[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ثمة أمور كثيرة على القارئ أخذها في الاعتبار عند قراءته هذا الكتاب وكيفية تعامله مع ما يرد فيه من معلومات صحيحة وأخرى مضلِلة.
بداية، المؤلف، انتقل إلى الدار الأبدية قبل انتهائه من عمله في الكتاب، فأتم المهمة نيابة عنه صديقه فرنن لوب. وصاحب فكرة الكتاب، والذي صدر بناء على وصية خاصة، هو ملك الأردن الراحل حسين بن طلال، الذي طلب من جاك أكنل نقل محتوياته للعالم. الملك أراد من نشر الكتاب التوضيح بأنه نذر نفسه لأمر واحد هو السلام مع إسرائيل! والهدف من النشر الإجابة عن السؤال: لماذا فشل السلام مع إسرائيل.
ثانيا، صاحب الكتاب كان رئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في الأردن، ولكن نشاطه توسع ليغطي مناطق أخرى في المشرق العربي. أما المؤلف فيركز على الأردن وملكه الراحل حيث ارتبط كلاهما بعلاقة شخصية وعلاقة عمل طيلة أربعين عاما. ولأن موضوع الكتاب وموقع صاحبيه على جانب كبير للغاية من الحساسية والخطورة، من الطبيعي أن يحوي حقائق كثيرة بهدف تمرير "أنصاف حقائق"، والله أعلم.
الكاتب لخص مهمته عندما تسلم رئاسة محطة وكالة الاستخبارات المركزية في عمان بصريح العبارة: إبقاء الملك حسين في السلطة.
الكتاب
مذكرات مكثفة للمؤلف عن علاقاته مع ملك الأردن الراحل، تتعامل مع محطات عدها مهمة، فلم تأت على نحو كرونولوجي بل توقفت عند محطات رئيسة في تلك العلاقات وزعها صاحب الكتاب على عشرين فصلا، يتناول كل منها حادثا محددا، بدءا من كشف وكالة الاستخبارات الأميركية خطة لقلب النظام في الأردن عام 1958، حتى وفاة الملك، وما بينهما من أحداث مثل صدام الجيش الأردني بما كان يسمى وقتها "العمل الفدائي"، مرورا بمحادثات الملك السرية مع الإسرائيليين، وعدوان عام 1967 وحرب أكتوبر/تشرين الأول وحربي الخليج.
لذا فإننا سنحاول كسب اهتمام القارئ بالكتاب عبر التوقف عند محطات معلوماتية ذكرها المؤلف، ما تعكس جانبا من خفايا العمل السياسي في بلادنا وبخصوص قضايانا التي تتمحور حول فلسطين.
وأول ما يلاحظه القارئ في عقلية المؤلف موقفه من العرب، حيث يلخصه بقوله: تشغيل عملاء العالم العربي تسهله العلاقات العائلية والعشيرية!. ومع أنه يقول إن الإرهابي في العادة ليس مرتبطا بقضية ويمكن إقناعه بالتوقف عن سلوكه، إلا أنه لا يعرف القارئ بما يعنيه بالمصطلح.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif
محطات هامة
- العمل الأول الذي قام به المؤلف هو تسليم الملك حسين قائمة باعترافات 22 ضابطا أردنيا كانوا يخططون للإطاحة به بالتنسيق مع مصر عبد الناصر. الطريف في الأمر أن مكتب التحقيقات الاتحادي (FBI) هو من كشفها في مايو/أيار 1958 عبر التنصت على مكالمات السفارة المصرية في واشنطن أجراها الملحق العسكري المصري بالملحق العسكري الأردني محمود الروسان، وهو الأمر المخالف للقوانين الدولية.
- هو من أخبر الملك حسين بموعد الهجوم الإسرائيلي على مصر في العام 1967، وكذلك طبيعته وشكله، والذي نال موافقة الرئيس الأميركي لندن جنسن. الكاتب يقول، على لسان ملك الأردن بأنه حذر جمال عبد الناصر مرتين، لكنه لم يصغ له.
- ذكر المؤلف أنه شارك في مؤتمر أو أكثر أكاديمي للاتصال مع ضباط استخبارات أجانب يتقاضون معاشات من وكالة الاستخبارات المركزية. هذا يوضح أنه من الصعب قبول فكرة أن المؤتمرات العلمية، المتخصصة في العلوم الإنسانية على نحو خاص، تلتئم لأجل العلم، فحسب، ومن الصعب قبول فكرة أن عملاء المخابرات غير متواجدين في المؤسسات الثقافية والعلمية والأكاديمية.
- أول رئيس استخبارات في الأردن كان الملك حسين نفسه، وكان هو من يختار من يراهم مناسبين ويدفع لهم معاشاتهم من ميزانية القصر. عندها تدخلت وكالة الاستخبارات المركزية ودعمته بمبلغ 15 ألف دولار أميركي شهريا، وهي الفضيحة التي انتشرت بعد اضطرار الوكالة لكشف قوائم ببعض من يتقاضون أموالا منها، وكان الملك حسين على رأس القائمة الأردنية. ومن المعروف أن الرئيس الأميركي جيمي كارتر هو من أوقف الدفع.
- المؤلف وصف رئيس الاستخبارات الأردنية الأول، محمد رسول الكيلاني، بأنه يشبه راسبوتين شكلا وأخلاقيا، كما أنه أكد أن المعتقلين في الأردن كانوا يتعرضون للتعذيب. كما يذكر تشارك وكالة الاستخبارات المركزية والمخابرات الأردنية في زرع أجهزة تنصت في السفارة المصرية بعمان.
- الملك حسين وصلته معلومات من ضباط عراقيين فارين عن تخطيط كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف للإطاحة بالحكم الملكي هناك. بعد ثورة تموز 1958، أرسلت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى كل من لبنان والأردن ما ينفي الذريعة التي كانت تقال عن تهديد مصري بغزو البلدين.
- من الأمور الطريفة الأخرى الجديرة بالذكر أن رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل قال لرئيس وكالة الاستخبارات المركزية كيرمت روزفلت: شرف لي أن أخدم تحت إمرتك.
- مايكل كوبلاند أقام اتصالات مع جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم وصدام حسين وغيرهم في حزب البعث في العراق وسوريا استمرت مع الأخيرين حتى تسعينيات القرن الماضي، وهو من خطط للانقلاب على الرئيس الغاني كوامي نكروما.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif
حرب أكتوبر 1973
- المؤلف أعرب عن قناعته، وكذلك قناعة كثير من زملائه بأن هنري كيسنجر هو من خطط للحرب بالاتفاق مع أنور السادات، حيث أخبره بأنه ليس ثمة من سياسة للولايات المتحدة في المنطقة، لكن لديها سياسة إدارة الأزمات. يجب أن تحدث أزمة وأن يسيل الدم حتى نتدخل: تلك كانت كلمات كيسنجر التي وصلت السادات. الكاتب يرجح أن الرجلين اجتمعا سرا في شرم الشيخ لا يرد ذكره في الوثائق ذات العلاقة، اتفق فيه على أمور الحرب.
- الرئيس المصري خدع شريكه في الحرب الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. هدف الأول كان تحريك الوضع وليس أبعد من ذلك، أما هدف الرئيس السوري فكان تحرير الجولان. والرئيس المصري خان شريكه في الحرب عندما أمر بوقف تقدم القوات المصرية في سيناء عند الممرات ليمكن الإسرائيليين من سحب قواتهم من سيناء لمواجهة الجيش السوري في الجولان الذي وصل إلى بحيرة طبرية.
- ضباط سوريين منشقون أخبروا الأردن باستعداد سوريا للحرب، لكن الملك لم يصدقهم، وسافر إلى تل أبيب للتأكد من صحة الخبر!!
- هنري كيسنجر وعد الملك حسين بإعادة الضفة الغربية إليه في محادثات السلام التي عقبت الحرب، لكنه خدعه وكذب عليه.
- الصحفي الأميركي الشهير سيمور هيرش هو من كشف مخالفة وكالة الاستخبارات المركزية القوانين الأميركية بتجسسها على المواطنين الأميركيين المعادين لحرب فيتنام وغيرها. أعقب ذلك تشكيل لجنة اسمها (تشرتش كُمِّتي) كشفت عن خطط وكالة الاستخبارات هذه لاغتيال الزعيم الأفريقي الأسطوري باتريس لومومبا والزعيم الكوبي كاسترو وزعيم جمهورية الدومنيكان ترخيليو والأخوين ديم في فيتنام، [والمخفي أعظم]، ما يعد مخالفة لقوانين الولايات المتحدة التي تمنع مؤسساتها من قتل زعماء بلاد أخرى.
وعندها كشف الصحفي بوب وودوارد حقيقة أن الملك حسين كان يتقاضى راتبا شهريا من وكالة الاستخبارات المركزية، وهو الذي أوقفه جيمي كارتر. المؤلف يؤكد أن الأموال كانت تدفع له للصرف على جهاز الاستخبارات الأردني، مع أن الوكالة كانت تنفق نحو مليون دولار سنويا لحماية أبناء الملك في الولايات المتحدة. على أي، قرأت مقابلة الملك حسين مع مجلة نيوزويك في ذلك الحين قال فيها الكلام نفسه بل أضاف وقتها أن قسما من المدفوعات نقل للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لتسهيل انفصالها عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الراحل جورج حبش.
مشروع الأمير عبد الله!
لعل أطرف ما في الكتاب من أسرار مسألة مبادرة الملك عبد الله ملك العربية السعودية (كان وقتها ولي العهد) التي عرضت على إسرائيل اعتراف كل الدول العربية والتطبيع الفوريين معها مقابل تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242، والتي صرح بها في مقابلة مع الصحفي الأميركي توماس فريدمان في فبراير/شباط 2002. المبادرة تلك، كانت، وفق المؤلف، فكرته هو ومن صياغته أيضا، وكان قدمها للملك حسين من قبل ومن بعده للملك عبد الله الثاني فور انتهاء مراسم دفن والده، المبادرة جاءت ردا على قول قادة إسرائيل إنه ليس لدى الفلسطينيين أي شيء يقدمونه، فاقترح أن تقدم الدول العربية، جميعها، مبادرة للاعتراف بإسرائيل والتطبيع الفوري معها.
المؤلف فوجئ عندما أعلن توماس فريدمان أن المبادرة، التي صاغها هو قد وصلت إلى [ولي العهد الأمير] عبد الله ويظن أن خطوطها وصلته في ذلك الوقت بطريق سفير الأردن في واشنطن مروان المعشر أو أحد مستشاري ملك المغرب من اليهود. ومن المعلوم أن مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت في فبراير/شباط من العام نفسه أقر الخطة، مع إضافة بند "حق العودة" الذي كان تجميليا ليس غير، بهدف لفت الأنظار بعيدا عن جوهره مقارنة بلاءات الخرطوم الثلاث.
وماذا بعد!
الكتاب مهم، رغم الحذر الضروري الذي يجب ألا يغيب عن ذهن القارئ. الكتاب يحوي معلومات تفيد القارئ في الاطلاع على خفايا العمل السياسي وتأثير النشاط الاستخباراتي والمؤسسات الأكاديمية والعلمية فيه.