العيدية
اعتاد العرب منذ فجر التاريخ ، علي كرمهم المطلق وتباري شعرائهم فى إبراز مكارم الأمراء والملوك ، جاء الاسلام وثبت قيمة الكرم فى نفوس العرب والمسلمين، هذا عن أسس التكافل الإجتماعي التى رسخها الإسلام ،وتعتبر الزكاة فرض من الفروض الأساسية للإسلام والذي يرسخ أرقى مفاهيم التكافل الاجتماعى، ولو نفذ هذا الفرض لما بقى مسلم فقير علي وجه الأرض ومع التطور التي صاحبته المجتمعات الإسلامية ،أدخلت عادة ليس لها أبعاد ولا اصول تاريخية ،انها ظاهرة مايسمى( العيدية )بحيث يقوم كل قادر وصاحب دخل ،بإعطاء مبلغ من المال لمن تربطه بهم صلة قرابة هذا عدا عن جميع اطفال العائلة0
وفى حقيقة الأمر ان فكرة العيدية ،عرفت عند العرب وكبرت بشكلها الحالى، حيث كان الموسورون من افراد العائلة يجمعوا ماتيسر من مواد تموينية ونقود تساعد اقاربهم المحتاجين فى تيسير أمور العيدوشراء ملابس جديدة لأطفالهم 0انتشرت هذه العادة فى وطننا العربي المسلم الكبير، وأصبح الكل يتباري لتقديم ما يستطيع ارضاءاً لله اولاً، ومرت السنين والناس علي هذه الحالة، ونتيجة الإنتعاش الإقتصادى الذي شاهده العالم العربي فى مطلع القرن العشرين، إتخذت العيدية طابع آخر إذ اصبح لزاماً علي رب الأسرة ان يدفع مبلغاً من المال للأقرباء والأرحام ، الأمر كان فى البداية مقصوراً علي عيدية الأطفال ثم تطور وشمل النساء ،بمعنى أن رب البيت أصبح لزاماً عليه أن يرصد مبلغاً لابأس فيه من المال لممارسة هذه العاده ؟! وخاصة وأن جيبه تكون قد أرهقت من مصاريف شهر رمضان وتوابعه الخاصة ، وتكمن المشكلة فى عالمنا العربي أننا نعيش ضمن نظام (الأسرة الممتدة ) أ ي يصبح فرضاً عي المقتدر ان يخرج العيدية لأنفار يكون عددهم غير محدود ! فما بالكم برجل ذو دخل محدود ،ويكون أخ لثمان أخوات وعشرة أخوة ! ولاأ بالغ حين القول أن هذا العدد هو المتوسط فى عالمنا العربي بشكل عام والفلسطينى بشكل خاص ، ولو أجرينا حسبة بسيطة أن كل أخت من أخواته متزوجة ومنجبة ثمانية علي الأقل! وأبناء أخوانه ايضا متزوجين ومنجبين مثلهم !هذا عدا عن خالاته وعماته وووو ، وللأسف اصبح ضمن عاداتنا أن العيدية مرتبطه بالرجولة والمحبة أحيانا وبروتكولات العيد دائما ! وما أن يبنتهى الرجل من لهث آخر نفس من عيد الفطر، حتى يطل علينا عيد الاضحى المبارك ، ويضع الموظف خطة خمسية للإشتراك مع سبعة اشخاص- غالبيتهم من الموظفين – للإشتراك فى أضحية -غير سميتة- لإرضاء الله اولاً واطفاله ثانيا ، وبعهد أن يحقق مراده يبدأ يفكر بالعيدية! ومن هنا يتحول العيد من بهجته ورونقة وتكافله وتراحمه وإسعاد الأطفال والارحام إلى نكد وخازوق اقتصادى، يضعضع وضع غالبية الأسر العربية بشكل عام ،والأسر الفلسطينية بشكل خاص، لأن غالبيتها تعيش تحت (خط الفقر المدقع) ولكن بسبب تمسكهم بأيمانهم ومعتقداتهم وعاداتهم العربية الأصيلة ، يرتضى رب الأسرة أن يربط علي بطنه حجراً من أجل أن ييسر أمور العيدية للأطفال والأرحام 0والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، بعد أن أقر الله سبحانه وتعالى الزكاة علي المسلمين، هل تصبح العيدية لزاماً وواجباً شرعياً ؟ وأين دور أئمة المساجد عن مشروعية هذه الظاهرة ،ودورها فى قطع الكثير من الارحام ؟ حيث يستنكف غالبية الشباب غير القادرين على (العيدية) للذهاب الى أرحامهم ،بحجة أنهم غير قادرين علي الدفع ! بمعنى لو أنه استطاع توفير( العيدية ) وما تبعها من مصاريف وبدع هاوية، أدخلت علي معتقداتنا، واستطاع أن تيبعها بأضحية ،بهذا المنطق يصبح رب الاسرة صاحب الدخل المتوسط ملاحقا بالديون، غير قادر علي توفير عيشة لائقة لإبناءه فى ضوء الغلاء الفاحش المتلاحق في عالمنا المعاصر 00من هنا أتوجه لرجال الفكر والسياسة، ورجال الدين الذين يحرصون علي رقي مجتمعاتهم ،اأن يفكروا بهذا الجانب، بشيء من العقل ، ويدرسوا إنعكاساته السلبية، وأن يخضعوه الى منطق إسلامى محض، ويتم تحكيمه بلغة إجتماعية إقتصادية ، هذه رسالة ،، وددت أن أوصلها من منظور المعاناة ،والمردود السلبى لظاهرة (العيدية ) أكثر من ايجابيتها السامية التى أرادها أجدادنا ،واتخاذها منحنى مجاملات كاذبه فى كثير من الاحيان ! أرجو من أولي الأمر منكم أن ينظر للموضوع بشيء من العقلنية والحيادية ، واللهم إنى قد بلغت فاشهد0
كتبها ناصر اسماعيل جربوع