مد أحلامك على قد رجليك .. ؟؟
يا شمس يا شموسة خذي سن الحمار وأعطيني سن الغزال ويطير السن لأقصى مدى يمكن ليد الطفل أن تصله، هذه تقاليدنا العربية في تبديل أسنان الأطفال التي تقتصر على أمنيات أن يكون السن الدائم أفضل من السن المخلوع، وبهذا تنتهي المراسم الاحتفالية التي تدل على نمو الطفل وتقدمه في العمر مع بعض دمعات على الألم وقطرات الدم التي رافقت العملية الطبيعية.
لا نملك في وطننا العربي على الأغلب أن نؤمن للطفل أكثر من ذلك،فالظروف الاقتصادية لم تعد تسمح لنا بإقامة المناسبات ولا أن نساير أطفالنا في أحلامهم كما المجتمعات الغربية التي تجعل من مناسبة تبديل الأسنان قصة وحكاية تبدأ بأسطورة جنية الأسنان Tooth Fairy التي تزور الطفل ليلا بعد أن يكون وضع السن تحت وسادته لتستبدله بالنقود والهدايا أثناء نومه،ثم تمتد الى احتفال العائلة بالطفل، الى مراجعة طبيب الأسنان للتأكد من سلامة مكان السن مع ارشادات حول التنظيف وتدليك اللثة وغيرها.
تملك الحضارة الغربية أن توفر لأطفالها وكبارها رفاهية الأحلام ورفاهية الواقع، وباستطاعة الحضارة أن تنسج الكثير من الأساطير التي تنمي خيال الطفل ومداركه وتزرع فيه الفضائل بطريقة محببة، ولكن حتى الحلم يحتاج وسطا صحيا ليظهر فيه ذلك أن الأحلام انعكاس للواقع والصحة النفسية في عالم اللاشعور، وإذا كان الباطن مضطربا أو كسولا خاملا فستفارقه الأحلام أو تتحول الى كوابيس .
إن الأمر يتعدى نسج الأسطورة الفرحة بل استخدام الشعور بالفرح في التخفيف من مشاكل الأسنان وآلامها التي تصنف طبيا كأكثر الأوجاع إيلاما فوق طلق الولادة، أما أطفالنا فيفطمون قصرا وينظفون إجبارا ويغيرون أسنانهم ألما وخوفا فيرون طبيب الأسنان غولا متربصا بينما يراه الأهالي وحشا سيفتك بميزانية الأسرة المتهالكة أصلا.
كيف لنا أن نتغلب على الخوف ونتصالح مع طبيب الأسنان وصورته في ثقافتنا ذلك المطهر أو الحلاق الذي يستخدم الكماشة التي تصلح لنزع المسامير لخلع الأسنان.
واقعنا لا يدعم الأحلام وأطفالنا يكبرون بسرعة قافزين على أعوام من البراءة، والحرب والفقر والجهل والاهمال يجعلون من الواقع مسلسل رعب مستمر، فمن لا يملك ثمن الحلم لا يملك أن يبني قصورا في الهواء.
إن من ينهبون الشعوب لا يصادرون حقها في الحياة الكريمة فحسب، ولكن في الخيال والحلم وهما بوابة الابداع والابتكار.
في حياة العوز العام التي نعيشها تصبح أحلام اليقظة والنوم أكثر مادية، فالجائع يحلم بقطعة خبز، والعاري يحلم بقطعة ملابس، والمشرد يحلم بقطعة وطن، والسجين بقطعة حرية، فلحافنا لا يغطي أرجلنا وبطوننا خاوية وأجسامنا باردة وكرامتنا مهدورة وحقوقنا ضائعة لذا لا نملك أن نطير بأحلامنا الى سقف السماء فهي مشدودة الى طينة الأرض تحاول أن تؤمن أسباب المعيشة والكفاف.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستبشر بالرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له من الآخرين، واعتبرها من المبشرات التي تبعث على التفاؤل وتجعل الحياة أقل وطأة وأكثر جمالا.
قال جرير: أحلامنا تزن الجبال رزانة، فهل أحلامنا رزينة بالطبع والفطرة، أم فُرضت عليها الرزانة والغلظة والسوداوية بواقع الحال؟