جاء الإعلان عن إقامة إقليم إداري منفصل في محافظة ديالى العراقية ليكشف صراعات واضطرابات بين أبناء العشائر. وراحت أطراف متصارعة تتهم بعضها البعض بتنفيذ أجندات خارجية لتحقيق مصالح خاصة، فضلاً عن قيام البعض بتنظيم مظاهرات مسلحة. وفي محاولة لرفض فكرة الانفصال، أقيمت الجمعة، صلاة شارك فيها السنة والشيعة، وبعدها اجتمعت أكثر من 400 شخصية عشائرية لتعلن رفضها اقتراح تقدم به أعضاء مجلس محلي محافظة ديالى؛ لإعلانها إقليمًا مستقلاً عن الحكومة المركزية.
في المقابل فضلت الأحزاب السياسية خيار النزول إلى الشارع، واستخدام التظاهرات الجماهيرية للتعبير عن رأيها، ما وصف بأنه " ينذر بعواقب وخيمة إذا ما تحولت هذه التظاهرات للاصطدام ببعضها".
ومن جانبها أكدت نائب البرلمان العراقي عن التحالف الوطني منى العميري، أن " صلاة جامعة شملت الطائفتين السنية والشيعية في محافظة ديالى، أقيمت الجمعة أمام مجلس المحافظة للتعبير عن رفض فكرة انفصال المحافظة إداريا عن الحكومة المركزية، إضافة إلى وجود تجمع عشائري يرفض تقسيم العراق".
وقالت العميري، لـ "العرب اليوم"، إن " أكثر من 400 شخصية عشائرية اجتمعت بعد الصلاة؛ لتعبر عن رفض ما تقدم به عدد من أعضاء مجلس محلي المحافظة، بشأن إعلان ديالى إقليما مستقلا إداريا عن الحكومة المركزية في بغداد". واتهمت العميري، بعض أعضاء مجلس المحافظة، بما اعتبرته "تنفيذ أجندات خارجية لتقسيم العراق".
وحذرت العميري، من خطورة المظاهر المسلحة، التي رافقت التظاهرة على الأمن المجتمعي، مؤكدة أن " بقاء الأمر على ما هو عليه ينذر بنتائج وخيمة".
في السياق ذاته، قال القيادي في القائمة العراقية، مستشار محافظ ديالى لشؤون الإعمار، راسم العكيدي، لـ "العرب اليوم"، إن "هناك مظاهر مسلحة واضحة للعيان في صفوف المتظاهرين في محافظة ديالى "، محذرًا من خطورة انتشار المظاهر المسلحة، وما تسببه من انعكاسات سلبية على الأمن المجتمعي في المحافظة. وأكد أن "المظاهر المسلحة اتسعت لتقطع الطرق، وتوقف الحياة العامة في مناطق واسعة من المحافظة، خلال الساعات الـ 48 ساعة الماضية".
وأضاف العكيدي، أن "بقاء الأمر على ما هو عليه دون علاج واقعي، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة غير مجهولة النتائج. ويجب التهدئة وضبط النفس، وعلاج الإشكالات بالحوار لا باللجوء إلى الشارع"، مشددًا على أن "أي ضرر يحدث سيشمل الجميع دون استثناء".
على النقيض، نفى رئيس اللجنة الأمنية في مجلس ديالى، مثنى التميمي، لـ "العرب اليوم"، وجود أية قطعة سلاح أو آلة جارحة بيد أي متظاهر، مؤكدًا أن "المظاهرات كانت سلمية، وتعبر عن وعي عال بالمسؤولية الوطنية".
وقال التميمي:" إن أغلب المتظاهرين الرافضين لتشكيل إقليم ديالى، هم أبناء العشائر والنخب الأدبية والثقافية ونشطاء منظمات المجتمع المدني. وقد حظيت أغلب التظاهرات بمتابعة إعلامية واسعة، لم يظهر خلالها أي وجود للسلاح". وأكد أن "من يروج لوجود مظاهر مسلحة في صفوف المتظاهرين إنما يشيع أكاذيب، هدفها تضليل الرأي العام؛ لتحقيق أجندة غير وطنية".
ويبدو أن الأحزاب السياسية فضلت هذه المرة خيار النزول إلى الشارع، واستخدام التظاهرات الجماهيرية للتعبير عن رأيها، ما ينذر بعواقب وخيمة إذا ما تحولت هذه التظاهرات للاصطدام ببعضها. وخاصة أن خيارات الحوار، وبناء الثقة بين الأطراف السياسية المختلفة لا تجد صدى في العملية السياسية العراقية، التي تتحول فيها أية قضية أو حالة إلى أزمة سريعة؛ بسبب ردود الفعل غير المدروسة، والمبنية على رغبات وأجندات مختلفة.
ورغم أن الإشارة إلى موضوع المحافظات، وتذمرها من سياسة الحكومة المركزية كانت مبكرة، إلا إن بطء الإجراءات المتخذة، وعدم النظر إلى خطورة الموقف بجديدة ساهم باستفحاله، وربما يهدد بإعلان محافظات أخرى تحولها إلى إقليم؛ لزيادة الضغط على الحكومة.
والخطر الحقيقي يبرز عندما تكون تلك الإجراءات ضمن معادلة الصراع السياسي بين الكتل المختلفة، خاصة بعدما أعلن قادة "العراقية" عن دعمهم لمشروع الأقلمة، فيما رفضه قادة "التحالف الوطني"، ما يعني أن البلد يتجه نحو هاوية الانقسام والتشظي، بفعل طموحات سياسية.
ورغم أن عملية الرفض والقبول الشعبي بدأت ترتبط عاطفيا بالانتماءات الدينية والقومية، إلا أن الشارع العراقي لازال غير واثق من أجندات الأحزاب السياسية، ويتعامل بحذر معها خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تقسيم العراق، أو عودته إلى سنوات الاقتتال الداخلي، الذي لم يخلف غير الدمار والعشرات من العوائل الثكلى.
المتتبعون للأحداث أكدوا على ضرورة اللجوء إلى الحوار، وتحكيم العقل في مثل هذه المواقف، وأن يعي الساسة أن الموقف الوطني هو ما يمثل العراق كله، لا الطائفة أو الفئة أو الجماعة السياسية.