[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]عبير جابر من الدوحة: عرض
فيلم "الذهب الأسود" للمخرج جان جاك أنو أمس في افتتاح مهرجان الدوحة
ترايبكا السينمائي 2011، الذي تشترك في إنتاجه مؤسسة الدوحة للأفلام مع
شركة كوينتا للإعلام، التي يمتلكها طارق بن عمار. وشارك في بطولة الفيلم كل
من أنطونيو بانديراس وفريدا بينتو اللذين اعتبر بن عمار في حديث خاص إلى
"إيلاف" أنهما يساهمان في رفع الفيلم بسبب شهرتهما. إلى جانب الممثل الشاب
طاهر رحيم الذي رأى فيه المنتج أن "طاهر هو عمر الشريف الجديد، ونحن لم
نختره إلا لأننا رأينا فيه الوجه المناسب للدور".
يصور الفيلم العالمي الصراع على النفط في ظروف الحقبة التي كان الفقر يسود
فيها شبه الجزيرة العربية، حيث كانت الأطماع تدفع بأمراء القبائل للتحالف
في سبيل الكسب السريع. وتطرح القصة العلاقة بين الإسلام والتعاطي مع
الحداثة وكيفية تقبل التطور سواء برفضه أو بالتناغم معه والتماهي فيه، إلى
جانب الدور الرئيس للنفط في كل هذا الحراك.
ومن الصحراء المتنازع عليها أرضاً قاحلة في شبه الجزيرة العربية، إلى
الرمال الصفراء التي تخرج النفط الأسود وما خلفته من نزاعات دموية، تحملنا
قصة فيلم "الذهب الأسود". حيث تعبر الإبل بالسلطان عمار (مارك سترونغ)، بين
الجثث الدالة على حرب ضروس وقعت في المكان. لتصل إلى خيمة ينتصب أمامها
السلاح البدائي.. وهناك تبدأ القصة.
يبدو لنا السلطان عمار صاحب الحكمة في الحياة، فحرصاً منه على حياة إمارته
"سالمة" يودع ولديه رهينتين بيدي خصمه الأمير نسيب (أنطونيو بانديراس).
بينما يظهر نسيب أكثر مادية ويعتمد الطرق السريعة للكسب، فالسلاح بيده رغم
فقر أهل إمارته "حُبيقة" كما يظهر لنا تباعاً. وقد نجح الممثلان في إقناعنا
بهذه الخصال طوال الفيلم، فأجادا تأدية دور النقيضين.
وتنطلق الهدنة بين الأميرين المتحاربين كما هي حال القبائل العربية في تلك
الحقبة (ثلاثينيات القرن الماضي)، حيث يعد نسيب عمار بأن يعامل ولديه
معاملة ابنته ليلى وابنه، على أن يحميه ذلك من حرب يشنها عليه عمار في أي
لحظة، شرط أن يحترما "المنطقة الصفراء" غير المأهولة بين إمارتيهما، وتبقى
منطقة معزولة.
ومنذ اللحظات الأولى يبدو لنا عمار ذلك السلطان الحكيم يودع ولده صالح
مذكراً إياه بأنه ابنه البكر ووارث عرشه مهما طال الزمن. بينما تلقي
الكاميرا الضوء على الإبن الأصغر عودة الذي يبكي متأثراً لفراق والده،
فيعاجله عمار بحكمة تقول "الدموع هدر للماء".
يكبر صالح وعودة في كنف نسيب الذي يحسن معاملتهما، حيث يظهر عودة في مشاهد
كثيرة متأبطاً كتاباً أو يقرأ آخر. وبحكم وجوده في بيت نسيب تنشأ علاقة
جميلة بينه وبين ليلى، التي تصل إلى مرحلة عمرية تبعد فيها عن اللعب مع
صديقها لتحشر مع الحريم، كما تقتضي التقاليد التي كانت سائدة آنذاك. لكنّ
الحب الذي كبر مع الشابين لا تحدّه جدران، فعلى الرغم من عدم تمكن عودة
(طاهر رحيم) من رؤية ليلى (فريدا بينتو) إلا أنها كانت تراقبه باستمرار من
خلف مشربية غرفتها وتشعر أنه "الأمير الخارج من الكتب".
تنقلنا الحبكة الدرامية للفيلم إلى شبح الموت الذي بدأ يخيّم على إمارة
نسيب حيث انتشرت الكوليرا وقضت على شعبه، فهذا الوباء لم يكن له علاج في
بلاد متأخرة "مئة عام عن الغرب" كما يصفها نسيب حين يقول بأسى "أن تكون
عربياً يعني أن تكون نادلاً على مائدة العالم".
وفي حين يخيّل للمشاهد أن الإبن صالح (أكين غازي) الذي يهوى الصقارة (تربية
الصقور) سيكون ذا شأن في إمارة أبيه، يظهر عودة بدور الشاب ضعيف الشخصية،
الذي تأخذه الكتب إلى عوالمه الخاصة. وتحمله لحظات التأمل عبر المنطقة
الفاصلة بين إمارة نسيب وإمارة أبيه المعروفة بـ"المدى السرمدي"، في حنين
دفين إلى الوالدة التي توفيت في غيابه والوالد الذي بدأ ينسى ملامحه، فيقول
له شقيقه صالح والدنا كهذا الصقر.
طائرة الغرب
آتية من الغرب، تحط طائرة
الموظف في شركة "تكسان أويل" في إمرة نسيب، حاملة البشرى بوجود النفط
الخام. وبحسبة بسيطة يسعى ثيركتل (كوري جونسون) لإقناع نسيب بإمكانية
التنقيب عن النفط في المنطقة الصفراء المحظورة، "البئر الواحدة تنتج مئة
برميل سعر كل منها دولار وهذا أمر يستمر يومياً وطول العام".
أبدع المخرج في تصوير مشهد حفر أول بئر نفط، حيث تفجّر النفط ناثراً على العاملين عمامة سوداء، تاركاً في الرمال أثراً أسود، يبشر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بمصير
مشابه سيحل على المكان. أعمى الطمع نسيب عن الهدنة المبرمة مع عمار، وما
إن بدأ النفط يتفجّر من البئر الأولى، حتى زاد جشعه.. بئر.. إثنتان.. زاد
عدد الآبار وبدأت علامات الغنى تظهر على "حبيقة" فأنشئت فيها "مدرسة نسيب"
و"مستشفى نسيب".. ويدخل التطور على شكل نسيب ومظهره.. وفي إشارة ضمنية
واضحة إلى أحداث مشابهة تكررت أنشأ نسيب قاعدة عسكرية وينصب ابنه قائداً
للجيش. ويتواصل إدخال التكنولوجيا المتطورة إلى إمارة نسيب، مع إنارتها
بالكهرباء. ومن ثم يخصّص دار كتب يسلم أمرها لعودة.
بدأ النفط يلوّث الأجواء بين إمارتي عمار ونسيب، حيث قام مجهولون بقتل موظف
في بئر النفط، وعندها يعلن نسيب استعداده لحماية المنقبين عن النفط بكل
الوسائل. فتبرز الحاجة لأسلحة متطورة وخنادق ومتاريس تحيط بالآبار من أي
خطر يهدد وجودها.
يحاول نسيب مفاوضة عمار لكن الوفد يعود مع رفض الأمير القاطع لأي نكث
بالمعاهدة "التي أعطى لها عهده وولديه". هنا تتسارع الأحداث بمحاولة الإبن
صالح العودة لأبيه بعد أن يقتل مرافقيه، في المقابل يسعى نسيب إلى تزويج
عودة من ليلى بأسرع وقت ممكن ليضمه إلى أسرته وبالتالي يكون بإمكانه اعتبار
نفسه بحلّ من المعاهدة. وبقدر السعادة التي كانت لتغمر الشاب المغرم، بقدر
ما كانت الحيرة تشغل عقله بسبب الخطوة التي قام بها نسيب. لكن العروس
المتيّمة ليلى عندما تدخل في حوار معه تظهر لنا تلك الصبية ذات الكلمة
المسموعة عند والدها إلى حدّ أنها هي التي طلبت أن يكون عودة زوجاً لها.
وفي حين يغرق العروسان في العسل، يطل الصقر الخاص بصالح من نافذة عودة لينوح بشكل مريب فيعرف أن شقيقه قتل على يد رجال نسيب.
تلعب ليلى دوراً جديداً لتظهر حبها لعودة عندما تطلب من والدها أن يوفده
رسول سلم لأبيه. وعلى متن السيارة الحديثة ذات العجلات يقطع الإبن المسافة
نحو موطنه لأول مرة منذ 15 سنة. ويبدو اللقاء بين الوالد وابنه بارداً،
خصوصاً عندما يعلم الأب بزواج عودة ووفاة صالح.
الدين لخدمة الأهداف
في "سالمة" يفاجأ العائد من بلاد التطور الحديث بالفقر والظلام الذي يخيّم
على المكان وعلى بعض العقول التي ترى في النفط كفراً لمجرد أنّه "يربطنا
بالكفار". فيحاججهم الشاب المثقف بسؤالهم "لو كان الله لا يريد النفط للعرب
لماذا وضعه في أرضنا؟" السؤال يبقى معلقاً حتى النهاية عندما تتضح الإجابة
تلقائيا. كما أن كبار القوم يجدون في الآيات القرآنية ما يناسبهم للدفاع
عن مواقفهم، بينما يأتيهم عودة القارئ الجيد للقرآن بالأدلة على خطأ آرائهم
ومع ذلك لا يتراجعون.
ولا يقتصر الجهل على موقف الأعيان من النفط بل يصدم عودة بوجود الطبيب علي
(الممثل ريز أحمد) الذي هو في الحقيقة أخوه غير الشقيق، لكنه ممنوع من وصف
الدواء لأن ذلك في نظر الإسلاميين المحافظين لا يجوز.
اللافت أنه في الجهة المقابلة كان نسيب يحاول تطليق ابنته من عودة لمجرد
أنّه انقلب عليه، فيستخدم سلاح الدين من خلال توظيف الفتوى لخدمة هدفه،
لكنه يصطدم بموقف ليلى المتمسكة بزوجها.
في هذه الاثناء، يدخل عودة في جدل مع ذاته ومع والده الذي يقنعه بأن ما
يمكن شراؤه بالمال لا قيمة له، وعندما يحاول الشاب اقناع والده بالسلم مع
نسيب لأن جيش هذا الأخير مدجج بالسلاح يكون موقف الأب واضحا "بأن من لا
يؤمن إلا بالسلاح جندي سيئ". والأهم من ذلك يعلم عمار ابنه أن كل ما يكسبه
يجب أن يكون بالحب أو بالدم، ويخبره عن والدته التي توفيت بعد أسابيع قليلة
على فراقها له ولصالح لأنهما كانا بالنسبة لها أغلى ما تملك. وهنا تبدأ
الحنكة العسكرية للأمير عمار، تواكبها حكمة ابنه الموروثة وخططه التي
تستطيع أن توقع بجيش نسيب المؤلل.
وتترافق المراحل الأخيرة من الفيلم، مع إظهار طبيعة البيئة العربية
الصحراوية القاسية وصعوبة التأقلم معها حتى على أبنائها، حيث يموت الكثيرون
لا بفعل الحرب بل بفعل العطش. إلى جانب إظهار مفاهيم العبودية واعتبار
النساء غنائم حرب، واستباحة ما هو للغير طالما أن هناك منتصرا ومهزوما. مع
نظرة الرجال إلى النساء اللواتي يركبن الخيل على اعتبار أنهن مسترجلات
ويخرجن من غير حجاب واللواتي تمثلهن ابنة قبيلة الزميرة الصبية عيشة
(الممثلة الإثيوبية ليا كيبيدي) فتؤدي الدور باتقان لافت.
وينقل لنا الفيلم نماذج من صراع القبائل في ما بينها واتحادها ضد بعضها
البعض. خصوصاً عندما تلعب الصدفة في وقوع الأمير عودة مغشيا عليه فيظن
الجميع أنه مات لكنه يعود ليفتح عينيه فيعتبره من يتبعه من القبائل أنه
"المهدي المنتظر" الذي يتوقعونه منذ زمن ويهتفون باسمه ويحاربون تحت رايته.
وبمساعدتهم يصل الأمير إلى منطقة آبار النفط لينضم إلى والده الذي يقتل
عندما يغدر به أحد زعماء القبائل، فيحمل عودة الراية من بعده ويحتل الآبار
ويدخل إمارة حبيقة فيعطيه الأمان ليترك الحكم ويعينه ممثلاً للإمارة في
شركة النفط في هيوستن.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ومع
عودته أميراً يعمل عودة بحكمة على تنظيم عمل النفط فيبرم الصفقات، في حين
ينتظر طفله الأول من ليلى ليكمل مسيرته من بعده.. ويبقى صقر صالح محلقاً في
الأفق في حين يختم الفيلم على صورة آبار النفط وقد ازدادت أعدادها.. ولا
يزال العرب يعيشون على "الذهب الأسود" وإن تشابهت ظروف القصة في تلك الحقبة
مع الصراع المستمر على حماية المصالح الاستراتيجية.. ولم تعد الصحراء
القاحلة محل خلاف، إنما أصبح التنافس على النفوذ والتحالفات. وبات صراع
الدول بديلاً لصراع الأمراء، وحتى يومنا تسفك الدماء في حروب لا طائل لها.
الجدير بالذكر ان ميزانية "الذهب الأسود" بلغت 55 مليون دولار تقريباً وهو
باللغة الانكليزية وقد أعد السيناريو له استناداً لرؤية المخرج أنو مرتكزاً
على رواية "العطش الأسود" للكاتب السويسري هانز روش. وقد صور بين تونس
وقطر حيث بدأ في 17 تشرين الأول اكتوبر 2010 في تونس واستمر حتى 23 كانون
الثاني يناير الماضي، ثم انتقل بعدها الى قطر حيث تم تصوير مشاهد إطلاق
النار في منطقة "مسيعيد" ثم استكملت مشاهد المعارك في صحراء الشمال وتزامن
تصويره في تونس مع سقوط زين العابدين بن علي.