حسن التل يكتب: زغروتة للحزب الجديد
كتب - حسن بلال التل
مستغلا ظرفا يمر بي, فقد تعمدت الانقطاع عن كل ما له علاقة بالشأن المحلي طوال الأسبوع الماضي, فلم أقرأ مقالا ولم أتابع موقعا إلكترونيا, ولم أشاهد نشرة أخبار, ولم أقرأ خبرا سوى خبري تشكيل الحكومة ومجلس الأعيان.
وعندما عدت في هذه الجمعة وبدأت المراجعة والتتبع قفزت إلى ذهني فجأة أغنية للشيخ إمام رحمه الله إسمها (زغروته للحزب الجديد)..
فحالنا في الأردن حكومة وشعبا مطابق تماما لهذه الأغنية التي غناها إمام رحمه الله يوم تأسيس الحزب الوطني الحاكم في مصر, فعدا عن أن الأخبار في الاردن تتطور عموديا فقط لا أفقيا, أي ان الأمور في كل الشؤون كما هي من حيث عدم بروز أي قضايا جديدة, بل هي تغيرات أغلبها سطحي على القضايا العالقة, عدا هذا فإننا شعبا وحكومة وحكوميين ومعارضة, نعيش وفق نظرية إمام: زغروته للحزب الجديد.
وللبدء؛ أستغرب ويستغرب كثيرون حجم ما يظنه البعض قد حدث من (انقلاب) في حال (حزب الأردنيين الجدد) أو من يصفون أنفسهم بالأردنيين الأحرار, جاعلين كل من سواهم عبدا مكبلا بالسلاسل لمجرد أنه لا يتفق معهم, مع أن هؤلاء -عدا عن طموحهم السياسي المتضخم- لم يتغيروا في شيء عما كانوه قبل هذه الحركة "التحررية", فمن كان منهم عبدا للواسطة والمحسوبية ما زال كذلك, ومن كان منافقا متسلقا زاد تسلقا, ومن كان منعدم التحضر ولا يبالي ولو بمسائل غاية في البديهية والبساطة مثل عدم إلقاء النفايات في الشوارع ما زال كذلك.
لم يتغير شيء سوى انتفاخ أحلام النجومية والسلطة والبروز لدى معظمهم, إلا من رحم ربي. وعلى الجانب الآخر بقي أنصار الحكومات السالفة واللاحقة على ما هم عليه من تصفيق للقادم وتزمير وراء المنصرم, وتبجيل للجديد يتبعه تحقير للقديم, أيضا إلا من رحم ربي.
في يوم الخميس 13/10 وقبل أيام من رحيل حكومة الدكتور معروف البخيت التي رأيتها مظلومة حتى قبل رحيلها بأيام كتبت مقالا أقول فيه أن على الحكومة الرحيل على خلفية ما حدث من شغب وانهيار مطلق لهيبة وكيان الدولة على هامش التقسيمات البلدية, ثم رأيت أن لا أنشره حتى لا يعد ضربة في الظهر أو انقلابة في الموقف رغم أن الحديث كان أن الحكومة باقية, لافاجأ مساء الاحد الذي سبق استقالة الحكومة ومع أولى التأكيدات انها راحلة, بنشر عشرات المقالات من كتّاب كان بعضهم مدافعا عن ذات الحكومة, يطالبونها بالرحيل, بل ووصل الأمر ببعضهم الى تهديدها في حال لم ترحل, لأسباب كان عمر بعضها من عمر الحكومة بل وأكثر, ليبدأ هؤلاء ذاتهم ومنذ مساء الاثنين بتدبيج قصائد ومقالات غزلية من العيار الثقيل بشخص الرئيس الجديد وحكومته التي لم تحسم ملامحها الا بعد ذلك التاريخ بأسبوع, بل تبرع البعض بوصفها بالإنقاذية قبل أن يُعرف ولو اسم وزير واحد منها او ما هي خطتها وتوجهاتها, هذا مع كامل احترامي لشخص وتاريخ رئيسها الذي لا تشوبه شائبة, لكن الظاهرة مقلقلة ومحزنة الى حد مضحك مبك.
وعلى الجانب الآخر وبمجرد تأكد تكليف الرئيس الخصاونة بدأ المزمرون على الجانب الآخر بوضع العصي في الدواليب رغم أن اسم الرئيس المكلف كان على رأس قائمة الاسماء التي طالب بها هؤلاء أنفسهم لتشكيل الحكومة التي يريدون لتخلف البخيت, وظهرت مقالات تتحدث عن أن الرجل (مجرّب) سابقا ولا بد من دماء جديدة, دون أن يتكرم أحدهم ويتحفنا بأي مقترح لهذه الدماء الجديدة بما في ذلك أسماء وزراء الحكومة التي عاد هؤلاء لانتقادها بمجرد ظهورها بل وحتى قبل ذلك!! الخلاصة من كل ما سبق, أن من يريد التغيير عليه أمران، أولا: أن يغير من نفسه ويقوّم أمرها قبل أن يطالب غيره بالتغيير, وثانيا: أن يكون قادرا على رسم خطط وملامح واضحة لهذا التغيير المطلوب, فما الفائدة من صراخ الكثيرين (كنت احدهم) طوال عام مضى في الشوارع مطالبين بحكومة انقاذ لا يملكون من اسمائها اسم فرد واحد, ومطالبين بسياسات مالية جديدة لا يعرفون شيئا عن أبسط ابجدياتها؟!
وبالمقابل, من يفيد المطبلون من تطبيلهم لأمر هو في رحم الغيب؟ وهم أيضا لم يغيروا من أنفسهم شيئا ولا شروى نقير!!
أظن أن تجربتنا مع حكومة الدكتور معروف البخيت يجب أن تكون نقطة تحول في طريقة تعامل كل الاطياف مع الواقع السياسي الداخلي, حيث يجب علينا جميعا وبعيدا عن كل العصبيات والانتماءات والاطماع أن نعيد تقييم أنفسنا, ونعيد تقييم ما نريد وما نطلب وكيف نريد الوصول إليه وبأي ثمن؛ وأن نؤمن بالفرص الجديدة لأن البدائل ضيقة.
ولعل تسمية مسيرات هذه الجمعة بمسيرات (عظم الله أجركم) –وهو اسم مقلق ويحمل أبعادا غير محمودة- هو أكبر دليل على صبيانية مفرطة في تحريك الشارع, وإصرار غير مبرر على التصعيد ولو بغير سبب, فالحكومة لم تنته من تلقي التهاني, ونسبة محترمة من وزرائها كما كان حال وزراء البخيت غير مجربون, ومعهم رئيسها, واذا بقي الحراك على هذه الصورة من التعنت الأقرب الى العمى, فإنه سيدفع بالحكومة دفعا إلى أحضان المطبلين المنافقين, وسيجعلهم مستشارها الأمين, ولن يستفيد احد في الاردن إن بقينا راكضين وراء مثال إمام (زغروته للحزب الجديد) فيما نحن جميعا في واقع الحال لم نأت بجديد!!!