ولد الشاعر يوسف العظم شاعر الاقصى في مدينة معان الأردنية التاريخية الواقعة في أقصى جنوب الأردن، وذلك سنة 1931 لأبوين فقيرين متدينين، بدأ ينهل العلوم طفلاً في كتّاب البلدة لمدة عامين حتى دخل المدرسة الابتدائية وتابع الإعدادية في معان أيضاً.. بعد ذلك انتقل إلى العاصمة عمان، حيث تلقى تعليمه الثانوي فيها، ثم انطلق إلى بغداد ليدرس الشريعة فيها لمدة عامين، ثم توجّه إلى مصر حيث درس في الأزهر اللغة العربية وآدابها، ونال شهادتها سنة 1953م، ثم التحق بمعهد التربية للمعلمين بجامعة عين شمس وحصل على الدبلوم العالي وتخرج سنة 1954م. في سنوات شبابه التي عاشها في مصر التقى العظم برجال الحركة الإسلامية هناك، وعاش مع شبابها في الجامعات، وتأثر بفكر الإخوان المسلمين فيها، خاصة أن جماعة الإخوان كانت تضم عدداً كبيراً من الأدباء والشعراء والباحثين الذين يتابعون الشؤون الاجتماعية والثقافية والأدبية، مما أطلعَهُ على هذه الجهود ونتائجها المتوافرة من دواوين وأمسيات الشعر التي كان يقيمها شباب الحركة الإسلامية في ذلك الوقت. بدأ الشاعر نتاجه الفكري الأول وهو لم يزل طالباً، فكتب عن الإيمان وأثره في نهضة الشعوب، ولم يكد هذا الكتاب ينزل إلى الأسواق حتى صدر الأمر بمصادرته.. عاد الشاعر إلى عمان وعمل مدرساً للغة العربية في الكلية الإسلامية بعمان، ثم بدأ نجمه في الظهور، فبرز كداعية إسلامي ومُحاضر وخطيب ومحاور وكاتب في مختلف مجالات الدعوة الإسلامية. فكان متعدد النشاط غزير الإنتاج. جذبه العمل السياسي، فترشح للانتخابات عن الإسلاميين سنة 1963، فاختاره الناخبون في مدينته معان نائباً في مجلس الأمة، وحين حلّ المجلس، أعيد انتخابه سنة 1967م، وكان في المجلس مقرراً للجنة التربية والتعليم وعضواً في لجنة الشؤون الخارجية.وعين وزيرا للتنمية الاجتماعية عام 1990/1991 وزار عدداً من الأقطار العربية بدعوة من مؤسساتها وهيئاتها الثقافية والفكرية، وألقى عدداً من المحاضرات، في معظم أقطار الوطن العربي وديار الإسلام، كما زار من الأقطار الأوروبية والولايات المتحدة، بدعوة من الاتحادات الطلابية والثقافية هناك، حيث كان يشارك في مؤتمرات الشباب المسلم فيها. وفي جانب الإنتاج الفكري أصدر عدة كتب منها "الإيمان وأثره في نهضة الشعوب"، وكتاب "المنهزمون"، وكتاب "رحلة الضياع للإعلام العربي المعاصر"، وكتاب "أين محاضن الجيل المسلم؟". وتاريخنا بين تزوير الاعداء وغفلة الابناء , ومن جميل ما فعله الأستاذ العظم، أنه كرّس جهوداً مشهودة في تربية النشء والجيل الجديد على الإسلام، فأصدر سلسلة "مع الجيل المسلم" وهي عبارة عن ستة عشر كتاباً تتضمن منهاجاً تربوياً خاصاً بالأطفال..وكان سابقا لعصره وأصدر من الشعر للأطفال كتاب "أناشيد وأغاريد للجيل المسلم" حول أركان الإسلام والفرائض والمناسبات والمعارك والأيام الإسلامية المعروفة الى اناشيد اسلامية للاطفال لسهولة حفظها. وأصدر كتاب "مشاهد وآيات للجيل المسلم" في قالب تربوي شائق. وكتاب "أدعية وآداب للجيل المسلم" و "ديار الإسلام للجيل المسلم". في مجال الصحافة، ترأس الشاعر تحرير صحيفة "الكفاح الإسلامي" في الأردن، التي رسخت مكانتها بين قطبي الصحافة الإسلامية أيضاً (مصر وسوريا).. والتي تم اغلاقها ومصادرتها بالكامل أما نتاجه الأدبي، فكان في النقد والأدب كتاب "الشعر والشعراء في الإسلام" الذي قيل عنه يومها أنه "دراسة جديدة في النقد الأدبي والأحكام الشرعية".. وفي الشعر صدر له "رباعيات من فلسطين" و"أناشيد وأغاريد الجيل المسلم"، و"السلام الهزيل"، و"عرائس الضياء"، و"لبيك". وقد خص المسجد الأقصى بأحد دواوينه بعنوان "في رحاب الأقصى" ويستذكر في مقدمته الصلاة في الأقصى والذكريات مع الأحبة والإخوان و.. التاريخ العريق! وفي مطلعه قصيدة طويلة تمتد على ثلاثة عشر صفحة يقول مطلعها: يا قدس يا محراب يا منبر يا نور يا إيمان يا عنبر
وكما يبدو، فإن "أحداث" ديوانه ومناسبات نصوصه تدور في رحاب الأقصى، ومنها قصيدة عن شيخ رآه "في ساحة المسجد المحزون حدثني.. شيخ على وجهه الأيام ترتسم"، ويتابع فيها: لمن أبث شكاتي والشفاه غدت خرساء ليس لها في الحادثات فمُ؟ من ذا الذي هدّ مني ساعداً ويداً هل ضاع دربيَ أم زلت بي القدمُ لقد جرعنا كؤوس الذل مترعة والقدس في العار، والمحراب والحرم والصخرة اليوم باتت غير شامخة لأن نجمة صهيون لها علم
أما القصة، فله عدة مجموعات قصصية، منها: يا أيها الإنسان، قلوب كبيرة.. وفي التراجم أصدر كتاب "سيد قطب – حياته ومدرسته وآثاره". شعره انحصرت اهتمامات العظم الشعرية في موضوعين: 1- فلسطين ومقدساتها ومأساة أهلها. 2- الأوضاع الاجتماعية المتردية التي تعيشها أمتنا. ويبدو واضحاً في شعره اعتزازه بإسلامه وتعويله على أبناء هذا الدين منذ فجر الدعوة حتى يومنا، ودورهم الحقيق بتحرير الأقصى.. وفؤاد الأقصى الجريح ينادي أين عهد اليرموك والقادسية وعليّ يزجي الصفوف ويعلي في ذرى المجد راية هاشمية أين عهد الفاروق غير ذليل عفّ قولاً وطاب فعلاً ونيّة ونداء للتائهين حيارى أين خنساؤنا وأين سمية ورماح في كف خولة تزهو وسيوف في راحة المازنية
وعن الحالة المتردية التي يعيشها اللاجئون يقول: في خيمة عصفت ريح الزمان بها لمحتُ بعض بني قومي وقد سلموا فأسلموا لنيوب الليث ضارية البرد والجوع والإذلال والألمُ
وقد اشتهرت قصيدته التي اعتبر فيها إغاثات الأنروا سبّة لأبناء فلسطين وجريمة تغطي على جريمة أكبر، ارتكبها المجتمع الدولي ضد الشعب المنكوب. ويرى في هذه الإغاثة إذلالاً مقصوداً للشعب الفلسطيني، ليشعر أنه خائر القوى غير قادر على المقاومة ورفع الرأس، ويصف مشهداً نمطياً للشيوخ والنساء والأطفال في مراكز وكالة الغوث لتوزيع "الإعاشة"، ويقول في مجموعة "رباعيات من فلسطين": وسألت القوم عن ضجتهم قيل يبغون دقيقاً وطعاماً منكب منهم يحاذي منكباً وعظام دفعت منها عظاماً كم كميّ عربي ثائر كبلوا في كفه الدامي الحساما وجواد عربي قد غدا يمضع السرج ويقتات اللجاما
وينتقل من ذل الوكالة إلى أسباب الهزيمة المتعلقة بالابتعاد عن الدين، فيقول: جعت في يوم فأرسلت يدي لرغيف البؤس من خبز الوكالة ومضغت العار سماً ناقعاً وشربت الكأس ذلاً للثمالة سلبت أرضي وعاشت طغمة في ربوعي تدعي روح العدالة إنما مزقَنا أعداؤنا حين بدلنا الهدى درب الضلالة
ثم يؤكد أن شعبنا لا يرضى بالعودة بديلاً، فحق العودة ثابت لا يتغير أو يتبدل بمرور الزمن أو بجرائم الاحتلال، ولا يُنسي الفلسطينيين حقّهم في أرضهم وديارهم: نحن شعبٌ قد سُلبنا الوطنا نحن في عري وآلام وجوع وطعام الغوث لا يشبعنا نحن لا يُشبعنا غير الرجوع
ويؤكد شاعرنا أن السبيل هو في الجهاد والقتال والدم، التي هي كما قال أبو تمام "أصدق إنباء من الكتب"، فيقول في قصيدته "بسمة الشهيد": اكتب حياتك بالدمِ.. واصمت ولا تتكلمِ! فاصمت أبلغ في جراح الحادثات من الفم والصمت أقوى من رنين القيد حول المعصم والصمت أكرم عند ربك من سفاهة مجرم إن تاه بالظلم الغشوم فَتِهْ بعزّة مسلم ولئن خطوت إلى العلى فعلى جباه الأنجم
وعن التزامه الحركي الإسلامي وإيمانه بأن صلاح آخر هذه الأمة لا يكون إلا بما صلح به أولها، وبانتهاج نهج النبوة والدعاة الثائرين والعلماء المجاهدين والشهداء الذين خطوا طريق الحق للأجيال اللاحقة، فكانت قصيدته المقطّعة المشهورة إنشاداً "في سبيل الله والمستضعفين"، وهي قصيدة حيّرتني أي مقاطعها أختار هنا، حيث يتناول المقطع الأول تراث الإسلام وعزة جيل الدعوة الأول، وفي المقطع الثاني يستنير بدماء الشهداء ومداد العلماء وجهاد المؤمنين، ويفرد المقطع الثالث للمؤمنات اللواتي أكرمهن الله بالانتماء إلى الدعوة، وينضح المقطع الرابع بصفاء الروح والأمل المنشود، ونقتطف منها: اكتب حياتك باليقين واسلك دروب الصالحين فالصمت من حرّ يفوق زئير آساد العرين
أناشيد الشاعر أناشيده الكثيرة يصعب حصرها علماً أن كل القصائد المنشورة في هذا المقال قد تم إنشادها. ونأتي هنا إلى بعضها. فقصيدته الشهيرة أيضاً "فلسطيني" الشبيهة بقصيدة الشاعر الراحل يحيى برزق، تميزه عن شعر برزق أنها قوية المعاني وفيها مفاصلة فكرية وجهادية ومليئة بالثورة.. في الوقت الذي نجد أن قصيدة تتميز برقّتها ووصف المأساة وأسبابها، ورغم تطرقه للمقاومة، إلا انه لم يكن بحدة العظم فيها، خاصة أن شعر الأخير ملتزم بفكر إسلامي حركي عاش فترة عصبية وصراع مع اليسار بشكل عام. فظهر في قصيدته توجه ضد اليسار الماركسي، فيما ركز برزق على العدو والاحتلال والنكبة. ونقتطف من القصيدة المقطع الأول والمقطع الأخير: فلسطيني فلسطيني فلسطيني فلسطيني ولكن في طريق الله والإيمان والدين أهيم براية اليرموك أهوى أختَ حطّين تفجّر طاقتي لهباً غضوباً من براكيني لأنزع حقي المغصوب من أشداق تنين وأرفع راية الأقصى وربُّ البيت يحميني * * * فلسطيني فلسطيني فلسطيني فلسطيني كفرتُ بدعوة الإلحاد من صنع الشياطين وأوثان صنعناها من الأوحال والطين وآمنّا برب البيت والزيتون والتين ليشمخ شعبُنا حراً عزيزاً في فلسطين ويرفع راية التحرير في كل الميادين
ومن أناشيده التي اشتهرت في أثناء الانتفاضة الأولى، أنشودة "حي على الجهاد"، التي صدرت في الكويت وانتشرت في العالم الإسلامي، ومطلعها: دعوة للفلاح في انبثاق الصباح ونداء الكفاح في الربى والبطاح عند زحف الجنود
كذلك، اشتهرت في تلك الفترة نشيد "حماة الأقصى": نحن أجيال الغدِ وجنود السؤدد قد نهلنا علمنا من كريم المورد من سنا قرآننا والهدى المحمدي فاشهدي يا أرض واصغي يا سماء أننا لا نبتغي غير البناء مذ سلكنا دربنا في عزة ومضينا في ركاب الأنبياء
ومن المعروف المنشد الشهير محمد أبو راتب هو أكثر من أنشد من شعر يوسف العظم، رغم أنه لم يكن الأول. وقد كانت أنشودة "في سبيل الله والمستضعفين" من أوائل ما اختاره أبو راتب من ديوان العظم. كذلك المناجاة في رحاب الأقصى، ومنها: رباه إني قد عرفتك خفقة في أضلعي وهتفت باسمك يا له لحناً يرن بمسمعي أنا من يذوب تحرقاً بالشوق دون توجعي قد فاض كأسي بالأسى حتى سئمت تجرعي يا رب إني قد غسلت خطيئتي بالأدمع يا رب ها تسبيحتي في مسجدي أو مهجعي يا رب إني ضارع أفلا قبلت تضرعي؟ إن لم تكن لي في أساي فمن يكون إذن معي؟ يا رب في جوف الليالي كم ندمت وكم بكيت ولكم رجوتك خاشعاً وإلى رحابك كم سعيت قد كنت يوماً تائهاً واليوم يا ربي وعيت إن كنت تعرض جنة للبيع بالنفس اشتريت أو كنت تدعوني إلهي للرجوع فقد أتيت
وفي أثناء الانتفاضة أطلق أبو راتب ألبوم أناشيد فلسطينية الهوى، فيه عدد من القصائد الموجودة في ديوان العظم، ومن هذه الأناشيد: إلى القدس هيا نشدّ الرحال ندوس القيود نخوض المحال ونمحو عن الأرض فجّارها بعصف الجبال وسيل النضال بعزم الأسود وقصف الرعود ونار الحديد ونور الهلال إليّ إليّ أسود الفدى فما عاد يجدي مقال وقال لقد حان يوم انتفاض الأسير ودقت طبول الفدى والنضال ونادت ربى القدس أبطالها فأين علي وأين بلال
صبرا وشاتيلا إثر اجتياح لبنان سنة 1982، وتحديداً في منتصف شهر أيلول ارتكبت عصابات الغدر المدعومة من قوات الاحتلال الصهيوني مجزرة وحشية هزت العالم. في تلك الفترة، كانت هناك مجلة إسلامية متميزة جداً، هي مجلة الأمة القطرية، نشرت المجلة قصيدة أحدثت ضجة في الأوساط العربية، وسرعان ما تلقفتها الفرق الإنشادية.. وكانت القصيدة للشاعر يوسف العظم، والتي يقول في مطلعها: ذبحوني من وريد لوريد وسقوني المرّ في كل صعيد مزّقوا زوجي فلم أعبأ بهم فمضوا نحو صغيري ووليدي غرسوا الحربة في أحشائه فغدا التكبير أصداء نشيدي دمّروا بيتي وهل بيتي هنا إن بيتي خلف هاتيك الحدود وتلفّتّ فلم أعثر على غير أبناء الأفاعي والقرود أين بأس العرّب مذخور لمن أين أبناء الحمى درع الصمود؟ ودمي سال على تلك الربى ينثر العطر على حمر الورود ولغ الغاصب في أشلائنا غير أنّا لم نزل "سمر الزنود"
وفاء مستحق الشاعر يوسف العظم استحق لقب (شاعر الاقصى) بجدارة، وهو الذي قضى عمره يكتب للأقصى ويربي الأطفال على حب الأقصى، يكفي أنه أسس "روضات براعم الأقصى" التي طوّرها إلى "مدارس الأقصى" في الأردن. الشاعر يوسف العظم الذي ألهب بشعره ومحاضراته المنابر وأعلى قلمه في الصحافة على مدى خمسين عاماً، خفّف الكثير من نشاطه، وهو شبه معتكف في بيته بسبب المرض الذي ألزمه الفراش أكثر من مرة في السنوات الأخيرة.
theredrose
موضوع: رد: يوسف العظم، معالي النائب يوسف العظم الشاعر والكاتب والمدرس 29/1/2012, 17:36
يوسف العظم، معالي النائب يوسف العظم الشاعر والكاتب والمدرس
يوسف العظم، معالي النائب يوسف العظم الشاعر والكاتب والمدرس