نقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله: "يجب علينا نزع الشرعية عمّن
ينزعون عنّا الشرعية"
دونالد ماكنتاير - (الإندبندنت) 2010/2/22
غطى الصخب الدولي حول اغتيال محمود المبحوح في دبي على حدث سياسي آخر وقع في
إسرائيل، والذي ربما كان ليصنع بغير ذلك عناوين الأخبار.
في الأسبوع الماضي، قرر نائب وزير خارجية إسرائيل، داني أيالون، عدم مقابلة
مجموعة من رجال الكونغرس الأميركيين؛ لأن وفدهم ضم ممثلين للمجموعة الوليدة
"الداعمة لإسرائيل، والداعمة للسلام" المسماة "جيه ستريت". وكان الاحترام الذي تحظى
به المجموعة قد تأكد في مؤتمرها الأول في السنة الماضية بحضور جيمس جونز، كمتحدث
رئيسي، وهو مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي، لكن خطيئة المجموعة الرئيسية تبدو
أنها عدم اعتقادها بأن الصداقة مع إسرائيل تقتضي الموافقة الحمقاء على كل سياسة
تنتهجها الحكومة الإسرائيلية المعنية التي تكون في السلطة.
يمكنك أن تجادل حول ما إذا كانت عمليات الإعدام التي تنفذها إسرائيل من دون
أحكام قضائية على تراب أجنبي، والتي يتم تسهيلها باستخدام هويات أوروبية مسروقة من
مواطنين خاصين -دائماً على افتراض أن الموساد كان مسؤولاً عنها حقاً- هي أفضل الطرق
التي يسعى بها بلد يواجه انتقادات دولية إلى تحسين صورته في الخارج. لكن مقاطعة
مشرعين من حليفك رقم 1 بسبب إمكانية وجود بعض التساؤلات لديهم عن سياستك الخارجية،
تبدو وأنها سلوك مدمر للذات.
في شهر كانون الأول (ديسمبر)، شخّص بنيامين نتنياهو الحاجة إلى محاربة "تأثير
غولدستون" بوصفها أولوية للسياسة الخارجية الإسرائيلية. وقد أقر خصوصاً بأن تقرير
القاضي ريتشارد غولدستون عن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل خلال اعتداء 9-2008
على غزة قد استخدم من أجل "نزع الشرعية" عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. ونقل عن
رئيس الوزراء قوله حينذاك: "يجب أن ننزع الشرعية عمّن ينزعون عنّا الشرعية". وفي
سياق قيامه بذلك، أطلق موجة من النقاش، التي وصلت ذروتها في مؤتمر هرتزليا السنوي
الذي انعقد هذا الشهر، حول الكيفية التي تستطيع بها إسرائيل أن تدير "الهاسبارا"
بمعنى "التفسير" حرفياً- بحيث تقيم حجتها المقنعة للدفاع عن نفسها في الخارج.
إن الاعتقاد المألوف بأن صورة البلد هي مجرد "هاسبارا" (أي تفسير للسلوك) يظل
سهل الدحض إلى حد كبير؛ ذلك أن المشكلة، كما يشير واقع الحال، لا تتصل بما الذي حدث
أو لم يحدث في غزة، وإنما تتعلق فقط بكم تكون إسرائيل ماهرة في إدارة دبلوماسيتها
العامة. لكن هذا الفهم يسيء أيضاً فهم السياق الأعمّ للانتقاد الدولي الذي أصبحت
تواجهه حكومة نتنياهو في الوقت الراهن- وهو نقد ربما يساعد في تفسير الصعوبات غير
المتوقعة التي واجهتها إسرائيل في أوروبا فيما يتعلق بقضية اغتيال قيادي حماس في
دبي، وكذلك غياب الدعم الكامل (على الأقل من جهة حكومتي بريطانيا وفرنسا) الذي كان
متاحاً في موضوع غولدستون.
في العلاقة مع غزة، فإن إسرائيل كانت لتصبح في موقع أقوى بطبيعة الحال، لتقول
إنه لم يكن لديها شيء ضد سكان غزة المدنيين ككل، لو أنها عمدت إلى رفع الحصار
الاقتصادي المفروض على القطاع، كما تعتقد معظم الحكومات الأوروبية بأن عليها أن
تفعل، مهما كان ذلك الاعتقاد ضمنياً. ومن الصعب كذلك، لو أخذنا مثالاً واحداً آخر
فقط، أن نرى كيف تحسن أمن إسرائيل؛ لأن الأمم المتحدة لا تستطيع بناء عشرات المدارس
الجديدة التي تحتاج إليها بشكل يائس، والتي خصصت لها التمويل اللازم؛ ببساطة لأنه
من غير المسموح استيراد الاسمنت، مع أن الأمم المتحدة واثقة من قدرتها على منع وقوع
الاسمنت في أيدي حماس.
لكن هناك بعداً آخر، مسكوتاً عنه إلى حد كبير، فيما يخص المخاوف من "نزع
الشرعية"- وهو إجراء (ويجب عدم المبالغة في هذا) يكشف عن نفاد صبر العالم من
الاحتلال، وحقيقة أن إسرائيل ما تزال بعد أكثر من أربعة عقود من دون حدود متفق
عليها. ولم يكن شخص أقل من دوف ويسغلاس، الذي كان موضع الثقة الأقرب والملازم
لآرئيل شارون عندما كان رئيساً للوزراء، هو الذي أكد بعد اجتماع مجلس حقوق الإنسان
التابع للأمم المتحدة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أن المناخ قد أصبح الآن
مختلفاً "بدرجة هائلة" عن ذلك المناخ الذي استطاعت فيه إسرائيل التملص من الشكاوى
عن ارتكابها جرائم حرب مزعومة في الماضي.
وفي مقالة ظهرت في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، قال ويسغلاس إن رغبة السلطة
الفلسطينية في إقامة دولة كانت قبل بضع سنوات فقط موضع "سخرية" (ولا بد أنه يعرف
ذلك لأنه كان واحداً من أولئك الذين سخروا منها). لكنها أصبحت الآن "كياناً سياسياً
متوازن العقل ومعتدلاً"، وبات ينظر إليها على أنها "نظير مناسب وجدير بالتوصل معه
إلى اتفاق سياسي".
وأوضح ويسغلاس أن العالم لا ينظر إلى سيطرة حماس على غزة، على أنها عقبة تقف في
طريق العملية الدبلوماسية، وإنما يراها "حافزا لتسريع هذه العملية"، بما أن إبرام
صفقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ربما تضعف حماس. وفي نظر ويسغلاس، فإن
"العلاقة بين موقف (إسرائيل) حول الصراع وموقفها الدبلوماسي في العالم هي علاقة
مطلقة، مباشرة وحتمية"، وأن "الثقة (الدولية) في جدية الحكومة الإسرائيلية إزاء
تحقيق اتفاق سياسي مع الفلسطينيين هي في طور الخفوت".
يبدو هذا الوضع وأنه يصبح ذا صلة مرة أخرى. فبعد أن شهد نتنياهو تراجع مطلب
الرئيس أوباما بتجميد كامل للاستيطان، استطاع أن يقدم نفسه على أنه الشخص المستعد
لإجراء محادثات من دون شروط مسبقة، في حين يصور الرئيس الفلسطيني على أنه الطرف
الذي يجر أقدامه بتردد. لكن عباس يبدو وأنه سيوافق بشكل شبه مؤكد على إجراء محادثات
"تقارب"، يقوم خلالها مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل بحراك
مكوكي بين الجانبين. وهو ما قد يضع حسن نوايا نتنياهو على المحك.
إن التشاؤم من أن مثل هذه الدبلوماسية قد تنهي الصراع قد أصبح الآن مزمناً. ومن
أجل ضمان نتيجة ناجحة، سيكون على نتنياهو أن يشهد تحولاً شبه معجز بحيث يقبل صفقة
بين نظير ونظير مكافئ على موضوع الحدود، وتسليم المنطقة (ج)، وإعادة الجزء الأكبر
من الضفة الغربية الذي تسيطر عليه إسرائيل، وتقسيم مدينة القدس، ووضع صيغة على
الأقل لحل موضوع اللاجئين من النوع الذي كان قد نوقش في كامب ديفيد مع ايهود أولمرت
في العام 2000 خلال أيام احتضار رئاسته للوزراء. ولكن، ماذا ستفعل واشنطن إن لم
يستطع أن يحقق تحولاً في عقيدته من هذا النوع؟
هنا، وفي وسط الحقائق القاتمة عن البنية التحتية للاحتلال والاستيطان الإسرائيلي
الذي لا يني يتعاظم في الضفة الغربية والقدس الشرقية، يبدو وأن هناك شعاع أمل
واحداً ما يزال يلمع: خطة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض لجعل الدولة الفلسطينية
جاهزة للإنشاء بحلول العام 2011.
في مقابلة مثيرة للاهتمام ظهرت مؤخراً في صحيفة "دي مانش" الفرنسية، قال وزير
الخارجية برنارد كوشنر إنه يستطيع "استشراف" اعتراف ممكن بمثل هذه الدولة
الفلسطينية، حتى لو لم يتم التوصل إلى الاتفاق على حدودها مع إسرائيل. وربما لا تضع
خطة فياض نهاية للاحتلال، بطبيعة الحال، لكن الأمم المتحدة ومجلس الأمن إذا ما
اعترفا بشكل فضفاض بدولة فلسطينية على حدود العام 1967، فإن ذلك سوف يغير طبيعة
الألواح التكتونية للصراع كلّه، وسوف يترك إسرائيل وهي تحتل دولة أخرى تتمتع بطائفة
كاملة من الحقوق القانونية والدبلوماسية.
سارعت إسرائيل إلى التقليل من شأن هذه الفكرة بالطبع. وهي واثقة من غير شك بأن
الولايات المتحدة سوف تمارس حقّ النقض "الفيتو" ضد الفكرة. وتوحي الخبرة السابقة
بأنها محقّة في ذلك. لكن، ماذا ستكون بالضبط طبيعة الحجة التي ستدعم ذلك الفيتو؟
سوف تكون غزة مشكلة جدية، ولكن، هل تغامر حماس بمعارضة إجراء ونتائج استفتاء شعبي
فلسطيني، لتتحمل اللوم عن إجهاض الأمل الوحيد في إقامة الدولة؟ لقد تمتعت إسرائيل
نفسها ولمدة 43 عاماً بكل ميزات الإجماع الدولي على الاعتراف بها من دون وجود حدود
متفق عليها دولياً. فهل يكون من غير المفهوم أن يمنح لفلسطين المستقبلية وضعا
مشابها؟
لا يستطيع أحد أن يقول منطقياً إن هذا التصور مرجح الحدوث. لكن المفارقة مع ذلك
هي أن فرض حل من هذا النوع، مع وجود قرار من مجلس الأمن سيشكل فعلياً كسباً
متساوياً لكلا الطرفين. سيكون الفلسطينيون أخيراً بصدد تحقيق تطلعاتهم بإقامة
دولتهم. وستكون إسرائيل أخيراً بصدد تحقيق الشرعية المكرسة وغير قابلة للنقض، والتي
لا يستطيع سوى اتفاق على حدود مصادق عليها دولياً فقط أن يضمنه لها في نهاية المطاف