النكات التي اطلقها شباب ثورة مصر المعتصمـون في ميدان التحرير منذ نهاية الاسبوع الماضي على رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي ورئيس الحكومة المكلف كمال الجنزوري، انقلبت عليهم وصاروا هم النكتة الاكثر إثارة للضحك والسخرية، التي توحي مرة اخرى بأن الثوار المصريين مجرد مراهقين او هواة سياسة، لم يدركوا حتى الآن اهمية ما حققوه لبلادهم وللعالم العربي كله.
كانت النكات بحد ذاتها خطوة الى الوراء بالنسبة الى الثورة والثوار الذين يفترض ان احد اهم انجازاتهم تحرير الشخصية المصرية من الحاجة الى النكتة لتحدي الحاكم، وتزويدها بأنماط جديدة من السلوك والتعبير لا تقل اهمية وليبرالية عن تلك المتوافرة لدى شعوب الدول العريقة في تجاربها الديموقراطية. كانت النكات دليل ضعف لا جدال فيه، وكان موضوعها مستمدا من خارج السياق، لذلك كانت بائخة.. لان المشير ليس الفرعون، ولان الجنزوري ليس الخديوي ولن يكون.
كانت اللحظة السياسية المصرية ولا تزال تتطلب الكثير من الجدية والكثير من الوعي، بحيث لا تتحول الثورة الى مهنة ولا يصير الاعتصام نهجا، ولا يكون المستقبل رهن قرارات خارجة عن ارادة ميدان التحرير الذي فقد في الايام القليلة الماضية المزيد من هيبته ومن شعبيته، ودفع المجتمع المصري بعيدا عن الاحلام الكبرى التي انتجتها الثورة، وقريبا من الرغبة في استعادة حياة طبيعية بكل ما للكلمة من معنى سياسي وأمني واجتماعي.
في اقل من اسبوع، ونتيجة استخفاف الثوار بقيمة ثورتهم التي لا تزال تحظى بمباركة الغالبية الساحقة من المصريين، كاد كل شيء يضيع: تجرأ المجلس العسكري على ميدان التحرير الذي اساء اختيار شعاراته ومطالبه، وأساء اختيار التوقيت، فانفض عنه الجمهور وتوجه في اليومين الماضيين الى مراكز الاقتراع بأعداد كثيفة تطمح الى الاستقرار، حتى ولو كان من خلال الاخوان المسلمين.. الذين انتهزوا فرصة تلهي الثوار في محاولة اسقاط اوهام مصطنعة مثل حكم العسكر او الفلول، او محاولة تشكيل حكومة انقاذ لم يتوفر لها رئيس ولا اعضاء ولا جمهور.
كان الزحف الشعبي على صناديق الاقتراع، او «غزوة الصناديق» حسب تعبير الاسلاميين، بهذا المعنى تصويتا لا شك فيه ضد ميدان التحرير وشبابه وشاباته الذين لم يعد بإمكانهم الاختباء خلف الزعم انهم قوة مراقبة ومحاسبة للسلطة بأشكالها المختلفة. وهو دور خيالي لا يمكن ان يدعيه اي مبتدئ في السياسة لا بد انه يرى بأم العين دهاة الفلول والاخوان، واحتفالاتهم المبكرة بالفوز في الانتخابات وإعادة شبان وشابات الثورة الى مواقعهم الافتراضية على الانترنت..
مصر تنتخب ضد ثوارها الشباب الذين تحبهم بلا شك، لكنها صارت تعطف عليهم، وتطلب منهم التنحي مؤقتا من ميادين السياسة التي اثبتوا انهم ليسوا مؤهلين لتولي مسؤولياتها الكبرى.. بانتظار ان يبدوا المزيد من النضج في قراءة معاني ثورتهم وفي تحديد جدول اعمالها، الذي لم تكن الانتخابات احد هوامشه الثانوية بل كانت محطته المركزية الاولى المقدسة بالمعنى الحرفي للكلمة