الحرب الاهلية الامريكية القادمة
الحرب الأهلية القادمة
السيد زهره
سبق ان كتبت عمودين ناقشت فيهما ما جاء في تقرير امريكي خطير يتحدث عن تنامي ظاهرة الميليشيات الامريكية اليمينية المسلحة الارهابية، التي تمتلك ترسانات من الاسلحة ومعسكرات للتدريب العسكري، والخطر الذي تمثله في امريكا.
وفي الفترة القليلة الماضية، اصبحت هذه الظاهرة الخطيرة محل جدل واسع في امريكا ليس فقط بسبب قيام السلطات الامريكية بالقاء القبض على افراد من احد هذه الميليشيات المسلحة في ميتشجان كانوا يخططون لارتكاب اعمال عنف، وانما ايضا بسبب تصاعد الخطاب اليميني في امريكا المحرض على العنف.
كثير من الكتاب والمحللين الامريكيين تناولوا هذه التطورات من زوايا مختلفة، لكنني توقفت مطولا عند تحليل للكاتب الامريكي بوب برنيت، وعنوانه " الحرب الأهلية التالية".
الكاتب يذكر الأمريكيين بالحرب الأهلية التي بدأت في عام 1860، وراح ضحيتها اكثر من 625 الف قتيل وعدد مماثل من الجرحى، ويحذر من ان حربا اهلية اخرى هي في الطريق الى امريكا.
يقول الكاتب ان الحرب الأهلية الاولى اندلعت بسبب خلافات وصراعات تتعلق بالعبيد وحقوق الولايات، والذي اشعلها كان الخطاب التحريضي الذي يدعو الى العنف، وانتشار استخدام السلاح.
ويعتبر الكاتب ان مناخا شبيها يسود امريكا اليوم، الامر الذي يجعل خطر اندلاع حرب اهلية اخرى يقترب.
يتوقف خصوصا عند الحرب التي يشنها الجمهوريون على ادارة اوباما والحكومة الفيدرالية بسبب اقرار قانون التأمين الصحي، والذي يعتبرونه خرقا للدستور واساءة استخدام للسلطة ولمباديء السوق الحر.
يعتبر الكاتب ان خطاب الجمهوريين الذي يعبرون عنه علنا هو خطاب غوغائي تحريضي يشجع على العنف، ويذكر ان هذا الخطاب غذته نتائج استطلاع لراي الجمهوريين نشرت في اواخر مارس الماضي. هذا الاستطلاع اظهر ان 67% من الجمهوريين يعتقدون ان اوباما اشتراكي، و57% يعتقدون ان اوباما مسلم. و45% يعتقدون ان اوباما ليس مولودا في امريكا، و38% يرون انه يفعل اشياء كثيرة مثل التي كان يفعلها هتلر.
مثل هذه المواقف المتطرفة التي عبر عنها الجمهوريون تعبر عن الخطاب التحريضي الغوغائي الذي يتبناه الجمهوريون حاليا في راي الكاتب. وبالإضافة الى هذا، يشير الى الدور التخريبي الذي يلعبه المعلقون في بعض اجهزة الاعلام وخصوصا شبكة فوكس التليفزيونية التي لا يكف معلقوها عن الحديث عن اتجاه امريكا نحو الاشتراكية وعن المقارنة بين اوباما وهتلر.
ويصل الكاتب من هذا الى القول بأن الحزب الجمهوري اصبح يتبنى نفس الخطاب الذي تتبناه الميليشيات المسلحة. وفي رايه ان لجوء الحزب الى هذا الخطاب الغوغائي يعود الى تراجع شعبيته على نحو ما تكشف استطلاعات الرأي، ويعود ايضا الى ان الحزب يفتقد الى القيادة القوية القادرة على لجم هذا التوجه، الخطير، وعلى الحديث صراحة ضد العنف المتصاعد.
وعلى ضوء هذا، خلاصة ما يريد الكاتب ان يذهب اليه هو ان خطر الحرب الأهلية الثانية في امريكا يقترب، وذلك لأسباب ثلاثة كبرى: هذا الخطاب الغوغائي التصعيدى الذي يشجع العنف، واستخدام السلاح، والنمو الرهيب للميليشيات المسلحة.
ويعتبر الكاتب انه في ظل هذا المناخ، من الممكن ان يقع حدث ماساوي كبير يشعل فتيل هذه الحرب الأهلية. حدث من قبيل اعتداء على سياسي ديمقراطي، او احراق مكتب في الكونجرس، او تفجير مبنى فيدرالي آخر.
وينهي تحليله بالتساؤل: متى تعلو اصوات العقل داخل الحزب الجمهوري؟.. متى يرفع قادة الحزب اصواتهم ضد العنف والإرهاب، ويدعون الى التعقل والمصالحة؟
عرضت لهذه الافكار التي عبر عنها الكاتب ليس فقط لأنها تقدم مفاتيح لفهم ما يجري في امريكا على هذا الصعيد، ولكن لسبب مهم آخر.. ان هذا الذي يقوله عن الاسباب التي تغذي نزعات العنف والتطرف في المجتمع يقدم دروسا مهمة بالنسبة لأي مجتمع.
وهذا حديث آخر.