مفهوم الأمة الواحدة.. البداية من الأسرة
فيما تناقش الأسرة ارتفاع أسعار السلع الغذائية ومشكلات المواصلات تراجع الاهتمام حول مخططات تمزيق الأوطان والتآمر على وحدة الأمة وإجراء استفتاء السودان؛ تمهيدًا لفصل جنوبه، الأمر الذي دفعنا إلى طرح المسألة على الخبراء؛ لمعرفة كيفية إدراك الأسرة القضايا الدائرة حولها، ومعرفة دورها في تغيير شكلها ومسارها.
توضح الداعية سمية مشهور أن هناك أسبابًا كثيرة أدَّت إلى انشغال الأسرة عن الاهتمام بقضايا الأمة، أبرزها نظام التعليم وتبعاته من مذاكرة ودروس خصوصية وسوء التربية القائمة على المصلحة الشخصية دون وضع الآخر في الاعتبار، فضلاً عن ضغوط الحياة والغلاء الاقتصادي؛ ما جعل كثيرين في بحث دائم عن رغيف العيش واضطرار المرأة للنزول إلى ساحة العمل وعمل الأب بوظيفتين بدلاً من واحدة لتوفير حياة كريمة لأسرته، مستدركةً: "إلا أن ذلك لا يعفي كلَّ فردٍ من أفراد الأسرة من متابعة أحوال أمته ومحاولة أداء دوره تجاهها، فمَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
وتطالب الأم بتعليم أبنائها مهارة استغلال الوقت وصناعة استقرار الأسرة؛ لإيجاد التسامح وروح الود، وهما من العوامل المهمة لتوفير طاقة أفراد الأسرة ووقت للاهتمام بقضايا أخرى غير الأمور الشخصية.
وحثُّ على انتهاز المناسبات، مثل رمضان وموسم الحج والعام الهجري، في تعريف الطفل وتربيته على أنه جزء من هذه الأمة، وأن عليه أن يهتم بها ويقوم بدوره نحوها، وأن تطلب الأم من أطفالها أن يعبروا عن وحدة هذه الأمة وعن ما يحدث الآن من حروب وأزمات بطرق مختلفة كالكتابة والرسم والتمثيل، وعمل حصَّالة لجمع النقود، فيشعر الطفل منذ صغره بالمسئولية تجاه أمته.
وتدعو إلى حملة إحياء الروابط الوطنية الإسلامية في المدارس وتجميع الصور من الجرائد والمجلات التي تستعرض ما يحدث الآن على صعيد الساحة الدولية، وأن يجلس الأب مع أبنائه حتى لو 10 دقائق يوميًّا، يستعرض معهم أخبار التليفزيون والإنترنت ويناقشهم فيها.
وتشير إلى دور الشباب الإعلامي في نشر ما يحدث الآن من خلال (الفيس بوك) والمنتديات و(اليوتيوب) والمحمول، واستغلال أوقاتهم على الإنترنت، فيما يفيد أمتهم؛ ليكونوا في وضع المستخدم وليس المستهلك لهذه التكنولوجيا، مع ضرورة تعلُّم الوالدين هذه التكنولوجيا بما يمنع وجود فجوة مع الأبناء ولترشيد استخدامها.
وتوضح الداعية سمية مشهور أن المدارس والمدرسين أيضًا عليهم دور مهم في توعية الطلاب بالقضية والتعبير عن وجهة نظرهم من خلال عروض مسرحية أو الرسم وغيرها، وترد على شبهة أن الأسرة غير قادرة على التغيير، فتقول: إن على كلِّ فردٍ من هذه الأمة أن يحمل هدف التغيير في محيطه كأسرته وعمله، وبالتدريج سنصل من تغيير فردي إلى مجتمعي إلى دولي، بشرط أن يتحلَّى كلُّ منَّا بالصبر والأمل والعمل.
قدوة إيجابية:
ويقول د. محمد المهدي، رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: لكي يقوم الإنسان بالمشاركة المجتمعية لا بدَّ من توفير الاحتياجات الأساسية له، كالعدالة والأمان ولقمة العيش حتى يتوفر له فائض ووقت وجهد ومال يستطيع توجيهه لنصرة قضايا بلاده، ويضيف:
الناظر لحال المواطن المصري الآن يجد ضعفًا واضحًا في تحقيق هذه الاحتياجات؛ لذلك كان من الطبيعي أن نجد هذا التقصير من الأسر والأفراد تجاه القضايا المجتمعية.
ويطالب الأسرة بالتغلب على هذه الانشغالات لتعلِّم أطفالها أن حياتهم واستقرارهم وسلامتهم ومستقبلهم لا يتوقف عند جدران البيت، بل يتعدى حدود البلد، وأن ما يحدث في السودان وغيرها من القضايا العامة يؤثِّر في المصالح الشخصية لكلِّ فرد، وبالتالي يتحرك الجميع للحفاظ على مصالحهم.
ويضيف: لا بدَّ أن يقوم الأم والأب والأخ الأكبر أو الأخت الكبرى بعمل حوارات أسرية على الطعام أو في التجمعات والمناسبات، يقومون فيها بالتحدث في قضايا الوطن والأمة، والتعاون في أي عملٍ بسيطٍ تجاهها، كالتبرع بالمال أو الدم ونشر الوعي.
ويؤكد أن الحل يكمن في التربية بالقدوة بأن يكون الأم والأب قدوةً لأبنائهم، فإذا وجد الأطفال أن والديهم يتدخلون عند حدوث مشكلة بين الجيران، وأنهم لا يسكتون على أي خطأ فإن الأبناء سيكونون بالضرورة كذلك، الابن إذا رأى والده يتابع أخبار البورصة فقط فسيكون اهتمامه ماديًّا بحتًا، أما إذا رأى والده متابعًا لأخبار الأمة كلها، فسيشعر بالمسئولية مثله، ويدعو إلى أن تلغي الأسر شعار "ملكش دعوة".
ويوضح د. المهدي أن سلوك السلبية بمرور الوقت يتحول إلى انعزال شديد وعدم انتماء وإحساس رهيب بالضياع؛ ما يجعل هذا الشخص غير محبوب من الآخرين، كما أن الشخص السلبي الذي لا يهتم بأمور الآخرين يعطل مصالحه الشخصية بيديه، فمن الطبيعي إذا أراد القيام بمصلحة تخصه لن يجد مَن يساعده؛ لأنه لم يساعد غيره، داعيًا الأسر والأفراد إلى الاهتمام بشبكة العلاقات الاجتماعية ودوائر الانتماء: كالأسرة والعائلة والجيران والمنطقة والبلد والدولة والأمة، فكلما اتسعت هذه الدوائر كان الفرد أكثر مسئوليةً، ويشعر بكيانه وقدره، ويدعو الجميع إلى دعم هذه العلاقات لا قطعها كلاًّ قدر استطاعته.
قيمة الانتماء:
ويقول الخبير التربوي د. صبري عكاشة: عندما نتحدث عن عطاء الأسرة والشباب للأمة والوطن، فعلينا أن نسأل أنفسنا أولاً ماذا قدَّم الوطن لهؤلاء قبل أن يطلب منهم؟، مطالبًا الأنظمة بأن تهتم بالمواطن وتوفر له الحياه الكريمة؛ حتى يستطيع أن يفيض على وطنه وأمته بعد ذلك.
ويستدرك قائلاً: لذا على الأسر إن لم يتوفر لها تلك الاحتياجات أن تقوم هي بتقديم ما عليها تجاه الأمة بدافع الواجب والضرورة، مع الاهتمام بالتربية الصحيحة لأبنائها منذ الصغر، عن طريق غرس أن حبَّ الوطن من الإيمان بالله، وكيف أن الصحابة عانوا من أجل الحفاظ على الأرض؟، فالإسلام يعتبر الأرض جزءًا من الدين وليس فقط من الوطن.
ويضيف أنه على الأسرة غرس قيمة الولاء والانتماء في أبنائها، ويقترح بعض الوسائل التي تفيد في ذلك، أبرزها دراسة التاريخ وعرض نماذج الأبطال الذين ناضلوا من أجل هذه الأمة، وطرح مشكلة صغيرة والسماح للأبناء بمحاولة حلها والإشادة بها إذا قدموا أفكارًا جيدة.
ويقترح أيضًا اجتماع الأسرة حول حلقات نقاشية في التليفزيون تخصُّ الوضع في المجتمع العربي والإسلامي والدولي، ثم استماع الآباء لتعليقات الأبناء على هذه الحوارات، وعمل ورش عمل يتجمع فيها أبناء العمارة الواحدة ويتم تقسيمهم إلى مجموعات، لكل مجموعة قائد، الهدف من هذه المجموعات غرس قيمة الانتماء إلى المجموعة، وتنظيم رحلات إلى الأماكن التاريخية.
وكذلك أن يقدِّم الآباء هدايا للأبناء عليها أي رمز يدل على الانتماء للوطن، كالكتب المصورة التي تناسب كلَّ مرحلة سنية، والاهتمام بمشاهدة الأفلام التاريخية والأغاني الوطنية، وعمل مواعيد ثابتة لتجمع الأسرة، يتم فيها متابعة الأحداث ومناقشة دورهم تجاهها، وأن يقوم الأبناء بعمل نموذج لخريطة الوطن العربي والإسلامي، ويقوم الأب بوضع نقاط حمراء على البلاد التي تشهد أحداثًا ويوضِّح ما يجري فيها.
ويدعو الأمهات إلى بيان أن الإسلام حثَّ الجميع على حماية الوطن والدفاع عنه واهتمام المسلم بأمته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، وقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ (آل عمران: من الآية 103)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
محضن القرآن:
وتدعو الكاتبة عزة الجرف، إلى تفعيل الأسرة المحضن التربوي الأصيل في القرآن الكريم، وتربية النشء عليه، وأن تعود الأسرة إلى ما كانت تقوم به في الزمن القريب، كالمقاطعة ومتابعة الأحداث ونشرها، والدعاء والتقرب من الله، مشددةً على ضرورة الترابط والتفاهم على المستوى الأسري؛ حتى نستطيع نقله إلى المستوى العربي والإسلامي.
وأن تهتم بتصحيح المعاملات الأخلاقية والتواصل داخل الأسرة الصغيرة والعائلة الكبيرة، ومع الجيران، حيث يقود ذلك إلى المعاملة الصحيحة بين أفراد المجتمع، ومن ثَمَّ بين أفراد الأمة، مضيفةً: وعلى الفئة المثقفة والدعاة داخل المجتمع قيادة حملة التوعية وكيفية التفاعل مع الأحداث والقضايا المحورية، كفلسطين وما يحدث الآن في قطاع غزة والمسجد الأقصى والسودان حاليًّا وغيرها.
منقول