وصلت إلى دمشق بعد تلكؤ طويل بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية، وقد سبق وصول هذه البعثة إرسال فريق لوجيستي لتسهيل أعمال البعثة. وكانت أولى أعمال المراقبين هي زيارة مدينة حمص للتأكد من التزام النظام السوري بسحب قواته من شوارع المدن، ووقف العنف ضد المدنيين، وإطلاق سراح السجناء السياسيين. ولم يلتزم الجانب السوري بهذه الشروط التي فرضها على نفسه كجزء من الاتفاق.
فالدبابات السورية ظلت في الشوارع وإن غيرت أعلامها واستبدلتها بأعلام الجمهورية السورية الخضراء القديمة، ولم يتوقف القناصة والشبيحة عن قتل المواطنين. ففي اليوم الأول لوصول هؤلاء المراقبين، سقط اثنان وأربعون مدنيًا سوريًا معظمهم في مدينة حمص، بالرغم من التطمينات التي أطلقها رئيس الفريق العربي، محمد أحمد الدابي. يتساءل الكثيرون عن مهمة المراقبين العرب الموفدين إلى سوريا، وهل ستكون من مهامهم تهدئة الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، أم السماح بالاحتجاجات السلمية ومنع قيام الشبيحة وعسكر النظام بقتل هؤلاء المحتجين، أم كتابة تقرير يقدم فيما بعد الى مجلس الجامعة؟ بل ما هي بالضبط مهام هؤلاء المراقبين. وللإجابة على هذا التساؤل، ينبغي ألا نتوقف عند آليات الإجراءات، بل أن نذهب بدون مواربة إلى الأهداف السياسية.
فالهدف الأساس من إرسال المراقبين العرب إلى سوريا، هو إيجاد مناخ مناسب لتحويل النظام من نظام أمني شبه عسكري إلى نظام ديموقراطي، أو قريب من الديموقراطية، بدون سفك المزيد من الدماء. ويعني مثل هذا التحول تحييد دور الجيش والمؤسسات الأمنية في سوريا، والتي أصبحت، أو أصبح معظم منتسبيها، ما عدا أفراد الجيش السوري الحر، أداة للقسر في يد السلطة الحاكمة. وربما أتاح وجود هؤلاء المراقبين على الأراضي السورية ضغوطًا أكبر على النظام السوري، وأحداث بعض التصدعات بين أفراد النخب السياسية، كما كان الحال في ليبيا. وتذهب بعض الطروحات إلى أن تزايد حجم العنف في سوريا قد يقود إلى انقلاب عسكري، فالتاريخ السوري حافل بمثل هذه الانقلابات، خاصة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. والمطلب الأول هو وقف حمام الدم اليومي، وسماح أجهزة الأمن السورية للمواطنين بالتظاهر السلمي. غير أن القمع المتواصل قد أدى حتى الآن إلى انفلات زمام الأمور، وشاهدنا تفجيرين ضخمين في مؤسستين أمنيتين في الأسبوع الماضي، راح ضحيتها العديد من الناس. وإذا ما زاد تعنت النظام وعنفه فقد يؤدي ذلك إلى حرب أهلية هوجاء. لذلك فإن نظام التهدئة الذي تنتهجه الجامعة العربية في الوقت لن يكون العلاج الساحر لإنهاء الأزمة السورية، طالما لم تكن الرؤية في نهاية النفق واضحة.
من الواجب إذاً ألا يقتصر عمل الجامعة العربية على النوايا الطيبة والآليات المحدودة، بل أن يشمل ذلك رؤية مستقبلية تضمن انتقالا سلميًا للسلطة، بحيث تصبح الجامعة العربية وصية على النظام خلال المرحلة الانتقالية، وأن يُدفع بمبادرة تشبه المبادرة الخليجية في اليمن، على مستوى عربي شامل. وأن تكون هناك جداول زمنية محددة لتنفيذ المبادرة العربية، وأن يكون لها دعم ومساندة من مجلس الأمن والقوى الكبرى، بحيث يشعر النظام السوري بأنه لن يتمكن من التخلص من استحقاقاته أمام شعبه، وأمام الرأي العام العربي والعالمي.