مثالية المراهقين
لدى المراهقين والمراهقات كثير من النقاء والبراءة تتجسد في نهاية الأمر في (النظرة المثالية) للحياة والأحياء، إن المراهق يقرأ في المناهج المدرسية عن النظافة واللياقة الاجتماعية، ويقرأ عن الصدق والاستقامة والتوفير وحسن التدبير وفضائل أخرى كثيرة من هذا النوع، ويتجاوب مع ما يقرأ عقليا وعاطفيا، ومن ثم فإنه يكون حادًّا في نقده لكل المواقف والتصرفات التي تخرج على ما يعده فضيلة من الفضائل.
أحد الفتيان كان جالسا على مائدة الطعام مع أهله، فتغيرت ملامح وجهه، وظهر عليه الانزعاج الشديد، واستغرب الأب من ذلك لأنه لم ير شيئا غير طبيعي، وحين سأل ابنه عن سبب انزعاجه رفض أن يجيب في البداية، وبعد الإلحاح قال: إن أخاه الكبير يأكل بسرعة، وهذا ينافي آداب الطعام!
إحدى الفتيات أغلقت باب غرفتها عليها بغضب شديد، وأخذت في البكاء، وذلك لأن أخاها قال لها بصوت مرتفع: عليك أن تنهي مكالمتك مع زميلتك فورا؛ لأنني في حاجة إلى الهاتف، وتقول: إن زميلتي سمعت ذلك، واستغربت من أسلوب خطاب أخي لي!
فتاة أخرى رفعت صوتها على والدتها بسبب أنها استقبلت إحدى صديقات الفتاة بثياب المطبخ مما يشكل خروجا على آداب استقبال الضيوف.
أحيانا تتجاوز مثالية المراهقين وانتقاداتهم كل الحدود، وذلك حين ينكرون جهود الأهل في خدمتهم والإنفاق عليهم، فقد حدث أن احتاج أحدهم ـ وعلى نحو طارئ ـ إلى مبلغ كبير من المال، وحين طلبه من والده، قال له والده: المبلغ غير متوافر الآن، وعليك أن تنتظر يومين، هنا صرخ المراهق في وجه أبيه: كنت قد قلت لك: إنني قد أحتاج إلى المبلغ فجأة، وقلت لي: في أي وقت تطلبه سيكون حاضرا...؟!!
لا نبالغ إذا قلنا : إن جزءا كبيرًا من مشاكسات المراهقين مع أهليهم وأساتذتهم يعود إلى ما لديهم من مثالية زائدة وفهم "متخشب" للأمور، هذه الوضعية تعود إلى أن المراهق لا يستطيع رؤية الفجوة التي تفصل بين النظرية والتطبيق، فهو لا يعرف مدلولات الكلمة على نحو دقيق، ولا يعرف الوقع الاجتماعي للكلمات، كما لا يعرف الظروف والاعتبارات التي تحمل الناس حملا على أن يقفوا بعض المواقف، ويسلكوا بعض السلوكيات التي لا تتفق بشكل حرفي أو جيد مع ما هو موجود في الكتب من أدبيات وأخلاقيات، كما أن المراهق يميل بطبعه إلى الشعور الشديد بالخطر، فهو يظن أنه إذا أخفق في مقابلة، أو ظهر بمظهر غير لائق في موقف معين، أو تكلم بكلمة غير مناسبة مع أحد الناس... يظن أن ذلك يضع كل شيء على حافة الانهيار، وذلك لأنه يمنح الأشياء أهمية مطلقة، وهذا بسبب عدم استطاعته رؤية الأشياء على أنها جزء من منظومات كبيرة، ومن ثم فإن أهميتها تكون نسبية.
مثالية المراهق لا تدفعه إلى نقد غيره بحدة فحسب، وإنما تولد لديه قدرا كبيرا من الشعور بالخوف والقلق، كما أنها تدفعه إلى أن يكون عنيفا تجاه نفسه، فهو لا ينسى بسهولة أخطاءه، كما أنه لا ينسى أخطاء غيره معه.
باختصار أقول:
إن عدم نضج الجانب العقلي والشعوري لدى المراهق بشكل كاف هو الذي يولد في نفسه هذا القدر الكبير من المثالية، على أن مثالية المراهق لا تخلو من فائدة؛ لأنه تنبه الأسرة والمجتمع إلى الكثير من الأخطاء السائدة ، كما أنها تفتح وعي المراهق على رؤية ما لدى الناس من خير وشر، وصواب وخطأ، وهذا يؤهله لدرجة حسنة من الرشد الاجتماعي في المستقبل.
منقول.