يقول ابن كثير رحمه الله تعالى : " وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان أخشاه وأذله، وقهر جندهم ودحرهم، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه : والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لاصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك مع جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت، فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة " البداية والنهاية لابن كثير 8 / 127 وذلك في رد من معاوية عندما أراد ملك الروم أن يستغل الخلاف الذي جرى بينه وبين علي رضي الله عنهم جميعاً، وهذا مواقف الأبطال من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين في كل آن وحين، والذين سطروا مواقف العز والشهامة بماء الذهب، وفهموا ما أمرهم الله تعالى به، فقال عز وجل ينهاهم عن تولى اليهود والنصارى : " وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ " المائدة51، وأمرهم أن لا يتخذوا الكافرين أولياء وحذرهم " أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً " النساء 144، فقالوا سمعنا واطعنا، ولهذا ورغم ما كان من خلاف بين معاوية وعلي رضي الله عنهم جميعاً، فإنه لم يخن الله ورسوله ويتعاون مع اليهود والنصارى ضد إخوته في الإسلام، لأنه فهم الإسلام كما أراده الله تعالى منه، وكما فعلها من بعده المعتمد بن عباد الذي ضحى بملكه واستعان بيوسف بن تاشفين ليخلصه من شرور النصارى في الأندلس، وقال كلمته المشهورة : " رعي الإبل خير من رعي الخنازير ".
وبهذا المواقف مواقف الشرف والكرامة سطر هؤلاء الرجال الأبطال مواقفهم بماء الذهب، ورفضوا أن يخونوا الله ورسوله الله ورفضوا أن يخونوا الأمانة، فباتوا إذا ذكروا لا يذكرون إلا بالثناء والفخر، بخلاف ما يجري في زماننا هذا الذي خون فيه الأمين واُمن فيه الخائن، وانقلبت الموازين، وأصبح يأمر فيه بالمنكر وينهى بالمعروف، وبات اغلب حكامنا خونة والناس يفخرون بهم ويقرون خيانتهم، ويتشرفون بالدفاع عنهم، ويصرون على السير في ركبهم ودعمهم وتثبيت أركانهم، فمن أشهر انعقد المؤتمر السادس لفتح في رام الله، وانتظرنا جميعاً أن يتم إزالة هؤلاء الخونة الذين ما عادوا يخجلون ولا يستحون، وأنى لهم أن يستحوا إذا كنا نحن من نشجعهم على هذا !؟ فقد كشف المزاد العلني الذي أقيم في مدينة هرتسليا في فلسطين المحتلة والذي نظمه الاحتلال اليهودي لبيع الهدايا التي قدمها الزعماء العرب لزعماء ومسئولين يهود، عن شخصيتين من هؤلاء الخونة وهم عباس الذي قدم هدية لرئيسة الكنيست داليا إيتسك وهي عبارة عن طقم من الذهب الفاخر والثمين والشخصية الثانية عاهلة الأردن الملكة رانيا والتي قدمت هدية عبارة عن منفضة كبيرة مليئة بالتحف وزيلتها بالتوقيع عليها بخط يدها وتحفظت المخابرات اليهودية عن الإفصاح عن باقي الأسماء، وكذلك كشفت الفضيحة التي فجرها القدومي بأن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرافات قد مات مسموماً على يد عباس وأزلامه، وعلى وقع كل هذه الفضائح كنا نتوقع بانعقاد المؤتمر أن تطوى صفحة هؤلاء الخونة، وتقوم حركة فتح بنبذهم، ولكن الذي حصل أنه أعيد انتخابهم من جديد، وقد كنت أكلم أحد الأشخاص من فتح، واعترف لي بأن عباس خائناً، واعتقد أن هذا هو موقف أغلب فتح ولسان حال الكثير منهم، ولكن رغم هذا فإنهم قاموا بالإعلان عن نجاح المؤتمر السادس وزعموا أنه عمل على أعادة الاعتبار لحركة فتح، فأين انتم يا شرفاء فتح من موقف معاوية من ملك الروم، وأين انتم من موقف المعتمد بن عباد !؟ وهل إعادة الخائن عباس إلى رأس السلطة يعتبر إعادة اعتبار لهذه الحركة العريقة !؟ لست ادري عن أي نجاح يتحدث هؤلاء الذين لا يكادون يفقهون حديثاً، ولا يدركون فهماً، ولا يملكون عقلاً !!
نعم كنا نأمل أن تعيد حركة فتح العريقة اعتبارها، خصوصاً بعد الفضيحة التي فجرها مزاد هريتسل، والفضيحة التي كشفت الخائن دحلان، وكذلك الفضيحة التي فجرها فاروق القدومي، من خلال العمل على منع ظهور هؤلاء الخونة على سدة الأحداث، هؤلاء الذين لطخوا صفحة حركة فتح بالعار، ولكن ما ذهب إليه هؤلاء واعتبروه رد اعتبار لحركتهم كان أمراً مريعاً !! وتمخض هذا الذي اعتبر فتحاً، فولد لنا فئراناً وخونة، وأي فار هذا وليته كان فار، بل هو تأكيد واشتراك جماعي لتثبيت الخونة، وانتخابهم بالاجتماع، وبدون معترض، فماذا جرى لكم يا أولاد فتح، لطختم تاريخكم بالعار !! وللأسف أن تتحول حركة فتح صاحبة السجل السابق المقاوم، بهذا الشكل السافر والوقح، حتى وصل بها الأمر إلى تثبيت الخونة وإقرارهم، ما آل إليه حال هذه الحركة أمر مخزي فعلاً، فماذا أنت قائلون الآن بعد هذا الفضيحة الأخرى، فضيحة تأجيل " تقرير غولدستون " بطلب من الخائن عباس !؟.
استيقظوا أيها النائمون أن ما يجري بحقكم هو جريمة، مسح وطمس لعقولكم وتفكيركم وإلا الأصل بكم أن تتبرءوا ممن خان الله ورسوله سواءً كان من حركتكم أم غيرها، وهل ستغني عنكم حركة فتح من الله شيئاً، واعلموا إن كان هذا حالكم وأبيتم إلا الاستمرار بما أنتم عليه، فإن أناس أمثالكم ممن باعوا دينهم وضميرهم، وارتضوا بديلاً عن كل هذا، العنصرية والتحزب ودعم الخونة، جديرون بأن تحل عليهم لعنة الله والناس والملائكة أجمعين، جديرون بأن تلعنهم شعوبهم جديرون بأن تلعنهم أمتهم، وجديرون بأن يستبدل الله خيراً منهم، فإلى رحمة الله فتح غير مأسوف عليك ولا هم يحزنون، بل إن هذه النهاية تنتظر من يسلك طريقكم هذا، وان طال به الزمان " وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ " إبراهيم 42، فارتقبوا يا أهل فتح أنا معكم مرتقبون، وعندها ستعلمون أي منقلب تنقلبون.
وهناك مسالة لا بد أن نختم بها، وهي أنه بعد أن تنتهي هذه الزوبعة العاصفة من الهجوم العنيف على مواقف فتح المخزية، والتي أعلنها عباس وبكل وقاحة فقال : إن تأجيل " تقرير غولدستون " كان بمباركة الدول العربية وموافقتها، فإننا سنرى حماس ترجع من جديد إلى طاولة المفاوضات والى مصر الخيانة كما فعلتها من قبل ونسيت الخيانات السابقة والدماء التي سقطت في غزة، وإذا كان الموقف هذه المرة هو نفس المواقف السابقة نكون قد استوينا في مواقف الخيانة، وعملنا على إرضاء اليهود وتضيع حقوق أهلنا في فلسطين وفي غزة هاشم، أدركنا هذا أم لم ندرك !! وإذا لم نستطع أن نكون كسلطان العلماء العز بن عبد السلام فنعلن أنه لا ولاية لخائن، ونسقط الأهلية عن سلاطين الجور والخونة ونقطع الخطب عنهم، ونقول كما قال وبكل قوة وحزم: " اللهم ابرم لهذه الأمة أمر رشد، تعزُّ فيه أوليائك، وتذلك به أعدائك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر " !؟ فأقلها أن نلزم جانب الصمت لا أن نجعل الباطل حقاً والحق باطلاً كما يقوم به علماء الدنيا مدعين أن الخونة ولاة أمور للمسلمين " سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ".
[b]