موضوع: رائعة نزار القباني يوميا امرأة لامبالية 7/11/2011, 04:50
على دفترْ .. سأجمعُ كلّ تاريخي على دفترْ .. سأرضعُ كلّ فاصلةٍ حليبَ الكلمةِ الأشقرْ.. سأكتبُ لا يهمُّ لمن سأكتبُ هذه الأسطرْ.. فحسبي أن أبوحَ هنا لوجهِ البوحِ لا أكثرْ .. حـروفٌ لا مبـاليةٌ أبعثرها على دفتـرْ.. بلا أمـلٍ بأن تبقى بلا أمـلٍ بأن تُنشـرْ.. لعـلّ الريح تحملهـا فتزرع في تنقلهـا .. هنا حرجاً من الزعتر هنا كرماً هنا بيدرْ .. هنا شمسـاً و صيفـاً رائعـاً أخضـرْ .. حروف سوف أفرطها كقلب الخوخة الأحمرْ لكلّ سـجينةٍ تحيا معي في سجني الأكبرْ .. حروفٌ سوف أغرزها بلحمِ حياتنا خنجرْ .. لتكسرَ في تمرّدهـا جليداً كان لا يُكسرْ .. لتخلعَ قفل تابوتٍ أُعِـدَّ لنـا لكي نُقبرْ .. كتـاباتٍ أقـدّمها لأيّ مهجةٍ تَشـعرْ .. سيسعدني إذا بقيتْ غداً مجهولةَ المصدرْ .. - 2 - أنـا أنثـى .. أنـا أنثـى .. نـهار أتيت للدنيـا وجدتُ قرار إعدامي .. ولم أرَ بابَ محكمتي و لم أرَ وجهَ حكّامي .. - 3 - عقاربُ هذه الساعة كحوتٍ أسودَ الشفتين يبلعني .. عقاربها كثعبانٍ على الحائط كمقصلةٍ كمشنقةٍ كسكّينٍ تمزّقني كلصٍّ مسرع الخطوات يتبعني و يتبعني .. لماذا لا أحطّمها ؟ وكلّ دقيقةٍ فيها تحطّمني أنا امرأةٌ بداخلها توقّفَ نابضُ الزّمنِ .. فلا نوّارَ أعرفهُ .. ولا نيسانَ يعرفني .. - 4 - أنا بمحارتي السوداء .. ضوءُ الشمسِ يوجعني وسـاعةُ بيتنا البلهاء .. تعلكنـي و تبصقنـي مجــلاتي مبعثـرةٌ ..وموسـيقاي تضجرني مع الموت أعيش أنا .. مع الأطلال و الدّمـنِ جميـعُ أقاربي موتى .. بلا قبـرٍ و لا كفنِ أبوح لمن ولا أحداً ..مِنَ الأمواتِ يفهمني ؟ أثور أنا على قدري .. على صدئي على عفني و بيتٍ كلُّ مَنْ فيـه .. يعادينـي و يكرهني أدقُّ بقبضتي الأبواب ..و الأبوابُ ترفضنـي بظفري أحفر الجدران .. أجلدها و تجلـدني أنا في منزل الأموات فمن من قبضة الموتى يحررني ؟! - 5 - لمـــن صــدري أنـا يكبــرْ .. ؟! لمـن كرزاته دارت ؟.. لمـن تفاحه أزهرْ ؟! لمن صحنانِ صينيّان ..من صدفٍ ومن جوهرْ ؟ لمن قدحان من ذهبٍ .. و ليس هناك من يسكرْ لمـن شـفةٌ مناديـةٌ ..تجمّدَ فوقها السّكـرْ ؟ أللشـيطان للديـدان .. للجـدران لا تُقهرْ ؟ أربّيها وضوءُ الشمسِ أسقيها سنابلَ شعري الأشقرْ - 6 - خلوتُ اليوم ساعاتٍ إلى جسدي .. أفكر في قضاياهُ أليسَ له هو الثاني قضاياهُ ؟ .. وجنّتهُ .. و حماهُ ..؟ لقـد أهملتـهُ زمنــاً .. و لـم أعبـأ بشـكواهُ نظرتُ إليهِ في شغفٍ .. نظرتُ إليهِ من أحلى زواياهُ لمسـتُ قبابـهُ البيضـاء و غابتـهُ ومرعـــاهُ أنـا لـوني حليبـيٌّ كأنّ الفجرَ قطّـرهُ و صفـاهُ أسـفتُ لأنّه جسدي .. أسفتُ على ملاستهِ و ثرتُ على مصمّمهِ .. و عاجنـهِ و ناحتـهِ رثيتُ له لهـذا الوحش .. يأكلُ من وسـادتهِ لهــذا الطّفــلِ ليسَ تنــام عينـــاهُ نزعتُ غلالتي عنّي رأيتُ الظلّ يخرجُ من مراياهُ رأيتُ النّهـدَ كالعصفورِ لم يتعـبْ جناحـاهُ تحـرّرَ مـن قطيفتـهِ و مـزّقَ عنـه تفتـاهُ حزنتُ أنا لمرآهُ .. لماذا الله كوّرهُ و دوّرهُ و سوّاهُ ؟! لمــاذا الله أشــقاني بفتنتــه و أشــقاهُ ؟ و علّقـهُ بأعلى الصّـدرِ جرحاً لسـتُ أنسـاهُ - 7 - لمـاذا يستبدُّ أبي ؟ .. و يرهقني بسلطتهِ ؟! و ينظرُ لي كآنيـةٍ ..كسطرٍ في جريدتـهِ و يحـرصُ أن أظلَّ لهُ ..كأني بعض ثروتهِ و أن أبقـى بجانبـهِ .. ككرسـيٍّ بحجرتهِ أيكفـي أنني ابنتهُ .. وأني من سـلالتهِ ؟ أيطعمنـي أبي خبزاً .. أيغمـرني بنعمتهِ ؟ أكفرتُ أنا بمال أبي ؟.. بلؤلؤهِ .. بفضّتهِ ؟ أبي لم ينتبـه يومـاً .. إلى جسدي و ثورتهِ أبي رجـل أنانـيٌّ .. مريضٌ في محبّتــهِ مريضٌ في تعصّبـهِ .. مريضٌ في تعنّتــهِ يثورُ إن رأى صـدري تمـادى في استدارتهِ يثورُ إن رأى رجـلاً .. يقرب من حديقتهِ أبي لـن يمنعَ التّفاح .. عن إكمالِ دورتـهِ سيأتي ألفَ عصفورٍ .. ليسرقَ من حديقتهِ - 8 - على كرّاستي الزرقـاء أستلقي بحريّـه وأبسط فوقها ساقي في فرحٍ و عفويّـه أمشّطُ فوقها شعري .. و أرمي كل أثوابي الحريريّه أنـامُ أفيـقُ عاريـةً .. أسـيرُ أسـيرُ حافيـةً علــى صفحــات أوراقــي السـماويّه على كرّاسـتي الزرقاء .. أسـترخي على كيفي و أهربُ من أفاعي الجنس و الإرهابِ و الخوفِ و أصرخُ ملءَ حنجرتي .. أنا امرأةٌ .. أنا امرأةٌ أنا إنسانةٌ حيَّـه .. أيا مدنَ التّوابيتِ الرخاميّه على كراستي الزرقاء تسقطُ عنّي أقنعتي الحضاريّه ولا يبقى سوى نهدي تكوّمَ فوقَ أغطيتي كشمسٍ استوائيّه ولا يبقى سوى جسدي يعبّرُ عن مشاعرهِ بلهجتهِ البدائيّه و لا يبقى .. و لايبقى .. سـوى الأنثـى الحقيقيّـه - 9 - أحبُّ طيورَ تشرينِ .. تسـافرُ حيثما شـاءت و تأخذُ في حقائبها بقايا الحقلِ من لوزٍ ومن تينِ أنا أيضاً أحبُّ أكونَ .. مثـل طيورِ تشـرينِ أحــبُّ أضيــعَ .. مثـل طيورِ تشـرينِ فحلوٌ أن يضيعَ المـرءُ .. بيـنَ الحينِ و الحيـنِ أريدُ البحثَ عن وطن .. جديـدٍ غيرَ مسكونِ وربٍّ لا يطــاردني .. و أرضٍ لا تعـاديني أريدُ أفرُّ من جلـدي .. ومن صوتي ومن لغتي وأشــردُ مثــل رائحــة البســاتينِ أريدُ أفـرُّ من ظلّـي .. و أهرب من عناويني أريدُ أفـرُّ من شـرقِ الخرافـة و الثعـابينِ مـن الخلفاء و الأمراء .. مـن كل السلاطينِ أريــدُ أحــبُّ ..مثـل طيور تشـرينِ أيــا شــرقَ المشــانقِ و السـكاكينِ - 10 - صـباحَ اليومِ فاجأني .. دليـلُ أنوثتي الأّوّلْ كتمتُ تمزّقي ورحتُ .. أرقبُ روعةَ الجّدولْ وأتبـعُ موجـهُ الذهبيّ .. أتبعـهُ ولا أسألْ هنـا أحجارُ ياقوتٍ .. وكنزُ لآلـئٍٍ مُهملْ هنـا نافورة جذلـى .. هنا جسرٌ من المخملْ هنا سفنٌ من التوليب .. ترجو الأجملَ الأجملْ هنـا حبرٌ بغير يـدٍ .. هنا جـرحٌ ولا مقتلْ أأخجلُ منه هل بحـرٌ .. بعـزّةِ موجهِ يخجلْ ؟ أنا للخصبِ مصدرهُ .. أنا يـدهُ .. أنا المغزلْ - 11 - أسائلُ دائماً نفسي .. لماذا لا يكونُ الحبّ في الدنيا لكلّ الناس .. كلّ الناس .. مثـل أشـعة الفجـرِ لمـاذا لا يكون الحـبّ مثـل الخبـزِ و الخمـرِ ومثــــلَ المـــــاءِ في النّهــــرِ و مثلَ الغيمِ و الأمطار.. و الأعشـاب و الزهـرِ أليس الحبّ للإنسان .. عمـراً داخل العمـرِ ؟ لمـاذا لا يكون الحـبّ في بلـدي طبيعيـّاً ؟ كأنّـه زهـرةٌ بيضاء طالعـةٌ من الصخـرِ طبيعيّاً كلقيا الثغر بالثغر .. ومنساباً كما شعري على ظهري لمـاذا لا يحـبّ الناس في ليـنٍ و في يسـرِ ؟ كما الأسـماك في البحرِ .. كما الأقمار في أفلاكها تجـري لماذا لا يكون الحبّ في بلدي ضروريّاً كديوانٍ من الشعرِ ؟! - 12 - أفكّر أيّنا أسعدْ .. أنا أم ذلك الممدود سلطاناً على المقعدْ سعيداً تحت فروتهِ كربٍّ مطلقٍ مفردْ أفكّرُ أيّنا حرٌّ و من منّا طليق اليـدْ أنـا أم ذلك الحيـوان .. يلحسُ فـروه الأجعــدْ أمامي كائنٌ حرٌّ يكادُ للطفهِ يُعبـدْ لهذا القطّ عالمهُ ، له طردٌ ، له مسندْ له في السطحِ مملكةٌ و راياتٌ له تُعقدْ له حريّةٌ و أنـا أعيشُ بقمقمٍ موصدْ - 13 - أنا نهـداي في صـدري كعصفورين قد ماتا من الحرِّ كقدّيسـين شــرقيّين .. متّهميــن بالكفــرِ كم اضطُّهدا و كم جُلدا .. وكم رقـدا على الحجـرِ وكم رفضـا مصـيرهما .. وكم ثـارا على القهـرِ وكم قطعــا لجامهمـا .. وكم هربـا من القبـرِ متى سـيفكُّ قيـدهما ؟ .. متـى يـاليتنـي أدري - 14 - نزلـتُ إلى حديقتنـا .. أزورُ ربيعهـا الرّاجعْ عجنتُ ترابها بيدي .. حضنتُ حشيشها الطالعْ رأيتُ شجيرةَ الدّراق .. تلبسُ ثوبهـا الفاقـعْ رأيتُ الطّيـرَ محتفـلاً .. بعودة طيره الساجعْ رأيتُ المقعـدَ الخشبيّ .. مثـلَ الناسكِ الراكعْ سـقطتُ عليه باكيةً .. كأنّي مركبٌ ضائـعْ أحتى الأرض يا ربّي تعبّر عن مشاعرها بشكل بارع بارع أحتّى الأرض يا ربّي لها يومٌ تحبُّ به تضمُّ حبيبها الراجع رفوف العشب من حولي لها سبب لها دافع فليس الزنبق الفارع و ليس الحقل ليس النحل ليس الجدول النابع سوى تعبير هذي الأرض غير حديثها البارع أحـسّ بداخلي بعثاً يمزّق قشرتي عني و يسقي جذري الجائع و يدفعني لأن أعدو مع الأطفال في الشارع أريد أريد أن أعطي كأيّ زهرة في الروض تفتّح جفنها الدامع كأية نحلة في الحقل تمنح شهدها النافع أريد أريد أن أحيا بكل خلية مني مفاتن هذه الدنيا بمخمل ليلها الواسع و برد شتائها اللاذع أريد .. أريد أن أحيا .. بكل حرارة الواقع .. بكل حماقة الواقع - 15 - أبــي صـنفٌ مــن البشــرِ مزيجٌ من غباءِ التّرك و من عصبيّة التّترِ أبي أثر من الآثار .. تابوتٌ من الحجرِ تهرّأ كل ما فيهِ ..كبابِ كنيسـةٍ نخرِ كهارون الرشيد أبي ، جواريه ، مواليه ، تمطّيه على تخت من الطّررِ و نحن هنا .. ضحاياه .. سـباياه .. مماسـح قصـره القــذرِ - 16 - أغطُّ الحرفَ بالجرحِ و أكتبُ فـوقَ جدرانٍ من الكبريت و الملحِ و أبصقُ فوقَ أوثانٍ عواطفها من الملحِ و أعينها و منطقها من الملحِ - 17 - لماذا في مدينتنـا نعيش الحـبَّ تهريبـاً و تزويـرا و نسرق من شقوقِ الباب موعدنا و نستعطي الرسائل و المشاويرا لماذا في مدينتنا ..؟ يصيدون العواطف و العصافيرا لماذا نحن قصديرٌ و ما يبقى من الإنسان حين يصير قصديرا ؟! لماذا نحن أرضيّون ..تحتيّون .. نخشى الشمس و النورا لماذا أهل بلدتنا يمـزّقهم تناقضهم ففي ساعات يقظتهم يسبّون الضفائر و التنانيرا و حين الليل يطويهم يضمّون التصاويرا - 18 - يعود أخي من الماخور عند الفجر سكرانا يعود كأنّه السلطان، من سـمّاه سلطانا و يبقى في عيون الأهل أجملنا و أغـلانا و يبقى في ثياب العهر .. أطهرنا و أنقانا يعود أخي من الماخور مثل الدّيك نشوانا فسبحان الذي سوّاه من ضوءٍ و من فحمٍ رخيصٍ نحن سوّانا وسـبحان الذي يمحـو خطـاياه ولا يمحـو خطـايانا - 19 - خرجتُ اليوم للشّرفة على الشّباك جارتنا المسيحيّة تحيّيني فرحتُ لأنّه إنسانٌ يحيّيني لأنّ يداً صباحيّة .. يداً كمياهِ تشرينِ تلــوّحُ لي تنــاديني أيا ربّي متى نُشفى تُرى من عقدةِ الدّينِ ؟ أليسَ الدّين كلّ الدّين إنساناً يحيّيني و يفتحُ لي ذراعيهِ و يحملُ غصنَ زيتونِ - 20 - تُخيفُ أبي مراهقتي .. يدقُّ لها طبول الذّعرِ و الخطرِ يقـاومها .. يقـاوم رغوة الخلجان يلعنُ جرأةَ المطرِ يقـاوم دونمـا جدوى مـرور النّسـغ في الزّهـرِ أبي يشـقى إذا سـألت رياحُ الصّيفِ عن شـعري و يشـقى إن رأى نهــدايَ يرتفعـانِ في كِبـرِ و يغتسـلان كالأطفـال تحـتَ أشـعّة القمـرِ فمـا ذنبي و ذنبهمـا .. همـا منّي .. همـا قدري
KLIM
موضوع: رد: رائعة نزار القباني يوميا امرأة لامبالية 10/11/2011, 06:37
أنا امرأةٌ بداخلها توقّفَ نابضُ الزّمنِ .. فلا نوّارَ أعرفهُ .. ولا نيسانَ يعرفني .. ما فهمتها