ياسر أبو هلالة لم أجد أفضل مما كتبته الصديقة لميس أندوني في "العرب اليوم" عن مقابلة الأمير الحسن في "ستون دقيقة". ولميس ليست من مناضلي الصدفة الذين اكتشفوا شجاعتهم بعد الربيع العربي ولم يكونوا يجرؤون على انتقاد قائم مقام، بل هي صحفية مقاتلة في عز الأحكام العرفية. وفي المقال، تكشف كيف كان الحسن يستوعبها ويحاورها في تلك الحقبة وهي معارضة تحمل نزق الشباب. ولم يكن الوحيد، كانت لميس تتناول طعام العشاء مع أسرة الملك الحسين وفي بيته، وجواز سفرها مسحوب! هؤلاء هم الهاشميون بدون انتقاص ولا تزيد. ففي الأردن لم نبن دولة حديثة ديمقراطية، بنينا دولة محترمة متسامحة تسير باتجاه الديمقراطية. والمقارنة مع عالمينا العربي والثالثي ستجعلنا في الصفوف الأولى، أما بالمقارنة مع حقوقنا الدستورية ومع تجاربنا الديمقراطية ومع العالم الحديث فسنكون في الصفوف الخلفية. والأولوية الأولى للإصلاح هي الدستورية، التي تقوم على ركني النيابية والملكية. والعلاقات بين الدول والمجتمعات ليست كما الأفراد تقوم على المشاعر، بل تقوم على العقود. فالعلاقة مع الهاشميين عقد، وليست غراما وانتقاما. للأسف، التعامل مع مقابلة الأمير لم يعكس الروح الأردنية، لا دستورا ولا سلوكا. فالأمير تحدث بوصفه "عمنا "جميعا لا عم الملك. والعم يحدب ويقسو ويرضى ويغضب. وهو في عز سلطانه يوم كان وليا للعهد، أي الرجل الثاني في الدولة، كان يقول "أنا مستشار عند جلالة الملك بمرتبة أمير". وقد أتاح الدستور مناقشة خطاب العرش، واعتبر أن أوامر الملك الشفوية والخطية لا تخلي الوزراء من مسؤولياتهم. مشروع ومطلوب مناقشة ما تحدث به الأمير، وقد سبق لي وأنا في صحيفة السبيل المعارضة أن تناولت الإفطار معه واختلفت معه وهو ولي عهد. المرفوض هو استخدام لغة تنقض الركن الثاني من الدستور، وتتحدث بلغة تفتقد أدب الحوار ولا تحترم مكانة الرجل ولا شيبته، وكأننا في شجار حارة "نراجده" بالحجارة. للأسف أيضا، سمحت تلك اللغة باستعادة أجواء التحريض والبلطجة؛ أفسدت علينا فرحة الإنجاز التاريخي الذي حققه المعلمون. إنها المرة الأولى، ليس في الأردن بل في عالمنا العربي، التي ينجح فيها إضراب معلمين. هذا يسجل للمعلمين ولمن وقف معهم من بداية حراكهم، بقدر ما يسجل للدولة التي عاملتهم بمنتهى الاحترام ولم تقل إنهم لا يحلقون ذقونهم. إن الوزير الذي قال هذه الكلمة خرج من الحكومة، ونتج عن الحراك مؤسسة نقابية وإنجاز مطلبي. في المقابل، في الجوار السوري، وقفت الدولة وراء عاطف نجيب الذي طعن في شرف أهل درعا، ودمرت البلد حتى يبقى ابن خالة بشار الأسد! هذا الفرق بين الأسرة الهاشمية والأسرة الأسدية! إن طعن الناشطة إيناس مسلم والناشط إبراهيم الضمور جريمة نتجت عن أجواء تحريض مسموم. وهذا التحريض لم يتوقف منذ بداية الربيع العربي، وإن كان خبا مع بداية التغيير في الحكومة وفي المخابرات. وحتى لا نتعب أنفسنا في البحث عن الفاعل، علينا أن ندقق في من كسر جمجمة الناشط معاذ الخوالدة في المفرق، ومن أحرق مقر حزب جبهة العمل الإسلامي على مرأى من الأمن ونهب محتوياته. وقبلها من اعتدى على مكاتب وكالة الصحافة الفرنسية. وبالمناسبة، ما هي نتائج التحقيق في أحداث ساحة النخيل التي أصيب فيها 16 صحفيا؟ التحريض باسم الهاشميين هو تحريض عليهم. البلد يمشي في الطريق الصحيحة، ويكفي ما حققه المعلمون دليلا على ذلك. ومن يضع الألغام في طريق الإصلاح لا يريد خيرا بالهاشميين وإن ادعى حبهم.