تذكر دوما ان الاسماك الميته وحدها تسبح مع التيار
مالكولم مكريدج
مثل عالمي
ملاحظات واستنتاجات ختامية
من الضروري تثبيت اهم الافكار والحقائق والاستنتاجات والمواقف التي تبلورت او طرحت اثناء التحليل والعرض لاجل اكمال الفائدة :
1 – النصر او النصر ولا شيء غير النصر : ان اهم واول ملاحظة يجب تثبيتها بعد عرض شامل لما خطط له الاعداء ولما ينفذونه بنجاح او بفشل ، هي ملاحظة اننا كطليعة مقاتلة لهذه الامة العظيمة تحارب الامبريالية الامريكية بلا توقف وبلا هوادة عسكريا منذ عام 1991 وحتى الان مصممون على مواصلة القتال بالبندقية والقلم حتى النصر الحاسم وطرد الغزاة ودفن كل مشاريعهم التقسيمية ، وهذه الطليعة القومية العربية مقتدرة وبمستوى التحدي التاريخي لانها هي ، وليس غيرها ، التي قتلت المشروع الامبراطوري الامريكي العالمي عندما تورط قادة المشروع في غزو العراق معتقدين ان غزوه سيضيف لهم قوة حاسمة لبدء علميات متعاقبة في الغزو واسقاط الانطمة العربية كلها ودون اي استثناء وطنية او تابعة ، لكن ارادة شعب العراق العظيم وتصميمه على الدفاع عن هويته الوطنية وانتماءه القومي وحريته واستقلاله وسيادته ومنع نهب ثرواته كانت العامل الحاسم في دعم وتوفير فرص القتال الملحمي المستمر والذي في جر امريكا الى قبرها الاخير وليس الى اقامة امبراطورية الشر الاخطر في التاريخ الانساني .
نعم نحن طليعة الامة العربية مصممون على دحر الامبريالية الامريكية ومن يقف معها من اوربيين وعرب وعجم ، ونحن نعرف ( عقب اخيل ) - اي مناطق الضعف – في هذه القوى وسنضرب عليه ونكرر الضرب حتى ينتهي الصراع بانتصار امتنا العربية ، لذلك فمن تصور انني بعرض ما حققته القوى المعادية ابعث اليأس وانشر التشائم مخطئ ، فما لم نعرف الحقائق كاملة وما لم ننهي فترة خداع الذات وتصوير انفسنا فوق الهزيمة ثم نهزم ، ونعرف نقاط ضعفنا مثلما نعرف نقاط قوتنا ، ومالم نفهم العدو وكيف يخطط وكيف ينفذ خططه ، والاهم معرفة كيف يغير خططه وينتقل من خطة الى اخرى ومن تكتيك الى اخر تبعا لتطور المعركة فاننا محكوم علينا بالفناء .
المطلوب بلا ابطاء او استثناء المعرفة التفصيلية بالعدو والصديق وبانفسنا ، قدرات وامكانات وممكنات ، نقاط ضعف ونقاط قوة ، الاحتمالات المتناقضة لنأخذها في الحسبان ما لم نفعل ذلك فاننا لن ننتصر حتى لو هزمنا العدو المشترك عسكريا ، لان المهم هو اقتران النصر العسكري بمعرفة بيئته وتعقيداته واحتمالات تطور النصر الى هزيمة . بهذا الفهم كتبت وتناولت كل شيء ما يفرحنا وما يزعجنا ، لاننا لسنا في حفلة زواج لا تهدد امة اذا اطلق فيها الرصاص عشوائيا بل لاننا نمسك امة من يديها والاعداء يدفعونها للهاوية ، وعلينا ان نمنع سقوط الامة فيها ، وان نجر الاعداء الى الهاوية ، كما فعلت المقاومة الوطنية العراقية مع امريكا . النصر ولا شيء غير النصر خيارنا وهدفنا وليس ثمة بين النصر وتحقيقه الا الارداة الفولاذية للطليعة العربية المناضلة في العراق والتي تشكل عنوان فخر وعبقرية الامة العربية في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة من الصراعات غير المسبوقة .
ان انتصار المقاومة العراقية المسلحة على امريكا يتحقق بخطوات ثابتة وان كانت بطيئة نسبيا ، ومالم نكمل الانتصار في العراق فلن نستطيع ، ولن يستطيع غيرنا ، انقاذ بقية اقطار الامة التي تتعرض للتقسيم والفتن الطائفية والعرقية والسياسية التي تحركها امريكا وايران والنيتو واسرائيل بمساعدة حكام عرب وتركيا . المدد عراقي الهوية والطبيعة والانقاذ يأتي من العراق ، فكما بدأت الكارثة بالعراق حربا عليه وغزوا له من اجل انهاء وجوده الوطني والقومي ، فان الفرج سيأتي من العراق . لهذا نقول لكل عربي صدمته الانكسارات المتعاقبة تذكّر ان العراق مازالت فيه مقاومة تقاتل امريكا وتلحق بها الهزائم رغم كل التعتيم والتزوير ، وتذكر ان من صمد تسع سنوات امام امريكا واوصلها الى قبرها النهائي قادر على تحويل الكوارث الحالية الى انتصارات تاريخية حاسمة .
هذه هي الملاحظة الاولى التي نرجو الانتباه اليها ونحن نناقش كوارث الامة . وارجو تذكر ما كنت اكتبه واقوله عقب كل مقال او محاضرة في السنوات العجاف السابقة ، ويعرف ذلك الالاف من الاخوة والرفاق ، واكرر الان القول : النصر او النصر ولا شيء غير النصر .
2 – بؤس نظرية تبعية الطليعة للجماهير : حينما نتحدث عن وجود مخطط امريكي – صهيوني - ايراني – تركي – اوربي مشترك عماده تفتيت الاقطار العربية واعادة استعمارها وتقاسمها ، وان ما يحدث انما هو تنفيذ لهذا المخط ارجو الانتباه الى ان ذلك لا يعني ابدا ، ولا يجوز ان يفسر باي شكل او طريقة على انه انكار لدور الجماهير العربية والمنتفضة ضد الانظمة الفاسدة والاستبدادية ، ولا انكار لقدراتها الخلاقة في التغيير والثورة الشعبية ، ولا تنصل من حقيقة اننا نمثل ارداة الشعب ونستهدي بمصالحه الاساسية ، فكل ذلك ليس موضوعنا ولا هو مصدر الخلافات ، موضوعنا الاصلي هو كيفية التعامل مع ما يجري بوعي ستراتيجي عميق وليس بهبات عاطفية وانفعالية تخسرنا الهدف البعيد ولا توصلنا اليه مهما قدمنا من تضحيات غالية .
لقد عبرت الجماهير العربية في الشهور التسعة الماضية عن مواقف بطولية اعادت الروح للامة كلها من المحيط الى الخليج العربي ، بعد فترة يأس من اسقاط الديكتاتوريات ، وانهت فترة اليأس من القدرة على اسقاط الانظمة او مواجهتها واسقطت حاجز الخوف منها وشرعت بمسيرة تاريخية عظيمة سوف تكون نهايتها تاريخية ايضا ، لكن ما يجب عدم اهماله او انكاره ، اذا اردنا ان لا نخدع ذواتنا ، هو ان من فجر الاحداث – ياستثناء الحدث التونسي الكبير - ومن يحدد مساراتها ونهاياتها ومن ينصب البدائل في الحكم ويقرر شكلها ليس الجماهير ولا الشباب بل امريكا ومن يتعاون معها في تنفيذ خططها .
هذه حقيقة بارزة رأيناها في تونس ومصر وليبيا ونرى بوادرها في اليمن وسوريا ، تماما كما رايناها في العراق . اذن لسنا هنا بصدد انكار دور الجماهير ، ولا نحن بصدد الحط من شأن انتفاضاتها الوطنية الباسلة بل نحن بصدد التنبيه لحقائق الصراع ودور كل طرف فيه ، كي نعرف الحقيقة من منطلق معروف وهو الحكمة القائلة ( معرفة العدو كسب لنصف المعركة ) ، وانا كنت ومازلت منذ عقود ابدأ بعرض ما يخطط له الاعداء قبل ان اقترح ما يجب فعله ، وتلك هي الخطوة الاولى على الطريق الصحيح والتي يحب ان تعقبها خطوة لا مفر منها وهي اننا يجب ان تكون لدينا ستراتيجيات مضادة لستراتيجيات الاعداء ، فالوطنية والشجاعة والاستعداد للاستشهاد لا تكفي في صراعات معقدة وتاريخية ، فلابد من المعرفة التفصيلية بما يضمره الاعداء حقا وليس مايظهرونه ، ولابد من التخطيط لصراعنا ومعرفة مراحلة وتغييراته وانتقالاته من جبهة لاخرى ومن هدف لاخر .
نحن حزب الجماهير كما نحن طليعتها المقاتلة التي تجاوزت الخطوط الحمر التي وضعتها لنا قوى الغرب الاستعماري والصهيونية منذ مطلع القرن العشرين ونجحنا في العراق في تحقيق قفزات عظمى في مجالات بناء الانسان وتحريره من العوز المادي والفقر والامية والمرض وبناء قدراته العامة والمتخصصة في مجالات العلم والتكنولوجيا ، وهذه هي الاسباب الحقيقية التي اجبرت القوى المعادية على استهداف العراق وشن الحروب عليه مباشرة او بواسطة ايران من اجل اعادة العرب للخيام والبداوة . لذلك فنحن لا نخدع الجماهير عندما تكون محاطة بالاعداء او تتعرض لخداعهم وتضليلهم وهي لا تدري على وجه الدقة من هو العدو ومن هو الصديق فنقول لها الحقيقة ونساعدها على كشف الوجوه ومصادر الخطر ، او عندما تعتقد الجماهير بفكرة خاطئة فان الطليعة توضح اين يكمن الخطأ واين نجد الصواب ، فكوننا حزب الجماهير وطليعتها لا يعني ابدا التماهي مع كل ما تطرحه الجماهير ، لان الطليعة لها دور وهو قيادة الجماهير ، والا ما معنى الطليعة ؟ وما ضرورة وجود حزب ثوري اذا لم يكن يقود الجماهير ؟
ان الف باء الوعي السياسي يؤكد ان الجماهير ليست كلها واعية ، ففيها الواعي وفيها المتخلف ، وفي الوسط الجماهيري كل انواع التخلف والامراض الخطيرة اجتماعيا ولذلك فانها لم تستطع تحرير نفسها من تلك الاوضاع الفاسدة ، كما ان الستراتيجيات الكبرى للقوى المختلفة ، وهي محرك الصراعات ، يفهمها الخبراء والمثقفون وليس الانسان البسيط خصوصا حينما تتدخل المخابرات بهدف التضليل واخفاء الحقائق وهي عملية طبيعية في كل صراع ، ولهذا فان الجماهير تحتاج لمن ينور لها الطريق .
ان الوعي الجماهيري العام وعي يرى غالبا خطوة واحدة الى امام لكنه يعجز غالبا عن رؤية ما بعد تلك الخطوة من خطوات متعاقبة وحتمية لاكمال النصر او ضمانه ، وهذا ما رايناه في وعي الجماهير التي انتفضت في تونس ومصر حيث اسقطت الجماهير النظام الفاسد ولكن من قطف الثمار لم يكن الجماهير ولا قواها الوطنية بل نفس رجالات النظام ! وهنا يأتي دور الطليعة الثورية في تسليط الاضواء وتبيان الحقائق وتبديد الاوهام وتحديد الاخطاء ، ولو لم تكن الامور هكذا فلا مجال لتحقيق التقدم والحرية . ان احداث التاريخ العظمى تؤكد ان كل حركة تاريخية عفوية كان مصيرها الفشل والردة ، كما تؤكد بالمقابل بان التغييرات العميقة والثابتة في التاريخ كانت نتاج التخطيط الستراتيجي والعقيدة الواضحة ، انظروا كيف انتصر الاسلام وانتشر ، لقد كان العمل الستراتيجي المنظم هو مفتاح النصر في الدعوة الاسلامية المحمدية . من هنا فان دور الطليعة ليس الانسياق وراء كل ما تطلبه الجماهير او تظن انه صحيح وضروري ، بل هو دور القائد الذي يعرف بعمق وشمولية خطط الاعداء وتكتيكاتهم ومناوراتهم وطرق عمل مخابراتهم ، ولديه تجارب تمكنه من توقع خطوات الاعداء ويستعد لها بخطوات مضادة وبطرح اهداف ستراتيجية مدروسة بدقة وبعمق وهدوء .
بهذا المعنى فان الطليعة الثورية ليست نسخة مكررة من الجماهير على صعيد الوعي والقدرات القيادية بل هناك فارق كبير في درجات الوعي ونوعيته ، فالجماهير تحركها العواطف ، حتى وهي تطالب بتحقيق اهداف مشروعة وصحيحة ، وهي تسعى لحلول عامة غير محددة الملامح وغير واضحة قد تورطها في نتائج لم تكن تريدها او تتوقعها ، وهذا ما رايناه في تونس ومصر مؤخرا ، بينما الطليعة لديها خبرات وتجارب ورؤية ستراتيجية تستخلص من عقيدة سياسية واضحة ، لذلك تكون عارفة ليس بما تريد فقط بل هي تعرف طرق تحقيقه وكيفية ردع القوى المعادية التي تتدخل اثناء الصراع او قبله لاجل تحقيق اهداف استعمارية ، وهذا الامر رأيناه في الديانات والحركات الاصلاحية في العالم وقراناه في التاريخ ، فلابد من طليعة او قائد تاريخي يبدا مسيرة التغيير ويقود الجماهير نحو غد افضل .
في ضوء ما تقدم فان الافكار الشعبوية الساذجة التي قالت باننا يجب ان نكون مع الجماهير في كل ما تطرحة وان نسير وراءها هو قول ليس خاطئا فقط بل هو خطير جدا ليس فقط لانه يلغي دور الطليعة ، وهي ضمانة الانتصار الرئيسة ، بل لانه ايضا يسمح بامرار خطط الاعداء تحت غطاء الجماهير كما يحدث الان في عدة اقطار عربية استغلت فيها امريكا ومن معها الظلم والاستبداد والفساد من اجل اشعال حروب اهلية عربية وليس فقط اسقاط الانظمة .
ومن حسن الحظ ان ما يقع من فواجع عربية قد اقنع الملايين ، التي انتفضت ورأت في البداية ان مطلب وجود ستراتيجية واضحة للتغيير وحتمية وجود طليعة منسجمة وواعية ليس ضروريا وبعضهم وصفه بانه ( ترف فكري ) !!! نقول ان ما يقع اقنع الملايين بان التخطيط ووجود ستراتيجية وتنظيم شعبي قوي ضرورة لا غنى عنها ابدا بعد ان رات بعينيها كيف تم السطو على الانتفاضتين الوطنيتين في تونس ومصر ومنع الشعب من جعلهما وسيلة التغيير الحقيقي وليس التغيير الذي تريده امريكا واوساط اوربية واسرائيل وايران الصفوية وتركيا الطورانية . وزاد الاقتناع بين المثقفين العرب بخطأ نظرية السير الاعمى خلف الجماهير عندما رأى هؤلاء ان الدم العربي الذي يسفك بغزارة فيقتل يوميا العشرات في ليبيا وسوريا واليمن تجاوز حدود المقبول من اجل التغيير الداخلي وصار الوضع وضع حرب اهلية مدمرة لا صلة لها باقامة الديمقراطية والعدالة وانهاء الفساد وانما هي الهدف الاساس للصهيونية وامريكا وقوى اقليمية تعادي العرب .
الان هناك نوع من الصدمة الجماهيرية بعد ان جيرت الانتفاضة لخدمة مخططات امريكا والصهيونية في نشر الفوضى الهلاكة ، فقد تحولت الانتفاضة في تونس ومصر الى صراعات طائفية وسياسية مدمرة ، خصوصا بعد وصول حركة النهضة اليمينية ، المرتبطة بامريكا والممولة من قبل انظمة الخليج ، الى السلطة في تونس مع ان ذلك يعني بدء مرحلة تدمير منظم لكل ما حققته تونس من تقدم وعمران ومدنية خلال فترة الاستقلال واعادتها للقرون الوسطى رغم كل تصريحات الغنوشي المطمئنة لان الذي يقرر هو امريكا وليس الغنوشي او غيره وامريكا تريد شرذمة كل الاقطار العربية .
كما ان الصدمة الجماهيرية نتجت عن تحول تظاهرات اليمن وسوريا الى حرب اهلية حقيقية يقتل فيها العشرات يوميا وهو امر غير مألوف ولا مقبول جماهيريا ، واخيرا كان احتلال ليبيا من قبل النيتو الصدمة المروعة التي كشفت حقيقة الاسلامويين هناك ، فقد قام النيتو ، كما اعترفت امريكا وفرنسا رسميا ، بزج قواته الارضية الخاصة في عملية احتلال طرابلس واسقاط النظام الليبي ووقف خلف الستار يدفع كتل متوحشة من الليبيين ( السرسرية ) باللهجة العراقية و( الزعران ) ، باللهجة الشامية ، لارتكاب جرائم يقشعر لها بدن الانسان الطبيعي باسم الثورة ، مثل اغتصاب القذافي وهو شيخ في السبعين ودس قضيب في مؤخرته وتعذيبه حتى الموت وتصوير ذلك كله وتوزيع الافلام على العالم ، وتكرار ذلك مع ابنه المعتصم ووزير دفاعه ثم نبش قبور ام القذافي وعمه واقرباءه وحرق العظام ، كل ذلك شكل صدمات متعاقبة للجماهير العربية اربكتها وتركت نوعا من اليأس والخوف من المستقبل لان البديل الذي تريد امريكا فرضه هو عصابات متوحشة الى اقصى درجات التوحش ولا تعرف معنى الرحمة والدين والاخلاق وكل ما تعرفه هو التخريب والقتل والاغتصاب الجنسي لكل مخلوق كبيرا او صغيرا امراة او رجل ، ومع ذلك تتستر باسم الله والدين !
دعونا الان نترك زيارة محمود جبريل ، رجل امريكا الاول في ليبيا ، للعراق ومباركته للاحتلال وتقصده طلب الخبرة من المالكي وتجربة تدمير العراق ، وهو تطور يقدم لنا بوضوح حقيقة ان ما يجري في ليبيا هو احتلال امريكي مموه قليلا لكنه واضح وضوح الشمس .
اين ذهبت قدرات الجماهير ، وهي بالتأكيد هائلة ، التي تناضل بلا طليعة واعية ومنسجمة وبلا ستراتيجية على اكمال مسيرة اسقاط النظام وايصالها الى هدف اقامة نظام وطني بديل ؟ لا شيء ابدا سوى رطانة فارسية او دندنات تركية في اروقة امريكية – صهيونية ، فيما انهر الدم العربي تسفح بكرم لاحدود له ! لقد اكدت الشهور التسع الماضية بؤس نظرية السير وراء الجماهير ونحن مغمضي العيون ، هذه النظرية البائسة ورطت الكثير من الناس الوطنيين في كارثة الاسهام المباشر في تنفيذ خطط امريكا والكيان الصهيوني القائمة على نشر الفوضى الهلاكة لتكون الممهد الطبيعي لتقسيم الاقطار العربية واحدا بعد الاخر ، على ان تكون نقطة البدء في ذلك هي اسقاط انظمة مدعومة امريكيا لكنها استنفدت اغراضها وجافت وفاحت روائح عفنها فاستحقت الزوال ، وبما ان امريكا تريدها ( شعبية عربية ) ، وليس غزوة امريكية كما حصل في العراق لتجنب نشوء مقاومة مسلحة شاملة ، فان اسقاط الانظمة كان يجب ان يكون مقدمة لاسقاط الامة قطرا بعد اخر في جحيم التقسيم والشرذمة .
نكرر التأكيد : ان احداث التاريخ العظمى التي غيرت حياة الناس جذريا لم تحصل بالعفوية على الاطلاق بل بالتخطيط والوعي الستراتيجي العميق وبوجود الطليعة المعتمدة على جماهير عريضة ، هذا ينطبق على الدعوة المحمدية الخالدة التي كانت نضالا مخططا مر بمراحل متعاقبة مختلفة وتم ترتيب الاولويات والاهداف طبقا لخصوصيات او بيئات معينة . وينطبق كذلك على حركات الاصلاح السياسي والاجتماعي الكبرى التي تركت اثارها العميقة في حياة الناس . وبالمقابل فان التاريخ يؤكد بان انتفاضات عفوية او فوضوية كان مصيرها الفشل والعجز عن تحقيق اي هدف رئيس وتمهيد الطريق لوصول بدائل اخرى غير التي كان يريدها الشعب مثل الثورة الفرنسية .
واخيرا لابد من طرح اسئلة مؤلمة : هل الجماهير التي يجب السير خلفها وعدم الاعتراض عليها هي التي رأيناها في ليبيا تمارس انواعا من السلوك يأباه حتى الحيوان المفترس ؟ وهل الجماهير هي تلك التي شاركت في انتخابات اقامها الاحتلال في العراق لاضفاء الشرعية عليه ؟ وهل الجماهير حقا هي التي ترفض اي حل سلمي للحرب الاهلية في اليمن وسوريا مع ان الحل السلمي مضمون ومشروط بتغيير سلمي للنظام بضمانات دولية واقليمية ، ومع ذلك يصر هؤلاء على التصعيد العسكري تحت شعار ساذج هو ( سلمية ) ، وتكون النتيجة استمرار الحرب الاهلية ومواصلة موت الاف العرب اسبوعيا ؟
سيكتب التاريخ قريبا جدا ان احد اهم اساليب المخابرات الامريكية كان استخدام الجماهير المحرومة والمضطهدة – بدل الغزو العسكري - في اسقاط الانظمة مع وجود قرار مسبق بحرمان الجماهير من القدرة على تحقيق الهدافها الحقيقية .
منقول