منذ ما يزيد عن قرن ، وتحديداً في عام1910نُشر كتاب للمفكر العربي «عبد الرحمن الكواكبي» وهو من مواليد حلب في سورية....تخرّج من كلية الحقوق،وأصبح محامياً مدافعاً عن حقوق المظلومين،كان يؤدي عمله في أغلب الأحيان بدون مقابل مادي حتى لقبّه أهل بلده بــ «أبي الضعفاء»....يقول في كتابه(طبائع الاستبداد ومعالم الاستعباد)،في معرض دفاعه عن الحقوق والحرية:«الاستبداد ريح صرصر فيه إعصار يجعل الإنسان في كل ساعة في شأن،وهو مُفسد للدين في أهم قسميه أي الأخلاق،أما العبادات فلا يمسها لأنها تلائمه في الأكثر،ولذا تبقى الأديان في الأمم المأسورة عبارة عن عبادات مجردة صارت عادات،وفي انحطاط التربية،وفي إفساد الأخلاق و يقتل الميول الطبيعية عند الإنسان مثل حبّ الوطن،والأسرة،والأهل،والاستبداد يسلب الراحة الفكرية فيضني الأجسام فوق ضناها بالشقاء،فتمرض العقول،ويختل الشعور على درجات متفاوتة بين الناس،وأثر الاستبداد في فساد الإدارة فهو يعتمد على المؤيدين الذين لا يهمهم جلب محبة الناس إنما غاية مسعاهم اكتساب صفة المستبد فيهم بأنهم على شاكلته،وأنصار دولته شرهون لأكل القطاف في ذبيحة الأمة».
ومن أجمل ما قاله أيضا: «لو كان الاستبداد رجلا ًوأراد أن يحتسب ويُنسب لقال:أنا الشرّ، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضرّ، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب».
بنظرة هادئة فاحصة،ومتفحصة لهذه التعابير،ومدى انعكاسها ومرتسماتها على أرض الواقع نجد أن الأنظمة الشمولية وأينما تواجدت،وتموضعت تحتضن وتحوي جميعها الظواهر التالية،وإن تباينت نسبها من بلد إلى لآخر:
* جهود تبذل،وبشكل دائم لتحويل الدين لمجرد طقوس عبادية خالية من الأهداف الاجتماعية التي أمر الله جلت قدرته بها ،بينما ركزت آيات القرآن الكريم بعديد المرات على الجمع بين الصلاة وإيتاء الزكاة،و ذلك تثبيت للترابط الوشيج بين العبادة للذات الإلهية والعلاقات الإنسانية ، ففي سورة البقرة،الآية43شددت على هذا المعنى : «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة،واركعوا مع الراكعين» بل وأكثر تجلياً باتجاه القيم،فالآية الكريمة رقم41من سورة الحج تقول : «الذين إذا مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة،وأمروا بالمعروف،ونهوا عن المنكر،ولله عاقبة الأمور» وتتعاظم، وتقوى الجذور،وتسموا النفحات الإيمانية في الربط الأبدي الدائم بين الصلاة والتشاور والمشاورة في قوله تعالى : «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة،وأمرهم شورى بينهم،ومما رزقناهم ينفقون»سورة الشورى،الآية38،وفي الصيام الركن الثاني للعبادات نسك وترابط اجتماعي ، وامتزاج بين أداء الفرض والشعور بحاجة المحتاجين،وتقديم العون لهم،كما أنه رادع عن الزلل وانحراف السلوك،فالرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم يقول:«من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر،وأحصن للفرج،ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم فإنه له رجاء»وثالث العبادات أداء زكاة الأموال وهي واجبة تضاف إليها الصدقات لتعزيز العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع،ورابعها فهو الحج،فالغرض المتعارف عليه منه توسيع إطار التعارف بين أبناء الدين الواحد،وأكثر من ذلك في تداول ودراسة أوضاعهم في جميع مناحيها السياسية والاقتصادية، ورسم ووضع الحلول لمعالجة الخلل الموجود في جوانب منها،وتعزيز للقدرات الإيجابية فيها في إطار الوحدة والتوحد.
إذاً لم يعد مقبولا ًعلى الإطلاق تحويل العبادات إلى شعائر خالية من مضامينها،ففي ذلك مخالفة صريحة للنصوص القرآنية الربانية المُلزمة والمُرشدة للبشرية من أجل صلاح أمورها، ولتثبيت ركائز الحياة الحقة المقربة من السعادة،وذلك هو الأمل المنشود لدى كل إنسان على وجه هذه المعمورة....إنها فلسفة الحياة السرمدية،لكن الأنظمة المستبدة والتي أصبحت تُنعت بالشمولية تسير في عكس رغبات الشعوب،وطموحاتها،وولاءاتها فهي تستمر في:
* هدم القيم وإهمال التربية السليمة ، وفي تشويه و إفساد الأخلاق،وقتل وإجهاض المعاني السامية،بل محاولات مستديمة لقتل ووأد مشاعر حبّ الوطن،والابتعاد عن كل ما يُكرّس الوطنية ويُسهم في بناء الأوطان وحمايتها من غوائل الدهر والأعداء، وتأتي في ذروة الممارسات الشائنة المدمرة للمجتمعات إفساد نمطية الحياة الصالحة الطاهرة سيما ما كان منها معرضاً لمؤامرات عدوانية تريد إبقاء أفرادها في إطار التخلف والتبعية،والفساد بأشكاله وخاصة الفساد السياسي يضعها تحت رحمة القضاء والقدر إن لم تعمد شعوبها للثورة،والقضاء على كل مرتكزات الضيم والذل باحثة منقبّة عن الحلول الناجعة التي توصل أبناءها إلى واحات الحرية والبناء.
إنها حكاية الكون منذ بدء نشوئه، وعبر تاريخه....إنه صراع دائم بين الحق والباطل،وتأكيداً لما ذكّرنا به كتاب (طبائع الاستبداد) والذي أعادني إلى ما قبل تسعة قرون لأتصفح بعضاً من كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) لمؤلفه المشهور«ابن الجوزي أبو الفرج بن أبي الحسن التيمي البكري» وهو الفقيه الحنبلي عاش ما بين510هـ-592هـ في بغداد،ويعود نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق، يقول عن شغفه بالعلم:«كنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة،فأخرج في طلب الحديث،واقعد على نهر عيسى،فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء،فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة،وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم» وفي كتابه المذكور يروي حكاية فيها من المعاني الكثير...الكثير عن الخليفة العباسي المنصور،يقول:«كان يمشي في شوارع بغداد،فسمع رجلا ًيقول:اللهم إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع،فأسرع المنصور في مشيته حتى ملأ مسامعه،ومن ثم خرج فجلس ناحية المسجد،ثم أرسل إليه فدعاه،فصلى ركعتين،واستلم الركن مع الرسول فسلم عليه،فقال المنصور:ما هذا الذي سمعتك تقوله عن ظهور البغي في الأرض،وما يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع؟!...فوالله حشوت مسامعي بما أمرضني وأقلقني،فقال:يا أمير المؤمنين إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور،وإلا احتججت فيك،وأقتصر على نفسي ففيها لي شغل شاغل، فقال:أنت آمن على نفسك،فقال:يا أمير المؤمنين إن الذي دخله الطمع حتى حال بينه وبين الحق،وإصلاح ما ظهر من البغي والفساد في الأرض لأنت،قال:ويحك كيف يدخلني الطمع،والصفراء والبيضاء بيدي،والحامض في قبضتي؟!...قال : وهل دخل أحد من الطمع ما دخلك يا أمير المؤمنين؟!...إن الله عزّ وجل استرعاك أمور المسلمين بأموالهم فأغفلت أمورهم،واهتممت بجمع أموالهم،وبينك وبينهم حجاب من الآجر والجص،وأبواباً من الحديد يعينك رجال وأعوان فجرة وقلوبهم على ظلم , ومعك ومعهم الأموال والسلاح , أمرت أن لا يدخل من الناس إلا فلاناً وفلان....لا تأمر بإيصال المظلوم والملهوف،والجائع والعاري،ولا أحد إلا وله في المال حق،وأن هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك،وآثرتهم على رعيتك،وأمرت أن لا يُحجبوا00000, تجني المال ولا تقسمه , قالوا:هذا قد خان الله فما لنا لا نخونه،وقد سُخر لنا , على أن لا يصل إليك من علم أخبار الناس إلا ما أرادوه،ولا يخرج لك عامل عن أمرهم إلا أقصوه عنك حتى تسقط منزلته عندك،فلما انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس وهابوهم،وكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ليقووا بها على ظلم من دونهم من الرعية بالثروة والقوة،وامتلأت الدنيا بغياً وفساداً،وصار هؤلاء شركاؤك في سلطانك،وأنت غافل،والمتظلم حيل بينه وبين الدخول إلى مدينتك،وإن أراد رفع قبضته إليك عند ظهورك....نُهي عن ذلك،ووقفت للناس رجلا ًينظر في مظالمهم،فإن جاء ذلك الرجل يبلغ سألوا صاحب المظالم ألا يرفع مظلمته إليك،وإن صرخ بين يديك ضرب ضرباً مبرحاً ليكون مثالا ًلغيره،وأنت تنظر فلا تفكر،ولا تعتبر فما بقاء الإسلام وأهله؟!....لقد كان بنو أمية...فكانت العرب لا ينتهي إليهم مظلوم إلا رُفعت مظلمته،ولقد كان يأتي من أقصى الأرض حتى يبلغ سلطانهم فينادي:يا أهل الإسلام،فيقدرونه،فيرفعون مظالمهم إلى سلطانهم،فينصف لهم،وقد كنتُ يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصين وبها ملك،فقدمتها مرّة وقد ذهب سمع ملكهم،فجعل يبكي،فقال له وزراؤه:ما لك تبكي لا بكت عيناك؟!...فقال:أما أني لست أبكي على المصيبة إذ نزلت بي، ولكن المظلوم يصرخ فلا أسمع صوته، وقال:أما إن كان ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب...نادوا في أن لا يلبس ثوباً أحمر إلا مظلوم، فكان يركب الفيل في طرفي النهار حتى يرى المظلوم فينصفه....هذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله قد غلبت عليه رأفته بالمشركين،ورفعته على نفسه في ملكه،وأنت مؤمن بالله عزّ وجل،وابن عم بنيه ألا يغلبك شح نفسك برأفتك بالمسلمين،فإنك لا تجمع الأموال إلا لواحد من ثلاث إن قلت:أجمعها لولدي فقد أراك الله عبراً في الطفل الصغير يسقط من بطن أمه وماله على الأرض،وما من مال له دونه يد شحيحة تحويه فلا يزال الله يلطف بذلك الطفل الصغير حتى تعظم رغبته إليه،ولست بالذي يعطي بل الله يعطي من يشاء مما يشاء،وإن قلت أجمع المال لسلطاني فلقد أراك الله عزّ وجل عبراً فيمن كان فبلك ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة،وما أعدوا من السلاح والكراع(الخيل)ما ضرك ما كنت فيه من ضعف،أراد الله عزّ وجل ما أراد،وإن قلت أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنت فيها فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تُدرك إلا بالعمل الصالح للمؤمنين،فبكى المنصور بكاءاً شديداً حتى ارتفع صوته،ثم قال:يا ليتني لم أخلق , ولم أك شيئا ،فقال له : يا أمير المؤمنين عليك بالأعلام المرشدين . قال : ومن هم؟!...قال:العلماء، قال:قد فروا مني!!...قال:هربوا منك أن تحملهم على ما ظهر من طريقتك،لكن افتح الباب وسهل الحجاب،وانتصر،واسمع المظلوم،وخذ الشيء مما حل وطاب،واقسمه بالعدل،وأنا ضامن لك عن من هرب أن يأتيك ويعينك على صلاح أمرك ورعيتك،فقال المنصور:اللهم وفقني أن أعمل بما قال هذا الرجل».
كانت جولة في مرابع التاريخ ومآسيه،وفي استخلاص الدروس والعبر منه يحدونا الأمل لترشدنا إلى حقيقة أن الفساد الوليد الشرعي للاستبداد تناوبا على تاريخ الأمم جميعها وحتى أمتنا العربية،تعايشا وأصبحا توأمين متلاصقين لا فكاك بينهما إلا بإزالة الظلم والقهر،وقمع الحريات،وقول كلمة الحق أمام سلطان جائر،والعبقرية القديمة لأمتنا العربية تجلت باعتراف العديد من المفكرين في لغتها حيث تجلت في نحت الكلمات واشتقاقاتها،مظهرة ترابط المعنى مع الصور المرادفة له لذا جاء في معاجم اللغة أقوال تؤكد هذه الحقيقة،فيُقال فسد الطعام:أي خرب ولم يعد صالحاً للتناول،وكلمة الذرب تعني أيضاً الفساد،وجاء في معجم(لسان العرب)«ذربت معدته:أي فسدت»ويقال:فيهم أذراب أي مفاسد،والتعبير الشديد الدقة يتركز في كلمة«الغبر»التي تشير إلى صورتين مقيتتين:الحقد والفساد،وكذلك العبث في معجم(العين)تعني الخلط في الأمور وإفسادها،والخبل بتسكين الباء ينحو في ذات المعنى،كما ويقال رجل خب أي خبيث خداع ماكر،والجب:الفساد،ومعجم(أكسفورد)الإنكليزي يعرّف الفساد بأنه انحراف،أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة،ويأتي الفسادان الإداري والسياسي في مقدمة أنواع الفساد،ففيهما الرشوة والعمولة،ووضع اليد على المال العام،والحصول على مواقع متقدمة في الجهاز الوظيفي للأقرباء،والأهل ،والمحاسيب،والفساد الأكبر يرتبط بالصفقات الكبرى في عالم المقاولات،وتجارة السلاح،والمؤكد أن الفساد بات ظاهرة عالمية ألقى بكلكله على كل البلدان بنسب متفاوتة بفعل عوامل عدة كان أشدها النظام الرأسمالي،لذا عمدت هيئات دولية إلى إنشاء منظمة مختصة في البحث عالمياً عن مؤشراته،وتصنيف تسلسلي للدول المتأثرة به كان ذلك عام1995أطلق عليها«منظمة الشفافية الدولية»وهي مكوّنة من مجموعة من رجال الأعمال،والخبراء،والجامعيين تُصدر كل عام تقريرها الدوري مرتبة فيه الـ180دولة في العالم،وتقريرها الأخير الذي صدر في تشرين الثاني من هذا العام قدرت فيه حجم الأموال العامة التي تعرضت للنهب والاختلاس بسبب فساد الأنظمة السياسية إلى مبالغ تزيد عن تريليون ونصف تريليون دولار سنويا , حوّلت هذه الأموال إلى ودائع سرية،أو حسابات شخصية في الخارج،وهنا يظهر مدى الانحطاط الأخلاقي للمؤسسات المالية الحافظة لهذه المبالغ المنهوبة كاشفة عن أكثر من283شركة دولية كبرى تورطت في ممارسات الفساد بين عامي1990-2005مما كلف دافعي الضرائب300مليار دولار.
لقد احتلت المرتبة الأولى في معدل الشفافية وتدني الفساد عالمياً نيوزيلندا،تليها الدانمرك،ثم سنغافورة،والسويد كانتا في المرتبة الثالثة،وسويسرا جاءت في المركز الخامس،وفي أواخر الجدول كانت اليمن154،والعراق والسودان176مكرر،والصومال180،وعلى صعيد الدول الإسلامية احتلت أفغانستان ثاني أكثر المراكز سوءاً179،تلتها إيران168،والأقطار العربية بعضها تقدّم،والآخر تراجع في سلم التصنيف،فالسعودية انتقلت من المرتبة80إلى63عالمياً،بينما تراجعت البحرين من المرتبة43في السنة الماضية إلى46في المؤشر الحالي.
إذاً الواقع العربي بمجمله ينوء تحت درجات عالية من الفساد،والخراب،والدمار،ومن يُلق نظرة عاجلة،ويستمع إلى أجهزة الإعلام تتأكد لديه حالات الاستبداد،وانعدام الحريات،وتدني القيم لدى بعض السلطات الممسكة بزمام الأمور.
لقد راح الحديث يتداول لا عن الملايين المختلسة،بل عن المليارات،وعن أفضل الأراضي وضع المسؤولون ،وأقرباؤهم،ومحا سيبهم أيديهم عليها،ونمت ثروات غير مشروعة لأبنائهم،ولأحفادهم،ولو استمر الحال على ما هو فستصل المكاسب غير الشرعية إلى أحفاد الأحفاد.....لقد بلغ السيل الزبى،فتنامي الثروات المنهوبة يقابله تدهور في مستويات المعيشة والفقر لدى شرائح شعبية تتزايد أعدادها،بل إن الكثيرين منهم دخل تحت خط الفقر.
كلمة السحر للحل في هذا المجال هي الحرية الكاملة للإنسان العربي في بناء دولته،وفي المساهمة في تصفية بؤر الفساد،والحرية هنا مقيدّة بشرط المسؤولية، والاتهام بالفساد للآخرين لابد من أن توثقه الحقائق،وإلا حوسب صاحب الاتهام.
والمعالجة الناجحة للفساد وإزالة مسبباته لابد لها من :
1. التربية الخلقية للأجيال الناشئة في البيت والمدرسة بدءاً من المراحل الأولية للدراسة، وتضمين المناهج كل ما يعزز القيم والأخلاق.
2. العودة للأصول في ربط الدين بما تَقصده من قيم اجتماعية سامية، وتلك هي المهمة الأولى لرجال الفكر والدين.
3. لقد ظهرت منذ عدة عقود زمنية دراسات وأبحاث حول التطوير الإداري لأجهزة الدولة،وأنشئت معاهد وفروع جامعية بهذا الخصوص غايتها وضع الآليات لتحديد مهمة كل عامل في الدولة بشكل يحدد المسؤولية المترتبة عليه لمكافأته،أو محاسبته،والأهم التخفيف من الأعداد الزائدة من العاملين والذين أصبحوا عبئاً مالياً على الدولة المعززين للروتين وتعقيد المعاملات...إن فكرة إدخال الحاسوب في حدّ ذاتها إحدى السبل المجدية.
4. إفساح المجال لحرية التعبير في كافة المجالات سيما الإعلامية منها،وتعزيز فكرة المجتمع المدني الذي ينضوي أغلبية أهله في المنظمات المدنية،والأحزاب الضامنة للحقوق وللتطور في آن واحد.
جملة آراء رغبتُ بها، وهناك أكثر منها لدى رجال الفكر والوطنية
لقد دأب أرباب الفساد على تعميمه ليشمل الغالبية , لغرضين اثنين أولهما كمّ الأفواه، فالمبتلى به لا يحق له الحديث عنه ونقد الآخرين، وثانيهما أن الحصيلة المادية الكبيرة التي تجنى تصب في جيوبهم....لنقارن أوضاع صغار الفاسدين نرى أنهم ما زالوا يراوحون في مكانهم بينما التصور النظري أن يكونوا في بحبوحة وغنى،وهذه الحقيقة يفسرها منطق السوق،فالتاجر الذي سدد رشاوى للعديد من العاملين في فروع الدولة،ومثله الصناعي يضيفون ما دفعوه على قيم سلعهم المباعة،وبالتالي فالأسعار ترتفع،والمرتشي الأول يدفع ما أخذه المرتشون الآخرون،وهنا تتضح الصورة،فجميعهم أيديهم في جيوب بعضهم الآخر يسرقونهم،وحصيلة هذا السلوك صفراً،والأغلبية كما ذكرنا تراوح مكانها،لكن المستفيد الأكبر والوحيد هم عتاة الفساد،وأرباب الحل والربط،والذين يغطون من حين لآخر على ارتكاباتهم بمحاسبة فاسد صغير ،لا دعم له في محاولة خداع وتخدير.
ولنتذكر قول الشاعر الجاهلي البحراني«المتلمس الضبعي»المتوفى عام43ق.هـ:
وإصلاح القليل يزيد فيه ولا يبقي الكثير من الفساد
ليزدد إيماننا بالله جلت قدرته،وبآيته الكريمة في سورة البقرة،الاية38«الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون».
الحكمة الإلهية في النهي عن الفساد ورود هذه الكلمة وجذورها،والتحذير من عواقبه ونتائجه 50 مرة في القرآن الكريم.
من أجل الحرية وبناء الأوطان عمّت الثورات أغلب الأقطار العربية يحدو ثوارها الأمل في غد مشرق.
محمد علي الحلبي