جان جاك روسو » .. أيها المنفي المكروه حان وقت الاحتفال
كاتب الموضوع
رسالة
theredrose
موضوع: جان جاك روسو » .. أيها المنفي المكروه حان وقت الاحتفال 24/1/2012, 06:30
300 عام مرت على ميلاد رائد التنوير«جان جاك روسو»، وفي الوقت الذي أحرقت فيه سويسرا كتب هذا المفكر والفيلسوف الكبير وحكمت عليه بالنفي، تعيد الآن ترميم ما جرى لتعترف بخطأ فادح في حق الرجل.
فتستعد جنيف ومناطق أخرى في العالم أمريكا وإسطنبول والبرازيل وطوكيو للاحتفال بمرور 300 عام على ميلاد الرائد الرائع جان جاك روسو لتنطلق الاحتفالات تحت عنوان «روسو للجميع 2012 ».
جان جاك روسو أحد الفلاسفة والمفكرين الرائدين في حركة التنوير، تلك الحركة التي مهددت للثورة الفرنسية وهو مؤلف كتاب «العقد الاجتماعي» المصدر الأهم من مصادر الفكر السياسي المعاصر.
في كتاباته سحر يدفعك لمتابعة القراءة إلى ما لا نهاية حديثه الرائع عن المساواة والإخاء بين البشر يستهوي القلوب فعند قراءة أعماله تجد الصفاء والتوازن المثالي بين الروح والجسد العقل والعاطفة .
طفولة مشردة
ولد جان جاك روسو عام 1712 في مدينة جنيف بسويسرا وهو من أصل فرنسي تجرع مشاعر اليتم باكراً فقد ماتت أمه بعد ميلاده بثمانية أيام، إلا أن والده الذي كان يعمل ساعاتي علمه القراءة والكتابة فكان يقرأ له لمؤلفين مثل فونتنيل وأوفيد ومولير وبلوتارك مما أثر في ثقافته المبكرة.
إلا أن روسو لم يهنأ طويل بحنان ودفء والده، فقد هرب إثر مشاجرة عنيفة مع ضابط فرنسي تاركاً روسو في سن العاشرة في رعاية عمه الذي سرعان ما أرسله إلى مدرسة داخلية في بوساى وقد أرسل روسو لكي يتعلم حرفة إلا أنه وقع في براثن نقاش عنيف كان يمنع عنه الطعام ويضربه حتى فر هارباً من عنده تاركاً جنيف فلم يجد سوى السرقة ليشبع بها قوت يومه ظل مشرداً لا مأوى له وفي سن الـ 16 كان يهيم على وجهه في الحقول إلى أنه أرسل إلى سيدة كاثوليكية كان لها أثر في تحوله إلى الكاثوليكية إلى أن تركها فقد رفضته بعد برهه.
فعاد يهيم على وجهه بين المدن فتعرف على راهب كلفه بنسخ قطع موسيقية بأجر زهيد إلى أن وجد عملاً في دائرة مساحة في شامبيري لكن حبه للموسيقى بات لا يفارقه فدرس ومارس الموسيقى بجانب عمله في المساحة وكان ينظم حفلا موسيقيا كل شهر.
عاش روسو عيشة عوزٍ وفقر كان بائساً بكل ما تحمله الكلمة من معنى لدرجة أنه أرسل أطفاله الخمس فور ولادتهم إلى الملجأ لعدم قدرته على إعالتهم ورعايتهم بيد أنه كان بالرغم من فقره هذا عزيز النفس فرفض تلقي راتب من أحد الملوك دون عمل خلافاً لكثير من معاصريه.
أب فاشل
وعندما تزوج روسو وكان فقيراً معدما قرر إرسال أطفالة إلى الملاجئ والتي كانت نسبة الوفيات فيها تصل إلى 50% وعندما استعلم عن مصير أولاده بعد 10 سنوات لم يجد لهم أثرا، فكان هذا العمل هو الشوكة التي طالما وخزها منتقدوه في ظهره عندما صار مشهورا وصاحب نظرية في التعليم وتربية .
إلا أن مشاعر الندم وتأنيب الضمير لم تفارقه قط ففي كتابه إميل يقول: لا فقر ولا أشغال ولا حياء بشري ولا شيء من ذلك يستطيع أن يعفي الأب من أن يكفي أولاده معاشهم ومن أن يقوم بتربيتهم هو بنفسه.
روسو المنفي.. المكروه
كان لروسو بدايات فاشلة فبعد أن إستعاد جنسيته كمواطن سويسري وارتد إلى المذهب البروتستانتى واستقر مع زوجته تريز، بعث نسخة بحث تناول فيها موضوع «التفاوت بين الناس» لمعاصره فولتير فأجابه الأخير" أنت تجعلنا مثل البهائم يود الإنسان عندما يقرأ بحثك أن يمشي على أربع" .
بعد ذلك انتقل روسو إلى ضيافة المارشال دي لوكسمبورج وزوجته، وكتب أهم مؤلفاته فأكمل «هيلوبيز الجديدة» ثم نشر كتابه الأشهر «العقد الاجتماعى» ورواية «إميل» والتى أثارت ضجة وسخط كبير بين المتديينين والملحدين والمسيحيين والفلاسفة على السواء وعلى إثرها حكمت عليه السلطات المحلية بالنفي سنة خوفا من روحه الثورية وحرقت أعماله أمام مبنى البلدية.
إسهامات لن تنسى
وبينما نبهت قصة «هيلوبيز الجديدة» أوروبا لمفاتن الطبيعة وروائعها إذ تميز فيها بإحساسه المرهف في وصف جلال الجبال وجمال ألوان السماء بإحساس وحيوية ممهداً الطريق للحركة الرومانسية الكلاسيكية.
كان كتابه « العقد الاجتماعي» مبيناً للأسس القانونية للحكم الجمهوري وما أن صدر هذا الكتاب عام 1762م حتى أصبح أهم مصادر الفكر السياسي الحديث في العالم الغربي.
وقد استهل فصله الأول بمقوله شهيرة كانت شعار قرن بأكملة « ولد الإنسان حراً وهو في كل مكان مكبل بالأغلال» .
الدين عند روسو لا غنى عنه للفضيلة ولا دولة بدون أساس ديني بيد أن رجال الدين يجب أن يخضعوا لقوانين الدولة فلا أحد فوق القانون حتى لا ينقسم ولاء الوطن بتعدد الأديان.
شجع روسو على العيش في الطبيعة الأم فرأى أن الإنسان لم يخلق لكي يتكدس مثل كثبان الرمل لكن لكي ينتشر في الأرض وليفلحها.
فهو يرى أن المدينة المكتظة مصدراً للفساد والرذيلة التي لا تنتهي وإذا استمر الحال على ما هو عليه سوف ينحط الإنسان إلى الدرك الأسفل مالم يجدد نفسه بالعيش في الريف والبعد عن الهواء الفاسد.
فكثيراُ ما شجب روسو الفردية والمادية اللتين تنطبقان على وضع مجتمعنا المعاصر
يعتبر « إميل» أمتع كتاب ألف في التربية على الإطلاق طالب فيه المواطنيين بتشجيع أولادهم على حب الطبيعة والعيش في الخلاء وأكل ما يقومون بزرعه بأنفسهم والإقلال من اللحوم والاستيقاظ المبكر والنوم المبكر.
بيد أنه لم يمض أكثر 20 يوماً على نشر الكتاب في هولاندا حتى حكم عليه بالحرق وحكم على روسو بالسجن ففر إلى سويسرا بلد الحرية لكن بعد 4 أيام حكم مجلس مدينة جنيف بمصادرة كتابين له وقذف الفلاحون بيته بالحجارة.
وتنطفئ شمعة التنوير
سافر روسو إلى لندن في عام 1766م واستقبله الفيلسوف المعاصر دافيد هيوم حيث أسكنه بالقرب من العاصمة لكى يكمل كتابه «اعترافاتي» لكن نوبات عصبية وهواجس باتت تعتري الرجل فقرر العودة الي فرنسا وحل ضيفاً على الماركيز ميرابو.
تدهورت حالة روسو الصحية بعد فور عودته لفرنسا وفي عام 1778م داهمته المنيه بسبب مضاعفات مرض التهاب المرارة الذي لازمه طوال حياته.
فانطفأت بذلك شمعة التنوير التي إحترقت لتنير درب البشرية بمعاني الحرية والمساواة والبساطة والسعادة المطلقة مات روسو بائساً غريباً بين البشروكعادة الدول التي تتذكر عظمائها وتكرمهم بعد وفاتهم قررت الحكومة الفرنسية عام 1794 نقل رفات روسو في إحتفالمهيب إلى البانثيون.
إلا أن روسو ما زال موجوداً بيننا لأنة تخطى العصور والأجيال وتوجه الينا مباشرة فطرح أسئلة ما زالت شديدة الارتباط بواقعنا المعاصر فما زلنا نقرأ أعمال روسو حتى اليوم وعلى الأرجح نقرأها بشكل أفضل لأننا نقرأها على ضوء تطور الفكر.