السؤال:
والدي يرحمه الله ويغفر له كان من المحافظين على الصلاة ومساعدة المحتاجين من الأهل أو غيرهم ، وقد ذهب للحج وحج عن نفسه وعن والديه ، ولقد توفي وأنا صغيرة ، ولكن المصيبة الكبرى أن والدتي فاجأتنا بيوم من الأيام بقولها أنها لم تر والدي يصوم في رمضان منذ بداية زواجهما إلى وفاته (تقريبا 11 أو 12 سنة ) ، ولا تدري عن صيامه قبل زواجهما ، وقالت والدتي إنه كان دائما يقول إن الصيام يصعب عليه بسبب عمله كسائق شاحنات في السبعينات والثمانينات ، حيث لم يكن هناك شاحنات مكيفة ، وكان يعمل لساعات طويلة في صحراء الخليج !! وأعلم أنها ليست بحجة ولكن هذا ما قالته لنا والدتي . وسؤالي هو : كيف نقضي كل هذه السنين عن والدي ، ونحن لا نعلم شيئا عن عددها ؟ وعن صيامه في حياته التي امتدت 60 عاما ؟؟ وهناك سؤال عن والدتي : في سنين بلوغها الأولى قبل الزواج ، لم تصم بسبب الجهل في أهمية الصيام ، حيث كانت تعيش في البادية ، وهي التزمت منذ زواجها ولكنها لا تذكر كم فاتها من أيام فقد مر 36 عاما ؛ فكيف تقضي هذه الأيام ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
من ترك الصيام لعذر من سفر أو مرض يرجى برؤه ، لزمه قضاؤه ، فإن مات دون أن يقضيه ، مع تمكنه من القضاء ، بقي الصيام في ذمته ، واستحب لأوليائه أن يصوموا عنه ؛ لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ) رواه البخاري (1952) ومسلم (1147) .
وأما إن مات قبل أن يتمكن من القضاء ، كمن استمر به المرض حتى مات ، فلا شيء عليه ، ولا يقضي أولياؤه عنه شيئا .
ومن ترك الصيام تفريطا وإهمالا ، ولم يكن له عذر ، فهذا لا يلزمه القضاء ولا يصح منه ؛ لفوات وقته .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم ( 50067 ) ورقم (81030) .
وبناء على ذلك :
فالذي يظهر من حال والدك وحرصه على الصلاة والخير أنه لا يترك الصيام بغير عذر ، فيبقى أنه ترك الصيام لعذر السفر ، ولا يُعلم هل كان يقضي في سفره في الشتاء مثلا - ولم تعلم بذلك والدتك - أم كان لا يقضي ، وهل كان يتمكن من القضاء مدة راحته وإقامته ، أم كان دائم السفر لطبيعة عمله فلم يتمكن من قضاء ما فاته حتى مات .
وأمام هذه الاحتمالات ، يقال : إذا لم تقفوا على حقيقة الأمر ، وصمتم عنه ما تقدرون عليه ، فهذا عمل خير وبر ، ينالكم أجره إن شاء الله ، وليس الأمر واجبا ، ولا يلزم معرفة عدد السنوات التي أفطرها على وجه التحديد ، وإنما يعمل بغلبة الظن وأنه ترك كذا من السنوات ، فتصومين عنه ما تقدرين عليه ، من باب الإحسان ، دون أن يشغلك ذلك عما هو أهم وأنفع من الأعمال .
وهذا القضاء يجوز أن يشترك فيه جميع الورثة ، وما شق عليهم صومه ، أطعموا عنه ، عن كل يوم مسكينا .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " يستحب لوليه أن يقضيه فإن لم يفعل، قلنا : أطعم عن كل يوم مسكينا قياسا على صوم الفريضة " .
وقال : " فلو قدر أن الرجل له خمسة عشر ابنا ، وأراد كل واحد منهم أن يصوم يومين عن ثلاثين يوما فيجزئ . ولو كانوا ثلاثين وارثا وصاموا كلهم يوما واحدا ، فيجزئ لأنهم صاموا ثلاثين يوما ، ولا فرق بين أن يصوموها في يوم واحد أو إذا صام واحد صام الثاني اليوم الذي بعده ، حتى يتموا ثلاثين يوما " انتهى من "الشرح الممتع" (6/ 450- 452) .
ثانيا :
ما تركته والدتك من الصيام بعد بلوغها وقبل زواجها ، فيه تفصيل كما يلي :
1- ما تركته تفريطا وتهاونها دون عذر ، فلا يلزمها قضاؤه كما سبق .
2- ما تركته لعذر من حيض أو سفر أو مرض ، يلزمها قضاؤه ، وتجتهد في تقدير عدده بما يغلب على الظن أنها تبرأ به .
والله أعلم .