الشيخ الاكبر " محيي الدين ابن عربي "

الشيخ الاكبر " محيي الدين ابن عربي " مقدمة عنه حياته و قصيدة من ديوانه المشهور
مقدمة
هو ابو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمي محيي الدين يرقى نسبه إلى عبد الله بن حاتم الطائي .
ولد ابن عربي في ليلة الأثنين 17 رمضان سنة 560 هـ ( 28 تموز 1165 م) في مرسية حاضرة شرقي الأندلس وكانت ولادته في عهد الخليفة العباسي المستنجد بالله . في كنف أسرة عريقة وغنية معروفة بدينها وتقواها.
فأبوه كان رجلا صالحاً تقيا ، ومواضبا على قراءة القرآن وكان يحث ولده على مسلكه الذي اختاره ، أما أمه
( نور ) فكانت تتصف بالتقوى والصلاح والورع ، وكانت تدفعه إلى خدمة الشيخة الصالحة ( فاطمة بنت المثنى القرطبي ) وكانت هذه الشيخة بمثابة الأم الروحية للشيخ الأكبر . حيث يذكر في الفتوحات أنها قالت له ( أنا أمك الروحية ، ونور أمك الترابية ).
وكان له خال من ملوك تلمسان يدعى ( يحيى بن يغان) ولكنه هجر الملك ولجأ إلى طريق الله عابدا زاهدا متقشفاً. على أثر مناقشة بينه وبين أحد الزهاد ، حيث ندد الزاهد بمسلك الملوك وأعمالهم وترفهم ، وله خال أصغر يقول عنه ( كان خالنا أبو مسلم الخولاني -رحمه الله- من أكابرهم : كان يقوم الليل ، فإذا أدركه الإعياء ضرب رجليه بقضبان كانت عنده ويقول لرجليه :أنتما أحق بالضرب من دابتي . وكذلك كان عمه عبد الله بن محمد بن عربي من أهل التصوف . وفي هذا الوسط العائلي المفعم بالورع والتدين والروحانيات شب ابن عربي .
أمضى ابن عربي سنواته الأولى في (مرسية ) ، ولما بلغ الثامنة من عمره ( سنة 568 هـ ) انتقل مع إسرته إلى
( أشبيلية ).
أمضى ابن عربي فترة طفولته بأشبيلية وسلك طريق القوم وهو في سن السادسة عشرة تقريباً ثم بدت صلاته وصداقاته تتوطد مع شيوخ الطريق من الأندلسيين . وقد تحدث هو نفسه عن نحو خمسين شيخاً من هؤلاء الشيوخ . غير أن هذا التحول الروحي في حياة ابن عربي قد أعقبه نوع من الفترة التي لا بد منها لكل داخل في هذا الطريق لكنه يكاشف بما يضرم حماسه للعودة إلى حاله الأول ، فيخرج عن كل ما يمتلكه من حطام الدنيا ويسلك مسالك الزهاد ، متخذا من المقابر والجبانات مسكناً ومأوى .
ولما بلغ سن العشرين كان قد قطع سلسلة كاملة من المقامات الروحية ، وقد انتفع في هذه الفترة بهبات كشفية وعلوم وأذواق عزيزة
وفي هذه السن المبكرة تلقى ابن عربي علومه الدينية والأدبية فدرس جميع علوم عصره المعروفة على أشهر علماء الأندلس . وقد بلغت شهرته الفيلسوف أبن رشد ( ت 599) فطلب من والده أن يقابل إبنه ، ويتحدث ابن عربي عن هذا اللقاء قائلا
( دخلت يوما بقرطبة على قاضيها أبي الوليد ابن رشد وكان يرغب في لقائي لما سمع وبلغه ما فتح الله به علي في خلوتي ... وقال : كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي ؟ هل هو ما أعطاه لنا النظر ؟ قلت له : نعم و لا ، وبين نعم ولا تطير الأرواح من موادها ، والأعناق من أجسادها . فاصفر لونه ..)
وعندما أراد الاجتماع به ثانية لم يشأ الله ، فقد جعل بينه وبين طريق ابن عربي حجاباً ، ولعل في ذلك ما يدل على منزلة ابن عربي الروحية ، وتفوقه على أهل زمانه وهو ما زال شاباً .
وكان هذا الجمع ذروة اللقاء بين العقل والقلب إذ مثل على المستوى التاريخي آخر لقاء بين طريقين سينتهجهما العالَمان الشرقي والغربي فيما بعد ، حيث أصبح (أبن رشد) أعظم المفكرين المسلمين في الغرب المسيحي فيما أصبح ( ابن عربي ) الشخصية اللامعة على مستوى تاريخ التصوف قاطبة في الشرق الإسلامي
وقد هيأت له مواهبه الأدبية المبكرة ونبالة محتده أن ينال وظيفة كاتب في حكومة ( أشبيلية ) ويتزوج من امرأة صالحة من إسرة كريمة هي ( مريم بنت محمد بن عبدون البجائي ) التي أسهمت مع عوامل أخرى في دفعه إلى طريق التصوف . فدخل الخلوة بذكاء متوقد وهو يلم برؤى روحية نافذة .
حقق ابن عربي منذ مطلع شبابه شهرة عريضة في الأندلس وشمالي أفريقيا حيث قضى شطراً كبيراً من حياته متنقلاً في مقابلات متواصلة مع المتصوفة ومناظرات مع مختلف الجماعات والمذاهب والنحل . وقصده الكثير من التلامذة والشيوخ بقصد الاتصال به والإفادة من أفكاره .
أما سفراته ورحلاته فقد انحصرت في بادئ الأمر في نطاق الأندلس ، إلا أنها ما لبثت أن أخذت في الأتساع والانتشار في ربوع المغرب بعد عام 590 هـ / 1193 م ولم تتوقف حياته عن الأسفار المتصلة حتى بلغ سن الستين .فقد رحل في سنة 590 إلى تونس وتلمسان ، ثم إلى فاس سنة 591 ،ثم إلى أشبيلية سنة 592 . ثم تجده من جديد في فاس سنة 593-594 ، وفي قرطبة سنة 595 ، ثم يعود إلى المغرب سنة 597 ، لكننا نلتقي به في مرسية سنة 598 ، ثم سلا ، ثم في تونس ، وبها تكتمل الفترة التي أمضاها من حياته في بلاد المغرب . وفيها ألف مايقارب من ستين كتابا .على وجه التأكيد .
ثم يحصل له كشف يؤمر فيه بالتوجه شطر المشرق ، فيترك بلاد المغرب ليخلفها وراءه إلى غير رجعة . وفي نفس هذه السنة 598 هـ (1201-1202م) يتابع ابن عربي رحلته إلى القاهرة ثم إلى بيت المقدس ، إلى أن ينتهي به السير إلى مكة المكرمة . ويمتد المقام بان عربي في الحجاز في الفترة ما بين عامي 599-600 ، يستأنف بعدها سيره إلى بغداد فالموصل فبيت المقدس 601 قونية ، فالخليل 602 ، ومن جديد تراه في مكة سنة 604 ثم في حلب سنة 606 ثم في بغداد سنة 608 ، وكان يرافقه بعض تلاميذه في أسفاره . بينما كان البعض الآخر ينتظره وهو يمر أو يتوقف لبعض الوقت في هذه البلدة أو تلك . وقد خطب وده الأمراء والوجهاء . كما تطلع الفقهاء والعلماء إلى محاورته ومحادثته . وهكذا طاف مناطق الهلال الخصيب وبلاد الأناضول دون توقف أو استقرار ، وكان في تطوافه وحيثما حلّ أو ارتحل لا يكلّ ولا يملّ من نشر علومه الكشفيه ومعارفه الروحانية . وقد استمرت حياة الشيخ على هذا النهج ، تتوالى رحلاته وتتعدد إقاماته بين ربوع آسيا الصغرى حيث تزوج هناك وكان يلتقي به ملك الجزء الإسلامي من آسيا الصغرى ويأخذ عنه العلم . وقد منحه الملك بيتاً فاخرا هناك هذا البيت الذي تصدق به لمسكين جاءه سائلا ( لله ) وأجابه ابن عربي لا أملك سوى هذا البيت فخذه وذلك سنة 620/1223. ويعود ليدخل دمشق ويقيم بها . وفيها يكمل كتابة النسخة الأولى من الفتوحات . قمة مؤلفاته الصوفية . وكان قد بدأ تأليفه بمكة المكرمة قبل إحدى وعشرين سنة خلت ( على إنه سيعيد كتابته للمرة الثانية قبل وفاته ببضعة أعوام . وهو يقع في سبعة وثلاثين مجلداً ) .
ولأن تلاميذه كانوا يتسابقون إلى الاستماع إليه فإنه لم يتوقف عن التعليم ولا عن شرح مؤلفاته إلى أن فارق الحياة ، ويشهد بذلك كتابه ( التزلات الموصلية ) وهو كتاب عن الحقيقة العرفانية والواردات الروحية التي هي ثمرة الأوراد والأذكار صنفه بالموصل سنة( 601/1204 )
مؤلفات ابن عربي.
للشيخ محيي الدين ابن عري من المؤلفات ما لا يكاد العقل يتصور صدوره عن مؤلف واحد لم ينفق كل لحظة من لحظات حياته في التأليف والتحرير ، بل شغل شطرا غير قليل منها فيما يشغل به الصوفية أنفسهم من ضروب العبادة والمجاهدة والمراقبة والمحاسبة .ولو قيس ابن عربي بغيره من كبار مؤلفي الإسلام المتفلسفين أمثال ابن سينا والغزالي لبذّهم جميعاً في ميدان التأليف من ناحية الكم والكيف على السواء .أما من ناحية الكم ، فقد ألف نحوا من مائتين وتسعة وثمانين كتاباً ورسالة على حد قوله في مذكرة كتبها عن نفسه سنة 632 . أو خمسمائة كتاب ورسالة على حد قول عبد الرحمن جامي صاحب كتاب نفحات الأنس . أو أربعمائة كتاب كما يقول الشعراني في اليواقيت والجواهر .
ومهما يكن من التضارب بين الكتّاب في عدد مؤلفات ابن عربي وأحجامها ، فليس هناك من شك في إن هذا الرجل كان من أغزر كتاب المسلمين علماً وأوسعهم أفقاً وأقربهم إلى العبقرية والتجديد في ميدان دخل فيه كثيرون غيره ، ولم يخرجوا منه بمثل ما خرج .ولا بلغوا فيه الشأو الذي بلغ . من بينها الفتوحات المكية ، وتفسيره الكبير للقرآن الذي يبلغ خمسا وتسعين مجلدا ، وفصوص الحكم ، ومحاضرة الأبرار ، وإنشاء الدوائر ، وعقلة المستوفز، وعنقاء مغرب ، وترجمان الأشواق ، وغيرها . وأما من ناحية الكيف ، فإن كتب أبن عربي كلها من واد واحد هو وادي التصوف الذي لزمه طول حياته وعاش في جوه العملي والنظري . فلم يخض في الفلسفة والطب والرياضة والتصوف كما فعل ابن سينا ، ولم يشغل نفسه بمشاكل الفلاسفة والرد عليهم وعلى غيرهم من الملاحدة ، والتأليف في أصول الفقه والمنطق والتصوف كما فعل الغزالي . وإنما كرس جهده للكتابة في التصوف في شتى نواحيه ، مبتدئا بالكتب ذات الموضوعات الخاصة أمثال التدبيرات الإلهية الذي وضعه في المملكة الإنسانية والمقابلة بين الإنسان والعالم . وكتاب مواقع النجوم الذي وضعه في قواعد الطريق . ورسالة الخلوة التي وضعها في نصح المريد وما يجب عليه في خلوته . وعنقاء مغرب الذي وضعه في الولاية إلى آخر كتبه .
وهيأت له هذه الأسفار الطويلة أن يلتقي عدداً كبيراً من أعلام عصره، متصوفة وعلماء وملوكاً منهم :
من أبرز تلامذته:
- صدر الدين القونوي ( ت 673 هـ )
- شهابالدين عمر بن محمد السهروردي (ت 632 هـ) مؤلف كتاب (عوارف المعارف) .
- أبو العباس الحرار .
- عز الدين بن عبد السلام.
- أبو عبد الله زكريا بن محمود القاضي المعروف بالقزويني مؤلف كتاب (عجائب المخلوقات).
- الحافظ أبو طاهر السلفي الأصفهاني.
- أبو عبد الله محمد بن محمود الحافظ مجد الدين (ت 643هـ)
- صفي الدين الحسين بن جمال الدين الأنصاري مؤلف كتاب (سير الأولياء في القرن السابع الهجري ).
- أبو الفرج عبد الرحمن بن على الجوزي الحافظ.
- سعد الدين محمد بن المؤيد الحموي .
- الملك الظاهر غازي بن الناصر صلاح الدين الأيوبي صاحب حلب (ت 613 هـ)
- القاسم بن الحافظ بن عساكر.
- الملك (كيكاوس) ملك الجزء الإسلامي من آسيا الصغرى.
- شمس الدين الخوبي قاضي قضاة الشافعية في دمشق.
وغيرهم كما كاتب أعلاماً آخرين كعمر بن الفارض (ت 632 هـ) وفخر الدين الرازي . وقد هيأت له هذه الأسفار أيضاً أن يستقطب مجموعة كبيرة من التلامذة والمريدين.
وفي سنة (620 هـ) استقر به المقام في صالحية (دمشق) على سفح قاسيون حيث قضى حياته هناك متفرغاً للتأليف فألف مجموعة كبيرة من الكتب والرسائل منها (فصوص الحكم) كتابه الأكثر شهرة الذي ألّفه (سنة 627 هـ) وأكمل كتابه الموسوعي الضخم (الفتوحات المكية) الذي أكمله (سنة 635 هـ) .
توفي ابن عربي في ليلة الجمعة 28 من شهر ربيع الآخر (سنة 638 هـ )( 16 تشرين الثاني 1240 م ) عن عمر يناهز ال (78 عاما) ، ودفن في تربة القاضي ( ابن الزكي ) عند سفح قاسيون شمال دمشق وترك بعد وفاته ولدين : أحدهما سعد الدين محمد، ولد في رمضان (سنة 618 هـ) في ملطية وسمع الحديث ودرس وقال الشعر وله ديوان شعر وتوفي في دمشق (سنة 656 هـ) سنة دخول هولاكو بغداد ، ودفن بجوار والده.
والآخر عماد الدين أبو عبد الله محمد توفي بمدرسة الصالحية في دمشق ( سنة 667 هـ) ودفن أيضاً بجوار والده وأخيه.

قصائد مختارة من ديوان
محيي الدين بن عربي
ما إنْ ذكرتكَ في سرٍّ وفي علن
ما إنْ ذكرتكَ في سرٍّ وفي علن... إلا وذكركَ يسليني ويطربني
وليس يحجبني بالبعد عنه بلى... القرب منه على التحقيق يحجبني
ذكري به ليس ذكري فهو ذاكرهُ ...بنا ومن بعدِ ذا بالذكرِ يطلبني
قد حِرت فيه كما قد حِرت فيّ وما... أعاتب النفس إلا ظلَّ يعتبني
فما عرفتُ سوى نفس وما عرفتُ ...ربي ومن لي بها والعجزُ يصحبني
والله ما نظرتْ عيني إلى أحد... إلا رأيتك تبكيني وتندبني
خوفاً على الملكِ أن يحظى به أحدٌ... سواك غيرة سلطان يكبكبني
تولد الأمر ما بيني على سخط... وبينه ولذا أضحى يقربني
فلو تولدَ عن قرب تخيلهُ ...وهمي لأصبح بالبلوى يعذبني
فما ابتليتُ ولكني أراه إذا... رأيتُ رأياً على كرهٍ يصوبني

الأمرُ لله والمأمورُ في عدمٍ
الأمرُ لله والمأمورُ في عدمٍ ...فإن أضيف له التكوين يكذبه
بل كن لربك والتكوين ليس له ...وإنما هو للمأمورِ يصحبه
كذا أتاك به نص الكتابِ وما ...أتى له ناسخٌ في الحال يعقبه
سبحانه من غنيّ لا افتقارَ له... لعالمِ الكونِ والأسماءِ تطلبهْ
وهو المسمى بها والعينُ واحدة ٌ ...ولو يصحُّ افتقارُ صحَّ مطلبه
ما عند ربك عينٌ غير واحدة ٍ ...وليس تدركه إذ عزَّ مطلبه

تصوفه متطرف جدا لدرجة الالحاد

تم النقل

هلا ياسمين وشكرا للمرور وخصوصاً الدنيا موت من البرد هههههههههههههههههههههههههههه

هلا فيك هشام