اربد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اربد

منتدى معلومات عامة
 
صفحة الاعلاناتالمنشوراتالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر

 

 امرأة تكذب باستمرار

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
b.inside

b.inside



امرأة تكذب باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: امرأة تكذب باستمرار   امرأة تكذب باستمرار Icon-new-badge2/3/2010, 17:54

قصة قصيرة

امرأة تكذب باستمرار

للأديب الاردني ... ابراهيم جابر ابراهيم


ونشرت في مجموعة الكاتب القصصية (الفراشات) الصادرة سنة 2002.










لم تمت أمي جيداً .
ليس بما يقنعني .
وليس بما يكفي لأنصرف ذلك الصيف إلى شأنٍ آخر في حياتي ، وعائلةٍ أخرى كبيرة ، أبددّ فيها ، ثانيةً ، الكثير من السنوات .
بدا الأمر كما لو أنني لم أذق عسل الأمهات، وصرتُ أحدّق بفضولٍ إلى ولدٍ تسوقه أمه من يده ، أو تدفعه بحرصٍ إلى حضنها .
كنت أسألُ أحياناً : ما الذي أزعج أمنا لتغادر على هذه النحو ، مستعجلةً ، وبلا عناقٍ أو سلامٍ سريع ؟ ولم نكن نعرف أن الإقامة بيننا مكروهة حتى تروح تنتبذ ذلك الحقل القصّي وحدها بلا ضيوف أو زائرين .
في قرارة أنفسنا تمنينا لو أن أمّنا بقيت ، على الأقل كهذه الاشجار التي بعُمرها ، تتوسط ساحة البيت مراوغةً
الناظرين بصباها الشاحب ، لكنه صِبا على أية حال !
ما الذي حدث إذاً ، لتحزم عمرها ، ولتكشف أخيراً ان تلك الكذبة لم تعد مدهشة .
يبقى الناس يكذبون حتى لا يعود الكذب يليق بسنّهم ويخجلون من الاستمرار فيه فيموتون ؛ هكذا فكّرتْ . ضحك مني الذي أخبرته باكتشافي ، واستهجن أن العجائز الطيبين كانوا يكذبون، قال: ربما كانوا هم كذبة أحدٍ ما !
لكنني لا اتذكر أن أحداً أهدانا أمي ، قد جاءت وحدها ، وفي وقتٍ مبكر من عمري ، هي كِذبتها إذاً، لم يطرق بابنا أحدٌ ليتركها لنا ويمشي .
قد خدعتني المرأة العجوز ؛ حين أوهمتني كل هذي السنين أنها شيء يخصني، لكن الحقّ أنها أدّت دورها بإتقان ، فلم يبد عليها أي سرور وهي تغادر، ولم يتلبّسها ذلك الخجل الذي يغمر شخصاً للتو كان يكذب .
ومن يعلم ؛ ربما ذهبت لتكذب على اطفالٍ آخرين ، سيصبحون رجالاً قبل أن يكتشفوا أنهم وحيدون؛ مثل شموع مطفأة .
ولعلّها الآن تصبّ الشاي لأولادٍ يفطرون وهم يتقافزون على كتفيها وحضنها وأهدابها .
كم هو ساذجٌ أبي؛ استسلم للكذبة طائعاً ، وبدا شكله طريفاً ظهيرة موتها ، وهو يتصرف كأي مسافرٍ مسروق . كان أحمق تماماً حين قلتُ له: لا أصدق أنها ماتت، فقال كمن يواسي مجنوناً: ألم تُهل عليها التراب بيديك ! المسكين لم يفهم أنها تسللت من ترابها في اليوم نفسه ، وأنها ربما راحت سريعاً لفراش رجلٍ آخر .
ثُمّ ها هي لم تمت بما يكفي . تظلّ تأتي كل ليلة ، لتطُلّ من شقوق الباب ، وتمدّ يدها أغلب الأحيان لتصلح غطاء أحدنا، أو تريح رأسه الملتوية على المخدّه .
(أُدخلي إذاً ، ولا تكثري من هذا الحنان المصطنع) ،صحتُ بها ذات ليلة ، فاستردّت يدها عن رأسي بخجل ،
وسمعتها تذهب باكية .
.... ....

ربما كنتُ اخطأتُ إذ أحببت هذه المرأه كثيراً ؟ لكنه ما كان عليها أن تستمريء ذلك ؛ أليقُ بها كان تنبيهي انها لن تمكث لدينا طويلاً ، وأن تتصرف كضيفة ؛ يحبها أطفال العائلة قليلاً ، يذرفون بعض الدمع لمغادرتها ، وسرعان ما تصاب هداياها بالعطب ؛ فينسونها .
يحزنني القول ، الآن ، أنها لم تفعل شيئاً من ذلك ؛ كانت دائماً تتصرف وكأنها المضيفة لنا كلنا ، التي تتحسب
في أي وقتٍ أن يغادرها أحد من ضيوفها . وقد انطلت الخدعة علينا . إذ ترقَبتْ ساعةً أخلصنا فيها الطمأنينة لها ، فحملت ما استطاعت من حنانٍ كانت تقول أنه لنا ، وذهبت بخطىً عجولة ، لم تكلف نفسها حتى عناء ما يفعل الضيف حين يرفع يده بتلويحةٍ قصيرة .
والتفتنا ، لنجد أن ما تبقى منها هو رائحة أصابعها على مقبض الباب .
وبعض إخضرار على ألسنتنا خلّفته آخر مرةٍ نادينا فيها : يـ ... مـّ ... ا !!!

....
وقد ذهبنا إلى القبر، بعد ذلك ، مرات كثيرة. أليس يحدث ذلك مع كل الذين يفقدون أعزاءهم ؟ بالتأكيد يحدث . لكن الزيارة التي ستبقى عالقةً في ذهني ، هي التي ذهبتُها إلى قبرها قبل وفاتها بثلاث ساعات تقريباً . أنا لا أخرّف بالتأكيد ، ولستُ بصدد انشاء خرافةٍ ما ... الذي حدث بالضبط أنها كانت في ضحى تلك الجمعة المنكودة تشكو من تفاقم أوجاع قديمة ، ومن ضيقٍ هائلٍ في الصدر ، حتى أنها - أتذكر ذلك جيداً - لم تكن تقوى على الجلوس ولا على النوم ، وساد في الغرفة جوٌ من التواطؤ ؛ نظرات حزنٍ وجزع نتبادلها دون انتباهها ، مزاح مُرّ نفتعله في محاولةٍ يائسة للتخفيف من آلامها ، تساؤلات مضمرة تبدو في عيني كلٍ منا ، ولا يجرؤ على طرحها ، والتباسٌ في الذي يحدث، حتى أنني حين رأيتها تنتهر طفلتي الصغرى التي أثقلت على صدرها المتوجع ، علّقتُ أخاطبها بمثلٍ شعبي دارج "يا رايح كثّر ملايح " فضحكتْ ، ولم نكن نعرف ، ولم تكن تعرف ، أنها ستروح تماماً بعد ثلاث ساعات فقط .
وكأنني كنت أعرف أي ليلةٍ تنتظرني ، عزمتُ أن أنام بعض الوقت في تلك الظهيرة فاستأذنتْ ، ولم أكد أدخل في النعاس ، حتى دخلت في رؤياي تلك : رأيتني أجول بساقين نشطتين ، وبهمّةٍ عالية ، في حقلٍ فسيح ، قد غصّ بالقبور المشرعة التي تكوّم التراب على أطرافها بانتظار أن يعود ليندلق فوق أصحابها ، وقد ترامت أرجاء المقبرة حتى لم تدرك عيناي نهاياتها ،فيما توزع بين القبور شجر كثيرٌ ناشفٌ وغير مُخضرّ ، كأنما يتورّع عن المجاهرة بحياته في هذا المدى القاحل ، ورأيتُني ، باهتمامٍ بالغ ، أتخيّرُ من بين تلك القبور واحداً ثم أركعُ لأحدّق فيه وأُبدي رضاي عنه . الحقيقة أنني إذ صحوتُ من ذلك المنام لم يتلبسني كثيراً ، ولم أروه لأحد ، لكنني ضحكتُ حين وجدتني في الصباح التالي في ذات الحقل الفسيح الأجرد أتخيّرُ لها قبراً رقيق التراب وقليل الحصى . والحقيقة ، أيضاً ، أن أمي لم تشأ أن تصبر طويلاً حتى ترد لي زيارتي الغريبة ؛ فبعد أن زرت قبرها قبل موتها بساعات ثلاث ، شاءت أن تزورني ، ميتةً ، في غرفتي ، قبل ذهابها إلى قبرها ، وأن تقضي الليل كاملاً عندنا

.... ....
قلتُ لكم ، أنا لا أخرّف ، ولستُ في وضعٍ يسمح لي بنسج الخراريف .
ذلك أن أمي حين أراحت رأسها بهدوءٍ بين كفي ّ، وانسربت روحها إلى الأعالي من بين أصابعي دون أن أنتبه ،كان الوقت آخر النهار، والعُرف كما لا بد تعلمون ، أن الدفن مكروه وقت الغروب ، فقُلنا ليلة أخرى بيننا لن تثقل علينا ، ولن تضُرّ . فحملناها إلى غرفتي ، وأرحنا اضطجاعتها ، وقال التُقاة منا وجِهّوها إلى القِبلة ، ففعلنا . وغطّى أبي وجهها بمنديلها ، فغافلتُه وعدتُ أرفعه عن فمها كي لا يزعج تنفسها !!!
قلتُ لها ، كما كل ليلة ، "تصبحين على خير"، فردّت بابتسامة شاحبة ، كأنما أحسّت أن لدينا حادثة موت في
البيت!!
لم تراودني رغبة ، كما راودتني تلك الليلة ، بأن أنام في حضن أمي . كنتُ أتفلتّ في داخلي لأحقق رغبتي ، لكن الخوف الذي يسكننا منذ كنا صغاراً ، من الموت والأشباح كان يجمّدني في مكاني . وبقيت طيلة تلك الليلة أحرك قدميّ لاركض إليها فلا تحملانني ، ليطلع عليّ الفجر وأنا أسألُ بدهشة: أحقاً هي أمي التي تناولت الإفطار معها منذ نهارٍ واحدٍ فقط هي التي لا اجرؤ الآن أن أدخل لأناولها كأس ماء ، او أُصلح من وضع الغطاء على كتفيها كما تعودت ان أفعل ؟ ولقد جاء الصباح ، كان زوال العتمة عن الشبابيك هو وحده شروق ذلك اليوم .
فقررتُ أن الأمر انتهى ، واكتفيتُ بأن أومأتُ لها بـ " صباح الخير" من بعيد ، وخرجتُ أشتري لها ملابسها
البيضاء التي سترتديها بعد قليل .

* * *
الأمهات يمتن غالباً !
هكذا فكّرتْ . لستُ إذاً ضحية حادثةٍ عجيبة .
ربما كنتُ أشعر بالخديعة بعض الشيء ، لكن لا بأس ؛ سيغادرني هذا الإحساس بمجرد أن أنخرط في خدعةٍ
جديدة . ولم يمكث ذلك طويلاً حتى حدث !
ربما في الصباح التالي أو الذي تلاه ، لا اتذكر على وجه التحديد، صحوتُ على صوت طفلتي التي لم تتجاوز
السنتين تتمتم في حلمها : "ماتت .. ماتت" ، كررت ذلك مرات قليلة قبل أن يعود نومها لهدوئه.
ولم أتمالك إلاّ أن ضحكت.
ها هي الطفلة بجواري ، متسامحةٌ تماماً ، وهادئةٌ تماماً . وهكذا كُنتُ أنا حين ألقمتني أُمي الخديعةَ أول مرة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
theredrose

theredrose



امرأة تكذب باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: امرأة تكذب باستمرار   امرأة تكذب باستمرار Icon-new-badge2/3/2010, 19:53

دائما مبدع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
b.inside

b.inside



امرأة تكذب باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: امرأة تكذب باستمرار   امرأة تكذب باستمرار Icon-new-badge5/3/2010, 17:44

لست انا بل الكاتب ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
lena

lena



امرأة تكذب باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: امرأة تكذب باستمرار   امرأة تكذب باستمرار Icon-new-badge5/3/2010, 22:09

انت و الكاتب رائعون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
b.inside

b.inside



امرأة تكذب باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: امرأة تكذب باستمرار   امرأة تكذب باستمرار Icon-new-badge7/3/2010, 00:37

شكرا لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
c0n@n

c0n@n



امرأة تكذب باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: امرأة تكذب باستمرار   امرأة تكذب باستمرار Icon-new-badge7/3/2010, 01:16

مواضيعك مميزة على طول وقصة رائعة تلامس القلب وتبكي العينين لكني لا اعتقد بان الامهات بموتوا كمان ؟؟الله يطول بعمر جميع الامهات . شكرا لك b.inside
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
b.inside

b.inside



امرأة تكذب باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: امرأة تكذب باستمرار   امرأة تكذب باستمرار Icon-new-badge7/3/2010, 19:59

شكرا لك ... مروركم اثلج صدري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
امرأة تكذب باستمرار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اربد :: المنتدى العلمي :: ادب و شعر :: قصص قصيرة-
انتقل الى: