اللغويات التاريخية والتاريخ اللغوي
الأستاذ محمد الأوراغي
كلية الآداب - الرباط
0. تقديم
اقتران لفظة التاريخ باللغة له معنيان، لأحدهما يستعمل التاريخ اللغوي، وهو الذي يتناول كل دراسة توسل اللغة، وتتخذها ذريعة لاقتناص المعرفة بوقائع غير لغوية، وللآخر راسمة اللغويات التاريخية، التي تصدق على أعمال تعالج اللغة ذاتها بوصفها موضوعا للتحليل التاريخي. غايتنا من التقديم تحليل هذين المعنيين بالقدر الموضح لأوجه الإئتلاف والاختلاف بينهما.
يستند التاريخ اللغوي إلى مقدمة تقول : للغة بنية غيرها ، وغيرها ذهن بشري أو واقع خارجي، لكن إسناد الطابع المرآتي إلى اللغة يغري الكثير من فروع المعرفة على توسيل اللغة إلى غيرها، وهو ما يدفعنا إلى ضرورة سبر أقسام هذا المعنى وإقصاء غير المناسب لأحد المتراكبين في راسمة ( التاريخ اللغوي).
من جملة ما يستبعد مناسبته للمفهوم من اللغة نذكر مختلف الأعمال المتميزة باستثمار قواعد اللغة في تحليل مضامين الأقاويل المدونة وغيرها من الرموز الدالة. لأن أي عمل من هذا القبيل ينتمي إلى حقل معرفي ينفرد موضوع، يمكن أن يستعين بقواعد اللغة في دراسته أو بغيرها من وسائله المنهجية. وما كان كذلك ليس من التاريخ اللغوي في شيء. أما المستبعد لعدم مناسبته للمفهوم من التاريخ فينحصر في مختلف الدراسات اللغوية التي تروم الكشف عن الثابت الذي لا يتغير من القوانين المنتمية إلى غير اللغة، أعمال من هذا القبيل تنتسب إلى اللغة، لأنها تتخذها موضوعا، لا إلى التاريخ لأنها تسعى إلى التمثيل لبينة لا تتحول،وبفقدها للشرط الأخير لا تدخل
في ما صدق التاريخ اللغوي.
ولتحرير العبارة بالمثال الموضح لما لم ينتسب إلى اللغة أو إلى التاريخ فلم يجز إنضاؤه إلى المركب منهما نذكر دراسات أدبية تلجأ أحيانا إلى مفاهيم لغوية وسميائية لتحليل أقاويل تشكل نصا فنيا أو غيره ، وأخرى نفسية توظف معطيات لغوية للكشف عن نمو نفسية الفرد. كربط ولادة اللغة لدى الطفل بتكون المسافة التي يتخدها من الواقع المعيش ( 1 ) . مثل هذه الدراسات قد تنتسب إلى التاريخ ، لأنها تتناول مثله موضوعا متجولا متبدلا و إن اختلفت طبيعة المتحول في كليهما ، لكنها لا تنتسب إلى اللغة . وبعكس ذلك " فلسفة اللغة العادية " ( 2 ) ، التي تتخذ من دراسة اللغة العادية وسيلة لإدراك ظواهر الواقع ، ومثلها " الأنحاء الفلسفية " على اختلاف صورها المتلاحقة المتشكلة حاليا في نموذج التوليدي التحويلي ، إذ لم يتردد شومسكي صاحب النموذج في اعتبار نحوه بديلا للإحيائيا فرعها الذري المتخصص بدراسة البنية العضوية للذهن البشري ، لأنه يعتقد أن " بنية اللغة تعكس بدقة متناهية العقل حتى صار علم اللغة لا يختلف في شيء عن علم العقل ، أي العلم الذي يدرس طبيعة العقل البشري وإوالياته . فكان النحو بداية لتحليل طرق العقل " ( 3 ) . مثل هذه الأعمال تنتسب إلى اللغة ، لأنها تدرس بنيتها ، لا إلى التاريخ لأنها تتوخى من المدروس الثمتيل لقوانين و أبنية قارة لا تتبدل .
بإقصاء ما سرد من أقسام المعاني المحتملة لم يبق للتاريخ اللغوي سوى الدراسات التي تتخذ من بنية اللغة موضوعا ، ومن الكشف عن تعاقب أطوار الناطقين بها هدفا . إذن كل عمل توسل بدراسة اللغة إلى تحديد الأطوار الكسبية المتعاقبة على الناطقين باللغة المدروسة وجب انضواؤه إلى التاريخ اللغوي كما سيتضح بأمثلة في مبحثه .
أما اللغويات التاريخية فهي متميزة من جهة عن التاريخ اللغوي باعتبارها تتخذ اللغة موضوعا وهدفا للدراسة ، ومن جهة أخرى عن اللغويات المسرحية من أي وصف بحكم أن هذه الأخيرة تسكن اللغة عن طريق التجريد ، وتفصلها بذلك عن عوامل التغيير ، بخلاف الأولى إذ تحافظ في اللغة على تفاعل بنيتها مع العوامل المتحكمة في تغييرها ، وهي في ذلك تستند إلى مقدمة مفادها أن الموضوع الذي يكون مادة التاريخ يمثل أفعالا بشرية محكومة بإرادة الإنسان وقدراته الذهنية ( 4 ) ، واللغة ، بوصفها ملكة صناعية ( 5 ) ، تشكل مادة للتاريخ .
مما تقدم يجب الاحتفاظ مرحليا بأن للغة بنية متغيرة ، و أن انتقالها عبر أطوار متلاحقة ينفلت للملاحظة ويصعب إدراكه وضبطه . لأن الدارسين للغة والمتكلمين بها لا يكونون عبر تاريخها الطويل سوى حلقة من سلسلة بحيث يشاهدون تلك الحلقة لا السلسلة ( 6 ) . أضف أن تبدل اللغة لا يحدث صدفة ، و إنما تحكمه مبادئ ثابتة ، لكن مبادئ تغير اللغات ليست ذاتية الثأتير ، بل تحتاج إلى حفاز لتمارس مفعولها على اللغة . ومحرضها لا يخلو إما أن يكون المتكلم بها ، و إما أن يكون اللغوي الواصف لها . والفرق بينهما أن الأخير يعجل بالتغيير، عن طريق إلحاحه المستمر على تحريض المبدأ المسؤول الذي يمكن من تهيئ بديل يعوض المقصود بالإقناء ، على هذا الأساس وجب أن تتفرع اللغويات التاريخية إلى فرعين : أحدهما يضم الدراسات التي تلاحق
أطاريح اللغويين الموجهة لتحاليلهم اللغوية باعتبارها صنفا من عوامل التحريض لمؤثرة في تطوير اللغة في أحد الإتجاهين (7) . ويضم الفرع الآخر دراسات ترصد ما اختفى من اللغة وما ظهر بديلا لمنقرض وبأي المبادئ يمكن ربط كل تغيير محتمل يلحق أحد مستويات اللغة، كما سيتضح بأمثلة في المبحث الثاني من هذه الدراسة .
1- التاريخ اللغوي
ينتمي إلى التاريخ اللغوي الدراسات المتميزة بالخاصيتين : 1) مقاربة بنية اللغة بمنهجية واردة من أجل ؛ 2) استصدار أحكام تخص أطوار الناطقين بها وأحوالهم المبتذلة. وهكذا يمكن أن يتوصل، باستعمال منهجية اللسانيات السلالية في الدراسة المقارنة بين مجموعة من اللغات، إلى إثبات القرابة العرقية بين الناطقين بها، وإرجاعهم، لحالجة في النفس، إلى أصل واحد ينحدرون منه انحدار لغاتهم من لغة أصل غابرة.
ولعل ضمان الاستقرار للتوسع الإنجليزي في آسيا كان وراء اختلاق راسمة "اللغات الهند أروبية" في أواخر القرن الثامن عشر. وتضم هذه المجموعة لغات، اعتبرها المستشرق الإنجليزي وليم جونسن تنحدر لقرابتها من أصل واحد غابر، وهي الإغريقية واللاتينية والسنسكريتية اللغة القديمة المقدسة في الهند (8) . ولا يستبعد أن يكون التحديد المسبق للهدف المراد تبريره بدراسة لغوية وراء التخلي المبكر عن اللسانيات السلالية. إذ سرعان ما أغرقت برواسم جديدة. من قبيل " النحو التاريخي" و "النحو المقارن" و "اللسانيات التلاحقية" (9) بل لم يعد أحد يطمئن إلى ثبوت القرابة بين لغات من خلال التشابه الصوتي والدلالي بين بعض الكلمات.
ومن المحتمل أن يجعل ضمن أهداف المقارنة بين لغات في إطار نظرية للنحو الكلي إثبات علاقة تفاضلية بني أقوام. كأن تنعت لغة البعض بكونها طبيعية تشخص الصور الكلية للفكر البشري، منها تستنبط قواعد النحو الكلي التي تحكم الأنحاء الخاصة باللغات الأخرى، والتي لم تذعن فهي شاذة غير طبيعية، تعكس الذهنية الغربية لأهلها الناطقين بها، ومثل هذه الأحكام المعيارية والاستخفافية تتردد بكثرة في أعمال النحاة التوليديين .
يدل على علاقة التفاضل بين أقوام وجود كلمات في لغات للتقليل من المتكلمين بغيرها، مثل ( بربر) (10) التي تعنين في اللاتينية والإغريقية واللغات المنحدرة منهما، الأجنبي البدائي الذي يبين. ومثلها كمة (عجم ولا عرب) (11) . فالأول يخلط في كلامه ولا يبين فلم يفهم عنه الثاني. أما في عربية الإسلام فقد صارت كلمة ( عجم) تدل على غير المبين بأي لغة تكلم، أو صمت، فيقال للصبي مادام لم يتكلم صبي أعجم ويقال صلاة النهار عجماء أي لا يجهر فيها بالقراءة، ذكره ابن فارس في معجمه أسفله.
ويشهد أيضا لعلاقة المفاضلة تقارض اللغات المتفاوت أهلها رفعة. إذ تضطر أحيانا اللغات إلى التشقيق المتفاوت لبعض المعاني المعجمية. وفي هذه الحالة كل لغة تحتفظ بما لديها أصلا لمعنى شقيق تقترضه مع لفظته ومكانته من إحدى ضرائرها، أما موقع المعنى الشقيق بالمقارنة مع مكانة المعنى الأصل فتحددها علاقة التفاضل بين اللغتين المتقارضتين. إذ تحتل مرتبة عليا إذا كانت اللغة المقترضة في مرتبة دنيا، وتكون له مرتبة دنيا إذا كانت المقترضة في مرتبة عليا. يوضح المثال (1) في الطرة (12) أسفله علاقة التفاضل القائمة بين المعاني الأصول ( أ) في اللغة الفرنسية ، والمعاني الشقائق ( ب ) المقترضة مع ألفاظها من العربية . يستعمل المتكلم بهذه
اللغة الألفاظ ( أ ) إخبارا عن حياده إزاء معانيها ، لكنه إذا قصد الحط من قيمها اضطر إلى استعمال شقائقها ( ب ) المقترضة من لغة تقع في مرتبة دون مكانة الفرنسية باعتبار الناطقين باللغتين .
هذه العلاقة الترابية يمكن ملاحظتها أيضا بين فصيح اللغة الواحدة وعاميها . كأن يعدل متكلم عن اللفظة الفصيحة ليستعمل بدلها لفظة عامية إذا قصد التقليل من المعنى الأصل لتحقيق غرض التحقير ، وبعكس هذه العملية يحقق غرض التعظيم .
الكشف عن الطابع المميز للأمة في فترة من تاريخها هدف لكثير من الدراسات اللغوية. أوضح مثال يشخص هذا الصنف لغويات الفترة الرومانسية بألمانيا في أواخر القرن الثامن عشر . إذ نسب إلى هنبلت ، وهو رجل دولة و أشهر لغوي ألمانيا في الفترة الذكورة، دفاعه عن فرضية تقول بالارتباط الشديد والطابع القومي إلى درجة اختلاط العرق الآري باللغات الجرمانية . تنبيه لهذه الفرضية تركه يعتقد أن لكل لغة بنية خاصة تكيف تفكير أهلها، وتعكس أسلوبهم الخاص في العبارة ( 13 ) . عملا بهذا التوجه المتميز بالتحام اللغة بمستعمليها نجد الخليل في النص الآتي يتناول في خطاب واحد اتصاف العربية وأهلها بالحكمة. يقول : " إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها ، وعرفت مواقع كلامها وقام في عقولها علله ، و إن لم ينقل ذلك عنها ، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه : فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست ، و إن تكن هناك علة له فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا محكمة البناء ، عجيبة النظم والأقسام ، وقد صحت عنده حكمة بانيها ... فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال : إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا و كذا ، ولسبب كذا وكذا " ( 14 ) . محتوى هذا المص يكشف عن الانطلاق من فرضية واحدة مفادها : إن إتقان اللغة أو اختلالها ليرتبطان ، بالتوالي ، بحكمة أهلها أو بعفويتهم ، وإذا اتضح التاريخ اللغوي موضوعا ومنهجية تعين المرور إلى تناول شريكه الموالي .
2 - اللغويات التاريخية
سبق في التقديم أن ذكرنا أن هذا القسم من الممارسة المعرفية يتميز بخاصيته : أولا اتحاد ما يشكل حقل اللغة موضوعا للدراسة وهدفا ، فلا يتجاوزه طلبا لغيره . ثانيا التزام الحياد بالإمساك عن التدخل في الموضوع كاصطناع سكونه عن طريق تجريده ، وعزله عن العوامل التأثير في تغيره ، بإدماج الخاصتين نحصل على عبارة تقربنا أكثر من تصور دقيق لهذا الفرع ، فنقول ، اللغويات التاريخية : ممارسة معرفية تلاحق تغيير اللغة بنية ونحوا وترصد تطورهما في الاتجاهين .
تقدم أيضا أن تحول اللغة أو تطورها لا يعزى إلى الصدفة ، وإنما يحصل بفعل عوامل تمارس تأثيرها بتحفيظ طبيعي من المتكلم أو اصطناعي من اللغوي ، وهو ما اقتضى تفريع هذا القسم إلى فرعين أحدهما يرصد أطارح اللغويين وتحاليلهم لمجموع الوقائع اللغوية التي تشكل نسقا وظيفيا ينتقل من حالة إلى أخرى عبر الزمان . نخص هذا الفرع من الدراسة باسم
" الملاسة " ، أما الصنف الآخر فإنه يتعقب كيفية انسلال نسق من سابق ، ويحدد المدرس من وقائع النسق مقرونا بعلة اختفائه وظهور بديله الذي يعوضه . هذا الفرع من اللغويات التاريخية نخصه باسم " الملاغاة " ( 15 ) .
2 .1 - الملاسنة :
ظهر أن الملاسنة فرع من اللغويات التاريخية ، يهتم بميلاد الأفكار المنتمية إلى علم اللغة، وبتحركها بين اللغويين عبر الزمان ، ويشمل ما كان من جهة اللغة متوحدا أو متغايرا: فتكون الملاسنة متوافقة إذا رصدت الدراسة متوافقة إذا رصدت الدراسة انتقال الأفكار وطرق المعالجة بين لغويين يشتركون في دراسة اللغة الواحدة ، وتكون متغايرة إذا وقع التركيز على تتبع هجرة الأفكار اللغوية وكيفيات المعالجة بين لغويين يفرقهم اهتمامهم بلغات مختلفة .
إذا وضعنا أسئلة من قبيل ،بأي لغوي تقترن مثلا فكرة التقسيم الثلاثي للكلم وهو يدرس أي لغة، و بأي القنوات صارت إلى غيره ممن درسوا لغات مختلفة ، وهل أصاب تعديل الفكرة في صياغتها الأصلية ، و بأي لغوي وهو يدرس أي لغة اقترن التعديل المدخل، فإن الأجوبة المقترحة لمثل هذه الأسئلة تشكل ملاسنة متغايرة ، لكن أسئلة من قبل بأي لغوي العربية يقترن التقسيم الثلاثي للكلم ، ومن منحا ة هذه اللغة تجاوز الرواية والنقل عن السابق إلى فحص مقترحه ونقده دعما أو نقضا ، وعلى يد من صار المقترح السابق متجاوزا، وبأي أسلوب حصل التجاوز ، أعن طريق إدماجه في تصور أعم أم بالانتقال به إلى نمط آخر من التفكير في اللغة ، فإنها تنتمي وأجوبتها إلى ملاسنة متوافقة ، ولنختبر صدق الصنفين من الملاسنة بأمثلة تحقق في اللغويات التاريخية .
2 .1 .1 - الملاسنة المتغايرة :
جاء في كتاب لاينس المذكور في الطرة ( 8 ) أن تحليل اللغات الأوروبيبة ظل إلى أواخر القرن التاسع عشر متأثرا ، بالنحو الذي وضعه بانيني للهندية ، خاصة في مجال الدراسة الصوتية والصرفية . إذ عنه أخذ لغويو أوروبا التصنيف المفصل لأصوات اللغة المؤسس على الملاحظة والتجربة ، كما أن الكثير من مظاهر لغويات القرن المذكور لتعكس بوضوح نظرية النجاة الهنود أو ممارستهم اللغوية . بل ذهب إلى أن مبادئ لبانيني ، كالإنسجام والعموم والاقتصاد ، ما زالت تبدو واضحة التأثير في أعمال لغوية حديثة .
لكنه يغلب على التقليل من الأعمال التاريخية لعلم اللغة في أوروبا عدم التثبت في استخلاص النتائج ، وإطلاق الأحكام . إذا ركزنا على بعض الأفكار اللغوية المتناقلة بين ابلمفلد ( 16 ) ولاينس امبرتو إيكو لأمكن إرجاع ما ذكر من النقص في التثبت إلى عدم التفريق بين ما هو ( ضروري ) في الملاسنة وما هو ( وضعي ) . لأنه يكفي أن يحصل تراكم معرفي في دراسة لغة معينة لكي تظهر مجموعة من المبادئ المنهجية المتماسكة . و إذا حصل مثل ذلك التراكم حول لغة أخرى أدى إلى نفس النتيجة و إن لم يحصل اتصال فاقتراض .
يلزم عن المثبت في الفقرة السابقة أن كثرة الدارسين للغة المعينة تقود إلى ضرورة تفسير أوصافهم لها ، أو تعليل أحكامهم عليها ، ولا تفسر أو تعليل بغير الانطلاق من مبادئ عامة
تحكم عددا معينا من الجزئيات ، ( التعميم من المبادئ الضرورية التي لا يخلو منه حقل معرفي ) . والعلل متصاعدة إلى فرضية العمل الأولي التي تعتبر مصدرا لاشتقاق ما دونها من المبرهنات المتنازلة ، ولا اشتقاق بغير مبدأ الانسجام الضروري لكل عمل معرفي . أما الاقتصاد في الجهد أو مبدأ الخفة فهو طبعي في الإنسان المجبول على التحرك نحو التحرك نحو الأسهل كما عبر عنه الفارابي بقوله : " فتنهض نفسه إلى أن يعلم أو يفكر أو يتصور أو يتخيل أو يتعقل كل من كان استعداده له بالفطرة أشد و أكثر ، فإن هذا هو الأسهل عليه "( 17 ) . ولذلك لجأ نحاة العربية إلى مبدأ الخفة لتعليل الكثير من الظواهر المنتمية إلى مختلف مكونات اللغة ومستوياتها ، وسوف يطول الحديث بإيراد نماذج منه . ( 18 ) الأوراغي 2
نخلص ما سبق إلى أن التـأريخ لهجرة الأفكار اللغوية يجب ألا يدخل في الاعتبار المنتمي إلى الضروري . كالمبادئ التي نسبها لاينس إلى بانيني ، وعنه صارت إلى غيره من لغويي هذا العصر ، ومن قبيل الضروري المفسر بالواقع المنعكس في اللغة ، التقسيم الثلاثي للكلم المعلل بالواقع في قولهم : " الكلمة جنس تحته هذه الأنواع الثلاثة لا غيره... ودليل الحصر أن المعاني ثلاثة : ذات ، وحدث ، ورابطة للحدث بالذات . فالذات الاسم ، والحدث الفعل ، والرابطة الحرف ... ولا يختص انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب، لأن الدليل الذي دل على االانحصار عقلي ، والأمور العقلية لا تختلف باختلاف اللغات " ( 19 ) . معنى هذا أن كل من تأمل في اللغة باعتبارها نسقا رمزيا سينتهي لا محالة إلى ذكر للأقسام الثلاثة بصورة أو بأخرى . لذا لا يجوز أن يعزى التقسيم الثلاثي بصورة أو بأخرى . لذا لا يجوز أن يعزى التقسيم الثلاثي إلى لغوي بعينه ونقله إلى غيره المعاصر له أو المتأخر عنه .
يلزم عما تقدم أن تنحصر الملاسنة المتغايرة في " الوضعيات " باعتبار هذه الراسمة تتناول كل ما يضعه لساني من المفاهيم الإجرائية منتميا إلى نظرية معدة لوصف اللغة . يمكن توضيح هذا الصنف بمثال " العامل " بوصفه مفهوما إجرائيا يتنمي إلى فص يتولى ، داخل نظرية للنحو ، مهمة إسناد العلامات المعربة عن الأحوال التركيبية .
ينشأ العامل عن قيام علاقة تركيبية بين عنصرين ، أحدهما عامل يجلب الحالة فعلامتها للآخر القابل لهما ، وهو بهذا المعنى ينسب إلى سيبويه ، بحسب المتوفر من كتب النحو المنشورة وقد يرفعه مختص في تاريخ النحو العربي إلى أحد المتقدمين عليه ( 20 ) وبهذا المعنى انتقل العامل ، عن طريق معربين كيوسف عون وغيره إلى نظرية العمل والربط لشومسكي( 21 )مع فارق لازم عن اختلاف النحوين المترتب عن اختلاف اللغتين ، إذ يتحدث كل من سيبويه وشومسكي عن أحوال تركيبية واحدة كحالة الرفع وحالة النصب وحالة الجر ( 22 ) وبما أن الأخير يصف لغة من النمط التركيبي سيضطر إلى الحديث عن مبدأ الجوار القاضي بأن يكون العمل رأس مركب عجزه معموله ، ولا يشترط ذلك سيبويه ، لاهتمامه بلغة من النمط التوليفي ، إلا في حالة الجر ، لأن الجار ومعموله مركب واحد . وإذا كان الفعل المتعدي في نحو سيبويه يجلب حالة الرفع للفاعل وحالة النصب للمفعول فإن هذا العامل في نحو شومسكي لا يجلب إلا حالة النصب للمفعول . أما حالة الرفع فيجلبها الفاعل صرفة الزمن المتضمنة لأمارة المطابقة اللاصقة بالفعل ، وما ذكرناه هنا قليل من كثير لأن الغرض والقصد توضيح الملاسنة المتغايرة في الوضعيات بالتمثيل .
2 . 1 .2 - الملاسنة المتوافقة :
يأتلف هذا النوع مع السابق ( 2 . 1 .1 ) في الاهتمام برصد ميلاد الأفكار النحوية وملاحقة تنقلها بين المشتغلين داخل ميدان اللغة ، ويختلف معه في كون الأول يلاحق هجرة الأفكار وانتقالها بين نحاة يدرسون لغات متغايرة ، بينما الثاني يتتبع أفكار نحاة يتوافقون في دراسة لغة واحدة . لتحديد هذا الفرع بمثال يمكن أن نقتفي ثنائية الكلام والقول في لغويات العربية، أو نزيد عليها المفهوم من الاستثناء المتصل والمنقطع .
( أ ) ثنائية الكلام والقول :
هذه الثائية تداولها نحاة العربية بالمعنى المعبر عنه بقول ابن ملك في ألفيته :
كلامنا لفظ مفيد كاستقم واسم وفعل ثم حرف الكلــم
واحده كلمة والقول عـم وكلمة بها كـــــــلام قد يؤم
من محتوي البيتين يعني هذا المبحث كون الكلام يصدق على ما كان من الألفاظ مستقلا بالفائدة لا يفتقر إلى غيره ليتم معناه . بينما القول يستغرق المفيد وغير المفيد من الألفاظ المركبة.
تمييز الكلام و القول استينادا إلى علاقة الانتماء القائمة بين خاص ( الكلام ) وعام ( القول)، أسسه ابن جني ( 23 ) ثم انتشر في كتب النحو بعده ، ويظهر مما ختم به الباب أنه لم يكن يريد من إطلاق الكلام على المفيد من اللفظ التام ، و إطلاق القول على الناقص والتام سوى الرد على المتكلمين ونقد تصورات فرقهم للكلام على الخصوص .
و إذا كان لابد من كلمة تفصل بين التصورين للثائية فإن النظرة الفاحصة لتكشف عن كون النقاش الدائر بين المتكلمين في مسألة خلق القرآن أساسه العلاقة القائمة بين الدال
والمدلول، أو اللفظ والمعنى . المعتزلة ( 24 ) لا يجوزون وجود المعنى مع عدم اللفظ لما بينهما من التعلق .
فأطلقوا الكلام وأرادوا به ملامسة المعاني المنظومة للصوتيات المتراكبة تركيبا متدرجا غير مستويات اللغة . وبما أن الأشاعرة ( 25 ) يجوزون إمكان الفصل بين الدال والمدلول انتفى المانع من إطلاق الكلام على المعاني المنتظمة قبل أن تلامسها الألفاظ المعبرة عنها .
يهمنا ذكر حديث المتكلمين عن تصورين للكلام متوازنين ، إذ يطلقه بعضهم ويريد به وجه العبارة الحسي الملابس لوجهها المعنوي ، ويقتصره آخرون على الوجه المعنوي قبل أن تباشره الألفاظ المعبرة عنه . فحصلنا بذلك على وجود وجهين متوازيين متطابقين ، أحدهما دلالي معنوي يكون سببا للآخر الصوتي الذي يكون دليلا على السابق . على الوجه الدلالي المجرد يطلق نظار من مختلف الحقول المعرفية اسم الكلام ، وعلى الوجه المعنوي يطلقون اسم القول ولما بينهما من موازنة والمطابقة يتم أحدهما بتمام الآخر وينقص بنقصانه .
على علاقة الموازنة المثبتة بين الكلام والقول يحمل وصف سيبويه (26 ) لهما لا على علاقة الانتماء كما أوله ابن جني في الموضع المشار إليه من كتابه الخصائص ثنائية الكلام ولا قول ، كما حدد سيبويه قطبيها ، يمكن استثمارها على نطاق واسع لمعالجة مسائل لغوية ، وهي على النقيض من ذلك في تصور ابن جني ، إذ لم يثبت أن لوحظ استعمالها في غير موضعها ، وهو ما يدل على كونها مشكلا مغلوطا هب ابن جني إلى اختلافه لإخراج آراء المتكلين من الملاسنة المتوافقة ، كما يظهر بوضوح من قوله : " قد علمت بذلك تسعف المتكلمين في هذا الموضع ، وضيق القول فيه عليهم حتى لم يكادوا يفصلون بينهما ، والعجب ذهابهم عن نص سيبويه فيه ، وفصله بين الكلام والقول ، ولكل قوم سنة و إمامها " ( 27 ) .
بما تقدم يتضح دور الملاسنة في الكشف أولا عن التأثير المتبادل بين الأنظار النحوية أيا كانت اللغة أو اللغات المدروسة . وثانيا عن كيفية تسرب الخطـأ إلى المفاهيم النحوية المغلوطة
التي تثقل النحو ، الأمر الذي يقضي بإقصائها ، و إعادة صوغها صياغة واردة .
( ب ) الاستثناء المتصل المنقطع :
الاتصال و الانقطاع في الكتاب من رواسم الإعراب ، لا يستعملها سيبويه إلا لوصف إعراب التابع . إذا قامت علاقة التبعية بين متراكبين احتمل التابع الاتصال ، إذا طابق إعرابه إعراب المتبوع ، والانقطاع إذا لم يطابقه ، كما يتضح من المقارنة بين الجملتين المواليتين :
(1 ) ما حضر المدعوون إلا خالد
( 2 ) ما حضر المدعوون إلا خالدا
بما أن للخاص ( خالد ) بعد ( إلا ) إعراب العام ( المدعوون ) قبلها كان الاستثناء في الجملة (1) متصلا ، وهو الجملة ( 2 ) منقطع ، لأن العامل ( حضر ) لما انشغل بالعمل في العام ( المدعوون) قطع امتداد أثره إلى الخاص ( خالدا ) بعد ( إلا ) ، وبذلك يكون الانقطاع وصفا لمركب ناظر مركبا آخر حالة تركيبية لا علامة إعرابية ، ويكون الاتصال وصفا لمركب ناظر آخر حالة تركيبية لا علامة إعرابية .
ولا يحصل الاتصال أو الانقطاع ، كما تحدد ، إلا بتوافر شرطين أولهما : قيام علاقة الانتماء الواجبة (28 ) بين العام أو المستثنى منه والخاص أو المستثنى ، لأن وجوب الانتماء أساس بنية ( إلا ) الاستثنائية . وثانيهما شغل العامل بذكر العام وقد نفي عنه ما أدخل فيه الخاص . لأنه بغير مثوله لا شيء يشغل العامل عن التسلط مباشرة على الخاص بعد ( إلا ) ، كما يظهر من الجملة ( 3 ) .
( 3 ) ما حضر إلا خالد .
وبعد المثول العام ، كما في الجملة ( 3 ) ، تنتفي التبعية أساس الاتصال أو الانقطاع . مع المبرد ( 285 هـ) بدأت ثنائية الاتصال تأخذ معنى جديدا يستند إلى أساس دلالي ( 29 ) ، يمثل في علاقة الانتماء ( ) ، أو عدمها ( ) . فإن انتمى الخاص بعد ( إلا ) إلى العام قبلها كان الاستثناء متصلا بغض النظر عن إعرابهما ، و إذا لم ينتم إليه فهو منقطع ، وعليه فإن الاستثناء من الجنس متصل ومن غير الجنس منقطع ( 30 ) ، وبهذا المعنى وصلا إلى ابن السراج ( 316 هـ) الذي يرتكز هو الآخر ، من أجل التفريق بينهما ، على العلاقة الدلالية القائمة بين المفردات المعجمية قبل أن تتراكب في بنية قولية على صورة الاستثناء ( 31 ) ، ثم إلى الزمخشري ( 538 ) ، وغيره ممن جاء بعده .
ولم نهتد إلى نحوي أو بلاغي أو أصولي ، ممن رجعنا إلى أعمالهم ، أهمل المفهوم الثاني للثنائية المؤسس على علاقة الانتماء الدلالية أو عدمها ، وذلك من أجل إحياء مفهومها الأول القائم في كتاب سيبويه على امتداد إعراب المتبوع إلى تابعه أو انقطاعه ، وهو ما يعبر عنه بوضوح إذ يقول : " هذا باب النصب فيما يكون مستثنى بدلا ...يقول : ( ما مررت بأحد إلا زيدا ) و ( ما أتاني أحد إلا زيدا ) . وعلى هذا ( ما رأيت أحدا إلا زيدا ) ، فتنصب ( زيدا ) على غير ( رأيت ) . وذلك أنك لم تجعل الآخر بدلا من الأول ولكنك جعلته منقطعا مما عمل في الأول ( 32 ) . و إذا اتضح مفهوما الثنائية تعين المرور إلى المفاضلة بينهما ما لم يكن لقطبيهما معان فرعية استأثرت باهتمام ناظر .
قبل النظر فيما يترجح به أحد المفهومين يحسن أن نجمل القول ، مع الكشف المباشر عن وجه الخلل ، في مفاهيم أخرى فرعية انفرد الأصولي ون بإسنادها إلى هذه الثنائية . أحدها ينسب إلى أبي الحسين البصري ( 33 ) ، إذ يطلق الاسثتناء المتصل على الإنجاز المتواصل لبنيته ،
بحيث ينتجها المتكلم دفعة واحدة ، و إذا أنجز الحملة قبل ( إلا ) في زمان أول وباقي البنية في زمان ثان فالاستثناء منفصل أو منقطع ( 34 ) ، وقد بين في الوضع المشار إليه من كتابه أنه لا يجوز في حق المتكلم العادي إلا المتصل فقال : " الاستثناء غير مستقل بنفسه فهو كالخبر إذا تأخر عن المبتدأ شهرا ، لم يستفد به السامع شيئا ، فكذلك الاستثناء المتأخر " ، وبإبطاله المنقطع المنجز في زمانين لم يبق مبرر لذكر الثنائية بهذا المفهوم في إطار الملاسنة المتوافقة .
أما القرافي ، وهو من مؤسسي العلاقة الدلالية بين المفردات المعجمية ، فقد احتفظ براسمة المتصل للاستثناء من الجنس ، لكنه وسع ليشمل ، 1 ) على صورة الاستثناء من غير علاقة الانتماء مثل قولهم ( ما رجع الجند إلا دبابة ) ، (2 ) أن يسند إلى ما قبل ( إلا ) غير ما يسند إلى الذي بعدها و إن كان من جنسه ، كما في ( ما رجع الجند من المعركة إلا ضابطا هرب ) ، والقسم الأخير الذي أضافه القرافي ( 35 ) يسهل إبطاله ، لأن ( إلا ) في نسق الاستثناء يقع بعدها المفرد أو ما حكمه من الجملة المعمولة : ( أي التي يكون لها محل من الإعراب ) .
2 .1 .3 - المفاضلة بين المفاهيم المتنافسة :
بعد أن سردنا ما عثرنا عليه من المفاهيم المغمورة لثنائية المتصل والمنقطع ، حيث أن التاريخ للعلوم يقتضي أيضا الاستقراء التام لفروع الفكرة المرصودة ولتلويناتها ، تعين المرور إلى المرحلة الأخيرة من الملامسة المتوافقة المتمثلة في مسألة المفاضلة بين مفهومي الثنائية الشهيرين ، هذه المرحلة تكتسب مشروعيتها من مقدمة معرفية يمكن أن نقول في التعبير عنها:
( 4 ) إذ تكون رأيان متغايران حول موضوع معين كان أحدهما خاطئا أو كان الصواب في غيرهما معا .
لكن المفاضلة بين مختلف الأنظار المتنافسة للاستئثار بالموضوع المعين تفيد إذا تقيدت بقواعد منهجية مضبوطة ، نذكر منها :
( 5 ) إذا تعارض مفهوما ثنائية رجح القائم على أساس جامع المستند إلى أساس فارق.
وعليه فإن قائل الاستثناء من الجنس منقطع يستند إلى علاقة الانتماء أو عدمها أساس فارق بين العطف وعدمه وليس أساسا جامعا بين قسمين من العطف ( 36 ) ، يترتب عن المثبت هنا أي مفهوم لا يتفرع إلى نفسه و إلى نقيضه .
بخلاف ما تقدم فإن العنصرين المتراكبين بعلاقة الانتماء الماثلين في بنية الاستثناء يشكلان أحد وجوه التبعية ، وكل تابع يحتمل أن يوافق بإعرابه متبوعه ، فيكون متصلا به ، و أن يخالفه فيكون منقطعا عنه . إن علاقة الانتماء تضمت للأداة ( إلا ) معناها الوضعي وتمنعها من التقارض ( 37 ) . حتى إذا تكون الاستثناء ومثل في بنيته العام قبل أداته " إلا " والخاص بعدها نشأ
أساس جامع يسمح بالانتقال إلى تفريع المفهوم الذي يستند إليه ، فنحصل على المتصل ،وهو الاستثناء المنفي المشغول الذي يتبع فيه الخاص بعد " إلا " العام قبلها من جهة البدل ، وعلى المنقطع : وهو الاستثناء المنفي المشغول الذي فيه الخاص بعد " إلا " عن تبعية العام قبلها ن حيث العلامة الإعرابية .
( 6 ) إذا نشأ حول موضوع ميعن رأيان متغايران قدم الملحوظ في ظواهر أخرى على القاصر الذي لا يتجاوز موضعه .
استنادا إلى الضابط المصوغ في العبارة ( 6 ) فإن مفهوم الثنائية المؤسس على علاقة الإعراب يفضل المفهوم الآخر المستند إلى العلاقة الدلالية ، لأن الأول ملحوظ أيضا في غير الاستثناء ، كالبدل (38 ) ، والنعت( 39 ) ، والعطف (40 ) . بخلاف الثاني فإنه لم يعثر على استعماله خارج الاستثناء .
( 7 ) ما يفسر بمبدأ عام مقدم على منافسه غير المؤصل .
عملا بالقيد ( 7 ) فإنه يمكن إرجاع اتصال الإعراب في بنية الاستثناء المنفي المشغول أو المنقطع إلى عاملين تداولي ، فنقول : إذا شكل العام قبل " إلا " محط اهتمام المتخاطبين وجب القطع ، كما توضحه الجملة (2 ) السابقة ، ( ما حضر المودعون إلا زيدا ) ، وإذا كان الخاص بعد " إلا " محط اهتمامهما وجب الاتصال ، وهو ما توضحه الجملة ( 1 ) المعادة هنا ( ما حضر المدعوون إلا زيدا ) . وبهذا العامل التداولي نتجنب أيضا ما يذهب إليه نحاة من جواز رفع المستثنى ونصبه في مثل هذه الحالة ( 41 ) . لكنه لا يمكن إرجاع الاتصال أو الانقطاع الدلالي إلى مبدأ عام ، يمكننا من إيجاد مبرر بعدول المتكلم عن الاستثناء من الجنس ولجوئه إلى الاستثناء من غير الجنس ، وعدم وجود مبدأ عام يناط به الاتصال والانقطاع الدلالي دليل آخر على فساد هذا المفهوم ونجاح منافسه .
( 8 ) اضطراب المبني على الفاشل من المفهومين المتنافسين يومئ إلى انسجام المبني على الناجح منهما .
يلزم عن تطبيق القيد الأخير من منهجية المفاضلة ظهور خطابين متباينين . أحدهما يتناول المفهوم الفاشل : من مميزاته اضطراب عباراته ونبو كلماتهما . بخلافه الخطاب الآخر المتميز ، لارتباطه بالمفهوم الناجح ، بوضوح العبارة وتوافق معاني مفرداتها وانسجام الأفكار. من أمثلة الخطاب الأول قول المبرد في وصف إعراب المركب بعد ( إلا ) في قوله : ما جاءني أحد إلا حمارا " ... فوجه هذا وحده النصب ، وذلك لأن الثاني ليس من نوع الأول فيبدل منه فتنصبهه بأصل على منعى لكن (42 ) . من مظاهر الاضطراب في عبارة المبرد نذكر: 1 ) لا مركب ينصب بأصل الاستثناء ، إذ كل ما ينصب فعلى تمام الكلام أو بعامل جملي ( 43 ) . 2 ) قوله ، " فتنصبه بأصل الاستثناء على معنى ولكن " ينقض مبدأ ثابتا لا يتخلف أبدا ، عبر عنه ابن النحاس ونقله عنه السيوطي فقال : " كل ما تضمن ما ليس له في الأصل منع شيئا مما له في الأصل (44 ) " بمعنى إذا خرج عنصر إلى باب غيره منعه ذلك أن يكون له عمل بابه ، بمقتضى هذا المبدأ الفعل ( قال ) ر يعمل في مكونات الجملة وهو في بابه ،كما في ( قالوا هذه أنعام ) ، لكنه إذا خرج إلى باب ( ظن ) عمل ، كما في ( أتقول العقل نقمة ) .
ومن مظاهر اضطراب الخطاب المتناول للمفهوم الفاشل قول ابن السراج " وليس منهاج الاستثناء المنقطع منهاج الاستثناء الصحيح ( 45 ) . ألفاظ هذه العبارة نابية قلقة لأن التقابل يكون بين الصحيح والخاطئ لا المنقطع إلا إذا كان بمعناه ، وأن كلمة الاستثناء لا تطلق على بنية إلا توافرت فيها جميع شروط صحتها ، وفي هذه الحالة لا مبرر لتقييد اسم البنية بوصف صحيح ، ولا تطلق أبدا على بنية ليست على منهاج الاستثناء ، ولذلك ما ستعمل سيبويه قط كلمة الاستثناء في الباب الذي تناول فيه تراكيب استعملت فيها ( إلا ) بمعنى ( لكن ) لانعدام علاقة الانتماء .
وتزداد حدة الاضطراب في الخطاب المتناول للمفهوم الفاشل في ثنائية الاتصال والانقطاع مع ابن الناظم في شرحه لألفية أبيه ( 46 ) إذا احتفظ بعلاقة الانتماء لكلا القسمين، وجعلها في المنقطع تقوم بين متراكبين يدل أحدهما بالمفهوم (47 ) ، وهي في المتصل قائمة بين متراكبين دالين بمطوقهما ، وهم بجعل لكلا القسمين أدوات خاصة ، وجرد " إلا " و «لكن " من التقارض و التعاوض . و إلى هاتين الأداتين يرجع لوصف بنية بالاستثناء أو الاستدراك بشرط أن تتراكب فيها ألفاظ تدل بالمفهوم . وهكذا تحتمل الجملة (9 ) الآتية الاستثناء والاستدراك تبعا لتعاقب أداتيهما عليها .
( 9 ) لاعيب فيكم إلا أقلامكم جفت
لكن
وهذا أمر لا يجوز النسق إذ يمنع أن يتوارد العنصران في موقع معين من البنية وهما بمعنى.
ولعل ما قدمناه هنا كاف للوقوف على أهمية الملاسنة المتوافقة ، بوصفها عملية تتعقب أفكار للكشف عن شعبها ، وتحللها لاستكناه أصولها ، وتقارن بين المتغاير لتعيين مواطن الخلل في ضعيفها ، وجوانب القوة في الوارد منها ، وبذلك لا غير يحصل للملاسن صناعة النحو .
2 . 2 - الملاغاة
سبق أن بينا أن الملاغاة ممارسة تنظر إلى اللغة بوصفها مادة للتحليل التاريخي إذ تلاحق بنيتها المتحولة ، وتتعقب تطورها في الإتجاهين للكشف عن العوامل المسؤولة عن انسلال نسق لاحق من سابق ، وتحديد المندرس من وقائع النسق مقرونا بعلة اختفائه و ظهور بديله الذي يعوضه . إذن، من المباحث الرئيسية في الملاغاة تحديد أسباب عدم استقرار اللغات .
أسباب تغيير اللغات في تصور من سبق ( 48 ) يمكن تجميعها في صنفيين :
1 ) أسباب خارجية ، كالزمن و إن كان من العوامل الضعيفة التـأثير إذ لم يربط بالعامل الثاني الذي هو الاستعمال المرتبط بالجماعة التي تمارس العمل اللغوي تكلما ودراسة؛
2 ) أسباب داخلية ترجع إلى محرك واحد يتمثل في الطابع الوضعي للغة المتحقق في العلاقة الاعتباطية بين الرمز ومدلوله.
تبدل اللغة، كما جاء في المقال المشار إليه في الطرة ( 48) ، لا يحدث بإرادة المتكلمين، ولا يحصل دفعة واحدة، إنه يحدث في مجال الكلام الفردي، ومنه يصير إلى اللغة، وهو يمس نقطا بعينها في النسق ليتسرب بناء على مبدأ التساند إلى غيرها لكن كيف يمكن الاهتداء إلى المتغيرات في اللغة.
سبق أن ذكرنا أن تحول الوقائع وانتقالها عبر أطوار متلاحقة ينفلتان للملاحظة، لأن حدوث أي تغيير ببنية اللغة لا يقع تحت أعين المتلاغين، ومع ذلك يمكن التماس الجديد في النسق عن طريق المقارنة بين الاستعمال الآني للغة كما هي متصورة في أذهان المتكلمين بها وبين وصفها السابق المدون في كتب النحو. بالمقارنة بين حاضر اللغة وماضيها تنكشف قطعها المتآكلة المعوضة بأخرى حديثة، ويظهر المستعمل في نسقها الحالي بديل المهمل المنتمي إلى نسقها السابق. وكأن تطور وقائع اللغة يخضع لمبدأ التطارد، بحيث يؤدي بزوغ عنصر نسقي جديد إلى أفول الطريد.
بقي أن نثير في هذا التمهيد للملاغاة أسئلة تخص أنماط التغيير الذي يلحق اللغة، أولها يمس أصوات اللغة باعتبار هذا القطاع من أكثر فصوص اللغة قابلية للتغيير غير الإداري. فتعايشت فيه التصويتات (49) الوظيفية بجانب بدائلها المجردة من الوظيفة، سبب القابلية المذكورة كون فص الأصوات الأكثر ارتباطا بالإنجاز الفردي للغة، وفيه تنعكس الاستعدادات الطبيعية للمتكلمين باللغة المعنية. إذن اختلاف الأمزجة وأعضاء جهاز التصويت البشري عامل فعال في تغاير أصوات اللغات وتبدلها. وقد قارن الفارابي (50) اختلاف الأمزجة بأصل الخفة فكون منهما سببا قويا يولد تنويعا في أصوات اللغة وتبدلا.
وبموازاة أصوات اللغة يأتي معجمها من حيث القابلية للتغيير، لكن التغيير هذه المرة إرادي بحكم ما ينشأ لتوسيعه من مؤسسات التعريب والترجمة. والازدهار التغيير في قطاع المعجم تكونت لغة خاصة بوصف حركة مواده، كالمولد، والدخيل، والمعرب، والنقل أو استئناف الوضع، وفي مقابل هذه الأصناف نجد الضعيف، والمنكر، والمتروك، والشوارد، والنوادر، والمهمل(51) .
ولاشتداد العلاقة بين المعجم من جهة وقطاعي التصريف والتركيب من جهة أخرى فإن التغيير الذي يمس دلالة معجمية قد يسبب في تسريب التغيير إلى فصي التصريف فالتركيب، وهذان المكونان أقل تأثيرا بعوامل التغيير.
مصادر البحث
( أ) باللغة العربية
- أبو البركات الأنباري، نزهة الألباء في طبقة الأدباء، القاهرة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، 1386 هـ.
- أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، دمشق، المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية، 1385 هـ.
- أحمد المتوكل، دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1406 هـ.
- ابن جني، سر صناعة الإعراب، دمشق، دار القلم، 1405 هـ.
- المصنف ، القاهرة، البابي الحلبي، 1373هـ.
- الخصائص، القاهرة ، دار الكتب، 1371 هـ.
- ابن خلدون ، المقدمة، القاهرة، بولاق، 1274 هـ.
- ابن السراج، الأصول في النحو، بغداد، مطبعة سلمان الأعظمي، 1393 هـ.
- ابن فارس ، معجم مقاييس اللغة، القاهرة، البابي الحلبي، 1389 هـ.
- ابن الناظم، شرح ألفية ابن مالك، بيروت، دار الجيل، دون تاريخ.
- ابن هشام، مغنى اللبيب، دمشق، دار الفكر، 1384 هـ.
- شرح شذور الذهب، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، دون تاريخ
- ابن يعيش، شرح المفصل ، بيروت، عالم الكتب، دون تاريخ.
- سيبويه، الكتاب، بغداد، مكتبة المثنى عن بولاق، 1316 هـ.
- علي بن يوسف القفطي، إنباه الرواة على أنباء النحاة، القاهرة، دار الكتب، 1369 هـ
- الأسنوي، نهاية السول في شرح منهاج الأصول، بيروت، عالم الكتب، 1982.
- الجويني، الإرشاد إلى قواطع الأدلة من أصول الاعتقاد، القاهرة، مطبعة السعادة، 1369هـ.
- الزجاجي ، الإيضاح في علل النحو، بيروت، دار النفائس، 1399 هـ.
- الزمخشري، المفصل في علم العربية ، القاهرة، مطبعة حجازي، دون تاريخ.
- السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، دون تاريخ
- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، القاهرة، البابي الحلبي 1384 .
- لباب النقول في أسباب النزول، بيروت ، دار إحياء العلوم، 1400 هـ.
- الأشباه والنطائر، مجمع اللغة العربية بدمشق، دمشق، 1406 هـ.
- الغزالي ، المنخول من تعليقات الأصول، دمشق، 1390 هـ.
- الفارابي، إحصاء العلوم، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1968 .
- كتاب الحروف، بيروت، دار المشرق، 1969.
- القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، دون تاريخ.
- القرافي ، الاستفتاء في أحكام الاستثناء، بغداد،وزراة الأوقاف والشؤون الدينية، 1402 هـ.
- المبرد، المقتضب، القاهرة، لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1399 هـ.
- محمد الأوزاغي، اكتساب اللغة في الفكر العربي القديم، الرباط، دار الكلام 1900.
- إعراب الناسخ الحرفي، ضمن مجلة كلية الآداب، الرباط، عدد 19 سنة 1994.
( ب) بغير العربية :
Anika L., Jacques Lacan, Buxelles, 1977.
Austin J.L, Qaund dire c’est faire, seuil, Paris , 1970.
Bloomfield L, le language, payot, Paris 1970.
Buridand C., définition de la diachronie, linguuistique génétique, PUL, 1988.
Chomsky N., La Linguistique cartésinne, Seuil, Paris, 1966.
Théorie du gouvernement et du liage, Seuil, Paris, 1991.
Engler E, L’apport de Genéve, linguistique génétique, PU. de lille, 1988.
Peeters C, Grammaire historique et linguistique génétique, PUL, 1988.
Seorle J.R., les actes de language, Herman, Paris,1972.
Umberro E. La recherche de la language parfaite, Seuil, Paris, 1994.
Wunderlil. P., Saussure et la diachronie, linguistique génétique, PUL, 1988.
1 ) للتوسع في العلاقة بين ولادة اللغة ومفارقة الواقع لدى الطفل انظر الفصل الثاني من كتاب Anika L . Jacques Lacan , p . 99.
( 2 ) رائد هذه المدرسة أستين ورسول ، في صف منهجية الأول مقدمة كتابه : Quand dire c’est faire ما مفاده " لأستين منهجية ، بل وسيلة لإدرك الوقائع والظواهر ، أو تججربتنا الواقعية إنه يطرق اللواقع من جهة اللغة العادية ... فلسفة ترمي من وراء تناول اللغة دراسة الواقع . وردد الثاني في مواضع غير قليلة من كتاب Les Actes du Langage أن موضوع فلسفة اللغة الواقع ومنهجيتها اللغة "
( 3 ) مثل الكلام المثبت أعلاه يتكرر في أغلب كتب شومسكي الكثيرة . يكفي القارئ غير المختص كتابه La l’in guistique cartésienne لتكوين فكرة واضحة عن الأمحاء الفلسفبة .
( 4 ) من خلال المقارنة بين دراسة تلاحقية diachronie و أخرى تزامنية syn chronie ، أثبت انكلر أن اللغة موضوع لتحليل تاريخي وليست موضوعا لتحليل مجرد ، للمزيد من التفصيل أنظر : R. Engler , . .
L’ apport de Genéve , pp . 115 - 141 , dans La linguistuque génétique , Histoire et théories .
( 5 ) اعتبر ابن خلدون وغيره من المفكرين العرب " للغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة ... وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها " المقدمة ، ص 285 ، انظر أيضا الفارابي ، إحصاء العلوم ، ص 111 وكل صناعة فهي " ملكة نفسانية تصدر عنها أفعال إرادية بروية تنحو تماما مقصودا ، ابن سينا ، البرهان ص 192 .
( 6 ) راجع فيما أثبتاه أعلاه C. buridant , Définition de la diachronie , dans la Linguistique génétique .
(7) قديما تنبه إلى ما للغويين من تأثير في التعجيل بتغيير فقال في تحديد مهامهم بعدما وصف عدتهم المعرفية : فهؤلاء هم الذين يتأملون ألفاظ هذه الأمة ويصلحون المختل منها، ينظرون إلى ما كان النطق بع عسيرا في أول ما وضع فيسهلونه، وإلى ما كان بشيع المسموع فيجعلونه لذيذ المسموع... وينظرون إل أصناف التركيبات الممكنة في ألفاظهم، والترتيبات فيها،ويتأملون أيها أكمل دلالة على تركيب المعاني في النفس وترتيبها ...فتصير عندها ألفاظ تلك الأمة أفصح مما كانت، فتصير عندها ألفاظ تلك الأمة أفصح مما كانت، فتكمل عند ذلك لغتهم ولسانهم، ثم يأخذ الناشئ هذه الاشياء عن السالف، كتاب الحروف، ص.144.
(8) للمزيد من التفصيل الأول من كتاب J. Lyons , Linguistiques FGénérale.
(9) لتحديد الفوارق بين بعض الرواسم أعلاه أنظر
hritian peetrs, « Grammaire Histotique et Linguistique » dans La linguistique génétique, pp.67-72.
(10) للمزيد من التوضيح أنظر ص 24 من كتاب Eco Umberro, La recherche de la Langue Pzrfaite.
(11) علل ابن فارس إطلاق لفظة العرب على الناطقين بالعربية، ولفظة على الناطقين بغيرها فقال : "العجم الذين ليسوا من العرب ...كأنهم لم يفهموا عنهم سموهم عجما ...والعين والراء والباء أصول ثلاثة : أحدهما الإبانة والإفصاح ...فـأما الأمة التي تسمى العرب فليس ببعيد أن يكون سميت غربا من هذا القياس، لأن لسانها أعرب الألسنة وبيانها أجود البيان".
(12) المتعاقبة ( أ) في المثال (1) الأصول لفظا ومعنى للشقائق ( ب) المفترضة.
1) (أ) ...Fort , Chef, Chien... .
(ب) Cadour, Caid, Clebs.....
( 13 ) للتوسع في موضوع أنظر كتابي لاينس وشومسكي الآتيين Lyons , Linguistique générale ; Chomsky , La linguistiqque cartésienne
( 14 ) انظر النص بكامله في كتاب الإيضاح في علل النحو للزجاجي ، ص 66 .
( 15 ) الملاغاة ، ومعاودة واستمرار لمدلول الجذر ( ل غ و ) ، وتصدق على كل دراسة تلاحق تطور الوققائع اللغوية عبر الزمان . وهمس المقابل العربي لراسمة Diachronie في محاضرات سوسر .
( 16 ) انظر الفصل الأول من كتاب Leonarol bloofied ,Le Language
( 17 ) الفرابيي ، كتاب الحروف ، ص . 134 .
( 18 ) استعمل ابن جني مبدأ الخفة في تعليل عدد كبير من الظواهر الظرفية . إذ به فسر إهمال ما أهمل من الألفاظ ( الخصائص ج 1 ، ص 54 ) ، وامتناع تراكيب التصويتات المتولدة عن أبنية تتشكل في حيز واحد كالحلقيات ( ابن جبي ، المرجع السابق ، وسر صناعة الإعراب ، ج 1 ، ص 75 ) ، وامتناع اجتماع ساكنين في الوصل ( ابن جني ، المنصف ، ج 1 ص 10 . للاستزادة من النماذج المذكورة انظر محمد الأوراغي ، اكتساب اللغة في الفكر القديم ، ص . 141 .
( 19 ) ابن هشام ، شرح شذور الذهب ، ص . 21 .
( 20 ) أرخ الكثير من المفكرين العرب العلماء ، كل في مجال تخصصه ، ولكنهم غفلوا عن التاريخ للعلوم ، فلم يهتموا برصد ميلاد الأفكار في حقل معين وملاحقة تنقلها بين المشتغلين داخله اهتمامهم برجالات العلم . أهمل التاريخ للغة العربية وعين بتسجيل الحياة الثقافية والاجتماعية لعلماءها ، دكر الألباني النجاة متلاحقين من غير أن يحدد سهم كل واحد ، وصدر كتابه بأول من وضع شيئا من النحو ،وهو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وختمه بذكر شيخه ابن الشجري . وجاء سيبويه حلقة في سلسلة النجاة إذ أخذ النحو " عن الخليل بن أحمد ، و أخذالخليل عن عيسى بن عمر ، وأخذه عيسى بن عمر عن بن أبي إسحاق ، و أخده بن أبي إسحاق عن ميمون الأقرن، و و أخده ميمون الأقرن، عن عنبة الفيل ، و أخذه عنبة الفيل عن أبي الأسود الدولي ، وأخده أبو الأسود عن أمير المومنين علي عليه السلام " أبو البركات الأنباري ، نزهة الألباب ، ص . 406 ، وللقفطي طريق آخر ، إذ دكر أن سيبويه أخذ عن الخليل عن أبي عمرو بن العلاء عن نصر بن عاصم عن أبي الأسود عن علي ، أنظر كتا