البلطجي وانتهاك حرمة المسلم
الشيخ علي آل زايد - الأربعاء 30 آذار/مارس 2011
الأصل في حرمة انتهاك المسلم
إن للمسلم حرمة متأصلة في الدين، لا يجوز لأي أحد التعدي عليها أو تجاوزها، فلا يصح انتهاك ماله أو عمله أو جسده أو غير ذلك مما يضاف إليه، وقد ذكر الفقهاء قاعدة تسمى قاعدة الاحترام، وهي تعني أن مال المسلم وعمله محترمَين لا يجوز الاعتداء عليهما. وقد أستدل على مدرك هذه القاعدة من الروايات موثقة أبي بصير عن أبي جعفر قال : (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه. )) ، وموضع الشاهد فيها هو قوله: " وحرمة ماله كحرمة دمه ".
الآثار الإيجابية لهذه القاعدة
الجواب: إن لهذه القاعدة آثاراً إيجابية من جملتها إعطاء الإنسان منزلة تليق بشخصه، لأن التجاسر في انتهاك المال المضاف إلى شخص مسلم يعد إهانة عليه مرتين، مرة من جهة إنسانيته، ومرة أخرى لكونه منتمياً لدين الله، وعدم تقدير عمله بمثابة الاستخفاف بذاته أيضاً. فتكون المحصلة أن هضم الحقوق المالية والعملية يعد هضماً لكرامة الإنسان نفسه، بل انتهاكاً صارخاً لحرمة دم المسلم، كما صرح بذلك الرسول صلى لله عليه وآله وسلم في قوله: "وحرمة ماله كحرمة دمه " وعليه فالقاعدة تؤكد بأن المال والعمل المرتبطان بالإنسان المسلم له احترام جلل في شريعة الإسلام، وأن المساس بهما سلباً يعد انتهاكاً واضحاً بحق الدين الإسلامي ويجب تداركه فوراً.
دفع توهم في المقام
ولعل قائلاً يقول: إن الأفكار والمضامين السابقة هي عين الصواب ولا نقاش فيها، بيد أن أمراً يلوح في الأفق ربما غاب عن البال، مفاده: أن أي عنصر لا يعطي قيمة لدم الإنسان المسلم إن هذا العنصر لن يعي معنىً لهذه الآثار!! وأن أي منتهك لحقوق البشر لا يسعه الإصغاء لمثل هذا المنطق! وأن من يتجاسر بالجور والحيف على الآخرين، لن تظفر في قاموس قلبه مصطلح الرحمة أو وخز الضمير سواء كان المجني عليه مسلماً أم كافراً؛ فتكون المحصلة بعد صحة ما تقدم: الجزم بعدم استيعاب هؤلاء لما يحاك لهذه القاعدة المحترمة من تداعيات وآثار!!
ودفع التوهم بالتالي: إن الاعتراض السابق في محله، وأن القول المنبسط على تمامه، إلا أن هذا البيان المتقدم ليس موجهاً بالذات لمن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء عن سبق إصرار وترصد، وإنما هو موجه لمن لم تتلوث يده بعد بدماء البشرية فضلاً عن المسلمين، أو اتسخت ولكن بلا عمد أو تجري. وإن كان على رغم استبعاد ما ذكر، إلا أنه قد يقال هنا: لا حتم لتلك التصورات، ولا محال في المخالفة! فقد يتأثر بالنصيحة حتى من كان على شاكلة ما وصف! فربما تنفذ الكلمة إلى قلب أحدهم فتستيقظ من سباتها وغفلتها نفسه!
حكم المتجاسر على سلب الممتلكات
إن حكم من يتجاسر على سلب الممتلكات والأموال والحقوق حكم قطاع الطرق واللصوص، الذين لا يعيرون أهمية لحقوق الناس، وربما وصلت بهم الدناءة إلى درجة الإفساد في الأرض، فيتضاعف بهم الوزر ويشتد عليهم العقاب، وقد أشار إلى جزائهم القرآن المجيد في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ .
فهؤلاء المجرمون هم أشرار هذه الأمة، يجب تقديمهم إلى ساحة العدالة، ليأخذوا جزاءهم الذي يستحقونه، ويردوا إلى كل ذي حق حقه. ومن يتجاسر منهم باقتراف جريمة قطع أو قتل فإن جزاءه العادل يكون بحسب جرمه كما ورد ذكره في القرآن الكريم، قال الله عز وجل: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، ثم أن جزاء القاتل عن عمد ليس منحصراً بما يستحقه من عقاب في دار الدنيا، بل له عقاب آخر ينتظره في الآخرة، إذ قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ .
البلطجيون هل يشملهم الحكم السابق؟!
الجواب: نعم. وما الذي يمنع هؤلاء من انبساط الحكم عليهم؟! فهم ليسوا فوق القوانين السماوية، ولا الدساتير الأرضية المتفق عليها بين الأمم، فهم بشر كغيرهم من الناس لهم ما للناس وعليهم ما على غيرهم، فهم بالتالي سواسية في الحكم الإلهي والدولي، وبالتعبير الفقهي يمكن القول بضرس قاطع أن هؤلاء ليسوا بخارجين عن دائرة الحكم القضائي لا تخصصاً ولا تخصيصاً.
البلطجي مجرم وقاسي القلب؟!
وهنا نتساءل عن البلطجيين الذين يوغلون في النهب والقتل، ألا يعرف هؤلاء خطورة ما يقدمون عليه؟! ويمكن القول في سياق الإجابة: إن العناصر التي تحمل الهروات والخناجر والسيوف، وربما المسدسات واستهداف العزل من الناس بالضرب والركل والقتل، وتعمد إلى المحلات والممتلكات بالتخريب والتدمير هؤلاء قد نزعت من قلوبهم الرحمة، وقد رأينا بعضهم قد وصلت بهم الدناءة إلى دهس الناس بالسيارة، أو دهس من هو على شفير الموت دون رادع أو زاجر!!
وأما ما يجري في غياهب السجون على أيدهم فأدهى وأمر، ولكن هذا التعذيب القاسي وإن غاب عن نظر الناس فداحته، إلا أن الله على دراية به، وعن قريب تكشف الأستار وتنجلي الحقائق وسينتقم الله من الظالمين والله شديد الانتقام.
خلفية القائمين بالأعمال البلطجية
وإذا تأملنا في خلفية هؤلاء الذين يقومون بأعمال البلطجة لعرفنا سر تجاسرهم على ارتكاب الحرام أو تماديهم في الإجرام، فهؤلاء الأشخاص في واقعهم ليس لديهم مبدأ يركنون إليه أو وازع يلجمهم، حتى وإن أطلقت عليهم مسميات جميلة كقوات مكافحة الشغب أو معاوني أجهزة الأمن، أو الجيش السري للدولة، أو المغاوير أو ما أشبة، فكل هذه المسميات وجوه متعددة لعملة واحدة ما داموا يحملون ذات المواصفات التي يحملها البلطجي، والبلطجي هو أحد أشخاص ثلاثة:
إما مرتزق ظالم: وهذا الفرد من الناس لا يعرف من الثقافة إلا ثقافة الدينار والدرهم، فهو حاضر أن يقوم بأي فعل وإن كان يعد في دستور الإنسانية جرماً أو في شريعة السماء ذنباً مقابل مال ولو كان زهيدا. فالمرتزقة هم إما يعيشون تحت خط الفقر فيسقطون تحت إمرة من يقدم لهم المال فيلوثون قلوبهم بالأعمال الإجرامية التي يقومون بها، أو هم مجموعة من المجرمين ليس في عقولهم مفهوم سوى الطاعة لمن يقدم لهم المال وكفى.
أو معاند آثم: وهذا الفرد وإن كان يعي خطورة ما يقوم به إلا أن العصبية العمياء، تدفعه إلى ارتكاب أفدح الحماقات! فهو لا يرى أمامه إلا أعداء للمجتمع وأعداء للخليقة وأعداء للدين، فهو في أعماق نفسه يعيش جهلاً مركباً فهو جاهل ويجهل بأنه جاهل.
أو جاهل غاشم: لا يعلم بأن الذي يسفك دمه أو يهتك عرضه هو ممن حرم الله دماءهم وأعراضهم، فهو مصداق لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾، ويكرس الجهل في هذا الإنسان كثرة ما يسمعه ممن حوله ممن يظن أنههم يهدونه سبيل الرشاد، وهم الظلمة وأعوانهم، قال تعالى:﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ . وقد تتوفر هذه الصفات كلها أو جلها في شخص ليكون باطشاً عنيداً في خصمه.
أعوان الظلمة هم سر ظاهرة البلطجية
إن هؤلاء القائمين بالأعمال البلطجية لا يحتويهم ويحتضنهم إلا من كان على وفق سريرتهم في الجرم والخطيئة، فلا يعقل أبداً أن شخصاً تقياً يقرب إلى مجلسه هؤلاء فضلاً عن الاستعانة بهم لقتل الناس وتعذيبهم مهما كانت الدواعي والأسباب. نعم من كان منافقاً أو مجرماً فإنه لا غنى له عن الاستعانة بالمجرمين أمثاله، ليقوموا بمؤازرته والدفاع عنه مقابل دراهم معدودة أو مناصب موقوتة.
فيؤتى بهؤلاء المجرمين من السجون أو يتصل بهم، فهؤلاء المجرمون لا يخفون عن عيون أجهزة المخابرات لكل دولة ظالمة، ليستفاد منهم في الأزمات الحادة، للقضاء على خصومهم، فيؤتى بهؤلاء إلى معسكرات خاصة، أو قاعات مغلقة ليقوم المشرفون بإعدادهم بعملية غسيل الدماغ، من أجل الاستماتة في الدفاع عن النظام القائم، وإيهامهم بأن العمل المناط بهم هو عمل مقدس، وأنهم يقومون بعمل جبار يرضي ساسة البلاد والعباد، وهم بذلك يرضون الله ورسوله، فيدفعونهم إلى إيقاع الأذى بكل مخالف للنظام وإن كانت مطالبه شرعية أو موافقة القوانين الدولية!
وربما صبغ أعوان الظلمة أقوالهم صبغة شرعية، فيقولون لبعض هؤلاء: يجب أن لا تأخذكم فيهم لومة لائم!! فإن هذا العمل الذي تقومون به عمل مأمور به شرعاً ويستشهدون مثلاً بقوله تعالى:﴿ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ !! مع أن الآية المباركة أجنبية عن هذا السياق، بل هي ناظرة إلى حكم الله في الزاني والزانية، تنكيلاً بهما لما اقترفا من جرم، حيث تقول الآية: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، وما أكثر هؤلاء الظلمة وأعوانهم الذين يستحقون هذا العقاب طبقاً للآية الشريفة.
أقول: فيظل هؤلاء المجرمون في معسكر الشحن إلى أن يؤتى بهم إلى المستهدفين، ليقوم هؤلاء الهمج بإزهاق النفوس وإراقة الدماء، ويعمدون في النهب والسلب والتعدي على الحرمات.
وفي ساعة المواجهة لا يعرف البلطجي ربه
أقول: وحين يقحم بالبلطجي في ميدان المواجهة، فإنه عند ساعة التنفيذ لا يفقه قاعدة احترام مال المسلم وعمله، ولا يعي تجريم أذية المسلم كما في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ ، ولا يدرك معنى قوله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ ، ولا يفهم معنىً لنهي النبي عن سفك دماء المسلمين حيث قال: (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) ، بل ولا يخشى من كل نص جاء محذراً من سفك الدماء!!
نسأل الله عز وجل أن يحمي جميع أبناء الأمة من كل معتدي آثم لا يخاف الله جلت قدرته، كما نسأله سبحانه أن يحفظ بلدان المسلمين قاطبة من كل عدوان جائر.