لم يتوفى الخبر اشاعة
بالغ الأَسَى والجَهْد في رثاء سمو ولي العهد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بالغ الأَسَى والجَهْد
في
رثاء سمو ولي العهدالحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي قضى القضاء، فكتب على نفسه البقاء، وعلى عباده الفناء، وقال في مُحكم التنزيل:
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ﴾ [الرحمن:26-27].
تفرد –سبحانه- بالدوام، وجعل الموت نهاية كل الأنام، وأصلي وأسلم على من قال فيه ربه –سبحانه-:
﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء:34]، وقال له –جلَّ وعلا-:
﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر:30]، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأتقياء الأنقياء، وصحبه
بُدُور الاهتداء، وأنجم الاقتداء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان مادامت الأرض
والسماء.
أما بعد:
فهذه زفراتُ مهموم، وأنَّاتُ مكلوم، ونفثات مصدور، تترجمها يراعٌ في سطور، حيث
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا شرقت بالريق حتى كاد يشرق بي
وإن الحديث عن فقد قامة شمّاء، وأفولِ شمسٍ بلجاء، ومفارقة يدٍ معطاء، لهو
خطبٌ عظيم، ومُصاب جلل جسيم، فقد فُجعنا بنبأ وفاة صاحب السمو الملكي، ولي
العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله رحمة الأبرار، وألحقه بعباده
الأخيار، وأسبغ عليه الرحمة والغفران، وأمطر على قبره شآبيب العفو
والرضوان، وجعل مستقره في أعلى الجنان، ورفع درجته في المهديين، وجعله مع
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
غاب عنا ولم تغب ذكراه طيب الله قبره وثـراه
أَرْيحي السِّمات طلق المحيا أبدًا يملأ القلوب هواه
أيها الإخوة الفضلاء: ومع فداحة المصيبة، وعظم الفجيعة، فلا نملك حيالها
إلا التسليم، والتدرع بالصبر والدعاء، والرضا بالقدر والقضاء، وعدم الجزع
والتسخط عند البلاء.
إنها سنة الله في الكون
﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب:62]، فالموت كأسٌ وكل الناس شاربه، تحسّى مرارته الأنبياء والأولياء، والعلماء، والزعماء، والنبلاء.
كلُّ حـيٍّ سيـموتْ ليس في الدنيا ثبوتْ
حركات سوف تفنى ثم يتلوها خفـوت
ليس للإنسـان فيـها غير تقوى الله قوت
أحبتي في الله: ولئن غاب عنا أميرنا المحبوب، وولي عهدنا المشبوب –رحمه
الله وطيب ثراه- في شخصه وذاته، فإنه لم ولن يغب عنا في أفعاله وصفاته،
فلله دره ماأجمل صنائعه، وما أجلّ مكارمه الباقية.
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات
لعمـرك ما وارى التـراب فعاله ولكـن وارى ثيـابًا وأعـظما
وخير من ذلك قول نبينا :"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
وإن آثاره خير ناطق وشاهد على قيامه بالأعمال الجليلة العظيمة في سجلٍ طويل
حافل، بأعمال البر والخير في الخارج والداخل، فقد أنشأ مؤسسة خيرية: هي
مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، وهي مؤسسة غير ربحية، أنشأها
وينفق عليها، لها أهداف إنسانية اجتماعية تتمثل في تقديم الرعاية الصحية
والتأهيل الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، وتقديم الرعاية
الاجتماعية لهم، كما أن لها أنشطة بارزة في دعم الأبحاث في مجال الخدمات
الإنسانية والطبية والعلوم التقنية، كما أسس لجنة الأمير سلطان بن عبد
العزيز الخاصة للإغاثة، وتهدف إلى تقديم خدمات إنسانية وإغاثية خارج
المملكة، مثل تسيير القوافل الإغاثية والطبية العامة لمكافحة الأمراض
الشائعة، ورعى مسابقة للقرآن الكريم في دول شرق آسيا والدول الإفريقية.
وأقام ~ العديد من المشروعات التنموية والاجتماعية والصحية، كحفر الآبار
وبناء المدارس والمكتبات العامة والمساجد والمستشفيات ومراكز غسيل الكُلَى،
وحرص على دعم الجامعات ومراكز الأبحاث، مثل جامعة الأمير سلطان الأهلية
بالرياض، وكراسي البحث العلمي التي تحمل اسمه في جامعات المملكة المختلفة
... وغيرها الكثير والكثير.
وهذا غيض من فيض، وقليل من كثير.
رَدَّت صنائعه عليه حياته فكأنه من نشرها منشور
وأنَّى لنا ندرك أعماله الخيرية أو نُحصيها، وقد لقب "سلطان الخير".
فإن يك أفنته الليالي فأوشكت فإن له ذكرًا سَيُفني اللياليا
ومع ذكر أعماله وَتَذَكُّر مناقبه تعظم المصيبة وتزداد الفجيعة لفقدنا هذا
الكنز الغالي، والهُمام العالي، ولكن من عظمت مصيبته فليتذكر مصيبته في
رسول الله ، فلم يعرف التاريخ مصيبة أعظم من فقد المصطفى .
وإذا أتتك مصيبة تشجى بها فاذكر مصابك بالنبي محمد
***
فلله ما أعطى ولله ما جزى وليس لأيام الرزية كالصبر
وأرى أن من حقه علينا ~ وقد فارق هذه الحياة أن أكحل عيني القارئ بهذه
المواقف التي أعرفها عنه شخصيًا، وللحقيقة والتاريخ فإنه يعلم الله أنني
ماأعرف أنني حدثته أو حدثه أحدٌ من أهل العلم والفضل في أمر يهم الإسلام
والمسلمين إلا رحب به وسر، ووعد خيرًا في تنفيذه، وما أذكر أنه رآني إلا
تهلل وجهه وهش وبش.
والحديث عن المواقف والذكريات مع الراحل كثيرة تجل عن الحصر، لكن لكاتب هذه
السطور بعض المواقف النبيلة مع سموه الكريم يحسن إيرادها بهذه المناسبة،
منها:
أنه في السنة الأولى التي عينت فيها إمامًا وخطيبًا في المسجد الحرام،
استضاف أصحاب الفضيلة أئمة المسجد الحرام بقصره العامر بمكة، وقد أثنى على
العبد الفقير وأبدى إعجابه ~ في حسن الصوت والتلاوة، مما كان له الأثر
البالغ والتشجيع في تحمل هذه المسؤولية العظيمة، وأذكر أنه في إحدى الخطب
التي ألقيتها في المسجد الحرام وكانت عن العلم، وجاء فيها التطرق للاهتمام
بمجالات العلوم المختلفة، ومنها العلوم العسكرية، حتى يكون للأمة القوة
الذاتية، فكان أن سمعت منه –رحمه الله- عبارات الثناء والإعجاب، بما يبعث
على الاعتزاز.
وعند لقائه ~ في الاحتفال بعيد الفطر المبارك يثني على ما يكون من دعوات في ليلة السابع والعشرين ودعاء ختم القرآن الكريم.
وكان من المواقف التي أعتز بها حينما شرفت بإدارة جامعة المعرفة برئاسة
سماحة المفتي العام للمملكة، وكان سموه الرئيس الفخري لهذه الجامعة، وأذكر
أنني ألقيت كلمة الجامعة، وقد استمع لها سموه وأبدى شكره وثناءه وإعجابه،
وقال ~: ما دام هذا الرجل هو مدير الجامعة، فهي جامعة مباركة –إن شاء
الله-.
هذا وقد شرفني سموه بالمشاركة مع الوفد السعودي لافتتاح مسابقة القرآن
الكريم، تحت رعايته، والتي تقام بإندونيسيا سنويًا، وقد أمر سموه بطائرة
خاصة للوفد تشجيعًا منه وتحفيزًا لأعمال الخير والبر.
وهكذا في سلسلة ذهبية من المواقف المشرفة اللألاءة، التي تَنِدُّ عن الحصر كانت حياته - رحمه الله رحمة واسعة.
فيا راحلاً عنا رحيلاً مؤبـدا عليك سلامُ الله ما الصبح أشرقا
إلى الخلد في دار البقاء منعما تروح وتغدوا في الجنان محـلقا
وإننا بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره لنرفع أحرّ التعازي، وأصدق المواساة
إلى مقام ولاة أمرنا -وفقهم الله- خادم الحرمين الشريفين -لازال موفقًا
مسددا ومن المولى مؤيدا- والأسرة الكريمة، وأبنائه وأحفاده وأبناء هذه
البلاد خاصّة، وأمة الإسلام عامّة، سائلين الله بأسمائه الحسنى وصفاته
العلى أن يلهم الجميع الاحتساب والصبر، وأن يعظم لهم المثوبة والأجر، ولا
يرى الجميع مكروهًا في عزيز لديهم، كما نسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته
العلى أن يرحم فقيدنا، ويجزيه خيرًا كفاء ما أبدى، ولقاء ما أسدى، وجزاء
ما قدّم وأعطى، وأن يجمعنا به في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.
وصدق الله العظيم القائل:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا
أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة:155-157]، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، والحمد لله على قضائه وقدره … إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون …
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
بقلم الأستاذ الدكتور/
عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس
إمام وخطيب المسجد الحرام،
وأستاذ الدراسات العليا الشرعية بجامعة أم القرى
==================
السديس: لئن غاب عنا أميرنا المحبوب فإنه لم ولن يغب عنا في أفعاله وصفاته[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]صحيفة الرياض مكة المكرمة - واس:
رفع إمام وخطيب المسجد الحرام وأستاذ الدراسات العليا الشرعية بجامعة أم
القرى الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس أحرّ التعازي، وأصدق
المواساة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود
وللأسرة المالكة ، وللشعب السعودي، وللأمة الإسلامية في وفاة صاحب السمو
الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير
الدفاع والطيران والمفتش العام - رحمه الله -, سائلا الله بأسمائه الحسنى
وصفاته العلى أن يلهم الجميع الاحتساب والصبر، وأن يعظم لهم المثوبة
والأجر، ولا يرى الجميع مكروهًا في عزيز لديهم.
وقال خطيب وإمام الحرم المكي "إن مع فداحة المصيبة، وعظم الفجيعة، فلا نملك
حيالها إلا التسليم، والتدرع بالصبر والدعاء، والرضا بالقدر والقضاء، وعدم
الجزع والتسخط عند البلاء"، وأضاف " ولئن غاب عنا أميرنا المحبوب، وولي
عهدنا المشبوب - رحمه الله- ، فإنه لم ولن يغب عنا في أفعاله وصفاته، فلله
دره ما أجمل صنائعه، وما أجلّ مكارمه الباقية وإن آثاره خير ناطق وشاهد على
قيامه بالأعمال الجليلة العظيمة في سجلٍ طويل حافل، بأعمال البر والخير في
الخارج والداخل، فقد أنشأ مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، وهي
مؤسسة غير ربحية، أنشأها وينفق عليها، لها أهداف إنسانية اجتماعية تتمثل
في تقديم الرعاية الصحية والتأهيل الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين،
وتقديم الرعاية الاجتماعية لهم، كما أن لها أنشطة بارزة في دعم الأبحاث في
مجال الخدمات الإنسانية والطبية والعلوم التقنية، كما أسس لجنة الأمير
سلطان بن عبد العزيز الخاصة للإغاثة التي تهدف إلى تقديم خدمات إنسانية
وإغاثية خارج المملكة، مثل تسيير القوافل الإغاثية والطبية العامة لمكافحة
الأمراض الشائعة، ورعى مسابقة للقرآن الكريم في دول شرق آسيا والدول
الإفريقية".
وأوضح الدكتور السديس أن سموه - رحمه الله - أقام العديد من المشروعات
التنموية والاجتماعية والصحية، كحفر الآبار وبناء المدارس والمكتبات العامة
والمساجد والمستشفيات ومراكز غسيل الكُلَى، وحرص على دعم الجامعات ومراكز
الأبحاث، مثل جامعة الأمير سلطان الأهلية بالرياض، وكراسي البحث العلمي
التي تحمل اسمه في جامعات المملكة المختلفة و غيرها الكثير.