أشهر ملوك الكلدان
شروكين ( سرجون الكبير ) اول امبراطور كلداني في التاريخ
ان نشأة وفتوحات الملك شروكين ، سرجون الكبير بحسب الكتاب المقدس ، الملقب بالاكدي نسبة لعاصمة ملكه أكد والكلدي نسبة لإنتمائه القومي ، قد الهمت الكتبة القدماء في العراق القديم لكتابة العديد من المدونات الخالدة مثلما اججت جذوة الروح الوطنية الوثابة للرافديين القدامى فأتفق السومريون والاكديون على تبجيله . سرجون جاء من وسط عامة الشعب وتقلد في عنفوان شبابه مسؤولية حكم مستوطن زراعي صغير بقوة ذراعيه ورجاجة عقله وليجعل من ذلك المستوطن فيما بعد عاصمة لأول إمبراطورية في التأريــخ البشري . في كيش خلف أور زبابا خمسة ملوك تذبذبت مقدراتهم في الحكم حتى انتهت سلالتهم على يدي ملك سلالة أوما البطل لوكال زاكيزي 2340-2316 ق.م الذي يعتبر وفقا للألواح المسمارية اول ملك يوحد كامل قسمي وادي الرافدين القديم الشمال بالجنوب ويطلق على
دولته تلك تسمية الاقليم (قلاما) ويتسمى بملك الإقليم . لو نظرنا اليوم من زاوية عسكرية لما حدث لأذهلنا منجز سرجون الكبير ، فقد انتظر سرجون حتى تمكن لوكال زاكيري من القضاء على سلالة كيش الحاكمة وانشغال ملك سلالة اوروك الثالثة بحروبه لتوحيد البلاد التي انهكته ، وهنا دخل سرجون ( ابن كيش ) محررا وليس خصما لمدينته الأم فكسب قلوب اهل المدينة وضمن ولاء جيشها الصغير ، ثم قاد جيشه الصغير هذا وهاجم به اورك اكبر مدينة في التأريخ البابلي انذاك والتي لم تضاهيها سعة بابل بعد اكثر من الف عام . واستطاع سرجون الكبير احتجاز لوكال زاكيزي في معبد الإله إنليل ولم يقم بقتله وهي مسألة محيرة بالفعل في اعراف ذلك العصر . بعد ان سيطر سرجون على اوروك عاصمة البلاد بعد كيش قام سرجون بنقل السلطة السياسية الى عاصمته اكد او (دور شروكين) كما اثبت ذلك الباحث الدكتور احمد حسين الاعظمي في بحثه الموسوم (مدينة أكد أم دور شروكين) ، فيما بقيت نيبور وبابل المركزين الدينيين للبلاد ، فقام بتوسيع عاصمته التي نقل اليها تراب بابل المقدسة تبركا ( وهو ما يؤكد قدسية واهمية مدينة بابل قبل تأسيس سلالتها الاولى) ، ثم بدأ مشوار توسيع إمبراطوريته متجها غربا وكانت بداية حملته مدينة توتول( هيت ) ثم اتجه غربا حتى ساحل المتوسط / البحر الاعلى اي الشريط السوري من شماله حتى جنوبه ثم غزا مصر والحبشة التي يسميها بلاد القصدير وبالبابلية (مات أنكو) وبالكلدانية الحديثة (أنك) وهي ذات المرادف العربي الذي يعني القصدير او الرصاص ، كما احتل اسيا الصغرى ووصل مدينة بورش خندا ثم عبر البحر بأسطول محارب فسيطر على قبرص وكريت التي يسميها كابتارا ويطلق عليها الكتاب المقدس اسم كبتورة، اما شرقا فقد اخذ كل مدن زاكروس ومنطقة عيلام ومضى جنوبا الى ابعد من حدود البحر الأسفل ( تام تي شا مات كلدي ) فأخذ مدن البحر الكلدي ( الخليج العربي الفارسي حاليا )والذي تمكن من ضمها الى وادي الرافدين من خلال 34 معركة تلت انتصاره على لوكال زاكيزي وهنا تمكن من احتلال ميلوخا حتى راحت سفنها وسفن عُمان وتلمون/ البحرين ترسو في ميناء عاصمة البلاد أكد .
ان ما حققه سرجون الكبير للامبراطورية الاكدية من الهند الى افريقيا ومن اسيا الصغرى حتى الحافات السفلى للبحر الاسفل ( بحر الكلدان ) في ظل الامكانات العسكرية القديمة قبل ما يقارب من اربعة الاف وثلاثمائة عام يعتبر نصرا عظيما .
جاء في المعجم العراقي للمصطلحات والاعلام في العراق القديم صفحة 127 للباحث المؤرخ حسن النجفي ان امبراطورية سرجون قد قضت على نظام دويلات المدن واسس دولة موحدة تحت حكم الامبراطورية الكلدانية العظيمة ، وبذلك يعتبر النجفي اول باحث عربي حديث يطلق على الامبراطورية الأكدية تسمية الامبراطورية الكلدانية التي لم يستخدمها قديما إلا واحدا من اشهر المؤرخين القدامى هو المؤرخ الكلداني برحوشا المعروف باسم بيروسس وذلك في مؤلفه الشهير ( البابليات او الكدانيات ) والذي دون فيه برعوشا تأريخ بابل منذ الخليقة حتى حكم الأسكندر الكبير ذاكرا فيه 191 ملكا كلدانيا إبتداء يكوسما بيلوس ، كما استخدم هذه الصفة القومية ( كلداني) لنعت ملوك سلالة أكد أيضا العلامة الكلداني المطران أدي شير في المجلد الاول من كتابة الشهير كلدو واثور والمؤرخ الوزير يوسف رزق الله غنيمة في مؤلفه الشهير نزهة المشتاق في تأريخ يهود العراق .
في عهد سرجون ابطل نظام التجنيد العشوائي واستبدل بنظام الجيش المنظم بمعنى نظام الخدمة التطوعية المجزلة العطاء وتم تحسين الجيش واستبدل نظام الصف التقليدي بنظام السرايا الحيوي المجهزة باسلحة خفيفة واسلحة ضاربة وكذلك فصل السياسة عن الدين . وكان سرجون لا يفرق بين إله مدينة وإله مدينة اخرى ولا يقدم آلهته على آلهة الاخرين وبذلك كسب احترام ومحبة جميع الرافديين . فام سرجون بفصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية فجعل واجبات محددة للقضاة وواجبات اخرى للحكام المحليين ، مما قضى على حالة إستبداد الحكام المحليين عند جمعهم للسلطتين وهو إجراء ما تزال الدول الراقية تستخدمه حتى يومنا هذا . ولكي يضمن وحدة البلاد فقد جعل لها تقويما واحدا ومعايير وزنية ووحدات قياس واحدة . خلف سرجون من زوجته أشلولتوم وهو اسم كلداني قديم يعني الفاخرة ثلاثة ابناء وبنت واحدة هي انخيدونا ، اما أبناء سرجون فهم ريموش الذي ملك بعد ابيه سرجون ، ثم مانشتوسو الذي ملك بعد اخيه ريموش والذي تؤكد بعض الدراسات الحديثة بأنه مانوس مؤسس الاسرة الحاكمة الاولى لفراعنة مصر القديمة ، ثم إمال أشدكال الذي كان قائدا عسكريا كبيرا غير انه لم يحكم على اكد .
ومن الجدير بالذكر ان ملوية شامرا ( سامراء ) التي بناها الكلداني دليل بن يعقوب النصراني ، تشبه الى حد بعيد الزقورة الملوية المنحوتة على القرص الكلسي لابنة سرجون انخيدونا التي اشتهرت ايضا في التأريخ القديم بكونها شاعرة كبيرة .
لقد حاول ملوك سلالات اشور المبكرة منها او المتأخرة ان ينسبوا انفسهم مباشرة الى سرجون الكلداني ملك أكد ( وهو ما يؤكد ايضا إنتماؤهم البابلي ) ، لكن وجه التشابه الكبير بين سرجون الملك الكلداني واول إمبراطور في التأريخ مع ملوك أشور القدماء /العموريين المنحدرين عن اسلاف الكلدان الاوائل الذين يختلفون كليا عن السوباريين بناة أشور ، هو انهم جعلوا من عشتار حامية أكد / الاقليم الإلهة الرئيسية الحامية لمدن اشور وجيوشها .
في اواخر عهد سرجون الذي حكم اكثر من 55 عاما ، قام الشوباريون / بناة اشور بتجميع جيوش هائلة وتوجهوا بها صوب أكد معتقدين ان الاسد العجوز قد تكسرت انيابه لكن الاسد العجوز قاد معركة بنفسه وفتك بجيوش الشوباريين الذين يقول فيهم : قبائل البربرالشماليين قد هاجمت البلاد لكنها استسلمت امامي ، اما مدنهم اشور ونينوى فقد بطشت بهما بطشا شديدا ، نعلم ان نينوى لم تكن شوبارية المنشأ فقد بناها السومريون مثلما قاموا ببناء مدينة ننوى السومرية القديمة في لجش ولكن سرجون نعتها بالسوبارية لغلبة العنصر الشوباري انذاك على العنصر السومري ، اما اشور فقد بناها السوباريون على مستوطن زراعي سومري ، والشوباريون هم الاشوريون الأوائل سكنة الخيام الذين انتشروا في المستوطنات الزراعية السومرية الشمالية فغطت جموعهم خلال بضعة قرون على عدد السومريين في اشور ونينوى.