ما هي الغيوم النووية

الغيوم النووية
ما هي الغيوم النووية

ودعت استراليا عام 2011 بإعلانها إلغاء قرار حظر تصدير اليورانيوم إلى الهند باعتبارها دولة غير عضو في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية, الذي دام أكثر من أربعين عاماً, كان النقاش حاداً داخل حزب العمال الاسترالي الحاكم ; ولكن النتيجة كانت محسومة, على الرغم من حماسهم الملموس غير أن المعارضين لقرار رفع الحظر عن تصدير اليورانيوم إلى الهند, بدوا كمثير الشغب في أحسن حالاتهم, وكالضائعين في الصحراء في أسوأ الحالات, رئيسة الوزراء الاسترالية (جوليا جيلارد) اختتمت مداخلتها المؤيدة لرفع الحظر ومبّررة هذا التحول في السياسة الاسترالية بالقول: " لقد كان ضرورياً لمصلحة استراليا", كان هذا نهاية الاقتباس وكذلك نهاية النقاش, أصبحت المعارضة غير مرئية في خضم هذا البحر من التهاني والاحتفال.
لم تخالف استراليا نصوص اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية, الذي ينص في أحد مواده على منع تقديم مساعدة فنية أو الدخول في تعاون نووي مع أي دولة غير عضو لهذه الاتفاقية, والتي تضم إلى الآن إضافة إلى الهند كلا من الباكستان وإسرائيل; لكن استراليا كانت تعدّ نفسها تاريخياً بإنها تلتزم بروح تلك الاتفاقية التي تسعى إلى نزع الأسلحة النووية وعدم انتشارها باعتباره مبدأ أخلاقيا كما هو سياسي وقانوني, إلا أن هشاشة المبادئ الأخلاقية في عالم يسوده التنافس المحموم هو أمر واضح للعيان, وان استراليا ليس لديها الرفاهية لكي تخسر الهند لصالح الولايات المتحدة أو الصين أو غيرهما, فالهند هي السوق السادس للصادرات والاستثمارات الاسترالية, كما أن السوق الهندية تبدو أفقا مفتوحا, وعلى الرغم من أن استراليا تمتلك ما يزيد على أربعين بالمئة من احتياطي العالم من اليورانيوم, غير أنها ليست المصدر الوحيد كما ان هناك بدائل عديدة للهند, والشيء المحزن انه يمكن القول ان استراليا قد بقيت ملتزمة بموقفها المبدئي والأخلاقي مدة خمس سنوات بعد ان بدا للعيان إن الالتزام بمبادئ اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية تجاه الدول غير الأعضاء كالهند مثلاا قد أصبح ليس فقط غير مجد, بل هو نوع من الهلوسة والخداع الذاتي. وفي تموز عام 2005 وقعت كلّ من الهند والولايات المتحدة اتفاقية التعاون النووي المدني, حيث التزمت الولايات المتحدة بتعاون نووي مدني كامل مع الهند, هذا التعاون النووي المدني الكامل وبمعزل عن تبريراته يتعارض وبشكل مباشر مع نصوص اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية التي تعتبر الولايات المتحدة طرفاً نووياً أساسياً فيها, إن التفريق بين الدول والأعضاء والدول غير الأعضاء الذي اعتمدته الاتفاقية أصبح عديم القيمة, في الواقع انك لا تحمل عضوية تتضمن ميزة إضافية, وهي انك لا تخضع لقيود الاتفاقية وفي الوقت نفسه تستطيع الحصول على كل مزاياها.
عارضت الدول غير الأعضاء ;خاصة الهند ذلك التميز الذي تبنته اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وهو بين الدول النووية, وهي التي صادف ان تكون دولا دائمة العضوية في مجلس الأمن, وكذلك كانت قد قامت بإجراء تجارب نووية قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ, وبين الدول غير النووية التي تلتزم بعدم امتلاك او محاولة تطوير اسحلة نووية, لقد اعتبرت الدول غير الأعضاء ذلك التمييز نوعا من الاحتكار النووي غير المبرر, وبالفعل استمرت الهند بالمحاولة حتى نجحت في تجربتها النووية الأولى عام 1974 الذي اطلقت عليه الهند بوذا المبتسم.
اما الباكستان وعلى لسان رئيس وزرائها آنذاك ذو الفقار علي بوتو, فقد تعهد وقبل نجاح التجربة النووية الهندية بسنوات انه في حالة امتلاك الهند اسحلة نووية, فإن باكستان ستطور سلاحاً نووياً حتى لو اضطر الباكستانيون ان يأكلوا الأعشاب.
ان دوافع الدول غير النووية القبول بشروط هذه الاتفاقية متعددة, بعض الدول قبلت بشروط العضوية لأنها ببساطة لا ترغب ان تكون دولاً نووية, في حين قبلتها بعض الدول الأخرى متحينة الفرصة للفرار من الالتزام بها اذا تمكنت من ذلك, وهي بالنسبة لهذه الدول بمثابة استراحة المحارب, عندما يجمع قواه يعود إلى المعركة من جديد; لكن الأغلبية العظمى من الدول قبلت بهذا الشرط على افتراض ان الدول النووية نفسها قد التزمت ان تتحول إلى دول غير نووية, بمعنى آخر التزامها بنزع السلاح النووي في نقطة معينة في المستقبل, لكن هذه النقطة وبعد ما يزيد على اربعين عاما ًما زالت بعيدة المنال, صحيح ان عدد الرؤوس النووية اصبح اقل مما كان عليه في قمة تراكمة, لكن القدرة التدميرية للأسلحة النووية تضاعفت آلاف المرات منذ ان استخدمت الأسلحة النووية على مدينتي هيروشيما ونجازاكي في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية, وكذلك أصبحت الأسلحة النووية أكثر دقة أيضاً, لكن اكثر ما يثير الخوف والتخوف هو ازدياد الثقة بإمكانية حد الهجوم النووي من خلال ما اصبح يعرف بالدرع الصاروخي, اي ان فكرة الردع الذي قام عليه التوازن النووي قد يكون في طريقه إلى الزوال, ان الأسحلة النووية اذا استمر هذا التطور, قد يخلق روح مغامرة مرتبطة بزيادة في الثقة تجعل من الأسلحة النووية ليس لغايات الردع; وانما للاستعمال, وبأحسن الحالات قد تدفع العالم من جديد إلى سباق تسلح نووي غير مسبوق.
ان التفاؤل الذي طرحه اوباما عند تسلمه السلطة, وذلك بالسعي نحو تحقيق نزع للأسلحة النووية بدأ يتلاشى, ان كل ما نتمناه ان لا تزداد الغيوم النووية كثافة, وهل نملك غير التمني?

معلومة غريبة حتى الغيوم صارت نووية