التحية الإسلامية.. سلام ورحمة وبركة
يقول
صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي عن أبي
هريرة رضي الله عنه: “إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن
يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة”.
هذا
الحديث النبوي الشريف يؤكد حرص الإسلام على ائتلاف القلوب واتحاد المشاعر
وتوفير الأمن وإشاعة روح الحب والإخاء بين كل الناس، مسلمين مع بعضهم
البعض، ومسلمين مع غيرهم. ومن أبسط صور التواد والتسامح بين المسلمين،
تبادل التحية عند اللقاء وعند الفراق، والتحية خلق إسلامي كريم له آثاره
الطيبة ونتائجه الكريمة بين الناس.
تواصل إنساني
والصيغة
الكاملة التي اختارها الله للتحية ورسم حدودها للمسلمين ليتعاملوا بها
فيما بينهم “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، يتبادلها المسلمون في
صباحهم ومسائهم، إذا تلاقوا أو تزاوروا أو مر بعضهم على بعض.
وقد
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم إذ دخل مجلسا أن يسلم على من فيه،
فإن هذه التحية تبعث الاطمئنان في قلوبهم، وتدل على تواضع قائلها ورغبته
الأكيدة في السلام والتعاون على الخير معهم، فإذا أراد أن يفارق مجلسهم
ألقى عليهم السلام أيضا، فليست التحية الأولى عند دخول المسجد، بأفضل وأهم
من إلقاء التحية على هذا المجلس عند مغادرته، فكل منهما له أثره في تقوية
الصلة وإدخال السرور إلى قلوب الناس، كما يشعر المجلس بأنه لايزال على
مبدأ السلام الذي دخل به، وأنه لم يفارقه كارها لهم ولا غاضبا عليهم.
وهذه التحية ذات أركان ثلاثة: السلام والرحمة والبركة.
أما
السلام فقد جعلت هذه التحية عنوانا لكل اتصال للإنسان بأخيه الإنسان حتى
يصير السلام أساسا لجميع العلاقات الإنسانية والاجتماعية.
والركن الثاني، وهو الرحمة، يهدف إلى التراحم والتواصل بين الأفراد والشعوب، والرحمة من نفحات السلام وأثر من آثاره.
والركن
الثالث، وهو البركة، ثمرة الركنين الأول والثاني: السلام والرحمة، فيوم
يتعامل الناس بهما يفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض.
آداب التحية
وقد
وضع الإسلام قواعد لتبادل هذه التحية بين المسلمين، فعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يسلم الصغير على الكبير
والمار على القاعد والقليل على الكثير”، وفي رواية لمسلم: “والراكب على
الماشي”، وذلك مراعاة لقواعد السلوك التي ينبغي أن تسود بين الناس والتي
لاحظ الإسلام أن يكون مبعثها الاحترام المتبادل بينهم، وعرفان المسلم حق
أخيه عليه وحقه على أخيه.
وقوله
صلى الله عليه وسلم: “يسلم الصغير على الكبير” لأن للكبير على الصغير حق
الكبر وتقدم السن، وذلك يقتضي أن يتواضع له الصغير ويوقره، ولو تعارض
الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الأصغر سنا أكبر مقاما وعلما، فالعبرة في
ذلك بالسن، قال صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر
كبيرنا”.
وقوله:
“ويسلم المار على القاعد” لأن القاعد قد يتوقع شرا من القادم عليه، فإذا
ابتدأه بالسلام ألقى إليه الأمان، فيأنس إليه ويتوقع الخير في لقائه، وذلك
أقرب لصفاء القلوب وأدعى لقضاء الحاجات، وقد تكون العلة في ابتداء المار
بالسلام أن القاعد قد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم فسقطت البداءة
عنه للمشقة عليه.
وقوله
صلى الله عليه وسلم: “ويسلم القليل على الكثير” لأن للجماعة فضلها
ورجحانها، ومن حق الفاضل على المفضول أن يعرف له منزلته وقدره، أو لأن
الجماعة لو ابتدأت بالسلام لخيف على الواحد الزهو حين يرى جمعا من الناس
يبادرونه التحية التي توحي بالتعظيم والتكريم فاحتيط له، ولو مر جمع كبير
على جمع صغير أو مر الكبير على من دونه في السن، فالعبرة في ذلك بالمرور،
قال النووي: يبدأ بالسلام سواء كان صغيرا أم كبيرا، قليلا أم كثيرا، فإذا
مر بطريق مزدحم أو سوق يختلط فيه الناس اكتفى منه بالسلام على البعض كيلا
يشغل عن الغرض الذي خرج من أجله، إذ لو سلم على كل من لقيه لفاته ذلك وخرج
من دائرة المألوف والعرف إلى دائرة التنطع الذي يرفضه الإسلام.
وقوله
صلى الله عليه وسلم: “ويسلم الراكب على الماشي” لأن الراكب في حالة يغبطه
عليها الماشي، فكان حقاً على الراكب أن يبدأه بالسلام إكراما له واحتياطا
على الراكب من أن يداخله الزهو لو حاز على الفضيلتين، أما إذا تلاقى
راكبان وماشيان فيبدأ الأدنى منهما على الأعلى قدرا في الدين إجلالا
لفضله، وإذا تساوى المتلاقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالابتداء
وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، كما ثبت في حديث المتهاجرين، وقد أخرج البخاري
في “الأدب المفرد” بسند صحيح من حديث جابر: “الماشيان إذا اجتمعا فأيهما
الذي بدأ بالسلام فهو أفضل”، وقد أخرج الترمذي من حديث أبي إمامة مرفوعا:
“إن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام” وقال: “حسن”، وأخرج الطبراني في
حديث له، قلنا يا رسول الله: إنا نلتقي فأينا يبدأ بالسلام، قال: “أطوعكم
لله تعالى”.