لا يعرف التاريخ ديناً ولا نظاما كرم المرأة باعتبارها أماً, وأعلى من مكانتها, مثل الإسلام.
لقد أكد الوصية بها وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته, وجعل برها من أصول الفضائل, كما جعل حقها أوكد من حق الأب, لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية.. وهذا ما يقرره القرآن ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم.. وذلك في مثل قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير, ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا, حملته أمه كرها ووضعته كرها, وحمله وفصاله ثلاثون شهراً.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله: من أحق الناس بصحابتي؟ قال: أمك. قال: ثممن؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك.
ولا بزفرة واحدة ويروي البزار أن رجلاً كان بالطواف حاملا أمه يطوف بها, فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل أديتُ حقها؟ قال: لا, ولا بزفرة واحدة.. أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها، وبرّها يعني: إحسان عشرتها, وتوقيرها, وخفض الجناح لها, وطاعتها في غيرالمعصية, والتماس رضاها في كل أمر, حتى الجهاد, إذا كان فرض كفاية لا يجوز إلابإذنها, فإن برها ضرب من الجهاد.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله, أردت أن أغزو, وقد جئت أستشيرك, فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم.. قال: فالزمها فإن الجنة عند رجليها، وكانت بعض الشرائع تهمل قرابة الأم, ولا تجعل لهااعتباراً, فجاء الإسلام يوصى بالأخوال والخالات, كما أوصى بالأعمام والعمات.
أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني أذنبت, فهل لي من توبة؟ فقال: هللك من أم؟ قال: لا. قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم. قال: فبرّها.
حتى وإن كانت مشركة ومن عجيب ما جاء به الإسلام أنه أمر ببر الأم وان كانت مشركة, فقد سألت أسماء بنت أبى بكر النبي صلى الله عليه وسلم عن صلة أمها المشركة, وكانت قدمت عليها, فقال لها: نعم, صِلي أمك ومن رعاية الإسلام للأمومة وحقها وعواطفها.. أنه جعل الأم المطلقةأحق بحضانة أولادها, وأولى بهم من الأب.
قالت امرأة: يارسول الله, إن أبني هذا, كان بطني له وعاء, وثديي له سقاء, وحجري له حواء, وان أباه طلقني, وأراد أن ينتزعه مني! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي واختصم عمر وزوجته المطلقة إلى أبى بكر في شأن ابنه عاصم, فقضى به لأمه, وقال لعمر: ريحها وشمها ولفظها خير له منك.. وقرابة الأم أولى من قرابة الأب في باب الحضانة.
والأم التي عنى بها الإسلام كل هذه العناية, وقرر لها كل هذه الحقوق, عليها واجب: أن تحسن تربية أبنائها, فتغرس فيهم الفضائل, وتبغضهم في الرذائل, وتعودهم طاعة الله, وتشجعهم على نصرة الحق, ولا تثبطهم عن الجهاد, استجابة لعاطفة الأمومة في صدرها, بل تغلب نداء الحق على نداء العاطفة.
ولقد رأينا أما مؤمنة كالخنساء, في معركةالقادسية تحرض بنيها الأربعة, وتوصيهم بالإقدام والثبات في كلمات بليغة رائعة, وماأن انتهت المعركة حتى نعوا إليها جميعا, فما ولولت ولا صاحت, بل قالت في رضا ويقين: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيله.
أمهات خالدات ومن توجيهاتالقرآن: أنه وضع أمام المؤمنين والمؤمنات أمثله فارعة لأمهات صالحات. كان لهن أثر ومكان في تاريخ الإيمان.
فأم موسى تستجيب إلى وحي الله وإلهامه, وتلقى ولدها وفلذة كبدها في اليم, مطمئنة إلى وعد ربها: وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه, فإذاخفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني, إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين.
وأم مريم التي نذرت ما في بطنها محررا لله, خالصا من كل شرك أو عبوديةلغيره, داعية الله أن يتقبل منها نذرها: فتقبل مني, انك أنت السميع العليم، فلماكان المولود أنثى.. على غير ما كانت تتوقع.. لم يمنعها ذلك من الوفاء بنذرها, سائلةالله أن يحفظها من كل سوء: وأني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم.
ومريم ابنةعمران أم المسيح عيسى, جعلها القرآن آية في الطهر والقنوت لله, والتصديق بكلماته ": ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبهوكانت من القانتين
نقلا عن موقع الأستاذ عمرو خالد