السؤال :
ورد في الحديث " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" فأرجو توضيح هذا الحديث وتنزيله على حالتي التالية: فمنذ أربع أو خمس سنوات تقريباً تعرفت على شاب عبر النت، يعيش في بلد مسلم، في حين أني أعيش في أوروبا، ولكني من أبوين مسلمين بالطبع ، وقويت علاقتنا وانجذبنا لبعض لأننا كنّا نتشاطر الكثير من الأفكار والمفاهيم، من أهمها الاهتمام بالدين ، وقد أردنا الزواج ولكن والداي رفضا الفكرة ؛لأنه من دولة أخرى ، ووضعه غير وضعنا. ثم مرت الأيام وتعرفت على شاب آخر في نفس المدينة التي أعيش فيها، شاب من نفس بلد والداي ، وقد أعجبني هذا الشاب لما رأيته فيه من سيما الصلاح ، ولما كان يقص علي من القصص النبوية ..الخ ، وقد كان فيه بعض الصفات التي لم تعجبني، كما هو شأن البشر جميعاً، ولكني غلّبت الجانب الحسن وقبلت الزواج به، وقد قبله والداي لأنه من نفس البلد. وما إن تزوجنا حتى بدأت ألحظ أنه يولي اهتماماً للعادات والتقاليد وأمور الدنيا أكثر من اهتمامه بالدين ، صحيح أنه يصلي ويصوم وما إلى ذلك، ولكن هذا ليس كافياً بالنسبة لي، فالذي أنشده حياة عامرة بالتدين ومدارسة القرآن ، وبدأت الخلافات تنشأ بيني وبينه من حين لأخر، وبدأت أسرته تتدخل في بعض شؤوننا مضيفة بذلك مشاكل أخرى، وفي كل مرة نحاول التوصل فيها إلى حل نجد أنفسنا في خانة الفشل، مما يضطرنا إلى التقاطع أو التهاجر. والآن وبعد ثلاث سنوات من الزواج أجدني أشعر بعدم الرضا، بل وأشعر بعدم السعادة في ظل هذا الوضع ،وقد أصبحت فريسة سهلة للوساوس التي تجتالني من حين لأخر ، لقد أصبحت أشعر أن أجمل سينين حياتي ذهبت في مهب الريح، لطالما حلمت بزوج يقف بجانبي في الأزمات ويساعدني على حلها عن طريق التمسك بالدين والتواصي على الخير. أصبحت أفكر بالطلاق بشكل جاد، وإن كان هذا الخيار صعباً ، إلا أني أرى فيه مخرجاً سلساً لما نحن فيه ، فماذا سيكون الحكم الشرعي فيما لو طلبت الطلاق؟ أعتقد أني معذورة لأن نيتي العيش مع زوج يعينني على طاعة الله ،لا أن يكون حائلاً بيني وبين ذلك.. فما رأيكم؟ إني أشعر أني تائهة..!
الجواب :
الحمد لله
إذا كان الزوج مستقيما في دينه ، محافظا على الصلوات ، مجتنبا للمحرمات ، فهو زوج صالح ، ينبغي التمسك به ، والحرص عليه ، وإعانته على تكميل صلاحه واستقامته .
وكونه مقصرا في طلب العلم ، أو حفظ القرآن ، أو الدعوة إلى الله تعالى ، أو كون الحياة معه لم تبلغ النموذج المثالي الذي كانت الزوجة تحلم به ، كل ذلك لا يبيح للزوجة أن تطلب فراقه ، فإنه ما من زوج إلا وهناك من هو أكمل منه ، وأفضل منه ؛ إذ الكمال لا حدّ له.
وما ترغبين فيه من الحياة العامرة بالإيمان والمكارم والفضائل ، يمكنك تحصيله بالجد والاجتهاد والبحث عن الوسائل المعينة على ذلك ، كمصاحبة الصالحات ، وحضور المحاضرات والندوات ، والمشاركة في حلقات التحفيظ ، وبرامج الدعوة ، وسماع النافع من الدروس ، وغير ذلك من الوسائل .
وكم من امرأة عالمة حافظة داعية إلى الله ، وزوجها عامي صالح من عوام المسلمين ، فليس شرطا لبلوغك هذه الكمالات أن يكون زوجك مشاركا لك فيها ، وما يدريك فلعل إقبالك على تحصيل هذه الأمور يعين زوجك ويشجعه على مرافقتك فيها ، والمرأة الذكية العاقلة يمكنها أن تغير كثيرا من عادات زوجها واهتماماته ، والمهم أن تحرص على أداء واجبها معها ، وإحسان العشرة له ، وعدم تنغيص الحياة عليه .
وأما التفكير في الطلاق ، والظن بأنه مخرج سلس ، فهذا خطأ ينشأ عن العجلة في التفكير ، والجري خلف الأماني ، فربما طلقت المرأة فلم تجد الزوج الذي تتمناه ، أو تزوجت بمن هو أقل شأنا من زوجها الأول ، مع ما في طلب الطلاق من كفران النعمة ، وإلحاق الأذى بالزوج وأهله.
ولهذا منعت الشريعة من طلب الطلاق إلا عند وجود العذر والبأس والشدة التي تدعو لذلك ، فقد روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة )، أما إذا كان هناك سبب شرعي بأن كرهته في دينه، أو كرهته في خلقه، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم الخلق والدين، فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق، ولكن في هذه الحال تخالعه مخالعة، بأن ترد عليه ما أعطاها ثم يفسخ نكاحها.
ودليل ذلك: ( أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام.
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته؟ وكان قد أصدقها حديقة.
فقالت: نعم ، يا رسول الله ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها ، فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل أن يأمره بذلك، قال بعض العلماء: يلزم بأن يخالع؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ إنه سيأتيه ما قدم لها من مهر، وسوف يريحها.
أما أكثر العلماء فيقولون: إنه لا يلزم بالخلع، ولكن يندب إليه ويرغب فيه، ويقال له: ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه )." انتهى من "اللقاء المفتوح" (54/ 6).
والذي يظهر من كلامك أنه لم يوجد السبب المبيح لطلب الطلاق .
فاتقي الله تعالى ، وأحسني إلى زوجك ، وعالجي المشاكل بينك وبينه قبل تفاقمها ، وارضي منه بالصلاح والاستقامة ، وإن قصّر في تحصيل الكمال الذي تنشدينه .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .