القرامطة حركة باطنية هدامة تنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث، ويلقب بقرمط؛ لقصر قامته وساقيه. وهو من خوزستان في الأهواز، ثم رحل إلى الكوفة.
وقد اعتمدت هذه الحركة التنظيم السري العسكري، وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وحقيقتها الإلحاد والإباحية وهدم الأخلاق والقضاء على الدولة الإسلامية.
القرامطة .. التأسيس وأبرز الشخصيات
يتضح لنا تطور الحركة من خلال دراسة شخصياتها الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون المجوسية، وتركوا أثرًا بارزًا على سيرهم وتشكلها عبر مسيرة طويلة من الزمن:
- بدأ عبد الله بن ميمون القداح رأس الأفعى القرمطية بنشر المبادئ الإسماعيلية في جنوب فارس سنة 260هـ.
- ومن ثَمَّ كان له داعية في العراق اسمه الفرج بن عثمان القاشاني المعروف بذكرويه، الذي أخذ يبثُّ الدعوة سرًّا.
- وفي سنة 278هـ نهض حمدان قرمط بن الأشعث يبث الدعوة جهرًا قرب الكوفة، ثم بنى دارًا سماها دار الهجرة، وقد جعل الصلاة خمسين صلاة في اليوم.
- هرب ذكرويه واختفى عشرين عامًا، وبعث أولاده متفرقين في البلاد يدعون للحركة.
- استخلف ذكرويه أحمد بن القاسم الذي بطش بقوافل التجار والحجاج، وهُزم في حمص، وسيق ذكرويه إلى بغداد وتوفي سنة 294هـ.
- التف القرامطة في البحرين حول الحسن بن بهرام ويُعرف بأبي سعيد الجنابي، الذي سار سنة 283هـ إلى البصرة، فهزم.
قام بالأمر بعده ابنه سليمان بن الحسن بن بهرام ويُعرف بأبي طاهر، الذي استولى على كثير من بلاد الجزيرة العربية، ودام ملكه فيها 30 سنة، ويعتبر مؤسس دولة القرامطة الحقيقي ومنظم دستورها السياسي الاجتماعي، بلغ من سطوته أن دفعت له حكومة بغداد الإتاوة، ومن أعماله الرهيبة أنه:
- فتك هو ورجاله بالحُجَّاج حين رجوعهم من مكة ونهبوهم وتركوهم في الفقر حتى هلكوا.
- ملك الكوفة أيام المقتدر 295- 320هـ لمدة ستة أيام استحلها فيها.
- هاجم مكة عام 319هـ، وفتك بالحجاج، وهدم زمزم، وملأ المسجد بالقتلى، ونزع الكسوة، وقلع البيت العتيق، واقتلع الحجر الأسود، وسرقه إلى الأحساء، وبقي الحجر هناك عشرين سنة إلى عام 339هـ.
توفي سليمان فآلت الأمور لأخيه الحسن الأعصم، الذي قوي أمره واستولى على دمشق سنة 360هـ، ثم توجه إلى مصر ودارت معارك له مع الدولة الفاطمية، لكن الأعصم ارتدَّ وانهزم القرامطة وتراجعوا إلى الأحساء.
خلع القرامطة الحسن لدعوته لبني العباس، وأُسند الأمر إلى رجلين هما جعفر وإسحاق اللذان توسعا، ثم دار الخلاف بينهما، وقاتلهم الأصفر التغلبي الذي ملك البحرين والأحساء، وأنهى شوكتهم ودولتهم.
طبقات المجتمع القرمطي:
وللمجتمع القرمطي ملامحه المتميزة، إذ تشكلت في داخله أربع طبقات اجتماعية متميزة:
- الطبقة الأولى: وتسميهم رسائل إخوان الصفا "الإخوان الأبرار الرحماء"، وتشمل الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين خمس عشرة وثلاثين سنة. وهم ممن على استعداد لقبول الأفكار القرمطية عقيدة وتمثلاً في نفوسهم.
- الطبقة الثانية: ويعرفون بـ"الإخوان الأخيار الفضلاء"، وتشمل من كانت أعمارهم بين الثلاثين والأربعين سنة، وهي مرتبة الرؤساء ذوي السياسات، ويكلفون بمراعاة "الإخوان" وتعهدهم وإظهار العطف عليهم ومساعدتهم.
- الطبقة الثالثة: وتشمل أولئك الذين هم بين الأربعين والخمسين من العمر، ممن يعرفون الناموس الإلهي وفق المفهوم القرمطي، ويتمتعون بحق الأمر والنهي ودعم الدعوة القرمطية ودفع خصومها، وهؤلاء هم الذين ألفوا الرسائل العقائدية القرمطية وعمموها في الآفاق.
- الطبقة الرابعة: ويطلق على أصحاب هذه الطبقة اسم "المريدون" ثم "المعلمون" ثم "المقربون" إلى الله، وتشمل من تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة، وهي أعلى المراتب القرمطية، من يبلغها يكون في نظر هذه الفرقة من الناموس والطبيعة، ويصبح من أهل الكشف اللدني؛ إذ يستطيع رؤية أحوال القيامة من البعث والنشور والحساب والميزان.
القرامطة .. الأفكار والمعتقدات
- حينما قام القرامطة بحركتهم أظهروا بعض الأفكار والآراء التي يزعمون أنهم يقاتلون من أجلها، فقد نادوا بأنهم يقاتلون من أجل آل البيت، وإن لم يكن آل البيت قد سلموا من سيوفهم.
- ثم أسسوا دولة شيوعية تقوم على شيوع الثروات وعدم احترام الملكية الشخصية.
- يجعلون الناس شركاء في النساء بحجة استئصال أسباب المباغضة، فلا يجوز لأحد أن يحجب امرأته عن إخوانه، وأشاعوا أن ذلك يعمل زيادة الألفة والمحبة (وهذا ما كان عليه المزدكيون الفارسيون من قبل).
- إلغاء أحكام الإسلام الأساسية كالصوم والصلاة وسائر الفرائض الأخرى.
- استخدام العنف ذريعة لتحقيق الأهداف.
- يعتقدون بإبطال القول بالمعاد والعقاب، وأن الجنة هي النعيم في الدنيا، والعذاب هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد.
- ينشرون معتقداتهم وأفكارهم بين العمال والفلاحين والبدو الجفاة وضعفاء النفوس وبين الذين يميلون إلى عاجل اللذات، وأصبح القرامطة بذلك مجتمع ملاحدة وسفاكين يستحلون النفوس والأموال والأعراض.
- يقولون بالعصمة وإنه لا بُدَّ في كل زمان من إمام معصوم يؤوِّل الظاهر ويساوي النبي في العصمة، ومن تأويلاتهم:
الصيام: الإمساك عن كشف السر.
البعث: الاهتداء إلى مذهبهم.
النبي: عبارة عن شخص فاضت عليه من الإله الأول قوة قدسية صافية.
القرآن: هو تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه ومركب من جهته، وسُمِّي كلام الله مجازًا.
- يفرضون الضرائب على أتباعهم، إلى حدٍّ يكاد يستغرق الدخل الفرديَّ لكل منهم.
- يقولون بوجود إلهين قديمين أحدهما علة لوجود الثاني، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه، الأول تام والثاني ناقص، والأول لا يوصف بوجود ولا عدم، فلا هو موصوف ولا غير موصوف.
- يدخلون على الناس من جهة ظلم الأمة لعلي بن أبي طالب وقتلهم الحسين.
- يقولون بالرجعة وأن عليًّا يعلم الغيب، فإذا تمكنوا من الشخص أطلعوه على حقيقتهم في إسقاط التكاليف الشرعية وهدم الدين.
- يعتقدون بأن الأئمة والأديان والأخلاق ليست إلا ضلالاً.
- يدعون إلى مذهبهم اليهود والصابئة والنصارى والمجوسية والفلاسفة وأصحاب المجون والملاحدة والدهريين، ويدخلون على كل شخص من الباب الذي يناسبه.
القرامطة .. الجذور الفكرية والعقائدية
- فلسفتهم مادية تسربت إليها تعاليم الملاحدة والمتآمرين من أئمة الفرس.
- تأثروا بمبادئ الخوارج الكلامية والسياسية ومذاهب الدهرية.
- يتعلقون بمذاهب الملحدين من مثل مزدك وزرادشت.
- أساس معتقدهم ترك العبادات والمحظورات، وإقامة مجتمع يقوم على الإباحية والشيوع في النساء والمال.
- فكرتهم الجوهرية هي حشد جمهور كبير من الأنصار ودفعهم إلى العمل لغاية يجهلونها.
القرامطة .. الانتشار ومواقع النفوذ
دامت هذه الحركة قرابة قرن من الزمان، وقد بدأت من جنوبي فارس، وانتقلت إلى سواد الكوفة والبصرة، وامتدت إلى الأحساء والبحرين واليمن، وسيطرت على رقعة واسعة من جنوبي الجزيرة العربية والصحراء الوسطى وعمان وخراسان.
وقد دخلوا مكة واستباحوها، واحتلوا دمشق ووصلوا إلى حمص والسلمية.
وقد مضت جيوشهم إلى مصر، وعسكرت في عين شمس قرب القاهرة، ثم انحسر سلطانهم وزالت دولتهم، وسقط آخر معاقلهم في الأحساء والبحرين.
هذا ومما يلاحظ الآن أن هناك كتابات مشبوهة تحاول أن تقدِّم حركة القرامطة وغيرها من حركات الردة على أنها حركات إصلاحية، وأن قادتها رجال أحرار ينشدون العدالة والحرية.
ويتضح مما سبق:
أن هذه الحركة كان هدفها محاربة الإسلام بكل الوسائل، وذلك بارتكاب الكبائر وهتك الأعراض وسفك الدماء والسطو على الأموال وتحليل المحرمات بين أتباعهم؛ حتى يجمعوا عليهم أصحاب الشهوات والمراهقين وأسافل الناس.
وتعتبر عقائد القرامطة نفس عقائد الإسماعيلية، مع خلاف في بعض النواحي التطبيقية التي لم يستطع الإسماعيلية تطبيقها؛ خوفًا من ثورة الناس عليهم.
ويُخرِجهم من الإسلام عقائدهم التالية:
أولاً: اعتقادهم باحتجاب الله في صورة البشر.
ثانيًا: قولهم بوجود إلهين.
ثالثًا: تطبيقهم مبدأ إشاعة الأموال والنساء.
رابعًا: عدم التزامهم بتعاليم الإسلام في قليل أو كثير.
خامسًا: فساد عقيدتهم في الوحي والنبوة والرسالة.
سادسًا: انتهاكهم حرمات الإسلام بالاعتداء على الحجيج واقتحام الكعبة ونزع الحجر الأسود ونقله إلى مكان آخر.
سابعًا: إنكارهم للقيامة والجنة والنار.