وكان علاج النبي، صلى الله عليه وسلم، للمرض على ثلاثة أنواع:
1- بالأدوية الطبيعية (الأعشاب والنباتات)، 2- بالأدوية الإلهية، 3-بالمركب من الأمرين.
وستعالج حلقة البحث هذه موضوع العلاج النبوي بالأدوية الطبيعية من أعشاب ونباتات، ذكرها النبي في أكثر من مناسبة وعلّم الصحابة على طرق استعمال هذه النباتات وكيفية الإستفادة منها:
1- في هديه، صلى الله عليه وسلم، عن شرب العسل
يقول ابن قيّم الجوزية في كتابه (زاد المعاد):
(أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أخي يشتكي بطنه، فقال: "اسقه عسلاً" ، فذهب ثم رجع، فقال: قد سقيته، فلم يغن عنه شيئاً. فقال النبي: "اسقه عسلاً" ، فقال له في الثالثة أو الرابعة: "صدق الله ، وكذب بطن أخيك").
والعسل فيه منافع عظيمة، فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم، ومن كان مزاجه بارداً رطباً، وهو مغذ ملين للطبيعة، منق للكبد والصدر، مدر للبول، موافق للسعال الكائن عن البلغم، وإن شرب وحده ممزوجاً بماء نفع من عضة الxxx وأكل الفطر القتال، ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر. وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر، قتل قمله وصئبانه. وإن استن به، بيض الأسنان وصقلها، وحفظ صحتها، وصحة اللثة.
فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل، كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء، فأمره بشرب العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء، فإن العسل فيه جلاء، ودفع للفضول. وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع، وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء، فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله وكذب بطن أخيك"، إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء. وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء، فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي، صادر عن الوحي، ومشكاة النبوة، وكمال العقل.
وقد ورد في صحيح البخاري عن شرب العسل، مايلي:
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار".
2- في هديه،صلى الله عليه وسلم، في علاج يبس الطبع، واحتياجه إلى ما يمشيه ويلينه
روى الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه من حديث أسماء بنت عميس، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بماذا كنت تستمشين؟" قالت: بالشبرم، قال: "حار جار" ، قالت: ثم استمشيت بالسنا، فقال: "لو كان شئ يشفي من الموت لكان السنا".
وقد ورد في سنن ابن ماجه عن إبراهيم بن أبي عبلة، قال: سمعت عبد الله بن أم حرام، وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله وسلم القبلتين يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بالسنا والسنوت، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام" ، قيل: يا رسول الله ! وما السام؟ قال: "الموت ".
فالشبرم هو من جملة الأدوية اليتوعية، وهو قشر عرق شجرة، وهو حار يابس في الدرجة الرابعة، وأجوده المائل إلى الحمرة، الخفيف الرقيق الذي يشبه الجلد الملفوف، وبالجملة فهو من الأدوية التي أوصى الأطباء بترك استعمالها لخطرها، وفرط إسهالها.
أما السنا، ففيه لغتان: المد والقصر، وهو نبات حجازي أفضله المكي، وهو دواء شريف قريب من الإعتدال، حار يابس فى الدرجة الأولى، يسهل الصفراء والسوداء، ويقوي جرم القلب، وهذه فضيلة شريفة فيه، ويفتح العضل وينفع من انتشار الشعر، ومن القمل والصداع العتيق، والجرب والبثور والحكة. وإن طبخ معه شئ من زهر البنفسج والزبيب الأحمر المنزوع العجم، كان أصلح.
وأما السنوت ففيه ثمانية أقوال: أحدها أنه العسل، والثاني أنه رب عكة السمن يخرج خططاً سوداء على السمن ، الثالث أنه حب يشبه الكمون وليس به، الرابع أنه الكمون الكرماني، الخامس، أنه الرازيانج، حكاهما أبو حنيفة الدينوري عن بعض الأعراب، السادس أنه الشبت، السابع أنه التمر، الثامن أنه العسل الذي يكون في زقاق السمن.
ولنرى ماذا يذكر لنا الطب الحديث وطب العقاقير عن نبات السنا المعروف بالسنامكيCassıaangustifolia من الفصيلة القطانية Leguminaceae
يحتوي نبات السنا على أملاح معدنية ومشتقات فلافونية ومشتقات 1-8 دي هيدروكسي أنتراسين، والتي منها أنتراكينونات حرة كالره ئين Reine ، وغلوكوزيدات أنتراسينية كالسينوزيدات ومنها SinosideA,B,C,D .
تستعمل النبتة مسهلة وملينة لوجود المواد الأنتراكينونية، وآلية تأثيرها على جهاز الهضم أنها مخرشة حيث تزيدالحركة الحولية للأمعاء وتزيد المفرزات الهضمية، كما أن المشتقات الأنتراكينونية تسبب احتباس الماء والأملاح المعدنية في جهاز الهضم وتمنع امتصاصها فتزداد الكتلة في جهاز الهضم، مما يحرض على طرح الفضلات من الجسم.
وهي تستعمل على شكل منقوع او مسحوق بكمية لا تزيد عن 5 غ يومياً
3- في هديه،صلى الله عليه وسلّم، في علاج الصداع والشقيقة
روى ابن ماجه في سننه حديثاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صدع، غلف رأسه بالحناء، ويقول: "إنه نافع بإذن الله من الصداع".
والصداع ألم في بعض أجزاء الرأس أو كله، فما كان منه في أحد شقي الرأس لازماً يسمى شقيقة، وإن كان شاملاً لجميعه لازماً يسمى بيضة وخودة تشبيهاً ببيضة السلاح التي تشتمل على الرأس كله، وربما كان في مؤخر الرأس أو في مقدمه.
ويقول ابن قيّم الجوزية أن للصداع أسباب عديدة:
" أحدها: من غلبة واحد من الطبائع الأربعة .
والخامس: يكون من قروح تكون في المعدة، فيألم الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر من الرأس بالمعدة.
والسادس: من ريح غليظة تكون في المعدة، فتصعد إلى الرأس فتصدعه.
والسابع: يكون من ورم في عروق المعدة، فيألم الرأس بألم المعدة للإتصال الذي بينهما.
والثامن: صداع يحصل عن امتلاء المعدة من الطعام، ثم ينحدر ويبقى بعضه نيئاً، فيصدع الرأس ويثقله.
والتاسع: يعرض بعد الجماع لتخلخل الجسم، فيصل إليه من حر الهواء أكثر من قدره.
والعاشر: يحصل بعد القئ والإستفراغ، إما لغلبة اليبس، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه.
والحادي عشر: صداع يعرض عن شدة الحر وسخونة الهواء .
والثاني عشر: ما يعرض عن شدة البرد، وتكاثف الأبخرة في الرأس وعدم تحللها.
والثالث عشر: ما يحدث من السهر وعدم النوم.
والرابع عشر: ما يحدث من ضغط الرأس وحمل الشئ الثقيل عليه.
والخامس عشر: ما يحدث من كثرة الكلام، فتضعف قوة الدماغ لأجله.
والسادس عشر: ما يحدث من كثرة الحركة والرياضة المفرطة .
والسابع عشر: ما يحدث من الأعراض النفسانية، كالهموم والغموم، والأحزان والوساوس.
والثامن عشر: ما يحدث من شدة الجوع، فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه.
والتاسع عشر: ما يحدث عن ورم في صفاق الدماغ، ويجد صاحبه كأنه يضرب بالمطارق على رأسه.
والعشرون: ما يحدث بسبب الحمى لاشتعال حرارتها فيه فيتألم، والله أعلم".
هكذا فسّر الطبيب ابن قيّم الجوزية أسباب الصداع المختلفة كما كانت معروفة في زمنه.
وقد روى البخاري في صحيحه وأبو داود في السنن أن رسول الله،صلى الله عليه وسلّم، ما شكى إليه أحد وجعاً في رأسه إلاّ قال: "احتجم"، وما شكى إليه وجعاً في رجليه إلاّ قال له: "اختضب بالحناء".
وفي الترمذي: عن سلمى أم رافع خادمة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان لا يصيب النبي صلى الله عليه وسلم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء.
ويقول ابن قيّم الجوزية عن الحنّاء:
"والحناء بارد في الأولى، يابس في الثانية، وقوة شجر الحناء وأغصانها مركبة من قوة محللة اكتسبتها من جوهر فيها مائي، حار باعتدال، ومن قوة قابضة اكتسبتها من جوهر فيها أرضي بارد.
ومن منافعه أنه محلل نافع من حرق النار، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به، وينفع إذا مضغ من قروح الفم والسلاق العارض فيه، ويبرئ القلاع الحادث في أفواه الصبيان، والضماد به ينفع من الأورام الحارة الملهبة. وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى ودهن الورد ينفع من أوجاع الجنب.
وحكي أن رجلاً تشققت أظافير أصابع يده، وأنه بذل لمن يبرئه مالاً، فلم يجد. فوصفت له امرأة أن يشرب عشرة أيام حناء، فلم يقدم عليه، ثم نقعه بماء وشربه، فبرأ ورجعت أظافيره إلى حسنها.
والحناء إذا ألزمت به الأظفار معجوناً حسنها ونفعها، وإذا عجن بالسمن وضمد به بقايا الأورام الحارة التي ترشح ماء أصفر، نفعها ونفع من الجرب المتقرح المزمن منفعة بليغة، وهو ينبت الشعر ويقويه، ويحسنه، ويقوي الرأس، وينفع من النفاطات، والبثور العارضة في الساقين والرجلين وسائر البدن".
4- في هديه،صلى الله عليه وسلّم، في علاج البثرة
ذكر ابن السني في كتابه عن بعض أزواج النبي،صلى الله عليه وسلّم، قالت: "دخل عليّ رسول الله، صلى الله عليه وسلّم وقد خرج في إصبعي بثرة، فقال: عندك ذريرة؟ فقلت: نعم، فقال: ضعيها عليها وقولي: اللّهم مصغّر الكبير، ومكبّر الصغير، صغّر ما بي".
الذريرة دواء هندي يتخذ من قصب الذريرة، وهي حارة يابسة تنفع من أورام المعدة والكبد والاستسقاء وتقوي القلب لطيبها. وفي الصحيحين عن عائشة أنها قالت: "طيبت رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام".
والبثرة كما يشرحها ابن قيّم الجوزية: " خراج صغير يكون عادة من مادة حارة تدفعها الطبيعة فتسترق مكاناً من الجسد تخرج منه، فهي محتاجة إلى ما ينضجها ويخرجها، والذريرة أحد ما يفعل بها ذلك، فإن فيها إنضاجاً وإخراجاً مع طيب رائحتها، مع أن فيها تبريداً للنارية التي في تلك المادة، وكذلك ال صاحب القانون(ابن سينا): إنه لا أفضل لحرق النار من الذريرة بدهن الورد والخل".