بقلم : شـهيرة أحـمـد
لم لا تنفجر... وتخرج دماملها الداخلية بكل قيحها وصديدها على شكل مجاعة / فضيحة، وتخرج الثائرين على النظام العالمي واقتصاداته الخرعة إلى الشوارع بعد أن تفجرت احتياجات الجوع خلال السنوات القليلة الماضية لتقرع ناقوس خطر استثنائي، يمكن أن يضع جيلاً بأكمله على شفا التقزم (توقف النمو)؟
لقد خرج الأوربيون إلى الشوارع بعد أن بلغ السيل الزّبى (وإن كانت هذه العبارة البليغة لم تطرق مسامعهم بالتأكيد)، وتكشَّف مأزق الإنسانية التي ظلت تختفي وراء مساحيق التجميل العولمية وعمليات الترقيع الاقتصادية التي لم تسمن ولم تغنِ لا القرن الأفريقي ولا غيره من جوع، وظهرت عورات السياسات العالمية واضحة للعيان؟
إنها الإنسانية المريضة تئن هذه المرة من قرنها، بل تصرخ فيما الطوفان يبتلع كل شيء. طوفان من طراز فظيع لا يترك شاردة ولا ورادة في قاع القرن الحادي والعشرين اللاشعوري إلا أخرجها لتطفو على السطح.
في القرن الحادي والعشرين، قرن الانفتاح والعولمة والديموقراطية وحقوق الإنسان التي يطنطن بها كل من هبَّ ودبَّ تواجه الإنسانية امتحاناً قاسياً لإنسانيتها، واختباراً صارماً لعدالتها التي يبدو أنها نامت نومة أهل الكهف. في قرن الاتصالات التي قرَّبت البعيد وعجزت عن تقريب اللقمة إلى أفواه الجوعى، تتواتر صور الجائعين في القرن الأفريقي الذين لم يبق منهم سوى هياكل بشرية تساقط عنها اللحم، لتتساقط معه كل دعاوى الحضارة الحديثة ومزاعمها عن حقوق الإنسان وكرامته وحريته والكليشيهات إياها، كما تتواتر صور المحتجين في أركان الأرض الأربعة، على ارتفاع الأسعار والبطالة والمشكلات البنيوية التي تضرب أساسات النظام الاقتصادي العالمي، وعلى لعب الكبار الجشعين الباحثين عن الربح فقط متناسين أن الموت ليس لعبة بالمرّة وأن الضحايا والجياع لا بد أن يفيقوا يوماً ويغضبوا... فالجائع لا يبالي بشيء عندما تعضه أنياب الجوع وينشب مخالبه في جسده وروحه، عندها يتهاوى الخوف وتحضر الثورة والتمرد. وعليه، يمكن القول بكل وثوقية وبقلب مرتاح تماماً إن الأمن الاجتماعي والسلم العالمي الذي يحرص عليه العالم المتقدم يهتز بشدة، لأن في العالم بشراً يموتون من الجوع وآخرين يموتون من التخمة... وفي الشوارع لمن أراد عبرة.
العالم في عتمته
تضرب الأزمة المالية في جنبات العالم ويرتفع عدد من يموتون من الجوع ويزداد عدد العاطلين عن العمل، فيخرج الناس إلى الشوارع محتجين على ارتفاع الأسعار الجنوني وعلى النظام العالمي الاقتصادي. (بالمناسبة، كان تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو” لفت الأنظار إلى إمكانية قيام ثورة الجياع). ولا غرابة مطلقاً في أن تمتلئ شوارع المدن بالمحتجين، فالصور التي تتواتر للجوعى تأتي جارحة، وتأخذ أي إنسان لا يزال يشعر بأدنى درجة من الإنسانية إلى ظلمة فظيعة. إلى حلكة إنسانية يبدو فيها الضمير موقوفاً عن العمل مع سبق الإصرار والترصد، ويحتاج إلى هزة تنقذه من نومه الذي طال.
الصور التي لا تكذب ولا تتجمّل تأتي مؤرقة بحق، ومن يراها لا يعرف النوم إليه طريقاً، ويغص باللقمة وتقف شربة الماء في حلقه وهو يرى بقايا أطفال بلا ماء ولا طعام ولا دواء ولا حليب. أطفال أطفأ الحزن والجوع بريق عيونهم التي لم يزرها الحلم... قبل أن يبلغوا الحلم، يحقنون بمصل يعينهم على دفع الجوع والمرض، فيما تتمدد الإنسانية المريضة على سرير الموت مع سؤال كبير: أي مصل يمكنه أن ينعش الضمير الذي يعاني ضائقة إنسانية؟.
ومن غير المستبعد أن صور اللاجئين الذين يسترون جوعهم وأجسادهم العارية من اللحم والعافية بخيمة هنا أو ثوب هناك، جعلت الرافضين يستشعرون أن الضمير العالمي الذي تبدو الصومال وأخواتها وقريباتها بمثابة إعلان عالمي لموته في حاجة ماسة لمن يستر عريه. ومثلها فعلت طوابير للجوعى على (درب الآلام) الأفريقي الذين ظهروا وهم يحملون متاعهم القليل فيما حِمْل القلب أكثر بما لا يقاس. ولعل هذا الحمل الجائر الذي تئن تحته ظهورهم يقل عن حمل تنوء بثقله الجبال؛ يحمله أولئك الذين تسببوا في هذه المأساة، فقرر (الخارجون على النظام العالمي) أن يضعوا الأمور في نصابها. ومن نافلة القول أن مشاهد النساء المعذبات بآلامهنَّ وأحمالهنَّ، اللواتي يحصلن عادة على الحصّة الكبرى من الألم في كل مصيبة أو مجاعة أو حرب ويكنَّ الوقود المنتخب لنيرانها، أشعلت الغضب في عقول وقلوب الناقمين أصلاً على فجوات الحضارة المعاصرة وإشكالاتها.
أما تلك المناظر المفزعة لبشر من لحم ودم... بشر قُدّوا من العذاب... بل لبقايا بشرية تصرخ بكل ما في أقفاصها الصدرية، البارزة، الناتئة من خلف الجلد الرقيق: هذا ما فعلته بي فلسفة الحرية الاقتصادية... هذا ما جَنَتْه يد السوق وقيمه!. فيبدو أنها أصابت أذناً واعية ووصلت إلى الغاضبين فخرجوا....!
ولعل اصطفافهم في طوابير للحصول على الماء أخاف المناهضين للسياسات الاقتصادية فقرروا أن يصطفوا هم أيضاً ضدَّ ما يهدد رفاهيتهم... وشتان بين الاصطفافين!.
صورة رقمية
للأرقام صورة ترسمها هي الأخرى، صورة سوداوية لا تقل قتامة عن أختها، بل ربما يكون لها وقع أشد إيلاماً لارتباطها بالعقل ومعطياته والوعي وتحليلاته. من بين ما تقوله الأرقام أنه “بحلول عام 2050، سيدفع تغير المناخ وأنماط الطقس المتقلب بحوالي 24 مليون طفل آخر نحو الجوع، وسيعيش حوالي نصف عدد هؤلاء الأطفال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو كلام ليس جديداً بالمناسبة بل يعود إلى عام 2009 وقد أوردته نشرة بعنوان “تغير المناخ والجوع: الاستجابة للتحدي”، أصدرها برنامج الأغذية العالمي. لكن الجديد يتمثل في أن الواقع الراهن إذا ما استمر على نفس المنوال فإن الحالة ستكون أكثر سوداوية وسوءاً من هذه التوقعات. يكفي أن نعرف أن هناك 925 مليون شخص على مستوى العالم (مليار إلا قليلا) لا يتناولون ما يكفيهم لكي يكونوا أصحاء، ويعني ذلك أن واحدا من كل سبعة أشخاص على وجه الأرض يذهب جائعاً إلى الفراش كل ليلة. كما تقول نشرة صحفية صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة، 2010.
ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية دفع حوالي 44 مليون شخص آخرين نحو الجوع في الفترة ما بين يونيو 2010 وفبراير 2011، حينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق.
وحسب منظمة الأغذية والزراعة التي تبدو من أشد القلقين على حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم، فإن أكثر من نصف سكان العالم من الجوعى، حيث يعيش نحو 578 مليون نسمة، في القارة الآسيوية وإقليم المحيط الهادئ. وتمثل قارة أفريقيا فقط ما يزيد على ربع سكان العالم من الجوعى.
ولليونسيف أرقامها أيضاً، حيث يوضح تقرير لها أن ثلث حالات وفيات الأطفال دون سن الخامسة في البلدان النامية يرتبط بنقص التغذية. وتتضح أهمية هذه المعلومة إذا ما وضعناها بجانب ما تقوله لجنة الأمم المتحدة الدائمة المعنية بالتغذية التي تؤكد أن الـ 1000 يوم الأولى من عمر الطفل، ابتداء من الحمل وحتى بلوغ سن الثانية، تمثل مرحلة حرجة يمكن من خلالها معالجة نقص التغذية. ويستطيع النظام الغذائي السليم أن يحميهم خلال هذه الفترة من التقزم النفسي والجسدي الذي قد ينجم عن سوء التغذية، وتكتمل صورة التقصير البشع الذي يرقى إلى مرتبة الجريمة والذي يرتكب في حق هذه الفئة من البشر عندما نعلم أن تكلفة إمداد الطفل بكافة الفيتامينات والمواد المغذية التي يحتاجها الأطفال لكي ينمو بصحة جيدة، لا تزيد على 0.25 دولار أميركي أو 25 سنتاً (!!!).
الحقائق كثيرة وموجعة لكن الأخطر من ذلك كله هو هذه الحقيقة المريعة التي نشرها التقرير العالمي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك، 2010؛ وأكدتها إحصائيات منظمة الصحة العالمية بشأن الجوع والفقر في العالم 2011، وهي أن الجوع يأتي في المركز الأول في القائمة العالمية لأهم 10 مخاطر صحية، حيث يموت بسببه سنويا أكثر ممن يموتون بسبب أمراض الملاريا والإيدز والسل مجتمعة... فأين نحن؟ وإلى أي هاوية تذهب البشرية؟!.
صورة فكرية
في تشبيه مختصر وبليغ صور الرئيس الجنوب أفريقي “مبيكي” العالم بأنه “أصبح جزيرة أغنياء تحيط بها بحار من الفقراء”، كان ذلك في عام 2007 في مؤتمر الأرض الذي عقد في جوهانسبيرج وناقش مشكلة الفقر في جملة ما ناقشه، ولم يكن الرجل مخطئاً في توصيفه فكل المؤشرات والإحصائيات والتقارير تؤكد ما قاله، بل تلفت إلى أن الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً.
ورغم أن الفقر مشكلة معقدة تتدخل فيها عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، إلا أنه يحلو لبعض العلماء والباحثين وخبراء الاقتصاد والتنمية أن يتحدثوا عن عامل واحد وأساسي يحملونه هذه الجريمة البشعة وهو النمو الديموغرافي، ويزعمون أن السبب في جوع الفقراء هو (خصوبتهم!)، فهم ينجبون أبناء كثر وبالتالي يزيد عدد السكان فتقل حصة الفرد من الغذاء... هذه الثقافة التبريرية والتزييفية المضللة لم تأت من فراغ بل تكمن وراءها منظومة فلسفية وفكرية واقتصادية، وهي تندرج في سياق كلي لا تعدو أن تكون فيه أداة تنفيذية تحقق غايات ومصالح كبرى تحكم سياسات العالم الاقتصادية.
ويمكن للمرء أن يعثر على نمط صارخ لهذه الثقافة عند مالتوس ومتوالياته المقيتة التي بررت بل ورأت في المجاعات والكوارث الطبيعية والفيضانات والحروب نوعاً من إعادة التوازن... وقد ذهب مالتوس إلى أبعد من ذلك فطالب بإفناء العنصر البشري الزائد. كان مالتوس من المنظرين المتشائمين ولم يتورع عن القول بأن “على العالم المتحضر أن يخلق حروباً طاحنة كل أربع سنوات للقضاء على الزيادة المفرطة في عدد السكان في المناطق الأكثر اكتظاظاً حتى لا يتحمل الجانب الآخر تبعات الأزمة”. وبالطبع لا يحتاج المرء إلى تفصيل ما يمكن أن يسفر عنه رأي كهذا من نتائج مريعة.
وفي إيضاح هشاشة مثل هذا الادعاء حبّرت صفحات وألفت كتب تبين أن المشكلة في العالم ليست مشكلة نقص غذاء أو زيادة في عدد الآكلين بل سوء في التوزيع. يكفي أن نتذكر أن أميركا تضم 6% من سكان العالم وتستهلك 40% من موارده، بحسب جوزيه دي كاسترو، الذي يعتبر أن “مشكلة العالم هي مشكلة توزيع، وليست مشكلة فقر”. فيما يعتبر المفكر الفرنسي روجيه جارودي القول بأن إنجاب أقل عدد ممكن من الأطفال يُجنب العالم مشاكل الجوع” “عار”، وهو ما ذهبت إليه بعض وثائق المؤتمر السكاني في بوخارست، لافتاً إلى أن “فلاحاً باكستانياً أو هندياً يستهلك أقل مما يستهلكه زميله الأميركي في كاليفورنيا بأربعمائة مرة...”. أما عن الفارق بين الشمال والجنوب فحدث ولا حرج... مقالات بعدد شعر الرأس وكتب تطول قائمتها بشكل يصعب على الحصر.
إن دعاة المبدأ الديموغرافي يستندون إلى أن سبب الفقر هو المعدلات العالية للولادات، وهي لا تعدو أن تكون خدعة لشرعنة الفقر وتبرير الجوع والتستر على عيوب النظام الرأسمالي أو توحش رأس المال بشكل أدق، وكان من الممكن في الظروف الطبيعية أن تكون الزيادة في عدد السكان من عوامل التقدم والنمو كما حدث في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
لكن الحقيقة تكمن في مكان آخر... إنها خلل بنيوي في الطريقة التي يدار بها العالم اقتصادياً، والكتابات التي قرأت الجوع في مناحيه الاقصادية حملت رؤية نقدية ليس فقط للنظام الاقتصادي العالمي ومفاعيله، بل للحضارة المعاصرة التي تنتج الفقر والتخلف والجوع وتعولمهما على نحو غير مسبوق، وكذلك للمأزق الأخلاقي الذي يتجلى في انزلاقات إنسانية مخجلة. ففي كتاب “عشر خرافات حول الجوع في العالم” رد مفحم، بالأمثلة الحية المستمدة من مختلف أرجاء الأرض، وبالتحليل العميق المستند إلى فهم فلسفي لما يجري على هذا المستوى من تحالفات بين رأس المال والسلطات. في هذا الكتاب يحفر الكاتبان قبراً عميقاً يدفنان فيه الخرافات المكرسة أو التي جرى تكريسها بقصدية وتعمد، بغية تبرير الجوع وشرعنة الفقر. صحيح أن تحليلاته مؤلمة لكنها في الشق الآخر مفعمة بالأمل، ليس فقط لأنها تكشف الحقيقة وراء نمو ظاهرة الجوع في العالم وإنما لأنها تزيل الكوابح التقليدية والعقبات المسلطة كسيف على رقاب من يرون أن الجوع “صناعة”ت ترعاها وتمدها بكل ما يجعلها تتفاقم كارتلات ضخمة وتحالف بين رأس المال الجشع والسياسة، وتوضح بالدليل أن بإمكان الجوع أن يصبح أثراً بعد عين إذا ما جرى العمل بالطرق الملائمة من أجل إنهاء الجوع الذي لا مبرر له.
وربما يوضح فرانسيس مورلابيه وجوزيف كولينز في كتابهما المسألة بشكل لا لبس فيه: “منذ أكثر من 15 سنة حاولنا أن نفهم لماذا هناك جوع في عالم تسكنه الوفرة، وحين تجاوزنا النظرة السطحية والمخيفة إلى الجوع، وصلنا إلى حقائق مذهلة، ليس الجوع في أي دولة من دول العالم مشكلة مستحيلة الحل، حتى تلك الدول التي تعتبر مكتظة بالسكان إلى حد كبير، لديها الإمكانات الضرورية لتحرير نفسها من عبء الجوع...”.
ولدى الكاتبة الفرنسية دوان بوي أمثلة أخرى عديدة على جشع الدول الغنية والشركات الكبرى التي لا تتوانى في اتباع الأساليب الشرعية وغير الشرعية من أجل الربح ولو مات نصف البشرية جوعاً. وفي كتابها “المجوَّعون” تتحدث عن الاحتكاريين ومالكي الشركات التجارية الكبرى الموزّعة للأرز الذين يتحكمون في سوق الغذاء وفق أهوائهم ومصالحهم في الوقت الذي تكون فيه بطون الملايين خاوية في بلد كالسنغال مثلاً، وتبقى السفن المحمّلة بالمواد الغذائيّة في السواحل الأفريقية راسية في البحر بعيداً عن الموانئ في انتظار الحصول على أسعار أعلى للبضاعة التي تحملها، حتى وإن كانت المواد الغذائية التي تحملها موجهة لأكثر البلدان فقراً، هذه الشركات التي تتمتع بكلّ الامتيازات الضريبيّة تجني أرباحا خياليّة من وراء بطون الشعوب الفقيرة الخاوية.
كل ذلك وغيره دفع الكاتبة إلى القول بأن هناك جائعين وهناك “مجوّعين”، وإلى توجيه انتقاد شديد اللهجة إلى المنظّمة العالمية للتجارة ومقرّها “جنيف” التي اعتبرتها “جهازاً خاوياً تماماً كبطون الجوعى الأفارقة”.
كل ما سبق يدل على حاجة البشرية إلى ممارسة اقتصادية إنسانية تعمل على كبح الممارسات غير المسؤولة التي لا تراعي الاعتبارات الإنسانية، وحاجتها إلى تجاوز منطق العلاقات الدولية الحالية نحو منطق جديد يعين الدول النامية على تجاوز محنتها بدل إفقارها وتجويعها لتركيعها مرة واستغلال مواردها مرة أخرى، لأن حضارة تترك الملايين من أبنائها ليموتوا جوعاً وعطشاً هي حضارة جائرة ومأزومة.
والخلاصة، أن “قضية الجوع” لم تعد تأثيراتها تقتصر اليوم على الدول الفقيرة، بل تطال باضطراد الدول “الغنية” أيضا التي يتزايد عدد سكانها “الذين يعانون من الفقر أو البطالة أو الأجر غير الكافي”. والمجاعة ليست مسؤولية الفقراء وحدهم بل هي إحدى أهم تحديات القرن الواحد والعشرين. وفي احتفالية منظمة الفاو بيوم الأغذية العالمي الذي أقيم قبل أيام (17 أكتوبر 2011)، قال المدير العام للمنظمة جاك ضيوف “إن ثمة حاجة إلى 80 مليار دولار من الاستثمار الإضافي سنويا في الزراعة”. وعليه، لا يبدو أن مشكلة الجوع يمكن أن تحلَّ بالتبرعات مهما ارتفع مقدارها بل بالبحث عن سبل إنقاذ جوهرية وفاعلة.
صورة سوريالية
عندما يعاني ملايين البشر من تقلصات الجوع التي لا ترحم... فيما لا تعاني الإنسانية من أي تقلصات في ضميرها أو وعيها.
عندما يموت الأطفال جراء العطش... فيما البشرية تنفق على تجارة الأسلحة (1.2 تريليون دولار في عام 2006)!
عندما يموت الملايين بسبب نقص الغذاء... فيما يتم حرق كميات كبيرة من محاصيل بعينها لكي تظل أسعارها في السوق مرتفعة!
عندما يموت الملايين بسبب الجوع... فيما يتسخدم الغذاء في إنتاج الوقود الحيوي للطائرات!
عندما يموت 29 ألف طفل صومالي خلال ثلاثة أشهر جوعاً... فيما تستهلك الحيوانات الأليفة في البلدان المتقدمة ربع إنتاج العالم من الحبوب حسب محمد يدجاوي في كتابه “من أجل نظام اقتصادي دولي جديد”، وهو رقم يمثل حاجة الاستهلاك البشري لحوالي مليار و300 مليون إنسان حسب سوزان جورج في كتابها: “كيف يموت النصف الثاني من العالم؟”... وفي الصومال يبدو المشهد سوريالياً أكثر من أي سوريالية متخيلة... ومن لم يمت بالرصاص مات بالجوع.
عندما يحدث مثل ذلك وغيره كثير.. تكون الإنسانية حتماً في مأزق أخلاقي من العيار الثقيل.. مأزق يهدد وجودها ويؤشر على أن حضارتنا العتيدة تحمل بذور فنائها في أحشائها. تلك واحدة من آفات العولمة الاقتصادية التي لم تفعل سوى تكريس المشكلات الاجتماعية بسبب الفجوة الهائلة بين العالم الغني والعالم الفقير، وهي فجوة ليست اقتصادية وحضارية وعلمية بل أخلاقية أيضاً... ففي الدول النامية يتراوح حجم الإنفاق للحصول على الغذاء ما بين 60-80% من دخول الأفراد (أي أنهم يعيشوا ليأكلوا وربما يركضوا وراء الرغيف وهو يركض أمامهم فلا يدركونه)، بينما يتراوح هذا المعدل في البلدان المتقدمة ما بين 10-20% (أي أنهم يأكلون ليعيشوا). وفيما يعيش ما يقارب 2 مليار من البشر (ثلث العالم) تحت خط الفقر (دخلهم أقل من دولارين يومياً)، وسدس سكان العالم تحت خط الفقر المدقع (دخلهم أقل من دولار يومياً) حسب تقرير البنك الدولي، ينفق العالم على السلاح (1.2 تريليون) دولار!!! وهو رقم كفيل بأن يطعم كل جياع الأرض بل ويزيد على حاجتهم. والأنكى من ذلك، أن البلدان الفقيرة (37 دولة) لا تحتاج لتحسين قدراتها على مواجهة أزمة الغذاء إلا لحوالي (1.4 مليار) دولار.
تضرب المجاعة منطقتين في الصومال (جنوب باكول ولاور شابيل)، فتعلن الأمم المتحدة أن السبب هو تأثرها بالجفاف، ولا تذكر شيئاً عن الجفاف الإنساني والتصحر الروحي الذي يضرب في جهات الأرض الأربع... لكن منظمة أوكسفام فعلتها وانتبهت، واتهمت حكومات أوروبية بالإهمال المتعمد للوضع مع تسبب نقص في المعونات قيمته 800 مليون دولار في بطء الاستجابة الدولية لأزمة الجفاف التي تضرب منطقة القرن الأفريقي. وقالت المنظمة الخيرية البريطانية إنه لم يتم تدبير سوى 200 مليون دولار من الأموال المطلوبة لتجنب كارثة إنسانية في المنطقة التي ضربها الجفاف والتي تشمل الصومال وكينيا وأثيوبيا.
وقال فران ايكيزا المدير الإقليمي للمنظمة: “يتعين ألا نضيع الوقت إذا كنا نرغب في أن نتجنب خسارة فادحة في الأرواح. يجب ألا نقف موقف المتفرج ونحن نشاهد هذه المأساة وهي تتداعى أمام أعيننا”. وأضاف: “العالم متباطئ في إدراك خطورة الكارثة لكن لم يعد هناك أي مبرر للتقاعس عن العمل”. كان ذلك قبل أن تتفشى المجاعة في الصومال كله، بيد أن العالم صم أذنيه ولم يسمع لا نداءات المحذرين ولا اتهامات المتهمين ولا صرخات الجائعين، وذهبت نداءات ايكيزا ومناشداته للعالم أدراج الرياح، تماماً كما كان تحذير مارك باودن المنسق الإنساني للأمم المتحدة في الصومال في 20 من يوليو الماضي صرخة في واد.
قال باودن: “إذا لم نتحرك الآن ستمتد المجاعة إلى كل مناطق جنوب الصومال الثماني خلال الشهرين المقبلين بسبب سوء حالة المحاصيل الزراعية وانتشار الأمراض المعدية”... ولم يستجب أحد.
وقال إن “نصف الصوماليين تقريبا يعيشون في جنوب البلاد وإنهم يواجهون أزمة حقيقية”... ولم يسمع أحد.
واشتكت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من صعوبة إيصال كميات أكبر من المساعدات (بسبب المتمردين) لمنع تحول مزيد من الصوماليين إلى وضعية لاجئين... ولم يكترث أحد.
وقال صندوق الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” إن المجاعة تؤدي إلى زيادة معدل الوفيات بنسبة شخصين بين كل عشرة آلاف نسمة يوميا، ومعدلات وفيات تزيد على 30% في صفوف الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات في منطقة القرن الأفريقي... ولم تطرف عين أحد.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن طفلا من بين كل عشرة أطفال معرض لخطر الجوع حتى الموت، وإن زهاء 11% من الأطفال الأقل من خمس سنوات جنوب الصومال يعانون الآن من سوء تغذية حاد... ولم يحرك ذلك شعرة أو يقشعرّ له جلد أحد.
هكذا تُرك الصومال، يواجه مصيره المأساوي وحده، ولم تفلح مطالبات هيلاري كلينتون “بالاستنفار العالمي” ضد المجاعة ولا تأكيدها أن بلادها “قلقة جداً” حيال أخطار المجاعة، في أن تسعف نزيف الإنسانية الراعف في القرن الأفريقي، ولا في أن يستجيب المانحون ويتخذوا التدابير والإجراءات البنيوية التي تعزز قدرة المنطقة على التعامل مع أزمات مقبلة، وكيف يفعل هذا النظام العالمي وهو أصلاً مصاب بخلل بنيوي وعقلي وقِيَمي؟
ربما يكون من بركات القرن الأفريقي الجائع أنه قدم لنا (من غير قصد) دليلاً جديداً على أن بركات العولمة الاقتصادية وهم أو سراب... فهذا القرن المبتلى بالجوع ومن قبله بالحروب لا ينفك يضع الضمير الإنساني أمام امتحان عسير وبالغ القسوة، وفي كل مرة تسقط الإنسانية في الامتحان ويتضح كم أن مخزونها الإنساني ضحل ونبعه في نضوب. وإذا كانت (المرأة) الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها (حسب المثل الصيني)، فإن لديَّ شكاً كبيراً في أن (الدول) الحرة تستطيع أن تفعل الشيء نفسه.
ارتفاع تاريخي
يقول تقرير برنامج الأغذية العالمي “مكافحة الجوع في العالم”: “يدل الارتفاع التاريخي في عدد الجياع في العالم الذي تجاوز المليار من الناس على أن الهدف الإنمائي للألفية الخاص بتخفيض نسبة الذين يعانون من الجوع، ونقص التغذية في العالم إلى النصف بحلول عام 2015 يطرح من الصعوبات والتحديات ما يتجاوز ما كان المجتمع العالمي يتوقعه. فقد ارتفع الجوع في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار الأغذية والأزمة الاقتصادية العالمية وتزايد حدوث الكوارث والنزاعات. ومع أنه لم يتبق إلا بضع سنوات، فإن بلوغ الهدف الإنمائي للألفية الخاص بالجوع بحلول عام 2015 يتطلب في وقت واحد كمية أكبر من الموارد وقدراً أكبر من الإرادة السياسية. إن تكلفة الجوع باهظة، ولا بدَّ من وضع الجوع ونقص التغذية على رأس قائمة الأولويات، إذ أن لهما أهمية أساسية بالنسبة لتحقيق الأهداف الإنمائية الأخرى للألفية، لا سيما تلك المتصلة بالتعليم والمساواة بين الجنسين ووفيات الأطفال والوفيات النفاسية والصحة”...
هل يستمع العالم أم يضع في الأذن اليمنى “طين” واليسرى “عجين”؟.
قدح الحياة
تقول خريطة الجوع التي يوفرها برنامج الأغذية العالمي على موقعه على الإنترنت، إن عدد الأشخاص الذين يعانون نقص التغذية في العالم يكاد يبلغ مليار نسمة تقريباً وهو ما يعادل عدد سكان أميركا الشمالية وأوروبا مجتمعتين، وإن تكلفة الجوع بالنسبة للدول النامية تقدر بـ 450 مليون دولار سنوياً. أما برنامج التغذية العالمي فهو لا يحتاج إلى أكثر من 25 سنتاً أميركياً ليقدم قدحاً من الطعام يحتوي على كافة العناصر الغذائية اللازمة لطفل جائع في المدرسة يومياً... لكنه قدح عزيز المنال، ثمين وغال، تماماً كالحياة لأنه، رغم سعره الزهيد، ليس متوافراً.
عدد الجوعى يتجاوز التوقعات وخريطة الجوع ترسم صورة سوداء للنظام العالمي وممارساته الاقتصادية
الجوع... البشرية تئن من قرنها
لم لا تنفجر... وتخرج دماملها الداخلية بكل قيحها وصديدها على شكل مجاعة / فضيحة، وتخرج الثائرين على النظام العالمي واقتصاداته الخرعة إلى الشوارع بعد أن تفجرت احتياجات الجوع خلال السنوات القليلة الماضية لتقرع ناقوس خطر استثنائي، يمكن أن يضع جيلاً بأكمله على شفا التقزم (توقف النمو)؟
لقد خرج الأوربيون إلى الشوارع بعد أن بلغ السيل الزّبى (وإن كانت هذه العبارة البليغة لم تطرق مسامعهم بالتأكيد)، وتكشَّف مأزق الإنسانية التي ظلت تختفي وراء مساحيق التجميل العولمية وعمليات الترقيع الاقتصادية التي لم تسمن ولم تغنِ لا القرن الأفريقي ولا غيره من جوع، وظهرت عورات السياسات العالمية واضحة للعيان؟
إنها الإنسانية المريضة تئن هذه المرة من قرنها، بل تصرخ فيما الطوفان يبتلع كل شيء. طوفان من طراز فظيع لا يترك شاردة ولا ورادة في قاع القرن الحادي والعشرين اللاشعوري إلا أخرجها لتطفو على السطح.
شـهيرة أحـمـد
في القرن الحادي والعشرين، قرن الانفتاح والعولمة والديموقراطية وحقوق الإنسان التي يطنطن بها كل من هبَّ ودبَّ تواجه الإنسانية امتحاناً قاسياً لإنسانيتها، واختباراً صارماً لعدالتها التي يبدو أنها نامت نومة أهل الكهف. في قرن الاتصالات التي قرَّبت البعيد وعجزت عن تقريب اللقمة إلى أفواه الجوعى، تتواتر صور الجائعين في القرن الأفريقي الذين لم يبق منهم سوى هياكل بشرية تساقط عنها اللحم، لتتساقط معه كل دعاوى الحضارة الحديثة ومزاعمها عن حقوق الإنسان وكرامته وحريته والكليشيهات إياها، كما تتواتر صور المحتجين في أركان الأرض الأربعة، على ارتفاع الأسعار والبطالة والمشكلات البنيوية التي تضرب أساسات النظام الاقتصادي العالمي، وعلى لعب الكبار الجشعين الباحثين عن الربح فقط متناسين أن الموت ليس لعبة بالمرّة وأن الضحايا والجياع لا بد أن يفيقوا يوماً ويغضبوا... فالجائع لا يبالي بشيء عندما تعضه أنياب الجوع وينشب مخالبه في جسده وروحه، عندها يتهاوى الخوف وتحضر الثورة والتمرد. وعليه، يمكن القول بكل وثوقية وبقلب مرتاح تماماً إن الأمن الاجتماعي والسلم العالمي الذي يحرص عليه العالم المتقدم يهتز بشدة، لأن في العالم بشراً يموتون من الجوع وآخرين يموتون من التخمة... وفي الشوارع لمن أراد عبرة.
العالم في عتمته
تضرب الأزمة المالية في جنبات العالم ويرتفع عدد من يموتون من الجوع ويزداد عدد العاطلين عن العمل، فيخرج الناس إلى الشوارع محتجين على ارتفاع الأسعار الجنوني وعلى النظام العالمي الاقتصادي. (بالمناسبة، كان تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو” لفت الأنظار إلى إمكانية قيام ثورة الجياع). ولا غرابة مطلقاً في أن تمتلئ شوارع المدن بالمحتجين، فالصور التي تتواتر للجوعى تأتي جارحة، وتأخذ أي إنسان لا يزال يشعر بأدنى درجة من الإنسانية إلى ظلمة فظيعة. إلى حلكة إنسانية يبدو فيها الضمير موقوفاً عن العمل مع سبق الإصرار والترصد، ويحتاج إلى هزة تنقذه من نومه الذي طال.
الصور التي لا تكذب ولا تتجمّل تأتي مؤرقة بحق، ومن يراها لا يعرف النوم إليه طريقاً، ويغص باللقمة وتقف شربة الماء في حلقه وهو يرى بقايا أطفال بلا ماء ولا طعام ولا دواء ولا حليب. أطفال أطفأ الحزن والجوع بريق عيونهم التي لم يزرها الحلم... قبل أن يبلغوا الحلم، يحقنون بمصل يعينهم على دفع الجوع والمرض، فيما تتمدد الإنسانية المريضة على سرير الموت مع سؤال كبير: أي مصل يمكنه أن ينعش الضمير الذي يعاني ضائقة إنسانية؟.
ومن غير المستبعد أن صور اللاجئين الذين يسترون جوعهم وأجسادهم العارية من اللحم والعافية بخيمة هنا أو ثوب هناك، جعلت الرافضين يستشعرون أن الضمير العالمي الذي تبدو الصومال وأخواتها وقريباتها بمثابة إعلان عالمي لموته في حاجة ماسة لمن يستر عريه. ومثلها فعلت طوابير للجوعى على (درب الآلام) الأفريقي الذين ظهروا وهم يحملون متاعهم القليل فيما حِمْل القلب أكثر بما لا يقاس. ولعل هذا الحمل الجائر الذي تئن تحته ظهورهم يقل عن حمل تنوء بثقله الجبال؛ يحمله أولئك الذين تسببوا في هذه المأساة، فقرر (الخارجون على النظام العالمي) أن يضعوا الأمور في نصابها. ومن نافلة القول أن مشاهد النساء المعذبات بآلامهنَّ وأحمالهنَّ، اللواتي يحصلن عادة على الحصّة الكبرى من الألم في كل مصيبة أو مجاعة أو حرب ويكنَّ الوقود المنتخب لنيرانها، أشعلت الغضب في عقول وقلوب الناقمين أصلاً على فجوات الحضارة المعاصرة وإشكالاتها.
أما تلك المناظر المفزعة لبشر من لحم ودم... بشر قُدّوا من العذاب... بل لبقايا بشرية تصرخ بكل ما في أقفاصها الصدرية، البارزة، الناتئة من خلف الجلد الرقيق: هذا ما فعلته بي فلسفة الحرية الاقتصادية... هذا ما جَنَتْه يد السوق وقيمه!. فيبدو أنها أصابت أذناً واعية ووصلت إلى الغاضبين فخرجوا....!
ولعل اصطفافهم في طوابير للحصول على الماء أخاف المناهضين للسياسات الاقتصادية فقرروا أن يصطفوا هم أيضاً ضدَّ ما يهدد رفاهيتهم... وشتان بين الاصطفافين!.
صورة رقمية
للأرقام صورة ترسمها هي الأخرى، صورة سوداوية لا تقل قتامة عن أختها، بل ربما يكون لها وقع أشد إيلاماً لارتباطها بالعقل ومعطياته والوعي وتحليلاته. من بين ما تقوله الأرقام أنه “بحلول عام 2050، سيدفع تغير المناخ وأنماط الطقس المتقلب بحوالي 24 مليون طفل آخر نحو الجوع، وسيعيش حوالي نصف عدد هؤلاء الأطفال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو كلام ليس جديداً بالمناسبة بل يعود إلى عام 2009 وقد أوردته نشرة بعنوان “تغير المناخ والجوع: الاستجابة للتحدي”، أصدرها برنامج الأغذية العالمي. لكن الجديد يتمثل في أن الواقع الراهن إذا ما استمر على نفس المنوال فإن الحالة ستكون أكثر سوداوية وسوءاً من هذه التوقعات. يكفي أن نعرف أن هناك 925 مليون شخص على مستوى العالم (مليار إلا قليلا) لا يتناولون ما يكفيهم لكي يكونوا أصحاء، ويعني ذلك أن واحدا من كل سبعة أشخاص على وجه الأرض يذهب جائعاً إلى الفراش كل ليلة. كما تقول نشرة صحفية صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة، 2010.
ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية دفع حوالي 44 مليون شخص آخرين نحو الجوع في الفترة ما بين يونيو 2010 وفبراير 2011، حينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق.
وحسب منظمة الأغذية والزراعة التي تبدو من أشد القلقين على حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم، فإن أكثر من نصف سكان العالم من الجوعى، حيث يعيش نحو 578 مليون نسمة، في القارة الآسيوية وإقليم المحيط الهادئ. وتمثل قارة أفريقيا فقط ما يزيد على ربع سكان العالم من الجوعى.
ولليونسيف أرقامها أيضاً، حيث يوضح تقرير لها أن ثلث حالات وفيات الأطفال دون سن الخامسة في البلدان النامية يرتبط بنقص التغذية. وتتضح أهمية هذه المعلومة إذا ما وضعناها بجانب ما تقوله لجنة الأمم المتحدة الدائمة المعنية بالتغذية التي تؤكد أن الـ 1000 يوم الأولى من عمر الطفل، ابتداء من الحمل وحتى بلوغ سن الثانية، تمثل مرحلة حرجة يمكن من خلالها معالجة نقص التغذية. ويستطيع النظام الغذائي السليم أن يحميهم خلال هذه الفترة من التقزم النفسي والجسدي الذي قد ينجم عن سوء التغذية، وتكتمل صورة التقصير البشع الذي يرقى إلى مرتبة الجريمة والذي يرتكب في حق هذه الفئة من البشر عندما نعلم أن تكلفة إمداد الطفل بكافة الفيتامينات والمواد المغذية التي يحتاجها الأطفال لكي ينمو بصحة جيدة، لا تزيد على 0.25 دولار أميركي أو 25 سنتاً (!!!).
الحقائق كثيرة وموجعة لكن الأخطر من ذلك كله هو هذه الحقيقة المريعة التي نشرها التقرير العالمي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك، 2010؛ وأكدتها إحصائيات منظمة الصحة العالمية بشأن الجوع والفقر في العالم 2011، وهي أن الجوع يأتي في المركز الأول في القائمة العالمية لأهم 10 مخاطر صحية، حيث يموت بسببه سنويا أكثر ممن يموتون بسبب أمراض الملاريا والإيدز والسل مجتمعة... فأين نحن؟ وإلى أي هاوية تذهب البشرية؟!.
صورة فكرية
في تشبيه مختصر وبليغ صور الرئيس الجنوب أفريقي “مبيكي” العالم بأنه “أصبح جزيرة أغنياء تحيط بها بحار من الفقراء”، كان ذلك في عام 2007 في مؤتمر الأرض الذي عقد في جوهانسبيرج وناقش مشكلة الفقر في جملة ما ناقشه، ولم يكن الرجل مخطئاً في توصيفه فكل المؤشرات والإحصائيات والتقارير تؤكد ما قاله، بل تلفت إلى أن الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً.
ورغم أن الفقر مشكلة معقدة تتدخل فيها عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، إلا أنه يحلو لبعض العلماء والباحثين وخبراء الاقتصاد والتنمية أن يتحدثوا عن عامل واحد وأساسي يحملونه هذه الجريمة البشعة وهو النمو الديموغرافي، ويزعمون أن السبب في جوع الفقراء هو (خصوبتهم!)، فهم ينجبون أبناء كثر وبالتالي يزيد عدد السكان فتقل حصة الفرد من الغذاء... هذه الثقافة التبريرية والتزييفية المضللة لم تأت من فراغ بل تكمن وراءها منظومة فلسفية وفكرية واقتصادية، وهي تندرج في سياق كلي لا تعدو أن تكون فيه أداة تنفيذية تحقق غايات ومصالح كبرى تحكم سياسات العالم الاقتصادية.
ويمكن للمرء أن يعثر على نمط صارخ لهذه الثقافة عند مالتوس ومتوالياته المقيتة التي بررت بل ورأت في المجاعات والكوارث الطبيعية والفيضانات والحروب نوعاً من إعادة التوازن... وقد ذهب مالتوس إلى أبعد من ذلك فطالب بإفناء العنصر البشري الزائد. كان مالتوس من المنظرين المتشائمين ولم يتورع عن القول بأن “على العالم المتحضر أن يخلق حروباً طاحنة كل أربع سنوات للقضاء على الزيادة المفرطة في عدد السكان في المناطق الأكثر اكتظاظاً حتى لا يتحمل الجانب الآخر تبعات الأزمة”. وبالطبع لا يحتاج المرء إلى تفصيل ما يمكن أن يسفر عنه رأي كهذا من نتائج مريعة.
وفي إيضاح هشاشة مثل هذا الادعاء حبّرت صفحات وألفت كتب تبين أن المشكلة في العالم ليست مشكلة نقص غذاء أو زيادة في عدد الآكلين بل سوء في التوزيع. يكفي أن نتذكر أن أميركا تضم 6% من سكان العالم وتستهلك 40% من موارده، بحسب جوزيه دي كاسترو، الذي يعتبر أن “مشكلة العالم هي مشكلة توزيع، وليست مشكلة فقر”. فيما يعتبر المفكر الفرنسي روجيه جارودي القول بأن إنجاب أقل عدد ممكن من الأطفال يُجنب العالم مشاكل الجوع” “عار”، وهو ما ذهبت إليه بعض وثائق المؤتمر السكاني في بوخارست، لافتاً إلى أن “فلاحاً باكستانياً أو هندياً يستهلك أقل مما يستهلكه زميله الأميركي في كاليفورنيا بأربعمائة مرة...”. أما عن الفارق بين الشمال والجنوب فحدث ولا حرج... مقالات بعدد شعر الرأس وكتب تطول قائمتها بشكل يصعب على الحصر.
إن دعاة المبدأ الديموغرافي يستندون إلى أن سبب الفقر هو المعدلات العالية للولادات، وهي لا تعدو أن تكون خدعة لشرعنة الفقر وتبرير الجوع والتستر على عيوب النظام الرأسمالي أو توحش رأس المال بشكل أدق، وكان من الممكن في الظروف الطبيعية أن تكون الزيادة في عدد السكان من عوامل التقدم والنمو كما حدث في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
لكن الحقيقة تكمن في مكان آخر... إنها خلل بنيوي في الطريقة التي يدار بها العالم اقتصادياً، والكتابات التي قرأت الجوع في مناحيه الاقصادية حملت رؤية نقدية ليس فقط للنظام الاقتصادي العالمي ومفاعيله، بل للحضارة المعاصرة التي تنتج الفقر والتخلف والجوع وتعولمهما على نحو غير مسبوق، وكذلك للمأزق الأخلاقي الذي يتجلى في انزلاقات إنسانية مخجلة. ففي كتاب “عشر خرافات حول الجوع في العالم” رد مفحم، بالأمثلة الحية المستمدة من مختلف أرجاء الأرض، وبالتحليل العميق المستند إلى فهم فلسفي لما يجري على هذا المستوى من تحالفات بين رأس المال والسلطات. في هذا الكتاب يحفر الكاتبان قبراً عميقاً يدفنان فيه الخرافات المكرسة أو التي جرى تكريسها بقصدية وتعمد، بغية تبرير الجوع وشرعنة الفقر. صحيح أن تحليلاته مؤلمة لكنها في الشق الآخر مفعمة بالأمل، ليس فقط لأنها تكشف الحقيقة وراء نمو ظاهرة الجوع في العالم وإنما لأنها تزيل الكوابح التقليدية والعقبات المسلطة كسيف على رقاب من يرون أن الجوع “صناعة”ت ترعاها وتمدها بكل ما يجعلها تتفاقم كارتلات ضخمة وتحالف بين رأس المال الجشع والسياسة، وتوضح بالدليل أن بإمكان الجوع أن يصبح أثراً بعد عين إذا ما جرى العمل بالطرق الملائمة من أجل إنهاء الجوع الذي لا مبرر له.
وربما يوضح فرانسيس مورلابيه وجوزيف كولينز في كتابهما المسألة بشكل لا لبس فيه: “منذ أكثر من 15 سنة حاولنا أن نفهم لماذا هناك جوع في عالم تسكنه الوفرة، وحين تجاوزنا النظرة السطحية والمخيفة إلى الجوع، وصلنا إلى حقائق مذهلة، ليس الجوع في أي دولة من دول العالم مشكلة مستحيلة الحل، حتى تلك الدول التي تعتبر مكتظة بالسكان إلى حد كبير، لديها الإمكانات الضرورية لتحرير نفسها من عبء الجوع...”.
ولدى الكاتبة الفرنسية دوان بوي أمثلة أخرى عديدة على جشع الدول الغنية والشركات الكبرى التي لا تتوانى في اتباع الأساليب الشرعية وغير الشرعية من أجل الربح ولو مات نصف البشرية جوعاً. وفي كتابها “المجوَّعون” تتحدث عن الاحتكاريين ومالكي الشركات التجارية الكبرى الموزّعة للأرز الذين يتحكمون في سوق الغذاء وفق أهوائهم ومصالحهم في الوقت الذي تكون فيه بطون الملايين خاوية في بلد كالسنغال مثلاً، وتبقى السفن المحمّلة بالمواد الغذائيّة في السواحل الأفريقية راسية في البحر بعيداً عن الموانئ في انتظار الحصول على أسعار أعلى للبضاعة التي تحملها، حتى وإن كانت المواد الغذائية التي تحملها موجهة لأكثر البلدان فقراً، هذه الشركات التي تتمتع بكلّ الامتيازات الضريبيّة تجني أرباحا خياليّة من وراء بطون الشعوب الفقيرة الخاوية.
كل ذلك وغيره دفع الكاتبة إلى القول بأن هناك جائعين وهناك “مجوّعين”، وإلى توجيه انتقاد شديد اللهجة إلى المنظّمة العالمية للتجارة ومقرّها “جنيف” التي اعتبرتها “جهازاً خاوياً تماماً كبطون الجوعى الأفارقة”.
كل ما سبق يدل على حاجة البشرية إلى ممارسة اقتصادية إنسانية تعمل على كبح الممارسات غير المسؤولة التي لا تراعي الاعتبارات الإنسانية، وحاجتها إلى تجاوز منطق العلاقات الدولية الحالية نحو منطق جديد يعين الدول النامية على تجاوز محنتها بدل إفقارها وتجويعها لتركيعها مرة واستغلال مواردها مرة أخرى، لأن حضارة تترك الملايين من أبنائها ليموتوا جوعاً وعطشاً هي حضارة جائرة ومأزومة.
والخلاصة، أن “قضية الجوع” لم تعد تأثيراتها تقتصر اليوم على الدول الفقيرة، بل تطال باضطراد الدول “الغنية” أيضا التي يتزايد عدد سكانها “الذين يعانون من الفقر أو البطالة أو الأجر غير الكافي”. والمجاعة ليست مسؤولية الفقراء وحدهم بل هي إحدى أهم تحديات القرن الواحد والعشرين. وفي احتفالية منظمة الفاو بيوم الأغذية العالمي الذي أقيم قبل أيام (17 أكتوبر 2011)، قال المدير العام للمنظمة جاك ضيوف “إن ثمة حاجة إلى 80 مليار دولار من الاستثمار الإضافي سنويا في الزراعة”. وعليه، لا يبدو أن مشكلة الجوع يمكن أن تحلَّ بالتبرعات مهما ارتفع مقدارها بل بالبحث عن سبل إنقاذ جوهرية وفاعلة.
صورة سوريالية
عندما يعاني ملايين البشر من تقلصات الجوع التي لا ترحم... فيما لا تعاني الإنسانية من أي تقلصات في ضميرها أو وعيها.
عندما يموت الأطفال جراء العطش... فيما البشرية تنفق على تجارة الأسلحة (1.2 تريليون دولار في عام 2006)!
عندما يموت الملايين بسبب نقص الغذاء... فيما يتم حرق كميات كبيرة من محاصيل بعينها لكي تظل أسعارها في السوق مرتفعة!
عندما يموت الملايين بسبب الجوع... فيما يتسخدم الغذاء في إنتاج الوقود الحيوي للطائرات!
عندما يموت 29 ألف طفل صومالي خلال ثلاثة أشهر جوعاً... فيما تستهلك الحيوانات الأليفة في البلدان المتقدمة ربع إنتاج العالم من الحبوب حسب محمد يدجاوي في كتابه “من أجل نظام اقتصادي دولي جديد”، وهو رقم يمثل حاجة الاستهلاك البشري لحوالي مليار و300 مليون إنسان حسب سوزان جورج في كتابها: “كيف يموت النصف الثاني من العالم؟”... وفي الصومال يبدو المشهد سوريالياً أكثر من أي سوريالية متخيلة... ومن لم يمت بالرصاص مات بالجوع.
عندما يحدث مثل ذلك وغيره كثير.. تكون الإنسانية حتماً في مأزق أخلاقي من العيار الثقيل.. مأزق يهدد وجودها ويؤشر على أن حضارتنا العتيدة تحمل بذور فنائها في أحشائها. تلك واحدة من آفات العولمة الاقتصادية التي لم تفعل سوى تكريس المشكلات الاجتماعية بسبب الفجوة الهائلة بين العالم الغني والعالم الفقير، وهي فجوة ليست اقتصادية وحضارية وعلمية بل أخلاقية أيضاً... ففي الدول النامية يتراوح حجم الإنفاق للحصول على الغذاء ما بين 60-80% من دخول الأفراد (أي أنهم يعيشوا ليأكلوا وربما يركضوا وراء الرغيف وهو يركض أمامهم فلا يدركونه)، بينما يتراوح هذا المعدل في البلدان المتقدمة ما بين 10-20% (أي أنهم يأكلون ليعيشوا). وفيما يعيش ما يقارب 2 مليار من البشر (ثلث العالم) تحت خط الفقر (دخلهم أقل من دولارين يومياً)، وسدس سكان العالم تحت خط الفقر المدقع (دخلهم أقل من دولار يومياً) حسب تقرير البنك الدولي، ينفق العالم على السلاح (1.2 تريليون) دولار!!! وهو رقم كفيل بأن يطعم كل جياع الأرض بل ويزيد على حاجتهم. والأنكى من ذلك، أن البلدان الفقيرة (37 دولة) لا تحتاج لتحسين قدراتها على مواجهة أزمة الغذاء إلا لحوالي (1.4 مليار) دولار.
تضرب المجاعة منطقتين في الصومال (جنوب باكول ولاور شابيل)، فتعلن الأمم المتحدة أن السبب هو تأثرها بالجفاف، ولا تذكر شيئاً عن الجفاف الإنساني والتصحر الروحي الذي يضرب في جهات الأرض الأربع... لكن منظمة أوكسفام فعلتها وانتبهت، واتهمت حكومات أوروبية بالإهمال المتعمد للوضع مع تسبب نقص في المعونات قيمته 800 مليون دولار في بطء الاستجابة الدولية لأزمة الجفاف التي تضرب منطقة القرن الأفريقي. وقالت المنظمة الخيرية البريطانية إنه لم يتم تدبير سوى 200 مليون دولار من الأموال المطلوبة لتجنب كارثة إنسانية في المنطقة التي ضربها الجفاف والتي تشمل الصومال وكينيا وأثيوبيا.
وقال فران ايكيزا المدير الإقليمي للمنظمة: “يتعين ألا نضيع الوقت إذا كنا نرغب في أن نتجنب خسارة فادحة في الأرواح. يجب ألا نقف موقف المتفرج ونحن نشاهد هذه المأساة وهي تتداعى أمام أعيننا”. وأضاف: “العالم متباطئ في إدراك خطورة الكارثة لكن لم يعد هناك أي مبرر للتقاعس عن العمل”. كان ذلك قبل أن تتفشى المجاعة في الصومال كله، بيد أن العالم صم أذنيه ولم يسمع لا نداءات المحذرين ولا اتهامات المتهمين ولا صرخات الجائعين، وذهبت نداءات ايكيزا ومناشداته للعالم أدراج الرياح، تماماً كما كان تحذير مارك باودن المنسق الإنساني للأمم المتحدة في الصومال في 20 من يوليو الماضي صرخة في واد.
قال باودن: “إذا لم نتحرك الآن ستمتد المجاعة إلى كل مناطق جنوب الصومال الثماني خلال الشهرين المقبلين بسبب سوء حالة المحاصيل الزراعية وانتشار الأمراض المعدية”... ولم يستجب أحد.
وقال إن “نصف الصوماليين تقريبا يعيشون في جنوب البلاد وإنهم يواجهون أزمة حقيقية”... ولم يسمع أحد.
واشتكت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من صعوبة إيصال كميات أكبر من المساعدات (بسبب المتمردين) لمنع تحول مزيد من الصوماليين إلى وضعية لاجئين... ولم يكترث أحد.
وقال صندوق الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” إن المجاعة تؤدي إلى زيادة معدل الوفيات بنسبة شخصين بين كل عشرة آلاف نسمة يوميا، ومعدلات وفيات تزيد على 30% في صفوف الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات في منطقة القرن الأفريقي... ولم تطرف عين أحد.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن طفلا من بين كل عشرة أطفال معرض لخطر الجوع حتى الموت، وإن زهاء 11% من الأطفال الأقل من خمس سنوات جنوب الصومال يعانون الآن من سوء تغذية حاد... ولم يحرك ذلك شعرة أو يقشعرّ له جلد أحد.
هكذا تُرك الصومال، يواجه مصيره المأساوي وحده، ولم تفلح مطالبات هيلاري كلينتون “بالاستنفار العالمي” ضد المجاعة ولا تأكيدها أن بلادها “قلقة جداً” حيال أخطار المجاعة، في أن تسعف نزيف الإنسانية الراعف في القرن الأفريقي، ولا في أن يستجيب المانحون ويتخذوا التدابير والإجراءات البنيوية التي تعزز قدرة المنطقة على التعامل مع أزمات مقبلة، وكيف يفعل هذا النظام العالمي وهو أصلاً مصاب بخلل بنيوي وعقلي وقِيَمي؟
ربما يكون من بركات القرن الأفريقي الجائع أنه قدم لنا (من غير قصد) دليلاً جديداً على أن بركات العولمة الاقتصادية وهم أو سراب... فهذا القرن المبتلى بالجوع ومن قبله بالحروب لا ينفك يضع الضمير الإنساني أمام امتحان عسير وبالغ القسوة، وفي كل مرة تسقط الإنسانية في الامتحان ويتضح كم أن مخزونها الإنساني ضحل ونبعه في نضوب. وإذا كانت (المرأة) الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها (حسب المثل الصيني)، فإن لديَّ شكاً كبير
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]