إيمان
| موضوع: مأزق المشروع التغريبي (بين الواقع والمتوقع) 24/11/2011, 17:18 | |
| المشروع التغريبي حاول في ظل تراجع الصحوة الإسلامية أن يروج للمشاريع الفكرية المضادة, والتي أطلقها بعض الكتاب العرب في نقدهم للعقل العربي والعقل الإسلامي, وتراث الأمة الإسلامية بشكل عام. وسعى فيها التغريبيون إلى توظيف بعض نظريات هؤلاء المفكرين والتي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب, أمثال: نظرية"تاريخية النص", ونظرية"السياق", و"نظرية المقاصد", وغيرها من المشاريع والنظريات لرموز ومفكرين أمثال الجابري, وأركون, وحسن حنفي, ونصر أبو زيد, وغيرهم, ممن كتاباتهم لا تخرج عن الجهل بالشريعة, والظلم لها, لأنهم تكلموا فيها بغير علم فجهلوا, وحكموا عليها من غير عدل فظلموا. وصدق الشاطبي رحمه الله حين قال:" فاتباع نظر من لا نظر له واجتهاد من لا اجتهاد له محض ضلالة، ورمي في عماية". كنت في فترة قريبة أتأمل هذه الآية الكريمة من سورة الحجر{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9], فهالني مدلولها, والإعجاز الذي تزخر به.. فالناس مثلا إذا أراد أحدهم سلعة من السلع فإنه يسأل عن: مصدرها, وعن صلاحيتها. فجهاز الحاسب أو الجوال مثلا: يهمك كمشتري معرفة الدولة المصدرة له, والضمان على هذه الآلة.
والقرآن وهو كلام الله بلفظه ومعناه والكلام صفة من صفاته العظيمة, شهد الله له بالأمرين: بعلو المصدرية وكمال الصلاحية, فهو من حيث المصدرية من عند الله, ومن حيث الصلاحية محفوظ بأمر الله. وهو جواب على أعظم سؤالين, وردا على أخطر إشكالين يثيرهما المعترضون على الوحي في كل زمان ومكان. من أين هذا القرآن؟. وإلى أي مدى يبقى هذا القرآن مصدرا للهداية, وحاكما ومهيمنا على حياة الناس في عباداتهم ومعاملاتهم؟. وأصحاب المشاريع الفكرية, وأرباب النظريات حاولوا الإجابة على هذين السؤالين بعيدا عن منهج السلف الصالح في التلقي والاستدلال, بل صوبوا سهامهم للعلوم المعيارية في الإسلام: "علم أصول الفقه", و"علم مصطلح الحديث", و"علوم القرآن", وصدق ابن تيمية رحمه الله حينما جمع امتدادات الخلل في تعظيم النصوص الشرعية في النظرة لهذه العلوم الثلاثة, فقرر في منهاج السنة النبوية أن من يترك من أهل الاستدلال العمل ببعض النصوص: إما أنه لا يعتقد ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا إشارة لمصطلح الحديث, وإما أنه يعتقدها غير دالة على مورد الاستدلال, وهذا إشارة لأصول الفقه, وإما أنه يعتقدها منسوخة, وهذا إشارة إلى علوم القرآن.
ومن مظاهر مأزق المشروع التغريبي:
أولا: إخفاقه في اصطناع واجهات شرعية ودعوية يأخذ الناس بأقوالها ويتبنى أطروحاتها. وإن ساهم هو في رواج بعض الفتاوى لبعض المفتين من علماء السوء, وسعى في خلق بريق وطنين لبعض الدعاة.. لكن هؤلاء وأولئك لم يخفون على الأمة فهم ممن أصبحت علومهم في نفوسهم أشبه بعروق الذهب في الصخور الصلدة, أخلدوا إلى الأرض, وتقاعسوا عن القيام بالفرض, فصار ما تعلموه لا يبعث على معروف, ولا يزجر عن منكر.
ثانيا: عجز المشروع في التقليل من قوة مظاهر التدين كصلاة الجماعة والتزام الحجاب, وتبرير المحرمات التي تخدم رؤاه المستقبلية كإباحة الاختلاط والتماس ذلك في غريب الأقوال وشاذ الآراء. وهو الآن يعمل على شرعنة الإختلاط في التعليم, ويحاول أن يشغل الرأي العام بقضية أخرى هي قيادة المرأة, ليصرف العلماء والدعاة عن أخطر قضية في المشروع التغريبي.
ثالثا: لهث أتباع المشروع في إضعاف مكانة العلماء العاملين في نفوس العامة, ولكن ومع حدة الهجوم اللفظي والإبعاد الوظيفي. جاءت الثورات العربية لتعيد للعلماء مكانتهم.وهو أمر لا يريده دعاة التغريب لأن الجماهير صارت تصغي للخطباء وتنتظر بيانات العلماء, فكلمات القرضاوي, ولقاءات العرور, وبيانات اللحيدان والبراك والعباد والعمر وغيرهم كان لها من الأثر ما لا يتوقعه المزايدون على مكانة أهل العلم.
رابعا: لم يفلح التغريبيون في توظيف بعض القرارات السياسية توظيفا يصب في مصالحهم كقرار السعودة وقرار ضبط الفتوى, وقرار الابتعاث وغيرها.
خامسا: حاول دعاة المشروع استعداء السلطة السياسية لضرب الصحوة وتغيير الخطاب السلفي السائد, وتمييع مناهج العلوم الشرعية على إثر الهجمات الإرهابية في بلاد الحرمين, ولكن وقوف العلماء ووضوح رأيهم في هذا العمل المحرم والذي لا يخدم إلا أعداء الإسلام والسنة على وجه الخصوص خيب آمال القوم.
سادسا: صمت أرباب المشروع عن تسجيل أي موقف صادق ولو ظاهرا يحسب له عند عامة المسلمين, في الذب عن مقدسات الإسلام, وخذ مثالين فقط: * فحين نشرت الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم, وحين تعرض القرآن للحرق والإهانة على أيدي دعاة الحرية وحماة حقوق الإنسان. * وحين سب عرض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
سابعا: لم ينجح المشروع التغريبي في إقناع الرأي العام في زعمه الحرص على حقوق المرأة, لأنه لا يقصد من ذلك إلا جسدها العاري, وفكرها المبتذل, وأمومتها الزائفة. مستلهما التجربة الغربية التي ينادي عقلاؤها بتآكلها وسقوطها ومن قرأ كتاب "موت الغرب" وغيره وجد فيه النبأ اليقين. في حين تجاهل المشروع التجربة الرائدة في عمل المرأة سواء على المستوى الحكومي متمثلا في تعليم البنات, أوعلى المستوى الأهلي متمثلا في العمل الخيري والدعوي.
ثامنا: لم يخف المشروع التغريبي عواره وضعف معالجته لأحداث عالمية كبرى ظهرت فيها صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان, فتلعثم الخطاب التغريبي أمام اضطراب النظام الإقتصادي العالمي الذي يقوم على الفكر النفعي المؤسس على الفائدة الربوية المحرمة, وذلك في تداعيات الأزمة المالية العالمية.
تاسعا: أصبح المشروع التغريبي خجولا أمام تراجع المشروع الأمريكي في المنطقة ومن طالع كتاب"معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية", عرف تهافت "أشواق الحرية".
عاشرا: لم يفلح المشروع في تحديد موقف عادل من قضايا الأمة الإسلامية كقضية فلسطين وذلك بعد أحداث غزة والعدوان الصهيوني عليها.
حادي عشر: ظهر المشروع متهالكا حين أصبح يتعلق ببعض المشاريع الوهمية في المنطقة كالمونديال وفوز قطر بها, ومن قرأ مقالا لأحدهم عن زوجة أمير قطر ودورها في هذا الحدث, فإن ذلك يذكره ببعض الشواهد التاريخية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر, وما أشبه الليلة بالبارحة.
ثاني عشر: سكت المشروع التغريبي عن تبرئة ساحة رموزه من العمالة للفكر الغربي وهذا من زاويتين: الأولى: اعتراف بعض رجاله ونسائه بالعمالة الغربية, وهذا مؤكد بما لا يدع مجالا للشك[1], ومن نظر في رواية "زوار السفارات" أسفر له وجه الحق. الثانية: هناك شخصيات ومنابر إعلامية غربية وصهيونية تكلمت عن بعض جوانب هذه العمالة[2].
ثالث عشر: لم يفلح المشروع في إقناع الناس بوطنيته الزائفة والتي تقدح في دستور البلاد وتدعي وطنيته, والجمع بين النقيضين محال كما يقول الأصوليون إلا في عقلية أصحاب هذا المشروع.
رابع عشر: انكشف المشروع التغريبي في اتهامه للغيورين من أهل السنة ومنهج السلف المحذرين من خطر المد الصفوي, وظهر للجميع أنه لا وعي لديه بتحديات حقيقية تنال مقدسات الأمة ومقدراتها, فأخطأ في حساباته إبان أحداث الحرم حينما عاث الصفويون في دماء أهل السنة في موسم حج 1407هـ, وكذلك إثر غزو العراق وقتل أهل السنة على الهوية على أيدي الصفويين, و أثناء وبعد هجوم حزب اللات على أهل السنة في لبنان, ولم يصدق في كشف خفايا حرب الحوثيين ولا المظاهرات الطائفية في البحرين, والشرقية, ثم تبين عوار هذا المشروع في موقفه من قتل أهل سوريا على أيدي نظام الأسد وعملاء الحرس الثوري الإيراني, وأتباع حزب اللات.
خامس عشر: تفاجأ المشروع التغريبي في نتائج الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا حينما ذهب ينعتها بالظلامية لأنها اختارت الإسلام بديلا عن العلمانية, ولفظت مشاريع التغريب التي لم تثمر غير الظلم والاستبداد وضياع الهوية. فهل آن لهؤلاء أن يثوبوا إلى رشدهم, ويستفيقوا من غيهم, فالله تعالى يقول {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)} [النساء: 145 - 147]. والله أعلم وأحكم.
| |
|
theredrose
| موضوع: رد: مأزق المشروع التغريبي (بين الواقع والمتوقع) 24/11/2011, 17:36 | |
| | |
|