جمع متصرف لواء اربد( نبيه العظمة) تبرعات من الاهالي لتوسيع مدرسة حسن كامل الصباح وبذلك باتت تضم 11 صفا منها صف تمهيدي وستة صفوف ابتدائية وأربعة تجهيزية (أي المرحلة الثانوية في تلك الفترة).

في العام 1927 خرّجت المدرسة فوجها الأول حاملا شهادة تعادل شهادة الدراسة الثانوية في هذه الأيام. ضمت كوكبة الخريجين فوزي الملقي أول رئيس وزراء في عهد جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال

(1953)، فواز الروسان، ابراهيم الشريدة، نجيب الرشدان وسليمان حجازي.



مدرسة السلط مجال شباب الأردن

حجّ الكثير من شباب إربد إلى مدرسة السلط الثانوية في تلك الحقبة من أمثال رئيس الوزراء الأسبق وصفي التل ووزير المالية الأسبق خليل السالم ومؤسس حركة القوميين العرب حمد الفرحان.

لسنوات عديدة انفردت مدرسة السلط الثانوية بتأهيل الطلاب في شرق الأردن لإكمال الدراسات العليا.

وفي العام 1932 اصبحت مدرسة إربد ثانوية متوسطة. لكن بسبب قلة موارد وزارة المعارف في ذلك الوقت وقلة عدد طلابها التحق عدد منهم بمدرسة السلط.

بعد ذلك بعشر سنوات، ألحق بالمدرسة بناء جديد في الجهة الغربية من التل وأطلق عليها "إربد الثانوية للبنين" تخصص الفرع العلمي في حين خصص البناء القديم لتخريج أفواج القسم الأدبي.

في العام 1989 اقتطع قسم من مساحتها وبني عليه مدرسة "عمار بن ياسر" الأساسية في الجهة الشرقية، كما أنشئت مديرية التربية والتعليم (إربد الثانية) ألحق بها مستودع للكتب المدرسية.

ويلتحق في المدرسة حاليا 350 طالبا في المرحلة الثانوية. نقش على أحد أحجار المدرسة القديمة ذكريات تشير إحداها إلى أنها كانت في فترة من الفترات مدرسة للطالبات. ويشير نقش آخر بالتركية إلى أنها اول مدرسة أسست في محافظة اربد.

ويرى التسعيني الهامي ان استعمال الشدة شكل عامل تنفير للطلاب وأحد عوامل هروبهم من الصفوف في ذلك الوقت.

وكان الطالب المشاغب يعاقب بالضرب المبرح وقرص الأذن بين إصبعين بشدة متناهية. ومن أقسى أنواع العقوبة النفسية أن يتجاهل الشيخ مصافحة الطالب المستهدف خارج الدراسة حتى يبدي الطالب تأسفه.

تنتشر في إربد 1036 مدرسة 45% منها تابع للقطاع الخاص. ثلث الأبنية المدرسية مستأجرة، بحسب دائرة الإحصاءات العامة.

يبلغ عدد مدرسي الجامعات 1421 أي واحد إلى أربعة من أساتذة الجامعات في المملكة.

ثمة معلم واحد لكل18 طالبا في المدارس الحكومية ولكل 27 طالبا في مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا).

في إربد التي يلفها سوار من زهاء ألف قرية ولواء مخيمان للاجئين الفلسطينيين أحدهما في قصبة المدينة والثاني في بلدة الحصن، لواء بني عبيد. خرجّت جامعات إربد خلال العقود الثلاثة الماضية (72,192) طالبا وطالبة بمن فيهم 6102 (خريج) في الدراسات العليا.

ومحلى ترابك يا اربد